أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

تحديات رقمية:

تأثير التكنولوجيا والعملات المُشفرة في تحويلات العاملين بالخارج

30 أغسطس، 2023


تؤدي تحويلات العاملين بين الدول دوراً متزايداً في تمويل التنمية وضبط ميزان المدفوعات في البلدان متوسطة ومنخفضة الدخل، لذا تهتم الدول والمؤسسات الدولية بمعرفة الاتجاهات الحقيقية للتحويلات. وقد أقر البنك الدولي، في شهر مايو الماضي، 6 محددات لاتجاهات تحويلات العاملين بالخارج، أهمها ارتباط التحويلات بالتكنولوجيا. وفي هذا السياق، فإن العملات المُشفرة، بالرغم من انتشار تداولها خلال السنوات الماضية، لا تزال تواجه تحديات تُقلل من الاعتماد عليها في تحويل الأموال.

اتجاهات كاشفة:

تتمثل أبرز اتجاهات تحويلات العاملين بالخارج حول العالم، في النقاط التالية:

1- نمو تحويلات العاملين على مستوى العالم: وفقاً لتقديرات البنك الدولي، سجلت تحويلات العاملين بالخارج إلى دولهم على مستوى العالم نمواً بمعدل 8% و10.6% في عامي 2021 و2022. وبلغت هذه التحويلات 831 مليار دولار حول العالم، تدفقت أربعة أخماسها إلى الدول متوسطة ومنخفضة الدخل بقيمة 647 مليار دولار عام 2022. ومع ذلك، يرى البنك الدولي أن ثمة تحديات عرقلت نمو تحويلات العاملين بالخارج، ومنها الحرب الروسية الأوكرانية، وتقلب أسعار النفط وأسعار صرف العملات، وتراجع أعمق من المتوقع في النمو الاقتصادي للبلدان الرئيسية ذات الدخل المُرتفع. ولكن تباين تأثير هذه التحديات على دول العالم، فالبعض حقق ازدهاراً ملحوظاً، خاصة الهند التي حققت رقماً قياسياً جديداً بقيمة تحويلات تجاوزت 111 مليار دولار، لتتصدر قائمة الدول المتلقية للتحويلات العام الماضي، تلتها المكسيك بواقع 61.1 مليار دولار، ثم الصين، والفلبين، وباكستان، ومصر.

2- استحواذ العرب على تحويلات العاملين في المنطقة: بلغت تدفقات تحويلات العاملين بالخارج إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حوالي 64 مليار دولار عام 2022، ومن المتوقع أن تشهد المنطقة معدل نمو 1.7% في هذه التحويلات خلال العام الجاري. وتستحوذ مصر والمغرب ولبنان والأردن على أربعة أخماس تحويلات المنطقة، حيث يُحول المصريون العاملون بالخارج سادس أكبر قيمة عالمياً، وقُدرت تحويلاتهم العام الماضي بحوالي 28.3 مليار دولار. وفيما يخص درجة اعتماد اقتصادات الدول على التحويلات، فتُسهم تحويلات اللبنانيين، البالغة 6.4 مليار دولار، بحوالي 36% من الناتج الإجمالي بلبنان و57% من إجمالي إيرادات النقد الأجنبي، ولبنان هي ثالثة دول العالم من حيث حصة تحويلات العاملين بالخارج في الناتج المحلي الإجمالي.

3- دور التكنولوجيا في تحقيق النمو المُستدام لتحويلات العاملين: تُسهم التكنولوجيا في تحسين ثلاثة عوامل ذات صلة بتحويلات العاملين بالخارج، وهي: سرعة التحويل، وتكلفة التحويل، ووصول التحويل إلى أقرب نقطة للمُستفيد. وخلال الـ15 عاماً الأخيرة، استفاد العالم من ثلاث طفرات تكنولوجية في مجال تحويل الأموال؛ أولها في عام 2007 عندما تم استخدام الجيل الأول من خدمات المحمول "الرسائل النصية" في الشمول المالي وتحويل الأموال والإرشاد المصرفي خاصة في إفريقيا جنوب الصحراء. أما الطفرة الثانية فتمثلت في انتشار تطبيقات تحويل الأموال، والتي بلغت ذروة نموها عام 2014. والطفرة الثالثة هي استخدام العملات المُشفرة، والتي بالرغم من ظهورها عام 2009، فإن الطفرة الحقيقية في معدلات نمو استخدامها كانت عام 2017.

4- علاقة عكسية بين غنى الدول وتكلفة التحويلات: تعاني أفقر دول العالم والأكثر احتياجاً للتحويلات من أعلى تكلفة تحويلات، حيث يدفع مواطنو إقليم إفريقيا جنوب الصحراء أعلى متوسط تكلفة تحويلات عالمياً عند 8%، ويحتل "ممر تنزانيا – أوغندا" صدارة تكلفة التحويلات عالمياً، حيث يدفع المواطن 35.5% من قيمة أمواله المُحولة رسوماً للبنوك وشركات التحويل. ولكن قدرة شركات الاتصالات على دخول عالم التحويلات بين الدول أسهمت بشكل فعّال في تقليل هذه التكاليف إلى أقل من 4%، وفقاً لتقرير "حال صناعة تحويل الأموال 2023" الصادر عن الجمعية الدولية لشبكات الهاتف المحمول (GSMA). لهذا يمتلك سكان إفريقيا جنوب الصحراء نصف حسابات "تحويل الأموال عبر الهاتف المحمول" عالمياً، ويقومون بتحويل 70% من التحويلات عبر الهاتف، وفقاً لتقديرات البنك الدولي. وعلى العكس، تحصل منطقة جنوب آسيا (الأعلى نمواً عالمياً) على أقل تكلفة لتحويل الأموال، عند 4.9%، وتستهدف الأمم المتحدة خفض المتوسط العالمي لهذا المُعدل إلى 3% ضمن الأهداف التنموية المستدامة 2063.

وتتكرر هذه العلاقة العكسية في منطقة الشرق الأوسط، حيث تتراوح رسوم التحويل إلى لبنان بين 10% و20%، حسب دولة الإرسال والفترة الزمنية من العام، وفقاً للبنك الدولي وموقع شركة "ويسترن يونيون" المتخصصة في تحويل الأموال، مقارنةً بحوالي 6.2% متوسط رسوم التحويلات في الشرق الأوسط والعالم كله، مع العلم أن لبنان الاقتصاد الأكثر اعتماداً على التحويلات في المنطقة.

تكنولوجيا التحويلات: 

رصد صندوق النقد الدولي، في ورقة عمل بعنوان: "ضجيج حول تلبية التكنولوجيا المالية احتياجات سوق التحويلات" والصادرة عام 2022؛ أثر التكنولوجيا المالية في حركة الأموال إلى 105 دول مُستقبلة للتحويلات المالية. ونفت هذه الورقة أي أثر سلبي للتوسع في استخدام التكنولوجيا المالية على المنافذ التقليدية لاستقبال التحويلات (شركات تحويل الأموال والبنوك ومكاتب البريد)، بل على العكس استخدمت هذه المنافذ التطورات التكنولوجية لصالحها، ووفرت بواسطتها كثيراً من الوقت والمال، وتوسعت في تقديم خدماتها، وهذا على عكس المخاوف التي ملأت أسواق المال في العقد الماضي.

ووفقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي، فإن تطبيقات تحويلات العاملين تجاوزت البنوك التقليدية من حيث عدد ممرات التحويل (تغطية دولة المصدر ودولة المُستقبل) بنهاية عام 2020، حيث تُغطي التطبيقات الإلكترونية 68.8% من ممرات تحويل الأموال، بينما تُغطي البنوك 68.4%، فيما ظلت مكاتب تحويل الأموال التقليدية في الصدارة، حيث تُغطي 96.7% من ممرات تحويل الأموال إلى الدول النامية. ومن المُلاحظ أن النمو في حصة التحويلات عبر التطبيقات الإلكترونية ليس بالكبير؛ لأنها احتفظت بمصروفات تحويل أموال مُرتفعة، خاصة في إفريقيا جنوب الصحراء، على العكس استفادت البنوك التقليدية من قدرتها على المقاصة بين التحويلات الخارجة والداخلة، ما أدى إلى انخفاض تكاليف عملياتها، وانخفاض عمولتها الخاصة بتغيير العملة.  

وكان النجاح الأكبر لاستخدام التكنولوجيا في عالم التحويلات من نصيب "تحويل الأموال عبر الهاتف المحمول"، والذي ازدهر في إفريقيا جنوب الصحراء منذ عام 2007، ولا تحتاج هذه التقنية إلى هاتف ذكي مُرتفع السعر، حيث تعتمد على الرسائل النصية، ما أدى إلى تحقيق الشمول المالي في إفريقيا دون الحاجة إلى البنوك، ولكن تبقى حصة "تحويل الأموال عبر الهاتف المحمول" عند حوالي 2% فقط من إجمالي التحويلات في العالم، حيث تؤدي هذه التقنية دوراً فعالاً لكنه يظل محدوداً ومرتبطاً بالأساس بغياب شبكات البنوك ومكاتب البريد وشركات تحويل الأموال.

تحديات العملات الرقمية:

على الرغم من الطموح الكبير لمنصات العملات الرقمية، فإنه لا يبدو أنه سيتم استخدامها بشكل مُوسع في تحويلات العاملين لأسرهم. ووفقاً لموقع "تريبل إي"، المُتخصص في بيانات العملات المُشفرة، فإن العالم يضم أكثر من 420 مليون حساب لتداول للعملات المُشفرة حول العالم. وبالرغم من اختلاف تعامل حكومات العالم مع العملات المُشفرة بين الدعم الكبير، أو المنع الكامل، أو الاكتفاء بتنظيم حق التداول دون الاستخدام كعملة رسمية، أو عدم التنظيم من الأساس؛ فإن انتشار العملات الرقمية لا يتقيد كثيراً بالمنع.

وعلى سبيل المثال في منطقة الشرق الأوسط، تتصدر إيران قائمة عدد حسابات تداول العملات الرقمية بحوالي 12 مليون حساب، بعد أن أقرت استخدامها في المعاملات الرسمية، حيث قدمت طهران أول أمر استيراد رسمي لها باستخدام العملة المُشفرة (بيتكوين) العام الماضي، في محاولة للالتفاف على العقوبات الأمريكية التي أصابت الاقتصاد الإيراني بالشلل.

وعلى الرغم من انتشار تداول العملات المُشفرة، ومزايا تقنية "سلسلة الكتل blockchain" (عمليات موثقة وشفافة وآمنة ولا تحتاج إلى وسطاء)؛ فإنها تواجه تحديات عديدة قد تحد من استخدامها في تحويل الأموال. فبينما يدّعي مروجو استخدام العملات الرقمية قدرتها على تحقيق تحويل مالي مثالي (تكلفة صفرية آنية، وأسعار صرف دون عمولة، وشبكة تحويل أموال تُغطي كل حواسب العالم)، يصطدم هذا الادعاء بتحديات الواقع، وأهمها الآتي:

1- يحتاج إنتاج العملات المُشفرة إلى عملية تعدين مُكلفة من حيث الاستخدام الكثيف للطاقة، أو إهلاك الحواسب الآلية، وهذا يرفع من تكلفة التداول.

2- مع التوسع في استخدام تقنية "سلسلة الكتل"، انتهى عصر فورية ومجانية تداول العملات الرقمية. ففي المتوسط تبلغ تكلفة التداول 2.5%، وقد أظهرت معاملات عملة "البيتكوين" تقلباً كبيراً منذ عام 2015 وحتى الآن، حيث بلغ أعلى سعر للتداول 60 دولاراً أمريكياً لكل معاملة خلال فترات نشاط السوق المُرتفع، كما تجاوزت مدة التحويل يومين.

3- يحتاج متلقو التحويلات في معظم دول العالم إلى تحويل أي عملات "بيتكوين" يتلقونها مرة أخرى إلى العملة المحلية لإنفاقها، مما يعني ضمناً رسماً إضافياً آخر، هذا إن استطاع تحويلها من الأساس. فالشمول المالي الخاص بالعملات الرقمية منخفض للغاية، حيث يحتاج متلقو التحويلات إلى ماكينة الصراف الآلي لعملة "البيتكوين" (BATM)، والتي عادة ما تكون رسومها 5% أو أعلى لأنها تستلزم تكاليف تشغيلية إضافية، والأسوأ أن الغالبية العظمى من (BATM) تقع في الولايات المتحدة، بينما يندر وجودها في إفريقيا. لهذا فالتحويلات القائمة على استخدام العملات المُشفرة غير موجودة تقريباً في معظم دول العالم.

4- إن التقلب الشديد في أسعار العملات الرقمية غالباً ما يهدد قيمة التحويلات أثناء إتمام عملية التحويل نفسها، ما جعل بورصات العملات المُشفرة الرئيسية في الولايات المتحدة تُضمن فرقاً هامشياً في السعر عند شراء أو بيع العملات المُشفرة أو في سعر الصرف عند تحويل هذه العملات، حتى تستطيع تثبيت السعر مؤقتاً أثناء تنفيذ ومراجعة عمليات التداول.

5- تكاليف الامتثال للقواعد المحلية لكل دولة؛ نظراً لمخاوف مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، والتي تُعد مرتفعة بشكل خاص بالنسبة للعملات المُشفرة.

في الختام، يُلاحظ تأثر تحويلات العاملين بالخارج بعاملين أساسيين؛ أولهما الاقتصاد الكلي للدولة المُصدرة، ما يخلق تحدياً أمام الدول المُستقبلة يتمثل في ضرورة تنويع مصادر تحويلات عامليها بالخارج أو تقليل اعتمادها على التحويلات. أما العامل الثاني فهو قدرة التكنولوجيا على تحسين كفاءة التحويلات، وقد نجحت شبكات وتطبيقات الهواتف المحمولة في ذلك دون القضاء على المنافذ التقليدية للتحويلات مثل البنوك وشركات تحويل الأموال، لكن هناك مساحة كبيرة للتحسن. على الجانب الآخر، ما زالت العملات المُشفرة بعيدة عن الحصول على جزء من كعكة تحويلات العاملين عبر الدول، ما يخلق فرصاً كبيرة للاستثمار العابر للقارات في آليات تحويل الأموال، على أن يدمج الاستثمار بين الآليات الجديدة والقديمة.