أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

البقعة العمياء:

لماذا لم تتوقع الاستخبارات الأمريكية سقوط كابول سريعاً؟

25 أغسطس، 2021


بعد أقل من ثمانية أشهر على تولى الرئيس جو بايدن الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية، نجح في إعادة الثقة في أجهزة الاستخبارات، وذلك بعد سنوات من توتر العلاقة والتشكيك في كفاءة هذه الأجهزة من قِبل سلفه دونالد ترامب. لكن أحداث سقوط العاصمة الأفغانية كابول السريع خلال 11 يوماً فقط، على الرغم من توقعات أجهزة الاستخبارات الأمريكية بأن ذلك قد يستغرق شهوراً أو أسابيع، وما تلاها من تداعيات، قد أعادت الوضع إلى المربع الأول وهو التشكيك في مصداقية مؤسسات الاستخبارات الأمريكية، خاصة بعد إخفاقها بشكل واضح في توقع هذا السقوط السريع؛ نتيجة جملة من العوامل التي جعلت رؤية هذه الأجهزة غير مكتملة.

وعلى الرغم من حالة الذهول داخل الدوائر الأمريكية من تطور الأحداث في أفغانستان، والجدل المتصاعد في الدوائر السياسية والإعلامية حول الفشل الاستخباراتي؛ فإن تداعياته سوف تستمر لفترة وطويلة وسيكون لها تأثير كبير على هذه المؤسسات الاستخباراتية.

الأجهزة الرئيسية:

تعد أجهزة الاستخبارات الأمريكية جزءاً من إطار أوسع هو مؤسسات الأمن القومي، وهي المسؤولة بشكل مباشر عن حماية الأمن والمصالح الأمريكية ضد أية تهديدات محتملة. وعلى الرغم من أن مجتمع الاستخبارات الأمريكية Intelligence Community المعروف اختصاراً في الأوساط الأمريكية بـ IC يضم 18 جهازاً استخباراتياً، بعضها مؤسسات رئيسية مستقلة، والآخر يخضع لوزارات وإدارات فيدرالية؛ فإنه يمكن القول إن مسؤولية التعامل مع الملف الأفغاني تقع على عاتق 3 مؤسسات استخباراتية رئيسية في واشنطن، تقوم بدورها بالتعاون مع بقية مؤسسات الأمن القومي، وذلك على النحو التالي: 

1- مكتب الاستخبارات الوطنية Office of the Director of National Intelligence: يُعرف في الأوساط الأمريكية اختصاراً بـ (ODNI)، ويعتبر أعلى جهاز استخباراتي أمريكي، ويقوم بمهام الإدارة والإشراف على الأجهزة الاستخباراتية كافة وتنسيق التعاون بينها، ومنها تنسيق الجوانب المرتبطة بالمسائل الاستخباراتية المتعلقة بالملف الأفغاني. وقد لعبت مديرة المكتب، إفريل هاينز، دوراً رئيسياً خلال الشهور الأخيرة في قيادة الفريق الاستخباراتي خلال اجتماعات غرفة الأزمات بالبيت الأبيض لإدارة التطورات المرتبطة بالوضع في أفغانستان وتقديم تقييمات المؤسسات الاستخباراتية. 

2- وكالة الاستخبارات المركزية The Central Intelligence Agency: تعد وكالة الـ C.I.A الجهاز الرئيسي والمهم الذي يقود الأنشطة الاستخباراتية لواشنطن في أفغانستان، سواء من الداخل أو من دول الجوار. وعلى مدار 20 عاماً منذ الغزو الأمريكي لأفغانستان عام 2001، قامت الوكالة بالعديد من الأدوار، سواء في جمع المعلومات الاستخباراتية وتحليها وإنتاج التقديرات الاستخباراتية، أو مراقبة أنشطة حركة طالبان والتنظيمات الإرهابية الأخرى، أو تنفيذ عمليات على الأرض لاستهداف العناصر الإرهابية من خلال الطائرات من دون طيار "الدرونز" ضمن برنامج مكافحة الإرهاب.

واضطلع مدير وكالة الاستخبارات المركزية، وليام بيرنز، بدور مهم خلال الشهور الأخيرة. ففي إطار تحرك مبكر للاستعداد لدور جديد للوكالة في الملف الأفغاني بعد قرار الرئيس بايدن بالانسحاب من أفغانستان والذي أعلنه في أواخر شهر أبريل 2020، أشارت تقارير صحفية أمريكية إلى أن بيرنز قام بزيارة سرية غير مُعلنة إلى كابول في مطلع أبريل الماضي، وزيارة أخرى غير مُعلنة بعدها إلى باكستان في مطلع شهر يونيو الماضي. وتعد زيارة بيرنز غير المعلنة إلى أفغانستان، يوم 24 أغسطس الجاري، ولقاءه قادة طالبان بعد سقوط كابول، لتنسيق عمليات الإجلاء الأمريكية مع الحركة، جزءاً من الدور الأوسع للوكالة في الملف الأفغاني. 

3- وكالة استخبارات الدفاع Defense Intelligence Agency: تتبع وزارة الدفاع "البنتاجون، وتُعرف في الأوساط الأمريكية اختصاراً بـ(DIA)، وترفع تقاريرها لوزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان، وقد لعبت دوراً رئيسياً في الملف الأفغاني، ودورها يقترب إلى حد ما من دور وكالة الاستخبارات المركزية، خاصة فيما يتعلق بجمع وتحليل المعلومات وإنتاج التقديرات الاستخباراتية، مع التركيز بشكل خاص على القدرات العسكرية لحركة طالبان، والتنظيمات الإرهابية، وأيضاً تقديم الدعم العملياتي والمعلوماتي للعمليات العسكرية على الأرض. 

وعلى الرغم من هذا الدور الذي تقوم به وكالة استخبارات الدفاع، كان لافتاً للنظر تصريحات رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة، الجنرال مارك ميلي، في مؤتمر صحفي بالبنتاجون يوم 18 أغسطس الجاري، والتي قال فيها "بينما أظهرت المعلومات الاستخباراتية مجموعة من الاحتمالات، منها استيلاء طالبان على السلطة، والانهيار السريع للقوات الأفغانية، لكنها افتقدت تحديد السرعة التي يمكن أن يحدث بها هذا الانهيار"، مضيفاً: "لم يكن هناك شيء رأيته أنا أو أي شخص آخر يشير إلى انهيار هذا الجيش وهذه الحكومة في 11 يوماً".   

وبالإضافة إلى هذه المؤسسات الرئيسية الثلاث، لعبت أجهزة ومؤسسات استخباراتية أخرى دوراً في التعامل مع الملف الأفغاني، من بينها مكتب الاستخبارات والبحوث في وزارة الخارجية الأمريكية Department of State’s Bureau of Intelligence and Research، والذي يرفع تقاريره لوزير الخارجية. وكانت جميع هذه المؤسسات تنسق مع مجلس الأمن القومي National Security Council، في المسائل ذات الصلة بالملف الأفغاني، خاصة خلال الشهور الأخيرة.


التقديرات السابقة:  

قد يكون من الضروري عند مناقشة الفشل الاستخباراتي الأمريكي في توقع سقوط كابول، الحديث بشكل دقيق عن طبيعة ما حدث، والذي يجعل التقييم موضوعياً، لأن ما حدث هو فشل في جانب واحد يتعلق بتحديد مدى سرعة سقوط كابول، والمدى الزمني لذلك. وإذا كان جانب من تقديرات أجهزة الاستخبارات الأمريكية صحيحاً، إلا أن التداعيات السلبية لاستيلاء طالبان على كابول جعلت هذا الخطأ بمنزلة فشل ذريع، خاصة أن ثلاثة تقييمات استخباراتية قُدمت لصانع القرار الأمريكي في أبريل ويوليو وأغسطس 2020، لم تتوقع السقوط السريع للعاصمة الأفغانية خلال 11 يوماً. وفي هذا الإطار، تضمنت تقييمات أجهزة الاستخبارات الأمريكية للوضع في أفغانستان والتي تم تقديمها قبل سقوط كابول، 4 سيناريوهات، هي ما يلي: 

1- سقوط كابول: أشارت تقديرات أجهزة الاستخبارات الأمريكية إلى احتمالات سقوط العاصمة كابول واستسلام الحكومة الأفغانية، لكن هذه التقديرات وضعت المدى الزمني لسقوطها ما بين عام ونصف إلى 3 شهور. وآخر تقدير في أغسطس الجاري تحدث عن احتمالات سقوط العاصمة الأفغانية في غضون أسابيع. وتطرقت هذه التقديرات إلى عدم قدرة القوات الأفغانية على الصمود، لكنها لم تتوقع انهيارها السريع. ويبدو، وفقاً لتقارير صحفية، أن بعض التقديرات كانت متفائلة بشأن قدرة القوات الأفغانية على الصمود والقتال.

2- اندلاع حرب أهلية: وفقاً لهذا السيناريو، كان متوقعاً حدوث حرب أهلية في أفغانستان، في ظل دخول طالبان في صراع مسلح مع القوات الأفغانية، وعدم قدرة الحركة على تحقيق انتصارات عسكرية بسهولة على الأرض. 

3- توقيع اتفاق سلام: توقع هذا السيناريو أن تدخل حركة طالبان في مفاوضات مع الحكومة الأفغانية، وأن ينتج عن هذه المفاوضات اتفاق سلام بين الطرفين. 

4- تنفيذ عمليات إرهابية: في ضوء توقع تقدم طالبان وإمكانية سيطرتها على العاصمة كابول خلال عام ونصف، تنبأ هذا السيناريو باحتمالات عودة أفغانستان كملاذ آمن للتنظيمات الإرهابية خاصة القاعدة وداعش، وأن تكون هناك عمليات إرهابية خلال عام.


أسباب الإخفاق:

بشكل عام، هناك مجموعة من العوامل التي يمكن من خلالها تفسير فشل أجهزة الاستخبارات الأمريكية في توقع السقوط السريع لكابول خلال 11 يوماً، وليس شهوراً أو أسابيع كما تنبأت هذه الأجهزة، وتشمل هذه العوامل ما يلي: 

1- الفجوة بين المعلومات والتقدير النهائي: يتعلق جانب رئيسي في تفسير الفشل الاستخباراتي الأمريكي، بالفجوة بين المعلومات التي حصلت عليها العناصر العملياتية على الأرض وتم استنتاجها من مصادر المعلومات المختلفة، وبين التحليل النهائي لهذه المعلومات. فالتقييمات الاستخباراتية النهائية والتي هي خلاصة ما يقوم به فريق التحليل، تختلف عما قدمه فريق العمليات على الأرض. ويرى بعض المحللين الأمريكيين أن التقييمات الاستخباراتية كانت معتدلة في تقييماتها، لأنها كانت تتوافق مع السياسة التي تبناها الرئيس بايدن في قراره بإعلان الانسحاب من أفغانستان.   

2- الصراع بين أجهزة الاستخبارات: تذهب بعض الاتجاهات إلى أن الصراع التقليدي بين مؤسسات الاستخبارات الأمريكية، خاصة بين وكالة الاستخبارات المركزية ووكالة استخبارات الدفاع التي نشطت بشكل واضح في السنوات الأخيرة لزيادة دورها بصورة كبيرة ومنافسة الـ C.I.A، يعد عنصراً مهماً في تفسير ما حدث. وهنا يشير البعض إلى أن تقديرات وكالة استخبارات الدفاع ربما تكون قدمت صورة مبالغاً فيها عن قوات الدفاع الأفغانية وقدرتها على التصدي لطالبان؛ وذلك نتيجة الجهود التي قامت بها وزارة الدفاع الأمريكية في تدريب وتسليح هذه القوات. 

3- التفكير بالتمني: أحد التفسيرات لإخفاق أجهزة الاستخبارات الأمريكية في توقع السقوط السريع لكابول، يتعلق بتداعيات اتفاق ترامب في فبراير 2020، والذي اتفقت بموجبه واشنطن مع طالبان على الانسحاب من الأراضي الأفغانية مقابل عدم تحويل أفغانستان لملاذ آمن للتنظيمات الإرهابية، وعدم تنفيذ عمليات ضد القوات الأمريكية. وهنا من يرى أن هذا الاتفاق جعل أجهزة الاستخبارات الأمريكية تتوقع أن طالبان سوف تواصل تقدمها على الأرض بشكل تقليدي ومن دون تسريع لعملياتها. ولذلك كانت السيناريوهات تركز على ما بعد الانسحاب، ولم تتوقع سرعة سقوط كابول. 

4- الزوايا الغائبة: المعلومات المتاحة عن السيناريوهات التي تحدثت عنها تقديرات أجهزة الاستخبارات الأمريكية هي معلومات عامة منشورة في تقارير صحفية أو تحليلات خبراء متخصصين في الشؤون الاستخباراتية، ولا يمكن تقديم صورة كاملة عن هذه السيناريوهات. لكن من المحتمل أن تكون هناك زوايا غائبة عن المشهد في تقديرات هذه الأجهزة، وأبرزها يتعلق بالاستراتيجية العسكرية لطالبان وإعادة تموضعها العسكري، والتركيز على الشمال وعواصم الأقاليم المؤثرة، فضلاً عن إغفال عنصر الدعاية في تحركات طالبان والذي كان له تأثير سيكولوجي على القوات الأفغانية وجعلها تستسلم بسهولة بفعل الدعاية عن انتصارات طالبان المتتالية. وبالتوازي مع هذه الزوايا التي ربما تكون غابت عن التقييمات الاستخباراتية الأمريكية، كانت هناك مبالغة في تقييم قدرات القوات الأفغانية، وعدم الحديث عن كفاءتها الحقيقية، خاصة في ظل عوامل تتعلق بوجود فساد وعدم احترافية حقيقية في صفوف هذه القوات.

5- محدودية الاختراق: بعد قرار الرئيس بايدن بالانسحاب العسكري من أفغانستان والذي أعلنه في أبريل 2021، وفي ظل وجود مؤشرات واضحة على عمليات عسكرية لطالبان في عدد من الأقاليم وتقدمها فعلياً؛ بدا لافتاً أن أجهزة الاستخبارات لم يكن لديها تقدير بأن ثمة خططاً عسكرية لدى الحركة بالتقدم سريعاً نحو كابول. وقد ظهر ذلك بوضوح في اجتماعات فريق الأمن القومي الأمريكي في غرفة الأزمات بالبيت الأبيض خلال الشهور الأخيرة والتي كانت تركز على ترتيبات الانسحاب العسكري، وليس وضع خطط للتعامل مع الموقف في حال سقوط كابول. وبالتالي فإن سيناريو السقوط السريع لم يكن على جدول أعمال المؤسسات الأمريكية على الإطلاق إلا في الأيام الأخيرة قبل سقوط كابول. والسؤال المطروح هنا هو إلى أي مدى كانت أجهزة الاستخبارات الأمريكية قادرة على اختراق طالبان من الداخل؟ 


تداعيات مُحتملة:

سواء كان فشل أجهزة الاستخبارات الأمريكية في توقع ما جرى في أفغانستان خلال الأيام الأخيرة، يعد فشلاً جزئياً يتعلق بتحديد توقيت سقوط كابول السريع، أو فشلاً كلياً يرتبط بإظهار مواطن ضعف حقيقية في التعامل مع ملف رئيسي على أجندة الأمن القومي الأمريكي؛ فإن تداعيات هذا الفشل سوف تستمر لفترة، وتتمثل هذه الجوانب فيما يلي: 

1- اهتزاز الثقة في أجهزة الاستخبارات الأمريكية: يتركز جانب من الجدل الداخلي حول أفغانستان في الدوائر الأمريكية على الفشل الاستخباراتي. وتضمن هذا الجدل العديد من الانتقادات لأجهزة الاستخبارات، سواء من السياسيين الذين ألقوا باللوم على هذه الأجهزة، أو الأجهزة ذاتها التي حاولت الدفاع عن نفسها، وقالت إنها لا تصنع القرار السياسي الخاص بالانسحاب، والذي كان أحد العوامل التي أدت إلى السقوط السريع. لكن المحصلة هي تضرر جزئي في سمعة مؤسسات الاستخبارات الأمريكية. 

2- المحاسبة من الكونجرس: إن التعامل مع الفشل الاستخباراتي الأمريكي في أفغانستان، لن يتجاوز مجرد الجدل والنقاش في الدوائر السياسية والإعلامية، لكنه سيتطور إلى تحرك فعلي من الكونجرس لإجراء محاسبة وتدقيق فيما حدث، ولمعرفة إذا كان هناك تقصير من أجهزة الاستخبارات. 

3- إعادة الهيكلة الاستخباراتية: تخضع أجهزة الاستخبارات الأمريكية كل فترة لعمليات إعادة الهيكلة، بعضها يتعلق بآليات العمل، والآخر يتعلق بتطوير قدرات العناصر البشرية. وهذه العمليات سريعة ومتلاحقة وتختلف من إدارة إلى أخرى. وسيدفع الفشل الاستخباراتي في أفغانستان إلى محاولات جديدة في هذا الاتجاه، ربما لن تكون إعادة هيكلة كاملة، ولكن تحديث وتطوير في عمل تلك المؤسسات، بحيث تتم الاستفادة من أخطاء تجربة الرصد والتحليل والتقييم لما جرى في أفغانستان. 


الخلاصة، تعد تقديرات أجهزة الاستخبارات الأمريكية عن احتمالات سقوط كابول خلال شهور أو أسابيع، والتي ثبت فشلها بعد انهيار العاصمة الأفغانية في يد حركة طالبان خلال 11 يوماً، جانباً من جوانب الفشل الأمريكية الكثيرة في أفغانستان، وذلك ستكون له تداعياته على مصداقية تلك الأجهزة، وعلى آليات وطرق عملها خلال الفترة القادمة.