أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

حدود الفاعلية:

تحديات ما بعد اتفاق السلام بين الحكومة الأمريكية وطالبان

05 مارس، 2020


بعد ما يقرب من عقدين من الزمان، وحرب وصفت بأنها "فيتنام الثانية" في التاريخ الأمريكي؛ وقّعت الحكومة الأمريكية وحركة طالبان اتفاقًا للسلام يوم السبت 29 فبراير 2020. هذا الاتفاق يحدد الإجراءات التي يجب على الطرفين الالتزام بها، والإطار العام لانسحاب القوات الأمريكية. ووفقًا لمسوّدة الاتفاق، والإجراءات التي وردت بها؛ فإنه لا يعني -في حد ذاته- تحقق السلام في أفغانستان، فالطريق ما زال طويلًا، والتحديات تمثل اختبارًا حقيقيًّا لمدى تطبيق هذا الاتفاق، الأمر الذي لخّصه السفير "زالماي خليل زاده" المبعوث الأمريكي للسلام بأفغانستان، في وصفه للاتفاق بقوله إن "الولايات المتحدة الأمريكية لا تبحث عن اتفاق انسحاب، لكن اتفاق سلام يمكن الانسحاب". فثمة الكثير من التحديات أبرزها مدى التزام طالبان بالاتفاق، خاصة الوصول إلى سلام داخلي مع الحكومة الأفغانية.

المستنقع الأفغاني:

تعكس تجربة الولايات المتحدة الأمريكية في أفغانستان، تطابقًا نسبيًّا مع التجربة الأمريكية في فيتنام، فعلى مدار عدة سنوات تُقارب العقدين، بدايةً من التدخل العسكري في عام 2001 بعد أحداث 11 سبتمبر، وحتى توقيع اتفاق السلام بين الحكومة الأمريكية وحركة طالبان يوم 29 فبراير 2020، خسرت الولايات المتحدة الأمريكية نحو 2 تريليون دولار في الحرب، بخلاف الخسائر البشرية، حيث أودت الحرب بحياة أكثر من 2400 عسكري أمريكي، و1100 عسكري من قوات التحالف، وحياة 38000 من المدنيين الأفغانيين.

وفي المستنقع الفيتنامي تورطت الولايات المتحدة الأمريكية في حرب على مدار عدة سنوات بدأت بدخول قوات أمريكية محدودة على جبهة الصراع في فيتنام بداية من 1955، وحتى التصعيد العسكري في عهد "جون كيندي" وزيادة القوات الأمريكية بداية من عام 1960، وصولًا لاتفاق باريس لإنهاء الحرب وانسحاب القوات الأمريكية في عام 1973، وأدى المستنقع الفيتنامي إلى أسوأ هزيمة في التاريخ الأمريكي، بالإضافة إلى أكثر من 1.020 تريليون دولار، ما بين تكلفة عسكرية للحرب ودعم عسكري واقتصادي لحكومة جنوب فيتنام، وخسائر بشرية تجاوزت 58.220 عسكري أمريكي.

وفي ظل التشابه بين تجربتي فيتنام وأفغانستان، أصبح الانسحاب العسكري من أفغانستان التي وصل عدد الجنود الأمريكيين فيها إلى 12000 جندي مستهدفين بشكل مستمر، هدفًا استراتيجيًّا لدى الحكومة الأمريكية، وهو ما دفع إدارة "ترامب" لبدء مفاوضات دبلوماسية مباشرة مع حركة طالبان التي تُصنِّف الولاياتُ المتحدة الأمريكية العديدَ من قادتها كإرهابيين، كما أنها تصنف منظمات أفغانية متحالفة معها مثل "شبكة حقاني" كمنظمة إرهابية.

فقد أعلن الرئيس "ترامب" في يوليو 2018 عن بدء مفاوضات مباشرة مع الحركة. وفي سبتمبر 2018 تم تعيين السفير "زالماي خليل زاده" مبعوثًا خاصًّا للمصالحة الأفغانية، والذي قاد على مدار أكثر من عام عدة جولات من المفاوضات مع الحركة، أسفرت عن مسوّدة اتفاق في سبتمبر 2019، وعن بدء مشاركة الحكومة الأفغانية في المفاوضات، ثم توقفت المفاوضات في سبتمبر 2019 بعد هجمات أودت بجنود أمريكيين في أفغانستان، ثم استؤنفت مرة أخرى في ديسمبر 2019، وصولًا إلى توقيع الاتفاق يوم 29 فبراير 2020.

أهداف استراتيجية:

دخول إدارة الرئيس "ترامب" في مفاوضات مباشرة مع حركة طالبان، يرتبط بالأهداف التي سعت الإدارة لتحقيقها، وتشمل:

1- الانسحاب العسكري: تحقيق الانسحاب وخفض القوات الأمريكية الموجودة في الأراضي الأفغانية، مثّل الهدف الرئيسي للمفاوضات، خاصة مع الوضع في الاعتبار التكلفة العسكرية والمالية للتواجد الأمريكي في أفغانستان. يُضاف إلى ذلك أن الانسحاب هو جزء من توجه أكبر لإدارة الرئيس "ترامب" لإعادة انتشار القوات الأمريكية، ونقل الجانب الأكبر منها المتواجد في أوروبا والشرق الأوسط نحو آسيا للتفرغ لمواجهة الصين. 

2- مكاسب انتخابية: جزء رئيسي من أهداف التفاوض مع طالبان ومحاولة الوصول لاتفاق سلام، يتعلق برغبة الرئيس "ترامب" في تحقيق مكاسب انتخابية في انتخابات الرئاسة 2020. فهو يريد التأكيد على أنه وفّى بوعده الذي قدمه في حملة انتخابات 2016، وهذا الهدف يتشابه -إلى حدٍّ كبير- مع تحرك الرئيس "نيكسون" في انتخابات الرئاسة الأمريكية عام 1972، فأثناء الحملة الانتخابية ومحاولة "نيكسون" إعادة انتخابه، وظّف قضية تحقيق السلام في فيتنام باعتبارها أهم أولوياته. وتحدّث -آنذاك- عن ضرورة السلام. وموقف الرئيس "ترامب" يتشابه كثيرًا مع "نيكسون"، فـ"ترامب" يُدرك حجم الخسائر الأمريكية وأهمية السلام، ومن ثم بدأ مبكرًا التحرك للوصول إلى اتفاق سلام مع طالبان عندما وجّه إدارته لبدء مفاوضات مباشرة معها، كما أن البدء فعليًّا في تقليل تواجد القوات الأمريكية وإعادتها إلى أمريكا يمكن أن يتم توظيفه في حملة انتخابات الرئاسة 2020.

3- تغيير الاستراتيجية: حاولت الإدارة الأمريكية على مدار الأعوام التسعة عشر الفائتة، بداية من 2001 وحتى 2020، أن تثبّت من دعائم الحكومة والدولة الأفغانية، وأن تدفع طَرَفَيِ العملية السياسية في الداخل (حركة طالبان، والحكومة الأفغانية) للوصول إلى اتفاق سلام داخلي تمّ العمل عليه في جولات الحوار الأفغاني الأفغاني التي عُقدت في السابق، لكن لم تصل إلى تحقيق نتيجة. ومع فشل هذه الاستراتيجية، وحالة شبه الانهيار التي تُعاني منها الدولة في أفغانستان، وعدم تحقيق السلام الداخلي؛ غيرت إدارة "ترامب" من استراتيجيتها، وبدأت التوجه نحو المفاوضات المباشرة من أجل الانسحاب، وإعادة العمل على دعم الدولة الأفغانية من الخارج، مع التركيز على ضرورة إنجاح مفاوضات سلام أفغانية داخلية كجزء من اتفاق السلام.

وفي مقابل الأهداف الأمريكية، سعت حركة طالبان من خلال المفاوضات إلى تحقيق هدفين رئيسيين؛ الأول يتعلق بدعم شرعيتها، فدخولها في مفاوضات مع الحكومة الأمريكية يُعدّ بمثابة اعتراف شرعي بها، فالحكومة الأمريكية لا تعترف رسميًّا بطالبان، وفي الوقت نفسه فإنّ الوصول إلى اتفاقٍ بالانسحاب الأمريكي يعني -من وجهة نظر الحركة- إعلان انتصارها في هذه الحرب الطويلة. 

اتفاق السلام:

يتضمّن النص الرسمي لاتفاق السلام بين الحكومة الأمريكية وحركة طالبان، مقدمة، وثلاثة أجزاء. وقد حددت المقدمة الأطر والأسس العامة التي ينص عليها الاتفاق. وَنَصَّ الجزء الأول على التزامات الحكومة الأمريكية في الاتفاق، ونصّ الجزء الثاني على التزامات حركة طالبان، ونصّ الثالث على الالتزامات المتبادلة بين الطرفين. وفيما يلي أبرز ما نصّ عليه الاتفاق:

1- منع تهديد الأمن الأمريكي: ينصّ الاتفاق على وجود ضمانة وآلية تطبيق لمنع استخدام الأراضي الأفغانية من قبل أي جماعات أو أفراد لتهديد الأمن الأمريكي، وحلفاء الولايات المتحدة الأمريكية. والهدفُ من هذا الجزء في الاتفاق، هو منع حركة طالبان من التعاون مع تنظيم "القاعدة"، وحرمان التنظيم من أي دعم تقدمه الحركة له، أو التعاون بين حركة طالبان وتنظيمات إرهابية أفغانية أخرى مثل حركة حقاني. 

2- الانسحاب العسكري: نَصَّ الاتفاق على وجود ضمانة وآلية تطبيق، وإعلان جدول زمني لانسحاب كافة القوات الأجنبية من أفغانستان. ووفقًا للاتفاق فإن الولايات المتحدة، وحلفاءها من دول التحالف، ستتخذ عددًا من الإجراءات خلال 135 يومًا، تشمل تخفيض عدد القوات الأمريكية إلى 8600 جندي، والعمل على تخفيض وجود قوات التحالف، وسحب كافة القوات الأمريكية وقوات التحالف من القواعد العسكرية الخمس الموجودة في الأراضي الأفغانية، وسحب كافة القوات الأمريكية وقوات التحالف المتبقية في أفغانستان خلال تسعة أشهر ونصف بعد المرحلة الأولى من سحب القوات. ويبدو واضحًا من نصّ الاتفاق أن الجدول الزمني لسحب القوات وإبقاء بعضها ارتبط بالرؤية الاستراتيجية الأمريكية بأن الانسحاب السريع من أفغانستان وعدم وجود قوات أمريكية هناك يُمكن أن يُساهم في زيادة عدم الاستقرار والانهيار السريع على الأرض.

3- السلام الأفغاني- الأفغاني: نصّ الاتفاق على أن تبدأ حركة طالبان مفاوضات للسلام الأفغاني الداخلي مع الحكومة الأفغانية، على أن تبدأ هذه المفاوضات يوم 10 مارس، بعد بدء الانسحاب التدريجي للقوات الأمريكية، وبعد حدوث إطلاق للسجناء المحتجزين من قبل الطرفين (حركة طالبان والحكومة الأفغانية). فقد نص الاتفاق على أن تقوم الحركة بالإفراج عن 1000 سجين من السجناء المرتبطين بالحكومة الذين تحتجزهم، وأن تقوم الحكومة في المقابل بالإفراج عن 5000 سجين من الأفراد المنتمين للحركة. 

4- مراجعة العقوبات الأمريكية والدولية: نص الاتفاق على أن تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بمراجعة العقوبات المفروضة على أعضاء حركة طالبان، وذلك حتى 27 أغسطس 2020، وأيضًا العمل على أن تتم مراجعة العقوبات الدولية التي فرضها مجلس الأمن على أعضاء الحركة، وذلك حتى 29 مايو 2020. 

5- العلاقات الطبيعية في مرحلة ما بعد الاتفاق: نصّ الاتفاق أيضًا على أن تسعى الولايات المتحدة وحركة طالبان، إلى إقامة علاقات إيجابية بينهما، وذلك بعد اتفاق التسوية وما يُسفر عنه الحوار الأفغاني الأفغاني، وأن تسعى الولايات المتحدة إلى التعاون الاقتصادي وإعادة إعمار أفغانستان، وألا تتدخل في الشؤون الداخلية لأفغانستان.

ما بعد الاتفاق:

تُشير التقديرات إلى أن هناك مجموعةً من التحديات الرئيسية التي تواجه اتفاق السلام بين الولايات المتحدة وحركة طالبان، وهذه التحديات ليس من السهل تجاوزها، ويمكنها أن تؤثر على مجمل عملية التسوية للصراع في أفغانستان، وتشمل ما يلي:

1- وقف الإرهاب: هدفت إدارة "ترامب" من الاتفاق إلى وضع حد للتعاون بين حركة طالبان وتنظيم "القاعدة"، أو التنظيمات الإرهابية الأخرى. وفي هذا الإطار فإن التحدي الرئيسي يتمثل في مدى التزام طالبان بهذا البند، وإنهاء علاقتها مع "القاعدة" والتنظيمات الأخرى، ووقف تقديم العون لها، حيث لا توجد آلية واضحة تحدد كيف ستتم الرقابة على مدى التزام الحركة بذلك، وربما يكون استمرار وجود بعض القوات الأمريكية ومنها عناصر لأجهزة الاستخبارات بهدف مراقبة الوضع عن كثب. ولا يوجد ضمن الاتفاق ما يؤشر إلى كيف ستتعامل الولايات المتحدة مع ذلك، أو مع استخدام الأراضي الأفغانية لتهديد الأمن الأمريكي. 

2- محادثات السلام الأفغانية- الأفغانية: مفاوضات السلام بين الحركة والحكومة الأفغانية، وضرورة الوصول إلى حل للأزمة السياسية الأفغانية، وتحديد مستقبل كيفية تقاسم السلطة، وشكل الحكم في الدول الأفغانية في مرحلة ما بعد السلام؛ كلها تُمثّل جزءًا من محدِّدات نجاح الاتفاق. وقد أثبتت الأيام القليلة بعد الاتفاق، في الفترة من يوم السبت 29 فبراير إلى الثلاثاء 3 فبراير، صعوبة بدء هذه المفاوضات، ووجود عقبات رئيسية. فالجزء المتعلق باتفاق تبادل السجناء لم يتم تنفيذه، في ظل تشكيك الحكومة الأفغانية في نوايا حركة طالبان. في المقابل، تُصرّ الحركة على ضرورة تنفيذ الحكومة هذا الالتزام. ويُعقّد من هذه العقبة أن الاتفاق لم يضع آلية محددة تُجبر الطرفين على الجلوس إلى مائدة المفاوضات، ولم يُحدد آلية للرد على قيام حركة طالبان بإنهاء الاتفاق وتجديدها لهجماتها ضد أهداف ترتبط بالحكومة الأفغانية. وقد بدا لافتًا أن الحكومة الأفغانية لم تحضر أو تشارك في مراسم توقيع اتفاق السلام في الدوحة، وأن الإدارة الأمريكية رأت أن يتم إرسال وزير الدفاع "مارك أسبر" للقاء الرئيس الأفغاني وقت توقيع الاتفاق، وتقديم تعهد بالتزام الولايات المتحدة بإطلاق عملية سلام أفغانية أفغانية. 

3- الالتزام بالمبادئ الديمقراطية: ارتباطًا أيضًا بالسلام الأفغاني الأفغاني، وشكل الدولة الأفغانية بعد التسوية؛ فإن الاتفاق لم يتطرق أو ينص على أية جوانب تتعلق بضرورة التزام حركة طالبان بالقواعد والمبادئ الديمقراطية. فالحركة التي تُناهض الديمقراطية بشكل عام، بدايةً من قمع النساء، ونشر التشدد الديني.. إلخ؛ لا توجد ضمانات بأنها ستقوم بتغيير سلوكها الذاتي، والالتزام بالعملية الديمقراطية. 

4- تعزيز الدولة الأفغانية: نصّ الاتفاق على أن تسعى الولايات المتحدة إلى دعم بناء وإعادة الإعمار في أفغانستان في مرحلة ما بعد اتفاق السلام، وهذا يعني استمرار الجهود التي تقوم بها فيما يتعلق بتعزيز قدرات القوات المسلحة والشرطة في أفغانستان، وضمان كفاءة مؤسسات وأجهزة الدولة الأفغانية. وهذا كله يتوقف أيضًا على المخرجات التي سيتم التوصل إليها في الحوار الأفغاني الأفغاني بين حركة طالبان والحكومة الأفغانية.

ختاماً أن توقيع اتفاق للسلام بين الحكومة الأمريكية وحركة طالبان، لا يعني تلقائيًّا تحقق السلام في أفغانستان، فالتحديات التي تمثل معوقات لتنفيذ الاتفاق وعرقلة السلام ما زالت قائمة، خاصة مدى إمكانية إطلاق عملية سلام بين حركة طالبان والحكومة والأفغانية. ورغم تلك التحديات فقد نجح الطرفان (إدارة "ترامب"، وحركة طالبان) في تحقيق أهدافهما من اتفاق السلام. فـ"ترامب" يستطيع أن يوظّف الاتفاق في حملته لانتخابات الرئاسة 2020 بغض النظر عن نجاح عملية السلام الأفغانية الداخلية، كما أن حركة طالبان انتزعت اعترافًا أمريكيًّا بشرعيتها مع توقيع الاتفاق، مما يجعلها تدخل في مفاوضات السلام الداخلية في وضع قوي من وجهة نظرها.