أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

حقبة الغضب:

لماذا يخشى العالم تصاعد أزمة الهجرة في 2020؟

15 يناير، 2020


عرض: ياسمين أيمن – باحثة في العلوم السياسية 

يُعاصر عالمنا اليوم بمجتمعاته الديمقراطية وغير الديمقراطية تحديات مختلفة، ساهمت في تغيير طبيعة الفاعلين التقليديين، وأشكال التعاون الدولي. فعلى المستوى السياسي، تتأثر الديمقراطيات الغربية بموجات الشعبوية، وسياسات القادة التي باتت تميل لتحقيق مصالح خاصة أقرب من مصالح المواطنين، وهو ما يساهم في تآكل قيم العدالة والمساواة والحرية.

وعلى المستوى الاقتصادي، تتأثر كافة الدول بتغيرات البيئة الاقتصادية العالمية، مُخلفة وراءها تحديات تنعكس على مواطني الدول. كما تساهم التطورات التكنولوجية ومواقع التواصل الاجتماعي في تغيير أشكال الاتصال بين الأفراد، والتأثير على نواحي حياتهم المختلفة. وكل ما سبق مجتمِعًا يلعب دورًا مباشرًا أو غير مباشر في التأثير على ظاهرة الهجرة، وموجات المهاجرين. 

وفي هذا الشأن، يُناقش التقرير الذي يَصدُرُ كل عامين عن المنظمة الدولية للهجرة IOM والذي جاء تحت عنوان "تقرير الهجرة العالمي 2020"، أسباب الهجرة الدولية خلال العامين الماضيين، مُدللًا على ذلك بمجموعة من الإحصائيات. ويوضح آثار المهاجرين على المجتمعات المستضيفة لهم، فضلًا عن تطرقه للسياسات التي تخلق بيئة آمنة للمهاجرين، ولخطوات المجتمع الدولي في الأعوام الأخيرة.

طبيعة الهجرة:

على عكس ما تُظهر وسائل الإعلام من توحد دوافع ظاهرة الهجرة، يوضح تقرير المنظمة الدولية للهجرة أن ظاهرة الهجرة مسألة مركبة ومعقدة، حيث ساهم انتشار العولمة، وظهور الثورة الصناعية الرابعة، في تغير الأولويات الاقتصادية والاجتماعية الموجودة بسياسات الدول.

كما ساهم اضطراب الحقبة الراهنة التي يطلق عليها بعض المحللين "حقبة الغضب"، في تضرر قطاع عريض من المواطنين، وتعرضهم لأزمات سياسية واقتصادية وصحية واجتماعية وثقافية، مثّلت حافزًا رئيسيًّا لهجرتهم. 

ويستهل التقرير أجزاءه الأولى موضحًا آلية جمع بياناته عن المهاجرين، التي اعتمد فيها على الأرقام الرسمية التي تتيحها المكاتب الإحصائية بالدول، والمنظمات الرسمية، فضلًا عن الأرقام التي جمعتها المكاتب الخاصة بالمنظمة الدولية للهجرة.

كما أشار التقرير إلى التعريف الأساسي للهجرة، الذي ارتأى أنه ليس تعريفًا موحدًا ولكنه يرتبط بعوامل مختلفة تساهم في تغير التعريف، مثل: محل الميلاد، وأصول الآباء (أجيال المهاجرين)، وجغرافيا المكان، والطبيعة السياسية، ونظام الحكم، وطريقة الهجرة (شرعية، غير شرعية)، ومدة الإقامة (أقل من عام أم أكثر من عام؟)، فضلًا عن اختلاف التعريف من دولة لأخرى.

ويوضح التقرير بشكل عام أن الأفراد لا يميلون عادةً للانتقال خارج حدود دولهم، حيث بلغ عدد المهاجرين داخليًّا نحو 740 مليون فرد في عام 2009. ولكن من الملاحظ تسارع معدل نمو المهاجرين دوليًّا في العقدين الأخيرين. ويرجع ذلك إلى أسباب متنوعة كالدراسة أو العمل، أو الالتحاق بالأسرة.

ويأتي العنف والحرب في مقدمة الأسباب التي تُساهم في زيادة معدلات الهجرة الدولية، حيث تسببت الصراعات في هجرة نحو 41,3 مليون فرد حتى عام 2019. وجاءت سوريا في مقدمة الدول، التي يُهاجر مواطنوها بسبب الحرب، كما حققت اليمن والكونغو الديمقراطية، وجنوب السودان، وكولومبيا مؤشرات عالية في الهجرة الناجمة عن تصاعد وتيرة العنف الداخلي. 

ومثّل التدهور الاقتصادي والاضطراب السياسي دافعًا رئيسيًّا للهجرة إلى دول أخرى كما في فنزويلا. فضلًا عن مساهمة التغيرات المناخية في نمو ظاهرة الهجرة أو النزوح المؤقت، كما في الصين، والهند، والولايات المتحدة، وأمريكا اللاتينية، وبعض الدول الإفريقية، كمنطقة بحيرة تشاد.

 وجدير بالذكر أن الكوارث والحروب ينتج عنها لاجئون ونازحون بحاجة لمساعدات عاجلة، وهو أمر يضع المجتمع الدولي تحت ضغوطات كبيرة (ماليًّا، وتشريعيًّا، وأمنيًّا).

أرقام هامة:

يوضّح التقرير بعض الأرقام ذات الدلالات الهامة؛ حيث يشير إلى أن عدد المهاجرين الدوليين بلغ نحو 272 مليون فرد في عام 2019، وهو ما يمثل 3,5% من حجم سكان العالم. 52% من الذكور، و48% من الإناث. و74% من المهاجرين هم أناس في سن العمل (20-64) عامًا. ويمثّل اللاجئون نحو 25,9 مليون شخص، منهم 20,4 مليون لاجئ مُسجل في المفوضية السامية بالأمم المتحدة لشئون اللاجئين، و5,5 ملايين لاجئ مُسجل لدى وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، في حين يمثل النازحون نحو 41,3 مليونًا، ويمثل الأشخاص عديمو الجنسية نحو 3,9 ملايين.

ويتطرق التقرير إلى عدد الأطفال المهاجرين الذي يُقدر بنحو 31 مليون طفل، بينهم 13 مليون طفل لاجئ، و17 مليون طفل نازح. ويهاجر بعض الأطفال مع ذويهم، مما قد يقلل من المخاطر التي يتعرضون لها. ولكنّ آخرين يتعرضون لانتهاكات حقوقية واسعة، ويفتقدون للحماية الأمنية والصحية اللازمة لهم. 

ومن جهة أخرى، يشير التقرير لعمليات التحويلات النقدية التي يقوم بها المهاجرون لذويهم في بلدانهم الأم. وتأتي الهند في مقدمة الدول المُصدّرة للمهاجرين عالميًّا، حيث يبلغ عدد مهاجريها بالخارج نحو 17,5 مليون فرد، بتحويلات مالية بلغت نحو 78,6 مليار دولار في عام 2018. ثم المكسيك بنحو 11,8 مليون مهاجر، بتحويلات مالية بلغت نحو 35,7 مليار دولار. ثم الصين بحوالي 10,7 ملايين مهاجر، بتحويلات مالية بلغت نحو 67,4 مليار دولار أمريكي.

وتُعتبر آسيا وأوروبا الوجهة الأولى للمهاجرين الدوليين؛ حيث بلغ عدد المهاجرين لآسيا نحو 84 مليونًا، بينما بلغ عدد المهاجرين لأوروبا نحو 82 مليونًا، بما يمثل 61% من إجمالي مهاجري العالم. وتحتل الولايات المتحدة الأمريكية المرتبة الثالثة في استقبال المهاجرين، حيث تضم وحدها نحو 50,7 مليون مهاجر دولي، بنسبة تمثل 22% من إجمالي المهاجرين الدوليين. وقد قاموا بتحويلات نقدية بلغت نحو 68 مليار دولار حتى عام 2018.

انعكاسات المهاجرين على المجتمعات المُضيفة:

تناول التقرير الأبعاد السلبية والإيجابية للمهاجرين. فيذكر أنه على مدار العقد الأخير برزت قضية الهجرة على الساحة الدولية، وانتشرت المعلومات المُضللة حول المهاجرين على منابر الإعلام، وعلى منصات التواصل الاجتماعي، متسببة في نشوب نزعات كراهية وعداء من قبل مواطني الدول الأم للمهاجرين. واستخدم بعض القادة الشعبويون قضية الهجرة كورقة رابحة لاكتساب مزيد من الناخبين، موضحين الآثار السلبية للهجرة، ومنادين بمجتمعات أكثر انغلاقًا تحافظ على قيم المجتمع الأصلي، ومعادين بصورة واضحة للسياسيين الذين يدعمون السياسات الليبرالية. ويتجلى ذلك في الدول الأوروبية والولايات المتحدة.

ويُشير التقرير -من ناحية أخرى- إلى دور المهاجرين الواضح في حدوث التغيرات الديموغرافية، والثقافية، والاقتصادية، والسياسية، بالدول المُضيفة. ويعزو التقرير ذلك إلى وجود سياسات "لم الشمل"، واستراتيجيات احتواء المهاجرين واللاجئين، والسماح لهم بالمشاركة السياسية، والاندماج الاقتصادي، فضلًا عن التطورات التكنولوجية ووسائل التواصل الاجتماعي، التي تلعب دورًا هامًّا في تحديد خط سير المهاجرين، وتساعدهم في تجنب بعض المخاطر، كما أنها تربط بينهم في الدول المضيفة، مما يساهم في وجود تكتلات سكانية تشترك في نفس اللغة، ونفس العادات والتقاليد، وحتى الطعام، والموسيقى، والرياضة (ككرة القدم).

كما يوضح التقرير الدور الإيجابي للمهاجرين في تحسين الحياة بالدول المُضيفة؛ حيث يميل المهاجرون لتأسيس شركات ناشئة أكثر من السكان الأصليين، وهو ما يُساهم في إنعاش الابتكار داخل الدول المضيفة كما في حالة الولايات المتحدة، حيث يساهم المهاجرون في تسجيل أرقام مرتفعة من براءات الاختراع، كما يحوزون جوائز متعددة بالفنون والعلوم.

ووفقًا لجامعة استانفورد؛ يتم استخدام تلك النجاحات في حملات القضاء على العنصرية، وتقليل مستوى معاداة الأجانب، كما في حالة لاعب كرة القدم المصري "محمد صلاح"، ودوره في تحسين الصورة النمطية السائدة عن المسلمين والعرب، وفي خفض معدل جرائم الكراهية منذ انتقاله إلى نادي ليفربول الرياضي بإنجلترا في عام 2017.

علاوةً على ما سبق، يساهم المهاجرون في حدوث نمو اقتصادي بالدول، فوفقًا لمعهد ماكينزي العالمي، ساهم المهاجرون بما يمثل أكثر من 9% من إجمالي الناتج المحلي العالمي، أي ما يعادل 6,7 تريليونات دولار أمريكي بعام 2015. ويرجع ذلك لصغر سن المهاجرين عن السكان الأصليين، مما يساعدهم في القيام بأنشطة اقتصادية أكبر. كما تساهم الهجرة طويلة الأمد في إدماج اللاجئين بأسواق عمل الدول المُضيفة، وتعلمهم مهارات متطورة ترفع من مستويات دخولهم.

 وجدير بالذكر أن انعكاسات المهاجرين لا تتوقف على الدول المستضيفة لهم فقط، فما يتلقونه من تعليم عالٍ، وثقافات مختلفة (طعام، موسيقى، فن، رياضة)، تنعكس على دولهم الأم نفسها. كما أن ثراء هؤلاء المهاجرين أو تحقيقهم مكاسب تكون له انعكاسات إيجابية عليها، حيث تساهم تحويلات العاملين بالخارج في إنعاش اقتصاديات الدول الأم، وتوفير العملة الصعبة.

خطوات المجتمع الدولي:

يُجابه المهاجرون مخاطر متعددة أثناء رحلتهم أو خلال إقامتهم بالدول المُضيفة، ويتوقف حجم المخاطر ومدى كارثيتها على الوضع القانوني للمهاجرين داخل الدول المستضيفة، والوضع الاقتصادي، والصحي، والسياسي، والثقافي، وحتى اللغوي. ومن المؤكد أن تلك المخاطر لا تتوقف على المهاجرين ولكنها تكون ذات انعكاسات على مواطني الدول المستضيفة، وعلى الحكومات نفسها. ولذلك تسعى دول العالم مجتمعة لوضع استراتيجيات لمساعدة المهاجرين على تجنب المخاطر، وتأمين حيوات آمنة لهم.

ويُفرق التقرير بين الكوارث في الدول المستضيفة للمهاجرين، ودولهم الأم، مشيرًا إلى اختلاف استجابة المجتمع الدولي في كلتا الحالتين نتيجة لسوء فهم دور المهاجرين، والظروف المحيطة بهم.

فغالبًا ما يلوح في الأفق حل إعادة المهاجرين لأوطانهم عقب الكوارث الداخلية، وهذا في حد ذاته يمثل كارثة إنسانية أخرى، نظرًا لارتفاع احتمالية ما يمكن أن يواجهه هؤلاء المهاجرون من مخاطر. ولحل تلك القضية فإن هناك حاجةً لوجود سياسات أكثر شمولية تستند إلى فهم واسع للظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والصحية لهؤلاء المهاجرين. فضلًا عن إدراك دور المهاجرين أنفسهم في مواجهة فترات ما بعد الكارثة، سواء في أوطانهم أو في الدول المستضيفة.

ويضرب التقرير أمثلة عدة على الدور الإيجابي للمهاجرين في مواجهة الكوارث بالدول المستضيفة. مشيرًا إلى فيضانات تايلاند، التي لعب المهاجرون خلالها دورًا أساسيًّا لمساعدة الحكومة والمتضررين في مجابهة آثار الكارثة.

وبخصوص سياسات المجتمع الدولي بشأن مناخ أكثر أمنًا للهجرة؛ يوضح التقرير في أجزائه الأخيرة التفات المجتمع الدولي للمهاجرين، وظهور ذلك في نمو حجم المنظمة الدولية للهجرة IOM خلال العقدين الأخيرين، عن طريق زيادة حجم الدول الأعضاء من 76 دولة عضوًا في عام 2000 إلى 173 دولة في عام 2020. وهو ما صاحبه زيادة في عدد المكاتب التابعة للمنظمة، من 120 مكتبًا عام 2000 حتى 436 مكتبًا في عام 2020. وتهدف تلك المكاتب لتطوير أداء المنظمة لمساعدة أكبر قدر من المهاجرين.

كما يُشير التقرير إلى زيادة عدد الحوارات الإقليمية والمبادرات الخاصة بشئون اللاجئين بآسيا وإفريقيا والأمريكتين؛ مثل وضع إطار سينداي التابع للأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث في الفترة من 2015 حتى 2030، فضلًا عن التوقيع على اتفاقيات تتعلق بالتغيرات المناخية كاتفاقية باريس للمناخ في عام 2015. التي تهدف لحماية المجتمع الدولي كافة من آثار التغير المناخي، والوصول إلى معدل صفر للانبعاثات الكربونية.

كما يؤشر التقرير إلى إعلان نيويورك، الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 16 سبتمبر 2016، وهو عبارة عن مجموعة من الالتزامات لتعزيز حماية اللاجئين والمهاجرين. كما يشير التقرير للميثاق العالمي للاجئين، والميثاق العالمي للهجرة الآمنة والمنتظمة والمنظمة، والذي على الرغم من كونه غير مُلزم قانونيًّا إلا أنه يُعد أول ميثاق يحقق التوازن بين حقوق المهاجرين ومبدأ سيادة الدول على أراضيها، وقد وقّعت عليه 150 دولة في ديسمبر 2018. كما تمت إقامة القمة العالمية للعمل الإنساني بإسطنبول في عام 2016 بدعوة من الأمين العام للأمم المتحدة السابق "بان كي مون". وكلها خطوات ذات انعكاسات إيجابية على المهاجرين الذين لا يزالون بحاجة لسياسات أكثر احتواء تساعدهم على حل مشاكلهم، وتحميهم من المخاطر.

 وختامًا، يؤكد التقرير أن ظاهرة الهجرة واللجوء من الظواهر العابرة للحدود الوطنية، ومن ثم فآثارها تكون ذات انعكاسات واسعة النطاق، وهذا يتطلب دورًا أكبر للمجتمع الدولي لحل مشكلات المهاجرين، خصوصًا أنه من المتوقع نمو الظاهرة خلال الأعوام القادمة، نتيجة زيادة اضطرابات المجتمع الدولي على كافة المستويات (سياسية، اقتصادية، ثقافية)، وهذا بدوره يتطلب جمع معدل أكبر من البيانات عن هؤلاء المهاجرين بالتعاون بين كافة الجهات الفاعلة والمنظمات على المستوى الوطني والإقليمي والدولي، فضلًا عن الحاجة لزيادة الدعم المالي المخصص لهم.

بيانات التقرير:

Marie McAuliffe and Binod Khadria (eds.), "World migration report 2020", International Organization for Migration, Geneva, 2019.