أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

"حزام الأمن":

رسائل المناورة الثلاثية بين إيران والصين وروسيا إلى الولايات المتحدة

20 مارس، 2023


انطلقت مناورات "حزام الأمن البحري 2023" الثلاثية بين إيران والصين وروسيا، في الفترة من 15 حتى 19 مارس 2023، في خليج عُمان، بالقرب من مضيق هرمز، وذلك بمشاركة القوات البحرية للجيش الإيراني والحرس الثوري الإيراني، بالإضافة إلى القوات البحرية للصين وروسيا. وأوضح المتحدث باسم المناورات، الأدميرال، مصطفى تاج الديني، أن التدريبات شملت إطلاق النيران الحيّة نحو أهداف بحرية، مضيفاً أن مدمرة "سهند" الإيرانية تولت قيادة هذه القطع البحرية في هذه المرحلة من العمليات.

رسائل طهران البحرية

يلاحظ أن المناورات الحالية تُعد النسخة الرابعة من مناورات "حزام الأمن 2023"، التي تجرى بين الدول الثلاث، والتي عُقد آخرها في يناير 2022، وبالتالي فإنها مناورات روتينية، غير أنه من الواضح أن طهران سعت لاستثمار هذه المناورات لتوجيه رسائل إقليمية، يمكن تفصيلها على النحو التالي: 

1- الرد على المناورات الأمريكية الإسرائيلية: هدفت إيران من مشاركتها في مناورات الحزام البحري 2023، إلى الرد على تدريبات "العلم الأحمر"، المُشتركة بين القوات الجوية الإسرائيلية والأمريكية، والتي بدأت في 12 مارس 2023، في ولاية نيفادا الأمريكية، وتستمر لمدة أسبوعين، وتشمل تلك المناورات أنواعاً مختلفة من التدريب، منها هجوم استراتيجي في العمق وهجوم جوي مشترك، وهجوم في أرض غير مألوفة غنية بالدفاعات المضادة للطائرات، بالإضافة لعمليات تزود الطائرات الإسرائيلية بالوقود جواً من خلال الطائرات الأمريكية.

وتحاكي تلك المناورات هجوماً مُشتركاً إسرائيلياً وأمريكياً على المواقع النووية الإيرانية، خاصة بعد تشديد الجانبين على منع إيران من الوصول للسلاح النووي، وهو ما تم تأكيده خلال زيارة وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن إلى إسرائيل، في 16 مارس 2023. كما تُعد تلك التدريبات الإسرائيلية الأمريكية هي الثانية منذ مطلع العام الجاري، إذ سبقها مناورات "جونيبر أوك"، والتي تُعد الأكبر في تاريخ العلاقة بين البلدين، والتي جاءت في نهاية يناير 2023، وهو ما يكشف عن تصاعد التدريبات المشتركة، والتي تهدف من خلالها واشنطن إلى تأكيد جديتها في منع إيران من امتلاك السلاح النووي. 

ومن ثم جاءت التدريبات المشتركة بين إيران والصين وروسيا لتؤشر على أن لإيران قوى دولية تدعمها في مواجهة أي تهديدات أمريكية إسرائيلية، غير أنه يلاحظ أن المناورات المشتركة بين الدول الثلاث تكتسب رمزية كبيرة، إذ أنه ليس من المتوقع أن تقوم بكين أو موسكو بمنع واشنطن وتل أبيب من توجيه ضربة مشتركة إلى إيران، أو المشاركة في الضربات الانتقامية للأخيرة رداً على الضربات الأمريكية الإسرائيلية. 

2- تعزيز التحالفات مع خصوم واشنطن: تسعى إيران، من خلال تلك المناورات، إلى الاستقواء بروسيا والصين، في مواجهة العقوبات الغربية المفروضة عليها، بسبب برنامجها النووي، إذ فرضت واشنطن، في 10 مارس 2023، حزمة جديدة من العقوبات تستهدف شبكة "ظل مصرفي"، تضم 39 كياناً تعمل على تسهيل وصول الشركات الإيرانية إلى النظام المالي العالمي، الأمر الذي يُسهم في تهربها من العقوبات، وتوفير عشرات مليارات الدولارات سنوياً.

وتسعى إيران لاستغلال تصاعد التوتر بين الغرب من جانب وروسيا والصين من جانب آخر، سواء بسبب الحرب الأوكرانية بالنسبة للأولى، أو بسبب الدعم الأمريكي لتايوان، وسعي واشنطن لبناء تحالفات عسكرية في مواجهة الصين، بالنسبة للثانية، والتي كانت آخر حلقاتها كشف الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا عن تفاصيل خطة مشتركة تهدف إلى إنشاء أسطول جديد من الغواصات النووية، وهو الأمر الذي نددت به الصين واصفة الاتفاقية بــ"الطريق الخطأ والخطر". وتعتقد طهران أن تصاعد صراعات القوى الكبرى، إلى جانب سعي الصين وروسيا إلى بناء نظام دولي مالي يخرج عن السيطرة الغربية قد يساعدها في مواجهة العقوبات الأمريكية، ويضعف من تأثيرها فيها، خاصة إذا ما واصلت دعم علاقاتها مع البلدين.  

3- إمكانية تهديد حركة الملاحة في المنطقة: يؤشر إجراء المناورات في خليج عُمان بالقرب من مضيق هرمز، بالإضافة لما شهدته من تدريبات إطلاق النيران الحيّة نحو أهداف بحرية، ومشاركة مدمرات إيرانية مثل "سهند" و"جمران"، وهي مُدمرات مزودة بمنصات صواريخ وطوربيدات ومضادات جوية، إلى سعي طهران إلى إيصال رسائل مفادها أنها قادرة على حماية منشآتها الحيوية من أي هجمات، فضلاً عن قدرتها على تنفيذ عمليات انتقامية، إذا ما تعرضت لأي هجمات مُحتملة. 

وفي سبيل ذلك، صرّح الناطق الرسمي باسم مناورات الحزام الأمني البحري الأدميرال، مصطفى تاج الديني، أن المناورات تهدف إلى كسر هيمنة القوى الأجنبية التي توجد بشكل غير مبرر في المنطقة، في إشارة محتملة إلى الولايات المتحدة وإسرائيل، وهو ما يحمل رسائل إيرانية مباشرة للبلدين بأن وجودهما في المنطقة لضمان أمن الملاحة سوف يؤدي إلى تهديدها، وليس تأمينها عبر مناورات إيران التي تهدف من خلالها إلى تأكيد قدرتها على إعاقة حرية الملاحة في الخليج العربي. 

ومن جهة أخرى، فإن رسالة التهديد الإيرانية قد اقتصرت، هذه المرة، على القوى الأجنبية، أي أنها لم تتضمن الإشارة إلى دول المنطقة، بخلاف التهديدات الإيرانية السابقة، وهو ما يعكس تحولاً في الموقف الإيراني، ويرتبط بتأثير الصين فيها لوقف تهديداتها لدول الخليج العربية. 

كما قد تسعى إيران من مشاركتها في مناورات الحزام الأمني، إلى إيصال رسالة للجانب الإسرائيلي تتعلق باستعداد إيران لاستهداف الناقلات والسفن الإسرائيلية في منطقة الخليج وبحر عُمان، كما حدث في غير مرة من قبل، إذا تعرضت لأي هجوم مُحتمل من جانبها على منشآتها الاستراتيجية، أو تم استهداف مصالحها في سوريا.

4- تعزيز موقف إيران التفاوضي: تتزامن تلك المناورات مع تأكيد إيران مساعيها لاستئناف المباحثات النووية، إذ أعلن وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، في 7 مارس 2023، أنهم لن يتركوا الطاولة أبداً، كما أجرى كبير المفاوضين الإيرانيين في المباحثات النووية علي باقري كني زيارة إلى سلطنة عُمان، في 12 مارس 2023، لعقد الجلسة التاسعة للجنة التشاور الاستراتيجي بين طهران ومسقط، والتقى كني خلالها بوزير الخارجية العُماني بدر البوسعيدي.

وأشارت المصادر الإيرانية إلى زيارة مرتقبة للسلطان هيثم بن طارق، سلطان عُمان، إلى إيران، خلال الفترة المقبلة، وهي تحركات تصب في إطار محاولات تنشيط مسار المباحثات النوية المتعثر منذ منتصف سبتمبر الماضي.

وترغب طهران، من جراء تلك المناورات، إلى تعزيز موقفها في المفاوضات إذا ما تم استئنافها، والتأكيد لواشنطن أنها إذا ما واصلت سياساتها الحالية ورفضت تقديم تنازلات أكبر لإيران لإحياء الاتفاق النووي، فإنها سوف تواصل تعزيز علاقاتها مع الصين وروسيا.

تداعيات إقليمية ممتدة

تتزامن تلك المناورات مع عدد من السياقات الإقليمية والدولية، والتي يمكن إلقاء الضوء عليها على النحو التالي:

1- انعكاسات خليجية محدودة: عُقدت تلك المناورات بعد خمسة أيام من توصل إيران لاتفاق مع السعودية، برعاية صينية، يقضي باستئناف العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والأمنية بينهما، بعد سبع سنوات من القطيعة، على إثر اقتحام إيرانيين السفارة السعودية في طهران والقنصلية في مشهد عام 2016.

وأعقب ذلك الاتفاق، محاولات إيرانية لحلحلة خلافاتها مع دول المنطقة، وقد تجسد ذلك في لقاء جمع بين وفدين برلمانيين إيراني وبحريني، في المنامة، لبحث استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين وإعادة افتتاح السفارات قريباً، وهو ما يؤشر على اتجاه إيران لوقف تدخلها في شؤون البحرين الداخلية. 

 كما عُقدت اللجنة القانونية المشتركة بين إيران والكويت لبحث مسألة ترسيم الحدود بين البلدين، وذلك لحسم هذا الملف وفق قواعد القانون الدولي، كما تجدد طهران دعوتها للقاهرة لاستئناف العلاقات فيما بينهما، وهو ما يعكس حرص طهران على إصلاح علاقاتها بكل القوى الإقليمية. 

ونظراً لأن بكين هي الضامن الأساسي لاتفاق التهدئة بين الرياض وطهران، فإن هذه المناورات الثلاثية تستبعد تماماً توجيه أي رسائل تهديد لدول الخليج العربية، خاصة وأنه يتوقع أن يكون أحد التفاهمات بين الجانبين برعاية صينية هو توقف طهران عن تهديد أمن دول الخليج العربية بأي شكل من الأشكال. وأكد خبراء عسكريون في وسائل إعلام صينية، تعقيباً على المناورات، أنها لا ترتبط بأي تطورات إقليمية، وأنها تعكس فقط رغبة الدول الثلاث في تحقيق الاستقرار والأمن الإقليمي.

2- رسائل صينية روسية لواشنطن: تسعى بكين وموسكو لتأكيد أنهما أصبحتا مؤثرتين في ترتيبات الأمن في الخليج العربي، وأن بكين لم تعد تستفد من المظلة الأمريكية في المنطقة، بل باتت طرفاً فاعلاً في أمنها، سواء من خلال إرساء الاتفاق الأخير بين الرياض وطهران، أو من خلال المناورات العسكرية المشتركة، التي تجريها، سواء مع إيران، أو مع دول الخليج العربية، على غرار مناورة "السيف الأزرق 2019"، والتي جرت بين بكين والرياض في البحر الأحمر. 

ويبدو أن بكين، وربما روسيا، تسعى للتأكيد لدول المنطقة استعدادها للتعاون بحرياً كذلك معها، من خلال إجراء المناورات المشتركة، وذلك لكسر الهيمنة الأمريكية على التدريبات العسكرية مع دول الخليج العربية، وبالتالي إضعاف النفوذ الأمريكي بشكل أكبر. 

ولا شك أن مثل هذه المناورات تثير مخاوف واشنطن، خاصة وأنه بات لدى وزارة الدفاع الأمريكية تقييمات بأن بكين تسعى لامتلاك قواعد عسكرية في المنطقة. كما أن روسيا توصلت لاتفاق مبدئي مع السودان على إقامة قاعدة عسكرية في فبراير 2023، فضلاً عن تداول وسائل إعلام ومراكز بحثية غربية معلومات تفيد بموافقة إريتريا على إقامة قاعدة عسكرية روسية على البحر الأحمر. وإذا ما تصاعدت وتيرة الحضور العسكري الصيني في المنطقة، من باب المناورات، فإن بكين قد تشرع في إقامة قواعد عسكرية بها، وهو ما يمثل تهديداً للنفوذ الأمريكي.  

وفي التقدير، يمكن القول إن مشاركة إيران في مناورات الحزام الأمني 2023، تُعد بمثابة رسالة بأن لديها حلفاء أقوياء، يمكن الاعتماد عليهم في حال استمرت الضغوط والعقوبات المفروضة من جانب الغرب ضد طهران، كما إنها رسالة تحذير بأن الأخيرة يمكنها تهديد المضائق والمياه المحيطة بالمنطقة، في حال تعرضت لأي هجمات مُحتملة، لاسيما في ضوء تزايد التهديدات الإسرائيلية بإمكانية استهداف البرنامج النووي الإيراني، بضوء أخضر من واشنطن، وذلك بعد وصوله لمستويات متقدمة في تخصيب اليورانيوم بهدف إنتاج سلاح نووي. وفي المقابل، فإن هذه المناورات لا تؤشر على اصطفاف روسي صيني مع إيران، إذ أن بكين وموسكو تحرصان على علاقاتهما بدول الخليج العربية، وتأكيد أنهما فاعلان يمكن الاعتماد عليهما في ضمان الأمن في الخليج العربي، وبما يقوض من الدور الأمريكي باعتباره المظلة الأمنية الوحيدة في المنطقة.