أخبار المركز
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)

"ديمقراطية" البيانات:

نهج جديد لحل معضلة الإحصاءات العامة الأمريكية

07 فبراير، 2022


عرض: رشا رفعت

إن إتاحة إحصاءات رسمية دقيقة وسريعة وحديثة أمر أساسي لتحقيق نظام ديمقراطي عادل، فالأرقام تعكس قوة أو ضعف اقتصاد الدول. فعندما يتحدث المحللون عن قوة الاقتصاد الأمريكي أو حسابات الدخل القومي، فإنهم كثيراً ما يتحدثون عن الناتج المحلي الإجمالي، والذي يلخص ظواهر اقتصادية معقدة للغاية. وهناك مجموعة أخرى معروفة من الإحصاءات المستخدمة لوصف قوة الاقتصاد، كمستويات البطالة والعمالة، فنتائج التقرير الأسبوعي لمكتب إحصاءات العمل الأمريكي، يمكن أن يغير من السياسات الحكومية واتجاه الأسواق. بل، وكثيراً ما تفوز الحملات الانتخابية أو تخسر على أساس الإحصاءات. 

علاوة على ذلك، تعد الإحصاءات العامة ضرورة على مختلف مستويات المجتمع؛ لمساعدة الشركات الصغيرة على النجاح، وتخدم حتى العملية التعليمية سواء على مستوى المدارس أو أولياء الأمور أو الطلاب، وتُمكن البنوك المركزية من اتباع سياسة سليمة، ويتخذ المواطنون قرارات حياتية مهمة، وغيرها من الأمور.

تأسيساً على ذلك، تناقش الكاتبة جوليا لانا من خلال كتابها "إضفاء طابع ديمقراطي على البيانات Democratizing Our Data " حال المؤسسات الإحصائية العامة في الولايات المتحدة الأمريكية، مستعرضة المشاكل التي تعانيها تلك المؤسسات. ويعد هذا الكتاب نداء صحوة للأمريكيين لإصلاح الهيكل الإحصائي الفيدرالي، حيث تدعو الكاتبة لإحداث تغيير في النظام الذي تستخدمه الولايات المتحدة لإنتاج الإحصاءات العامة، مؤكدة أنها ليست دعوة لمزيد من التمويل؛ رغم أن قلة التمويل ساهمت في تفاقم الأزمة الحالية. 

وتحذر لانا من التباطؤ في إحداث التغيير التنظيمي المطلوب، خاصة مع سعي القطاع الخاص لإنتاج الإحصاءات بشكلٍ أسرع وأرخص من الحكومة الفيدرالية. هذا إلى جانب انخفاض مستوى مشاركة المواطنين، ومعدلات الاستجابة في المسوح العامة. وفي المقابل، سيفرض القطاع الخاص على المستخدمين أي تكلفة يتحملها السوق، مما يعطي ميزة للشركات والأفراد القادرين على الدفع، على عكس الشركات الصغيرة والباحثين عن عمل من ذوي الدخل المنخفض. وإن كانت شركات جوجل وأمازون ومايكروسوفت وآبل وفيس بوك (ميتا حالياً) استطاعت أن تقود العالم في استخدام البيانات من أجل تحقيق أرباح، فإن الولايات المتحدة تستطيع أن تعرض للعالم كيفية إنتاج البيانات من أجل الصالح العام.

معضلات الهيكل الإحصائي:

أكدت الكاتبة لانا أهمية البيانات التي تصدرها المؤسسات الإحصائية العامة مثل مكتب تعداد السكان الأمريكي ومكتب إحصاءات العمل، في تحقيق الديمقراطية والحفاظ على سرية وخصوصية بيانات المواطنين، لكن هذه المؤسسات باتت مثقلة بالتشريعات المقيدة، وتعتمد في كثير من الأحيان على التكنولوجيا القديمة، مع وجود مساحة ضيقة جداً للابتكار، كما أنها غير قادرة من الناحية الهيكلية على الاستفادة من التغييرات الهائلة في توافر البيانات وحاجة الجمهور إلى بيانات حديثة وسريعة لاتخاذ قرارات حياتية مهمة. الأسوأ من ذلك أن الوكالات الحكومية التي تنتج البيانات العامة لا تحصل على التمويل اللازم، إذ يجري تخفيض عدد الموظفين، ويبقى التمويل راكداً إن لم يكن مقطوعاً تماماً. 

وعلى الرغم من أن وضع الهيكل الإحصائي الفيدرالي الحالي مهلهلاً ومجزأ للغاية؛ فهو مستمر في ممارسة دوره بإنتاج بيانات باستخدام مقاييس ومناهج غير مستحدثة. وهذا لا ينفي وجود العديد من الموظفين الممتازين الذين يرغبون في إحداث التغيير، لكنهم يواجهون تحديات تنظيمية كبيرة تعوقهم عن تحقيق ذلك.

من المؤكد أن الوكالات الإحصائية الحكومية تلعب دوراً مؤثراً، فهي تمتلك قاعدة بيانات شاسعة على المستوى الوطني والتي يمكن استخدامها لتوحيد المؤشرات المحلية والإقليمية والتمكن من مقارنتها، إلى جانب قدرتها على التواصل مع العديد من الإحصائيين العالميين والاستفادة من خبراتهم في هذا المجال، بالإضافة إلى الخبرة الكبيرة للعاملين في مجال الدراسات الاستقصائية العامة لإنشاء مقاييس لفهم أعمق للسلوك الاقتصادي والاجتماعي الذي لا تستطيع الأنواع الجديدة من البيانات قياسه.

تجارب إحصائية ناجحة: 

أوصت الكاتبة لانا بإنشاء بنية تحتية جديدة للإحصاءات العامة، مقترحة تسميتها المختبر الوطني لبيانات المجتمع National Lab for Community Data (NLCD)، على أن تتم الاستفادة من التجارب الناجحة لكل من برنامج ديناميكيات صاحب العمل والأسرة الطولية Longitudinal Employer-Household Dynamics (LEHD)، ومعهد الأبحاث للابتكار والعلومIRIS) ) في جامعة ميشيغان، مع الحفاظ على العناصر المميزة للنظام الفيدرالي من الموثوقية الإحصائية والثقة والحفاظ على سرية وخصوصية البيانات.

وإذا نظرنا إلى تجربة كل من البرنامج LEHD ومعهد الأبحاث، سنجد بعض العناصر الرئيسية التي يجب توافرها لتأسيس بنية تحتية جديدة للإحصاءات العامة، ألا وهي: وجود هيكل تنظيمي مرن ومبتكر، قوة عاملة ماهرة بما يكفي للاستجابة لاحتياجات البيانات المتغيرة، وتصميم يستجيب لمصالح المجتمع المحلي. بالإضافة إلى أهمية التعاون مع الجامعات للبقاء في طليعة البحث والتطوير، وهذا ما أظهرته تجربة معهد الأبحاث الذي استطاع بناء مؤشر لقياس نتائج البحوث في مجال الإبداع، والقدرة التنافسية، والعلوم. مع الأخذ في الاعتبار أن المعهد استغرق وقتًا طويلاً للحصول على القياسات بشكلٍ صحيح، مما يدعو للتريث عند تأسيس مقاييس جديدة. 

نماذج مؤسسية فعالية: 

هناك نوعان من النماذج المؤسسية الحالية التي يمكن الاستعانة بها لتكون نبراساً لتأسيس بنية تحتية جديدة في مجال الإحصاءات العامة، تجمع هذه النماذج بين مساهمات الباحثين، وصانعي السياسات والوكالات الحكومية، وفي الوقت نفسه تستجيب للاحتياجات المتطورة للمجتمع.

- النموذج الأول هو نظام منح الأراضي الذي تم إنشاؤه في الولايات المتحدة الأمريكية لنقل الخبرة العلمية لأعضاء المجتمعات الزراعية المحلية. ويعد هذا النظام نموذجاً يمكن الاحتذاء به لتشكيل هيكل تنظيمي ناجح طويل الأمد، فهو يربط بين البحث والتدريس والممارسة. فقد تم إنشاء نظام Land Grant في عام 1862، عندما قدم قانون Morrill Land-Grant College الأموال للولايات المتحدة الأمريكية لتخصيص الأراضي للكليات المخصصة للزراعة والفنون الميكانيكية. 

وكان الهدف من ذلك تطوير نظام الزراعة وتمكين المزارعين من استخدام التكنولوجيا الحديثة ليكونوا أكثر إنتاجية إلى جانب إمدادهم بالأدوات والمعدات المطلوبة لتنفيذ الأفكار الجديدة، والتفاعل المباشر مع الخبراء والباحثين، والتعرف على الابتكارات الجديدة. وفي هذا السياق، يمكن أن يعمل المختبر الوطني لبيانات المجتمع على إنتاج تفاعلات بين الحكومات والمواطنين والجامعات، لتطوير البيانات، واختبار المقاييس الجديدة.

- النموذج المؤسسي الثاني هو نظام مركز البحث والتطوير الممول اتحادياً (FFRDC)، الذي يعمل على تزويد رعاتها بقوى عاملة مستقرة تتكون من مواهب فنية مدربة تدريباً عالياً لديها القدرة على معالجة المشكلات طويلة الأجل والمعقدة للغاية بدرجة عالية من الموضوعية. في هذا السياق، يمكن عمل نموذج المختبر الوطني للبحث وتطوير المعايير والأساليب والإجراءات في الوصول إلى البيانات وتخزينها وتوثيقها وإدارتها وحمايتها ونشرها التي تتمتع بدرجة عالية من القواسم المشتركة عبر الولايات القضائية والمراكز.

تأسيس مختبر وطني:

اقترحت الكاتبة أن يجمع المختبر الوطني لبيانات المجتمع NLCD بين أفضل عناصر كلا النموذجين المؤسسيين معاً. إذ سيحتاج المختبر إلى هيكل تنظيمي وطني على نطاق واسع مع الاتصال بالمجتمعات المحلية، تماماً مثل، نموذج نظام منح الأراضي، كما سيحتاج الهيكل إلى التركيز على بناء أحدث أنشطة البحث والتطوير استجابةً للمشكلات المعقدة، إلى جانب الحاجة إلى وسائل تمويل حتى تتمكن الوكالات الفيدرالية والمحلية من دعم البحث والتطوير. 

ويمكن أن يكون لـلمختبر الوطني ثلاث بؤر، تمثل مجموعات أصحاب المصلحة الثلاثة التي ستشكل منظمـة مترابطة شبكيـاً:

• سيكون التركيز الأول محلياً؛ المراكز الجامعية والمؤسسات الحكومية المحلية، لضمان أن يكون لها جذور مجتمعية ديمقراطية، وتتمتع الوكالات الإحصائية بالفعل بصلات قوية مع دوائرها الانتخابية والجمعيات المهنية الراسخة ويمكن للمختبر الوطني لبيانات المجتمع NLCD البناء على تلك الروابط. وقد تتشارك مدارس السياسة العامة أو التعليم أو العدالة الجنائية لتوفير مصادر جديدة لرأس المال البشري المُدرَّب لكلٍ من وكالات المدينة والقطاع الخاص. 

• وسينصب التركيز الثاني على ضمان القابلية للمقارنة على الصعيد الوطني، وهذا يستلزم بناء آلية لوضع معايير وطنية وإنشاء بيئة آمنة بحيث يمكن لحكومات الولايات والحكومات المحلية وأصحاب المصلحة الآخرين الحصول على طريقة فعالة وآمنة لدمج ومقارنة بياناتهم. يمكن أن تكون هذه الآلية هي دور الحكومة الفيدرالية، فيمكن تكليف الوكالات البرامجية مثل إدارتي العمل والصحة والخدمات الإنسانية بدعم تطوير معايير مشتركة بين الولايات في إدارة برامجها الحكومية، إلى جانب تكليف الوكالات الإحصائية بوضع معايير للمقارنات بين الدول بالإضافة إلى معايير الجودة الإحصائية حتى يعرف الجمهور المقاييس التي يجب الوثوق بها. 

• سيكون التركيز الثالث هو ضمان تحقيق الابتكار. على أن تكون هناك آلية يتم من خلالها مكافأة المختبر الوطني لبيانات المجتمع NLCD لتطوير أفكار جديدة، وإيجاد بيانات جديدة، وإصدار مقاييس جديدة. على هذا النحو، يجب أن يتم تصميم نموذج العمل الخاص بالمنظمة بحيث يكون لديه تمويل من خلال المنح والعقود كجزء من تدفق الإيرادات. 

وترى الكاتبة أن المختبر الوطني لبيانات المجتمع NLCD سيوفر أحدث الاستراتيجيات التقنية والإشراف البشري المدروس والفحص لتحسين الخصوصية وحماية الاستخدام بشكلٍ كبير، حيث تم بالفعل تطوير مجموعة متنوعة من الآليات الموحدة لمواقف سرية مختلفة قد تتعرض لها؛ بدءاً من إلغاء تحديد الهوية، إلى الآليات المستخدمة للتشويش على البيانات، مع آليات التصديق على المستخدمين الآمنين، والتحليلات الآمنة. 

ومن المهم – وفقاً للكاتبة - توسيع هذه الآليات وتحسينها باستمرار، كما يمكن معالجة العقبات القانونية، التي غالباً ما تظهر باسم السرية عندما لا توجد طرق الحماية الحالية، مع زيادة الأمان من خلال تطوير المزيد من القوالب الحديثة التي يمكن استخدامها على نطاق واسع. والأهم من ذلك، أنه ستتم هيكلة حوكمة المختبر الوطني لبيانات المجتمع NLCD لضمان مدخلات أصحاب المصلحة، والتي من المحتمل أن تكون على غرار هيكل إدارة المحور والعقدة الناجح الذي تستخدمه ومعهد الأبحاث للابتكار والعلومIRIS) ).

ختاماً، يقترح هذا الكتاب نهجاً جديداً للاستفادة من الإحصاءات العامة. فالكاتبة تحتفظ بأفضل عناصر الهيكل الإحصائي الفيدرالي الحالي وما تتضمنه من الثقة، والمهنية، والاستمرارية ـ بينما تنتزع أسوأ العناصر، وعلى رأسها البيروقراطية والصرامة. وهي تقترح إعادة هيكلة لإنشاء نظام يقوم على إنتاج إحصاءات عامة مفيدة على جميع المستويات؛ الاتحادية، الولاية، والمحلية، إلى جانب تمكين قوة العمل الحكومية من الابتكار استجابة لاحتياجات المجتمع الجديدة، بالإضافة إلى إنشاء منظومة موثوق بها تكون محفزة للاستجابة للطلب المجتمعي. 

وفقاً لذلك، سيتم تأسيس المختبر الوطني لبيانات المجتمع وذلك من خلال الاستفادة من نظام FFRDC كنموذج للبحث والتطوير والتمويل، والاستفادة من جامعات Land Grant كنموذج للتدريب والتنسيق والتوعية. ستوفر البنية التحتية البيانات بحيث يمكن بناء الأدلة بطريقة مفتوحة وشفافة وديمقراطية. 

المصدر:

Julia Lane, Democratizing Our Data, The MIT Press, Cambridge, Massachusetts, London, England, 2020.