أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

تحديات إقليمية:

لماذا تتجه الهند لتعزيز شراكاتها مع إسرائيل؟

26 يوليو، 2017


كشفت زيارة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى إسرائيل في يوليو 2017 عن مدى التغير في سياسات نيوديلهي تجاه منطقة الشرق الأوسط، إذ شهدت الزيارة اتفاقيات متعددة للتعاون في المجالات العسكرية والتكنولوجية والاقتصادية، بالإضافة إلى التأكيد على تغير موقف الهند من القضية الفلسطينية ليصبح متطابقاً مع الرؤية الإسرائيلية، إلا أن تنامي العلاقات بين الطرفين يواجه عدة تحديات تتمثل في الضغوط الداخلية، ومواقف القوى الإقليمية، مثل إيران وباكستان والصين وتصاعد الاستقطاب الإقليمي في القارة الآسيوية. 

مجالات الشراكة: 

قام رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، بزيارة رسمية إلى إسرائيل في يوليو 2017، في سابقة تاريخية لم تحدث من قبل، ليصبح بذلك أول رئيس حكومة هندياً في السلطة يزور تل أبيب، منذ استقلال الهند عام 1947.

 وربما يكون ذلك هو ما دفع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى وصف زيارة مودي، بأنها تشبه "زواجاً مقدساً عُقد في السماء، ويتم إتمامه هنا على الأرض"، بين "ديمقراطيتين شقيقتين". وخلال هذه الزيارة غير المسبوقة، تم إبرام سبع اتفاقيات وإعلان نوايا مشترك بين الجانبين، شملت مجالات البحث والتطوير والفضاء والزراعة والمياه.

ويعكس ذلك نمواً كبيراً في مجالات التعاون بين الجانبين، ليتجاوز صفقات السلاح، التي تزايدت بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة. ومن بين الاتفاقات الموقعة مذكرة تفاهم بين وزارة العلوم والتكنولوجيا الهندية والسلطة الإسرائيلية للابتكار التكنولوجي لإنشاء صندوق هندي إسرائيلي للابتكار في مجال البحث والتطوير والتكنولوجيا، بقيمة 40 مليون دولار. 

كما تم توقيع ثلاث اتفاقيات تخص مجال الفضاء بين منظمة البحوث الفضائية الهندية ISRO ووكالة الفضاء الإسرائيلية للتعاون في مجالات شحن الأقمار الصناعية الصغيرة، والروابط البصرية، والساعات الذرية. 

بالإضافة إلى اتفاقية لإعداد خطة عمل مدتها ثلاث سنوات من أجل التعاون في تطوير الزراعة، واتفاقيتين تتعلقان بمجال المياه، إحداهما للتعاون في إصلاح خدمات المياه المحلية في الهند، والثانية لإطلاق حملة وطنية لترشيد استهلاك المياه في الهند. 

وخلال الزيارة أيضاً، أعلنت شركة "إسرائيل لصناعات الطيران والفضاء" الحكومية توقيع اتفاقيتين، الأولى مع مجموعة "كالياني" الهندية لبناء مركز صيانة في الهند لأنظمة الدفاع الجوي، والثانية مع مجموعة "وايبرو إنتربرايزز" لإنشاء وحدة إنتاج هياكل طائرات في الهند.

توافق قيادي:

يرى كثير من المحللين أن زيارة مودي "التاريخية" لإسرائيل كشفت عن وجود علاقات شخصية قوية للغاية بين مودي، زعيم حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي (Bharatiya Janata Party) الذي فاز في الانتخابات لأول مرة عام 2014، وبين نتنياهو.

وهو ما يرتبط بتصريحات مودي التي يتضح من خلالها إعجابه بإسرائيل لخبراتها العسكرية والتكنولوجية؛ ففي مقابلة له مع صحيفة "إسرائيل يا هوم" أجريت قبل الزيارة الأخيرة، وصف رئيس الوزراء الهندي دولة الاحتلال الإسرائيلي بأنها "منارة التكنولوجيا"، مشيراً إلى سعيه لوضع العلاقات بين البلدين في أعلى مستوى ممكن. 

كذلك وصف مودي إسرائيل، بـ"الصديق الحقيقي"، موجهاً الدعوة إلى نظيره الإسرائيلي، لزيارة الهند. ومن جهته، عبر رئيس الوزراء الإسرائيلي مجدداً عن إعجابه الشديد بزعامة مودي، ودوره التاريخي في تحقيق تقدم الهند الاقتصادي.

وقد ساهم التقارب الشخصي بين رئيسي وزراء الهند وإسرائيل في دفع العلاقات الاقتصادية والعسكرية بين البلدين. فعلى الصعيد التجاري، تشير الإحصائيات إلى أن حجم التجارة بين البلدين بلغ 4.13 مليار دولار خلال عام 2016.

وقد عبر المسؤولون الإسرائيليون عن تطلعهم إلى زيادة الصادرات الإسرائيلية إلى الهند بنسبة لا تقلّ عن 25 في المائة خلال العام الحالي، خاصة في مجالات الأجهزة الطبية والتكنولوجيا المتقدمة وأنظمة المياه.

وتسعى إسرائيل إلى زيادة عدد السياح الهنود، وجذب منتجي بوليوود لتصوير أفلامهم لديها، ومما يجدر ذكره في هذا السياق أن هناك ما يقدر بحوالي 44 ألف سائح هندي قد زار إسرائيل في عام 2016، وهو ما يمثل زيادة قدرها 13% مقارنةً بعام 2015.

تعاون عسكري:

تدفع التهديدات الحدودية مع باكستان والصين إسرائيل إلى رفع مستوى تسليحها والاتجاه إلى التعاون مع بعض الدول في هذا المجال تأتي على رأسها إسرائيل، فعلى سبيل المثال، أبرمت الهند في أبريل 2017 اتفاقاً مع شركة "إسرائيل لصناعات الطيران والفضاء" الحكومية بقيمة حوالي ملياري دولار وصفت بأنها "أكبر صفقة دفاعية" في تاريخ إسرائيل.

وبموجب هذا الاتفاق، ستحصل الهند على نظام "مرسام" "MRSAM" الصاروخي أرض جو متوسط المدى، وهو نموذج للمنظومة الدفاعية "باراك 8"، والتي تشمل منصات إطلاق صواريخ، وصواريخ، ووسائل اتصال، ومنظومات تحكم ومراقبة، ومنظومات رادار. وسيكون بوسع هذه المنظومة المتطورة تدمير الطائرات والصواريخ والطائرات من دون طيار في مدى يتراوح بين 50 إلى 70 كيلومتراً. 

كما أكملت القوات الجوية الهندية مؤخراً نشر نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي من طراز "سبيدر" على الحدود الغربية للهند. ويستطيع هذا النظام إسقاط الطائرات والطائرات من دون طيار وصواريخ كروز في مدى 15 كيلومتراً.

وتخطط البحرية الهندية لشراء أنظمة جديدة من الصواريخ (أرض-جو) قصيرة المدى من طراز "سرسام" لتحل محل منصات الدفاع الجوي باراك -1 الإسرائيلية القديمة. وتعتزم دلهي شراء حوالي 10 أنظمة "سرسام" بتكلفة 1.5 مليار دولار. وتتنافس الشركات الإسرائيلية مثل: شركة صناعات الفضاء الإسرائيلية Israel Aerospace Industries))  و"أنظمة رافائيل الدفاعية المتقدمة" ) Rafael Advanced Defense Systems of Israel) مع الشركات الأجنبية للتقدم بعطاءات للحصول على هذه الصفقة.

تغير الثوابت:

لم تكشف الزيارة عن بعد سياسي واضح لأن رئيس الوزراء الهندي لم يزر مدينة رام الله، مقر السلطة الوطنية الفلسطينية، ولم يجتمع مع رئيسها محمود عباس، على الرغم من أن الهند كانت أول دولة غير عربية اعترفت بمنظمة التحرير الفلسطينية، وعلى الرغم من أن العرف جرى على أن يقوم زعماء الدول الذين يزورون إسرائيل بزيارة مقر السلطة الفلسطينية تعبيراً عن تضامنهم مع الشعب الفلسطيني في نيل حقوقه المشروعة.

كما خلا البيان المشترك الصادر بمناسبة ختام زيارة مودي لإسرائيل، والتي تزامنت مع مرور الذكرى الخامسة والعشرين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، من أي إشارة إلى مبدأ "حل الدولتين"، كأساس لإحلال السلام في المنطقة. بل اكتفى البيان بذكر ما يلي: "أكد الزعيمان دعمهما لحل متفاوض عليه قريباً بين الجانبين على أساس الاعتراف المتبادل والترتيبات الأمنية". 

ويمكن تفسير الاحتفاء الإسرائيلي الكبير بزيارة مودي "التاريخية" لإسرائيل، وتجنب رئيس الوزراء الهندي زيارة مقر السلطة الوطنية الفلسطينية، في خروج عن التقاليد السياسية المتبعة من جانب غالبية زعماء العالم عند زيارتهم إلى تل أبيب، بأن هذا يعود إلى التحولات المهمة التي طالت النظام الدولي والسياسات الدولية والإقليمية بدءاً من أواخر الثمانينيات. فمن ناحية، دفع انهيار الاتحاد السوفييتي بالنخبة الحاكمة في الهند إلى إعادة النظر في علاقاتها مع الولايات المتحدة، الأمر الذي استتبعه بالضرورة إعادة النظر في العلاقة مع تل أبيب كجزء من إعادة النظر في العلاقة مع الغرب، وتنظر الهند إلى إسرائيل باعتبارها معبراً لزيادة الاستثمارات والتبادلات التجارية مع الهند.

وتسعى إسرائيل لتحقيق الشراكة مع الهند للحصول على دعمها في مواجهة التهديدات الأمنية التي تواجهها، وتحديداً من ناحية إيران. فإسرائيل تبدو حريصة على أن تصل الاتفاقات مع الهند، وتحديداً في "التعاون الأمني" إلى الحد الذي يمكّن إسرائيل من استغلال الهند في صراعها مع إيران.

 وفي هذا السياق، يشير كثير من الخبراء أيضاً إلى أن تعزيز الشراكة الهندية الإسرائيلية يصب في مصلحة الإدارة الحالية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ليس فقط فيما يتعلق بـ "التهديد الإيراني"، وإنما أيضاً لمواجهة الصين وروسيا وباكستان، خاصة فيما يتعلق باجتثاث جذور الإرهاب والتطرف وانتشار أسلحة الدمار الشامل. 

تحديات محتملة:

ختاماً، يمكن القول إن زيارة مودي "التاريخية" لإسرائيل تمثل نقلة نوعية كبيرة في طبيعة ومستوى العلاقات الهندية الإسرائيلية، وتعبر عن انتقال في موقف الهند تجاه القضية الفلسطينية، والصراع العربي- الإسرائيلي، من النظرة الأيديولوجية إلى النظرة البرجماتية المصلحية.

ومن المرجح في المدى المنظور أن يستمر تنامي الشراكة الهندية الإسرائيلية، خاصة مع ما تتمتع به هذه الشراكة حالياً من دعم واضح من جانب إدارة الرئيس الأمريكي ترامب لمواجهة "التطرف"، وتمدد النفوذ الإيراني في المنطقة، والصعود الصيني في جنوب شرق آسيا. 

بيد أن هذا التحالف قد يؤثر على شعبية حزب مودي "بهاراتيا جاناتا"، وهو ما قد تستثمره بعض الأحزاب الضعيفة، خاصةً أن هذه الزيارة تأتي في نهج مخالف للموروث السياسي في التعامل مع إسرائيل، ويثير أيضاً حفيظة عدد من القوى السياسية الهندية المحافظة تجاه تطوير العلاقات مع الولايات المتحدة وإسرائيل، وفي مقدمتها بالطبع الأقلية المسلمة في الهند. 

ومن ناحية أخرى، لا يمكن أيضاً التقليل من التحديات الإقليمية التي يمكن أن تعترض التنامي المتواصل في الشراكة بين الهند وتل أبيب. فهذه الشراكة من شأنها أن تثير حفيظة الدول المجاورة للهند، مثل الصين وباكستان وإيران. 

فالصينيون سوف ينظرون بقلق شديد إلى هذه الشراكة، لأن الولايات المتحدة قد تعتمد على الهند في تنفيذ ما يعرف باستراتيجية "احتواء وتطويق" الصين، ولن يكون الباكستانيون أقل انزعاجاً من الصينيين تجاه التنامي المطرد في العلاقات بين البلدين في ظل الخلافات بينها وبين الهند. 

كما أن الإيرانيين سيحاولون قدر استطاعتهم عرقلة مثل هذه الشراكة إذا ما استشعروا خطورتها على تحقيق أمنهم في الفترة المقبلة.