أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

تأثيرات متفاوتة:

كيف تنعكس التوترات السياسية بالمنطقة على أسعار النفط؟

02 أكتوبر، 2017


تزايدت المخاوف العالمية من انقطاع أو تراجع إمدادات النفط من بعض مناطق الإنتاج في الشرق الأوسط مؤخرًا، وهو ما تزامن مع اتساع نطاق الاضطرابات المتجددة في ليبيا، وتصاعد حدة التوتر بين إقليم كردستان وكل من الحكومة العراقية وإيران وتركيا بعد إجراء الاستفتاء في 25 سبتمبر 2017، فضلاً عن اتساع نطاق الخلافات بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران حول الاتفاق النووي، بشكل دفع اتجاهات عديدة إلى ترجيح أن ذلك سيفرض تداعيات مباشرة على الأسعار العالمية للنفط.

وفي الفترة الماضية، من الملاحظ أن الاضطرابات التي شهدتها المنطقة أثرت بشكل متفاوت على أسعار خام برنت، ففي حين تجاهلت الأسواق تهديدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المستمرة ضد إيران أو أحداث التوترات في لبييا في شهر أغسطس الماضي، فإن استفتاء كردستان حظى باهتمام أكبر من قبل أسواق النفط، حيث ارتفعت الأسعار بشكل ملحوظ وذلك جراء المخاوف من نشوب صراع بين الإقليم والحكومة المركزية في بغداد، وبما قد يؤدي إلى تأثر الإنتاج في المناطق الشمالية بالعراق.

ورغم ذلك، فمن الواضح أن تأثير التوترات السياسية في المنطقة على أسعار النفط يعد هامشيًا وآنيًا، أى سرعان ما يتلاشى، ولتبقى الأسعار عند مستويات 50 دولارًا للبرميل أو أكثر بقليل. وثمة تفسيران رئيسيين لضعف العلاقة بين العاملين: يتمثل أولهما، في تلاشي التهديدات القوية لصناعة النفط بمنطقة الشرق الأوسط كما كان عليه الوضع قبل خمس سنوات. وينصرف ثانيهما، إلى تغير ديناميكية أسعار النفط العالمية منذ أواخر عام 2014، بسبب وفرة المعروض النفطي خارج أعضاء منظمة "أوبك" في مقابل محدودية الطلب العالمي.

تصاعد التوترات:

أثار تصاعد وتيرة التوترات السياسية والأمنية مجددًا في أنحاء مختلفة بالشرق الأوسط مخاوف الأسواق العالمية من انقطاع إمدادات النفط، وذلك في ظل الاضطرابات التي شهدتها المنطقة منذ اندلاع الثورات العربية في عام 2011، وبما تسبب بشكل متكرر في بعض الأحيان في انخفاض إنتاجها.

وفي الشهور الماضية، شهدت ليبيا وقف إنتاج حقول رئيسية مختلفة مرات عديدة لتتأثر قدرتها في الحفاظ على مستويات ثابتة من الإنتاج في العام الجاري. ووفق المؤسسة الوطنية للنفط، فقد انخفض إنتاج البلاد في نهاية أغسطس الماضي إلى 360 ألف برميل يوميًا، أى أقل بثلث من طاقتها الإنتاجية المعتادة، وذلك نتيجة إغلاق مليشيات مسلحة خطوط أنابيب لثلاثة حقول نفط وهى الشرارة والفيل والحمادة.

وبالمثل، حظى استفتاء إقليم كردستان باهتمام من قبل أسواق النفط العالمية، حيث ينتج الإقليم قرابة 600 ألف برميل يوميًا، بما يعادل 12% من إنتاج العراق، فيما يحوي احتياطات تقدر بـ45 مليار برميل نفط، أى أكثر من احتياطات نيجيريا، أحد أعضاء منظمة "أوبك". كما أنه من المحتمل أيضًا أن تتحول محافظة كركوك الغنية بالنفط إلى محور للصراع بين الطرفين في الأجل القريب بما قد يتسبب في تضرر الإنتاج النفطي في شمال العراق.

فيما يبدو أن الإدارة الأمريكية الحالية تتجه جديًا إلى إعادة النظر في التعامل مع الاتفاق النووي الذي توصلت إليه إيران مع مجموعة "5+1"، في منتصف يوليو 2015، وذلك حسبما أشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في مناسبات عدة. وقد يفرض انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق تهديدًا مباشرًا للمكاسب الاقتصادية التي حققتها إيران على مدار الفترة الماضية بما فيها إمكانية وصول الصادرات النفطية الإيرانية للأسواق الدولية.

تباين التأثيرات:

أحدثت التوترات السياسية في منطقة الشرق الأوسط تأثيرات متفاوتة على أسعار النفط في الأسواق العالمية، فبينما تجاهلت أسواق النفط التوترات الليبية التي وقعت في نهاية أغسطس الماضي، ليواصل خام برنت انخفاضه في هذه الفترة، كانت الأسعار أكثر حساسية لإجراء استفتاء إقليم كردستان في 25 سبتمبر الفائت، حيث ارتفع خام برنت بنحو 2.16 دولار أو 3.8% ليبلغ 59.02 دولار للبرميل، وهو أعلى مستوى له منذ يوليو 2015، وذلك وسط مخاوف دولية من تفاقم الأوضاع الأمنية في الإقليم بسبب محاولات استقلال كردستان. 

وكما يبدو واضحًا، فإن للتوترات السياسية بالمنطقة تأثيرات على أسعار النفطة العالمية، ولكنها تظل محدودة وهامشية وغير مؤثرة على الصعيد العالمي بشكل كبير. كما أنها آنية، حيث سرعان ما يتراجع تأثيرها وذلك في ضوء ارتباطه بعدد من المتغيرات العالمية الأخرى وأهمها المضاربة في أسواق النفط، بجانب وفرة المعروض ومخزونات النفط العالمي.

تطورات أسعار النفط في الأسواق العالمية (دولار/البرميل)


المصدر: التقرير الشهري لمنظمة أوبك، سبتمبر 2017.

تفسيرات مختلفة:

 تعود محدودية تأثير التوترات السياسية والأمنية بمنطقة الشرق الأوسط على أسواق النفط العالمية إلى تفسيرين رئيسيين هما:   

1- ضعف التهديدات: أصبح تهديد التوترات السياسية لصناعة النفط بالمنطقة أقل حدة مما كان عليه الحال قبل خمس سنوات. فرغم أن ليبيا، على سبيل المثال، تشهد بين الحين والآخر تهديدات من قبل بعض المليشيات المسلحة قد توقف إنتاج بعض حقول النفط، إلا أن السلطات المحلية سرعان ما تنجح في تجاوز هذه الاضطرابات بعد فترة وجيزة قد لا تتجاوز أسبوعين.

 كما أن إيران ما زالت لديها القدرة على الوصول للأسواق الدولية حتى صارت أكبر مصدري النفط لبعض الدول الآسيوية مؤخرًا مثل كوريا الجنوبية، رغم التهديدات المتكررة من قبل الإدارة الأمريكية بالانسحاب من الاتفاق النووي.

 فيما ليس واردًا أن تمضي تركيا في تهديدها بفرض عقوبات اقتصادية كلية على إقليم كردستان بما فيها غلق خط أنابيب "جيهان" أمام صادرات النفط الكردية، حيث أنه يمثل موردًا مهمًا لإمدادات الطاقة في تركيا والدول المجاورة الأخرى، كما من المحتمل أن تتأثر المصالح التجارية والاستثمارية بين الطرفين بسبب أى إجراءات عقابية. فضلاً عن أن روسيا أصبحت أحد الأطراف الرئيسية في صناعة النفط بالإقليم، وهى كفيلة بالحفاظ على مصالحها هناك بالضغط أو التشاور مع الدول المجاورة للإقليم.   

2- ديناميكية الأسواق: تشهد الأسواق العالمية تخمة كبيرة من المعروض تتخطى الطلب العالمي على النفط، بشكل قلص من تأثير أى انحسار محتمل في إمدادات النفط من المنطقة. وفي النصف الثاني من عام 2017، بلغ المعروض العالمي من النفط نحو 96.1 مليون برميل، أى بزيادة 100 ألف برميل يوميًا عن الطلب العالمي، يضاف إليها مخزون كبير متراكم من النفط لدى الاقتصادات المتقدمة في هذه الفترة بلغ  4.6 مليون برميل يوميًا.

وعلى ضوء ذلك، يمكن القول إن التوترات التي تشهدها المنطقة لها تأثيرات تختلف باختلاف طبيعة أوضاع أسواق النفط، بما يعني أنها تعتمد على ما إذا كان السوق يواجه فائضًا أو عجزًا في المعروض. فعندما يكون هناك نقص في المعروض يمكن أن تتسبب هذه التوترات في رفع الأسعار، لأن الأسواق تشعر بالقلق إزاء احتمال حدوث انقطاع في الإمدادات.

أما في حالة وفرة المعروض كما عليه الحال حاليًا، فلن تؤثر التوترات على الأسواق، مع العلم بأنه بإمكانية الأسواق المستهلكة الحصول على الإمدادات من منتجين آخرين، وهو ما حدث بالفعل حيث باتت أسواق الاستهلاك العالمية أكثر تنويعًا في مصادر واردات النفط لتعتمد تدريجيًا على منتجين مثل الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والبرازيل وكندا، إلى جانب دول المنطقة المصدرة للنفط.