أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

تعقيدات متزايدة:

تداعيات سيناريو انسحاب "توتال" من مشروع حقل بارس الجنوبي

14 يناير، 2018


أبرمت الحكومة الإيرانية، بعد الوصول للاتفاق النووي مع مجموعة "5+1"، اتفاقات أولية ومذكرات تفاهم مع شركات أجنبية مختلفة لتطوير حقول النفط والغاز بالبلاد، تمثل أهمها في الصفقة التي تم توقيعها مع شركة "توتال" الفرنسية لتطوير المرحلة 11 من حقل بارس الجنوبي، بما يعمل على دعم القدرات الإنتاجية لإيران وتعزيز جهودها للتحول إلى مركز لتصدير الغاز في المستقبل.

ورغم التطورات الإيجابية السابقة، إلا أن تنفيذ مشروع "توتال" واجه صعوبات عدة في الفترة الأخيرة، أهمها ارتفاع مستوى العقوبات الأمريكية على إيران بسبب برنامجها للصواريخ الباليستية، وعدم إقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالتزام إيران بالاتفاق النووي، وهو ما جعل الشركة ترجح إمكانية الانسحاب من السوق الإيرانية مجددًا في حال فرض عقوبات جديدة، بشكل يمكن أن تسعى بعض الشركات الروسية والصينية إلى استثماره لسد الفراغ المحتمل في المشروع. 

مرحلة جديدة:

اكتسب قطاع النفط والغاز الطبيعي الإيراني اهتمامًا كبيرًا من قبل المستثمرين الأجانب في أعقاب الوصول للاتفاق النووي، حيث اندفعت شركات النفط العالمية إلى توقيع اتفاقات أولية ومذكرات تفاهم مع الحكومة الإيرانية لتطوير حقول النفط والغاز، قد تتحول بدورها لصفقات مؤكدة ومربحة في المستقبل.

وفي نقطة تحول هامة لتطوير قطاع الغاز الإيراني، وقعت الحكومة الإيرانية مع مجموعة "توتال" الفرنسية صفقة محورية في يوليو 2017، ستتولى الشركة بموجبها تطوير المرحلة 11 في بارس الجنوبي الذي يساهم بنحو 40% من احتياطيات إيران من الغاز الطبيعي البالغة 33.5 تريليون متر مكعب في عام 2016 أى بنسبة 18% من الاحتياطيات العالمية.

 وبموجب الاتفاق، ستكون "توتال" المُشغِّل الرئيسي للمشروع بحصة قدرها 50.1% إلى جانب شركة النفط والغاز الصينية "سي إن بي سي" المملوكة للدولة بحصة 30%، والشركة الإيرانية "بتروبارس" بحصة 19.9%. ومن المتوقع أن يضيف المشروع ما يصل إلى مليارى قدم مكعب يوميًا على أن يتم ضخه في السوق المحلية الإيرانية بداية من عام 2021.

ويأتي مشروع "توتال" كامتداد لخطوات إيرانية ملموسة في العام الماضي تهدف إلى استغلال احتياطيات حقل بارس الجنوبي، حيث أقرت الحكومة، في إبريل 2017، تطوير المراحل من 17 إلى 21 في الحقل بقيمة 20 مليار دولار، وذلك من أجل زيادة إنتاجه بنحو 500 مليون قدم مكعب يوميًا مع انتهاء تطوير كافة مراحله.

وبموجب خطة التنمية (2016-2020)، تطمح الحكومة في مضاعفة إنتاج الغاز الطبيعي ليصل إلى 360 مليار متر مكعب بحلول عام 2020 مقابل 202.4 مليار متر مكعب حاليًا، وذلك في محاولة لتلبية الاحتياجات المحلية المتزايدة من الخام وتعزيز عائدات التصدير.

ومنذ رفع العقوبات الاقتصادية على إيران، أشار العديد من المسئولين الإيرانيين، في أكثر من مناسبة، إلى اتجاه الدولة نحو التحول إلى مركز لتصدير الغاز لعدد من الدول المجاورة أو أوروبا، حيث من المخطط، بحسب شركة النفط الوطنية الإيرانية، تصدير 128 مليار متر مكعب في السنوات القادمة، بما يجعلها من كبار موردي الغاز في العالم.

وفي الوقت الحالي، لا تتجاوز صادرات إيران من الغاز نحو 8.4 مليار متر مكعب، في حين أنها تستورد كميات تبلغ نحو 6.9 مليار متر مكعب من تركمانستان وأذربيجان لإمداد بعض أنحاء البلاد بالخام، التي لا تمتد إليها شبكة توزيع الغاز المحلية. ومع ذلك، فإن خطط التصدير الطموحة قد تعرقلها احتياجات السوق المحلية المتزايدة من الغاز، بعد أن تضاعف الاستهلاك المحلي ليصل إلى 200 مليار متر مكعب حاليًا من 102.7 مليار في عام 2005 أى بمعدل نمو تجاوز 8% سنويًا.

عقبات محتملة:

رغم رفع العقوبات الاقتصادية على إيران منذ نحو عامين، إلا أن كثيرًا من المستثمرين الأجانب أبدوا حذرًا شديدًا في بدء أعمال جديدة بالسوق الإيرانية، ويعود ذلك لعدة أسباب أهمها اتجاه الإدارة الأمريكية الحالية إلى تشديد العقوبات الأمريكية على مؤسسات داخل إيران، لا سيما الحرس الثوري، بسبب برنامج الصواريخ الباليستية، فضلاً عن رفض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في أكتوبر الماضي، التوقيع على التزم إيران بالاتفاق النووي، وهو ما يعزز من إمكانية اتجاه الكونجرس، خلال 3 أشهر أو أكثر، إلى توقيع عقوبات جديدة على إيران.

وعلى ما يبدو، فإن هذه الإشارات السلبية سببت ارتباكًا لبعض الشركات التي وقعت اتفاقات فعلية مع الحكومة الإيرانية ومنها الشركة الفرنسية "توتال"، وهو ما دفع باتريك بويان الرئيس التنفيذي للشركة إلى القول، في نوفمبر الماضي، بأن الشركة ستمتثل لأية قوانين تلزمها الإدارة الأمريكية أو الكونجرس بالانسحاب من إيران، على نحو قد يضطر الشركة للبحث عن آلية سلسة للخروج من الاتفاق في الشهور المقبلة.

في الوقت نفسه، يأتي التخارج المحتمل للشركة الفرنسية في سياق تصاعد التوتر بين فرنسا وإيران مؤخرًا بسبب قلق الأولى من تبعات برنامج الصواريخ الباليستية ومن السياسات الإقليمية لطهران في منطقة الشرق الأوسط. ومن وجهة نظر الحكومة الإيرانية، فإن عدم التزام "توتال" باتفاقها مع الحكومة الإيرانية سيكبدها خسائر كبيرة، حيث قال وزير النفط الإيراني بيجن زنجنه، في 22 نوفمبر 2017، أن شركة "توتال" ستخسر جميع استثماراتها إذا انسحبت من اتفاق تطوير حقل بارس الجنوبي.

لكن في واقع الأمر، ربما تكون خسارة "توتال" لاستثماراتها في السوق الإيرانية أقل من تكاليف عدم الالتزام بالعقوبات الأمريكية، حيث من المحتمل أن تعرقل تنفيذ استثماراتها الكبرى في الأسواق الأوروبية أو الأمريكية. وفي ظل الاعتبارات السابقة، يمكن القول إنه إذ لم تنسحب "توتال" من السوق الإيرانية، فإنها ستقود، على أقل تقدير، إلى تباطؤ تنفيذ الجدول الزمني الخاص بمشروع تطوير حقل بارس الجنوبي.

   فضلاً عن ذلك، يبدو أن مناخ الاستثمار في إيران يواجه تحديات جمة منها انتشار الفساد والبيروقراطية، كما يبرز مؤخرًا تصاعد مخاطر عدم الاستقرار السياسي والأمني في البلاد نتيجة الاحتجاجات التي شهدتها عدة مدن إيرانية بداية من 28 ديسمبر الفائت، بسبب ارتفاع الأسعار وتصاعد مشكلات البطالة والفقر، وهو ما قد يضعف الثقة في بيئة الاستثمار عامة. وحاليًا، تحتل إيران مرتبة متأخرة في مؤشر ممارسة أنشطة الأعمال في البنك الدولي لعام 2018، حيث جاءت في المرتبة 124 من أصل 190 دولة.

كما أن بيئة الاستثمار تعاني من صعوبات نتيجة نفوذ الحرس الثوري في كافة الأنشطة الاقتصادية بالبلاد من خلال شبكة من الشركات المملوكة له، ومنذ الوصول للاتفاق النووي، منحت الحكومة الإيرانية عقودًا للشركات التي يملك فيها الحرس حصة مباشرة أو غير مباشرة، وهو ما قد يعني تعرض الشركاء الأجانب لعقوبات محتملة من الإدارة الأمريكية في ظل العقوبات المطبقة على الحرس.

بدائل أخرى:

ربما يمكن القول إن سيناريو انسحاب "توتال" من السوق الإيرانية يعني عمليًا توجيه إشارات سلبية مكثفة للشركات الأجنبية الطامحة للعمل في إيران بأن مناخ الاستثمار غير آمن لولوج الشركات الأجنبية لا سيما الغربية، وهو ما سيقوض جهود إيران بلا شك لتعزيز الاستثمارات الأجنبية، خاصة في قطاع النفط والغاز الطبيعي.

ويبدو أن الشركات الروسية والصينية ستكون أكثر استعدادًا للمخاطرة والعمل بالسوق الإيرانية في ظل موقف موسكو وبكين الداعم لإيران، وهو ما تدعمه بعض التكهنات الأخيرة التي أشارت إلى أن شركة "سي إن بي سي" الصينية قد تكون على استعداد للاستحواذ على حصة "توتال" في المشروع إذا انسحبت من إيران امتثالاً لأية عقوبات أمريكية جديدة.

وبإمكان الشركات الروسية أيضًا المخاطرة ومواصلة العمل بإيران رغم تشديد العقوبات عليها، خاصة أن لديها طموحات واسعة للتمدد داخل السوق الإيرانية. وفي غضون نوفمبر الماضي، وقعت شركة النفط الروسية "روسنفت" مع شركة النفط الإيرانية خارطة طريق واسعة لتنفيذ مشاريع مشتركة في مجال إنتاج النفط والغاز باستثمارات تصل إلى 30 مليار دولار. كما تتعاون عدة شركات روسية أخرى في مجالات صناعة الغاز المسال وتطوير الحقول مع إيران.

لكن استعداد الشريكين الروسي والصيني لتقبل المخاطرة بالسوق الإيرانية لا ينفي أنهما لن يكونا بعيدين عن فرض عقوبات أمريكية عليهما بسبب نشاطهما في إيران، وبما قد يضطرهما، كحد أدنى، إلى تأجيل بعض مشروعاتهما بالبلاد. فيما لن يكون بمقدور الشريك الروسي وحده تمويل كافة مشروعات تطوير الغاز الطبيعي في إيران، لا سيما في ظل العقوبات الغربية المفروضة على عدد من الشركات الروسية منذ عام 2014 بسبب أزمة القرم، علمًا بأن روسيا لن تخطو نحو تقديم دعم واسع لإيران في مجال تطوير الغاز الطبيعي، حيث تعتبرها أحد المنافسين المحتملين لها في المستقبل في مجال توريد الغاز للأسواق العالمية.

وختامًا، يمكن القول إن صفقة الحكومة الإيرانية مع "توتال" تبدو على وشك التراجع التدريجي في ظل الضغوط الأمريكية، وهو ما سوف يتسبب، من دون شك، في ارتباك مشهد الاستثمار الأجنبي في السوق الإيرانية وسيقوض جهودها لتطوير قطاع الغاز الطبيعي.