أخبار المركز
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)

هجوم لندن:

لماذا تستهدف التنظيمات الإرهابية المواصلات العامة ؟

15 سبتمبر، 2017


تصاعدت تهديدات التنظيمات الإرهابية لأمن وسائل المواصلات العامة في الدول الغربية؛ وهو ما كشفته العمليةُ الإرهابيةُ التي استهدفت محطة مترو الأنفاق "بارسونز جرين" بمنطقة فولهام بجنوب غربي العاصمة البريطانية لندن، في 15 سبتمبر 2017. 

وتضمنت العملية الإرهابية الأخيرة وضع عبوة ناسفة بدائية في المحطة سالفة الذكر، إلا أنها لم تنفجر، واشتعلت المواد المستخدمة في تصنيعها، مما أدى إلى نشوب ما وصفه خبراء المفرقعات بـ"احتراق محدود" أدى إلى إصابة 22 شخصًا، وكان من المتوقع أن يتزايد عدد الضحايا بشكل أكبر في حال حدوث الانفجار، وقد أعلن تنظيم داعش مسئوليته عن الحادث عبر وكالة "أعماق".

ويرجع تركيزَ التنظيمات الإرهابية على استهداف شبكات النقل العامة في المدن الكبرى، إلى كثافة الحشود التي تستخدمها، وصعوبات التأمين، وإمكانيات التخفي، بالإضافة إلى التأثيرات النفسية والاجتماعية الضخمة المترتبة على الهجمات.

"إرهاب المواصلات": 

لم تكن عملية "مترو لندن" هي الأولى من نوعها التي يتم فيها تنفيذ عمليات داخل المواصلات العامة؛ إذ حاول أحد الإرهابيين تفجير حقيبة تحتوي على مسامير وعبوات غاز داخل محطة سنترال للقطارات في بروكسل في يونيو 2017؛ إلا أن الجنود الموجودين داخل المحطة تمكنوا من قتله قبل تنفيذ العملية.

كما وقع انفجار بقطار الأنفاق بمدينة "سان بطرسبرج" الروسية في أبريل 2017 أدى إلى مقتل 14 فردًا وإصابة العشرات، واكتشفت السلطات الأمنية الروسية كذلك قنبلة في محطة "بلوشاد فوستانيا"، وتمكنت من إبطال مفعولها قبل حدوث الانفجار.

وتضمنت الهجمات على المواصلات العامة اللجوء إلى أساليب أكثر بدائية؛ حيث قام أحد اللاجئين الأفغان بالهجوم على ركاب قطار في ألمانيا بفأس وسكين، مما أسفر عن إصابة 4 أشخاص، وقد أعلن تنظيم داعش مسئوليته عن الحادث، وذلك في يوليو 2016. وفي إطار سلسلة التفجيرات التي شهدتها بروكسل في مارس 2016، شهدت محطة "مالبيك" لقطارات الأنفاق انفجارًا أدى إلى مقتل 15 شخصًا وإصابة العشرات. 

فيما قام إرهابي متشدد بإطلاق النار على ركاب قطار يربط بين باريس وأمستردام، وهو ما أدى إلى إصابة ثلاثة أشخاص قبل أن يتمكن الركاب من القبض عليه، وذلك في أغسطس 2015. كما تعرضت المواصلات العامة في مدينة فولغوغراد الروسية لسلسلة من العمليات الإرهابية في عام 2013؛ حيث قامت انتحارية في أكتوبر 2013 بتفجير نفسها في حافلة للركاب، مما أدى إلى مقتل 6 أشخاص، بينما قام أحد الإرهابيين في ديسمبر 2013 بتفجير القنبلة التي كان يحملها عند محاولة تفتيشه من قبل رجال الأمن في محطة قطار فولغوغراد، وهو ما تسبب في مقتل 17 شخصًا وإصابة العشرات. وفي اليوم التالي للعملية الإرهابية، تم تفجير حافلة ركاب في المدينة ذاتها مما ترتب عليه مقتل 14 شخصًا.

ويمكن القول، إن تفجيرات قطارات مدريد في عام 2004 من أكبر الحوداث الإرهابية من حيث عدد الضحايا مقارنة بغيرها من العمليات التي استخدمت هذا التكتيك؛ حيث قُدر عدد القتلى فيها بما لا يقل عن 191 شخصًا، بالإضافة إلى المئات من الجرحي، وهو ما ينطبق على تفجيرات لندن عام 2005 التي وقعت في ثلاثة من قطارات مترو الأنفاق وحافلة عامة في وقت الذروة، وأدى هذا إلى مقتل ما يُقدَّر بحوالي 52 شخصًا.

دوافع الاستهداف:

يرتبط تصاعدُ استهداف التنظيمات الإرهابية لوسائل المواصلات بالدول الغربية بعدة عوامل رئيسية، يتمثل أهمها فيما يلي:

1- كثافة الحشود: تتسم وسائل المواصلات العامة بالازدحام وضخامة حجم الحشود التي تستخدمها يوميًّا، وهو ما يؤدي إلى خسائر كبيرة في الأرواح البشرية عند تنفيذ العملية، وإشاعة الذعر بين المدنيين. فعلى سبيل المثال، قَدَّرت إدارة النقل التابعة لمكتب عمدة لندن عدد القطارات التي تمر بالعاصمة البريطانية لندن بحوالي 543 قطارًا يرتادها ما يزيد على 5 ملايين راكب يوميًّا، وذلك وفقًا لآخر تحديث للبيانات. بالإضافة إلى أن حالة الذعر والارتباك التي تحدث للمواطنين تدفعهم إلى التدافع مما يزيد من أعداد الضحايا، وهو ما يجعلها هدفًا نموذجيًّا للتنظيمات الإرهابية.

2- صعوبة التأمين: على الرغم من اعتماد شرطة لندن على أساليب وتقنيات متقدمة في تأمين وسائل المواصلات؛ إلا أن ذلك لا يمنع من وجود ثغرات متعددة تسمح بتنفيذ العمليات الإرهابية، حيث يوجد أكثر من 12 ألف كاميرا مراقبة في محطات مترو الأنفاق وعربات القطارات، ويتواجد يوميًّا ما يقرب من 700 شرطي في كافة خطوط مترو الأنفاق في لندن. وترجع صعوبات التأمين إلى تعدد مداخل ومخارج المحطات، وكثافة الحشود التي تستخدم المواصلات العامة يوميًّا، بالإضافة إلى اتساع نطاق المناطق المراد تأمينها.

3- اختراق المدن: يتسم تصميم خطوط النقل العامة بالامتداد عبر المدن في صورة شبكات عنكبوتية تخترق المدن من الأطراف إلى القلب، وهو ما يجعل مستويات التأمين تتفاوت من منطقة إلى أخرى وفقًا لمدى وجود مؤسسات أو مرافق حيوية، كما يسمح هذا التصميم بنقل التهديد الإرهابي من المناطق الأقل كثافة وازدحامًا إلى قلب العواصم دون أن تلاحظ السلطات الأمنية، فقد يقوم أحد العناصر الإرهابية باستخدام القطار من محطة خارج المدينة المستهدفة في منطقة غير مأهولة لينتقل إلى قلب العاصمة ثم يقوم بتنفيذ العملية الإرهابية لإحداث أكبر قدرٍ من الخسائر.

4- سهولة التخفي: تتيح وسائل المواصلات العامة إمكانية تنفيذ عمليات إرهابية دون ملاحظة القوات الأمنية؛ حيث يُتيح اتساع المحطات وازدحامها إمكانية إخفاء عبوات ناسفة، سواء داخل القطارات، أو في مناطق انتظار الركاب، وينطبق ذلك على العناصر التي تنفذ العملية الإرهابية؛ حيث يمكنهم الاختباء بين الحشود دون إثارة شك السلطات الأمنية، ويرتبط ذلك بانتشار "النقاط العمياء" (Blind Spots) في مناطق الازدحام داخل المدن، والتي يمكن للتنظيمات الإرهابية معرفتها من خلال دراسة مواضع تثبيث الكاميرات وملاحظة النمط اليومي لتدفقات الحشود عبر المدينة، بحيث يمكن لعناصرهم استغلالها لاحقًا في الاختباء من قوات الأمن.

5- "إرهاب المتعاطفين": لا يتطلب تنفيذ عمليات إرهابية داخل وسائل المواصلات مهارات متقدمة أو تدريبًا خاصًّا للعناصر الإرهابية المنفذة، مما يجعلها ضمن التكتيكات الأكثر ملاءمةً للتنظيمات الإرهابية التي تسعى إلى دفع المتعاطفين معها منخفضي المهارات العسكرية لتنفيذ عمليات إرهابية عشوائية تتسبب في وقوع خسائر بشرية ضخمة، ويمكن استخدام وسائل بدائية لتنفيذ العمليات داخل المواصلات العامة (مثل: العبوات الناسفة بدائية الصنع، والطعن، وإطلاق الرصاص، وتفجير القضبان مما يتسبب في خروج القطارات عن مساراتها).

6- تحريض القاعدة: ترتبط عمليات استهداف وسائل المواصلات العامة بتحريض تنظيم القاعدة على تنفيذ هذا النوع من العمليات؛ حيث خصص تنظيم "القاعدة في جزيرة العرب" في اليمن عدد أغسطس 2017 من مجلته "إنسباير" باللغة الإنجليزية لتحريض عناصره على شن هجمات على قطارات وخطوط السكك الحديدية في أوروبا.

وركزت 18 صفحة بالمجلة البالغ إجمالي صفحاتها 97 صفحة على شرح كيفية مهاجمة القطارات مباشرة، أو استهداف القضبان لإخراجها عن مسارها، أو استهداف المحطات، وشرح العدد أن هذا النوع من الهجمات لا يتطلب انتحاريين، ويمكن تنفيذه بوسائل متعددة، مما دفع صحيفة "ديلي تليجراف" البريطانية في منتصف أغسطس الماضي للتحذير من تحول قطارات السكك الحديد إلى "قطارات موت" بحيث تصبح سلاح الرعب الذي تستخدمه التنظيمات الإرهابية ضد بريطانيا.

وانتقلت تكتيكات استهداف المواصلات العامة من القاعدة إلى داعش، وهو ما يرتبط بانتشار عمليات "الذئاب المنفردة" وعمليات "إرهاب الممكن" التي تعتمد على الوسائل المتاحة في تنفيذ عمليات إرهابية بالدول الغربية.

7- التأثير النفسي: تستهدف العمليات الإرهابية من هذا النوع الإضرار بنمط الحياة اليومية داخل المدن؛ حيث تعتمد الحياة اليومية الحضرية -في بعض الأحيان- على انتقال المواطنين من المناطق السكنية على أطراف المدن إلى مناطق عملهم في وسط المدينة، وهو ما يجعل الإحساس بالأمن أحد المتطلبات الأساسية للتفاعلات الحضرية. وتتسبب العمليات الإرهابية في نشر الرعب والفزع بين المدنيين، والشعور بانعدام الأمن، وهو ما تهدف إليه التنظيمات الإرهابية من تنفيذها عمليات خارج مناطق تمركزها الأساسية بدول الصراعات.

8- الخسائر الاقتصادية: يترتب على الاستهداف المتتالي لوسائل المواصلات العامة بالمدن الكبرى بالدول الغربية خسائر اقتصادية ضخمة بسبب تعطيل حركة النقل عبر المدن، مما يتسبب في تضرر نقل بعض السلع سريعة التلف -مثل المحاصيل الزراعية من المناطق الريفية- إلى المدن، بالإضافة إلى تأثر حركة السياحة بسبب مخاوف السائحين من السفر إلى الدول التي شهدت عمليات إرهابية من هذا النوع، وتحذيرات المؤسسات الأمنية بهذه الدول لمواطنيها بسبب التهديدات الإرهابية المتصاعدة للأماكن المزدحمة في مناطق الجذب السياحي ومرافق النقل العامة.

وإجمالًا، من المرجَّح أن تتصاعد العمليات الإرهابية التي تستهدف المواصلات العامة داخل المدن بالدول الغربية نتيجة صعوبات تأمين هذه المرافق، وسعي تنظيم داعش للانتقام من الدول المشاركة في التحالف الدولي ضد الإرهاب، والرد على خسائر التنظيم في سوريا والعراق، وبث رسائل ثقة للمتعاطفين مع التنظيم وعناصره بقدرته على تنفيذ عمليات مؤثرة، وعدم تأثره بانحسار سيطرته على معاقله الأساسية في سوريا والعراق.