أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

توجس طهران :

خيارات التنسيقي بعد تصاعد الاحتجاجات الصدرية في العراق

09 أغسطس، 2022


طلب التيار الصدري، في 2 أغسطس، من أنصاره "إخلاء مبنى البرلمان" العراقي، الذي يوجدون بداخله منذ أربعة أيام ومواصلة الاعتصام بمحيطه. وطالب صالح محمد العراقي، المقرب من التيار الصدري القيام بذلك خلال مدة أقصاها 72 ساعة، كما أكد "أن ديمومة الاعتصام مهمة جداً لتتحقق مطالب" المتظاهرين. 

ويأتي ذلك في وقت دعا فيه رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، إلى "حوار وطني عبر تشكيل لجنة تضم ممثلين عن كل الأطراف لوضع خارطة طريق للحل" ودعا "جميع الأطراف إلى التهدئة، وخفض التصعيد". كما أعرب زعيم تيار الحكمة، عمار الحكيم، عن تأييده لهذه المبادرة، وهو ما أكده أيضاً رئيس مجلس النواب، محمد الحلبوسي.

استمرار تصعيد الصدر:

يمكن الإشارة إلى عدد من التطورات التي شهدها العراق خلال الفترة الأخيرة، والتي تدل على استمرار التأزم والخلاف بين القوي السياسية العراقية، في النقاط التالية:

1- تحركات التيار الصدري: صعد التيار الصدري بقيادة زعيمه مقتدى الصدر من تحركاته لرفض مرشح التنسيقي لرئاسة الوزراء، محمد شيّاع السوداني، وذلك عبر تحريك الشارع العراقي، وذلك لإرسال رسالة للتنسيقي أن الصدر، وإن دفع نوابه للانسحاب من البرلمان العراقي، فإنه لن يرضى بتشكيل حكومة لا تحظى بدعمه، وأنه يمكن أن يتسبب في تجميد العملية السياسية عبر دعوة أنصاره للتظاهر في بغداد ومحافظات العراق المختلفة.

فقد اقتحم أنصار التيار الصدري مبنى البرلمان مرتين، جاءت أولاها في 27 يوليو، والتي سرعان ما أمر الصدر أتباعه بالانسحاب منه، فقد كانت على ما يبدو رسالة تحذير للإطار التنسيقي، غير أن عدم تجاوبه مع رسالة الصدر، دفعته إلى الإيعاز لأنصاره للاعتصام في البرلمان العراقي مجدداً في 29 يوليو، وذلك لمنع الجلسة المخصصة لانتخاب رئيس الدولة من الانعقاد.

وفي 2 أغسطس، دعا التيار الصدري أنصاره إلى توسيع رقعه الاحتجاجات لتشمل محافظات كربلاء والبصرة وذي قار والقادسية والمثنى، وبابل وواسط، إضافة إلى كركوك شمالاً وديالى شرقاً، بالإضافة إلى دعوة الأطياف والعشائر كافة إلى الانضمام إلى تلك التظاهرات والاعتصامات.

وانضمت ست عشائر، على الأقل، من المحافظات الجنوبية تلبية لدعوة الصدر للاعتصام في البرلمان العراقي، لاسيما بني سعد وبني كعب وبني خالد وأجزاء من شمر والبو دراج وكنانة التي أصدرت عدداً من البيانات تؤيد فيها ثورة الإصلاح التي دعا إليها التيار.

2- قيام التنسيقي بتظاهرات مضادة: دعا الإطار التنسيقي أنصاره للخروج في تظاهرات حاشدة، في 1 أغسطس الجاري، عند الجسر المعلّق قرب أسوار المنطقة الخضراء، وذلك رداً على اعتصام الصدريين في المنطقة الخضراء في 30 يوليو المنصرم.

وخرج بضعة آلاف من أنصار قوى التنسيقي، وأبرزها جماعة عصائب أهل الحق، بزعامة قيس الخزعلي، وتيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم، وتحالف دولة القانون، بزعامة نوري المالكي، إلى جانب زعماء فصائل مسلحة. 

وعبّرت التظاهرات عن دعم المالكي، حيث كان الهتاف الرئيسي في تلك التظاهرات "نعم نعم للمالكي"، و"نعم نعم للإطار"، وهو ما يشير إلى أن مرشح الإطار التنسيقي لرئاسة الوزراء، محمد شياع السوداني، مدعوم من المالكي، وأن التنسيقي يرفض أي مطالبات لعزله سياسياً، أو محاكمته من قبل القضاء العراقي نتيجة للتسريبات الأخيرة، غير أنه من الملحوظ أن هذه التظاهرات شهدت مشاركة أعداد ضعيفة، كما لم تستمر طويلاً، إذ دعا الإطار أنصاره إلى الانسحاب.

3- تحسب الصدر للمواجهات العسكرية: انتشرت مجموعات سرايا السلام التابعة للتيار الصدري في مواقع مهمة حول مداخل بغداد وطرقها الرئيسية، وهو ما يعد مؤشراً على تحسب الصدر لتوجيه إيران ميليشيات الحشد الشعبي لاستخدام القوة لفض تظاهرات أنصاره، خاصة في ظل رفض القوى الأمنية العراقية تفريق المتظاهرين بالقوة، وهو ما مثّل مؤشراً على استمرار التنسيق والتعاون بين الصدر والكاظمي.

دعوات عراقية للتهدئة:

يمكن تفصيل مواقف بعض القوى الداخلية وكذلك إيران من التطورات السابقة في التالي:

1- دعوة مرجعية النجف للتدخل: سعت المرجعية الشيعية في العراق إلى تجنب التدخل في أزمة تشكيل الحكومة العراقية على مدار العشرة أشهر الماضية، إذ تم إغلاق مكتب المرجع الديني الأعلى، علي السيستاني، أمام محاولات زعماء أحزاب وقادة الكتل السياسية للقائه، ولكن ظهرت بعض ملامح تغير هذا الموقف عقب الدعوات المتبادلة من التيار الصدري والإطار التنسيقي للتظاهر، ووجود مساعٍ من جانب بعض الشخصيات الدينية والسياسية لدفع المرجع الديني، علي السيستاني، إلى التدخل لمنع تفاقم الأزمة بين الأحزاب السياسية الرئيسية في العراق.

2- محاولات للوساطة والتهدئة: ظهرت على مدار الأيام الماضية العديد من الدعوات من قبل بعض الشخصيات السياسية للتهدئة والحوار بين الفرقاء، والتي كان من أهمها دعوة زعيم تحالف الفتح، هادي العامري، للتيار الصدري، والإطار التنسيقي للجلوس على طاولة الحوار. 

وأعلن التيار الصدري عدة شروط لقبول تلك الدعوة، والتي يأتي في مقدمتها انسحاب العامري وكتلته من تحالف التنسيقي، وهو ما قد يكون رسالة من الصدر لإيران بأنه لا يعادي مكونات التنسيقي كافة المحسوبة على إيران، ولكن فقط ائتلاف دولة القانون بقيادة المالكي، غير أنه من المستبعد أن يقبل العامري ذلك، نظراً لارتباطه بتوجهات إيران، فضلاً عن رغبتها في عدم تفكك الإطار التنسيقي باعتباره تحالفاً شيعياً خالصاً.

كما وجه رئيس الوزراء الحالي، مصطفي الكاظمي، دعوة إلى جميع الأطراف للجلوس على طاولة حوار وطني، ودعا المتظاهرين للتعاون مع القوات الأمنية، واحترام مؤسسات الدولة وإخلائها. ويضاف إلى ما سبق طرح الحزب الديمقراطي الكردستاني، بزعامة مسعود البارزاني مبادرة لاحتواء الأزمة، تتضمن الاتفاق على إجراء انتخابات مبكرة واعتبار المرحلة الحالية انتقالية، وهو ما يُظهر في مجمله تقارباً مع دعوات التيار الصدري بضرورة إيجاد حلول جذرية لتلك الأزمة.

3- استمرار إيران في مهاجمة الصدر: أعلن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، أن التطورات الراهنة بالعراق شأن داخلي وأن الأحزاب العراقية قادرة على تخطي هذه المرحلة، غير أن السياسة الفعلية لإيران تقوم على التصعيد ضد الصدر، وهو ما وضح في زيارة قائد فيلق القدس، إسماعيل قاآني في 27 يوليو إلى بغداد، والتي حرضت التنسيقي على الإصرار على ترشيح السوداني، على الرغم من اعتراض الصدر عليه. 

وزار قاآني بغداد مرة ثانية في زيارة لم يعرف موعدها بدقة، إذ التقى بقيادات التنسيقي، وكذلك قيادات الحشد الشعبي، وتشير مصادر عراقية إلى أنه طلب بضرورة ضبط النفس وعدم التجاوب مع التصعيد الصدري، وهو ما قد يفسر أسباب سحب التنسيقي للمتظاهرين من بغداد.

ولا تزال إيران تتبنى مواقف مناوئة للصدر، فقد حذرت تحليلات بعض الصحف الإيرانية الموالية للحكومة الإيرانية، مما تسميه خطر مقتدى الصدر على مستقبل العملية السياسية في العراق، ووصفت احتجاجات الصدريين بأنها "فتنة وأعمال شغب"، كما نشرت صحيفة كيهان المحافظة صورة لتجمع أنصار التنسيقي القريب من إيران، واصفة إياه بأنه "استعراض القوة في مواجهة الفتنة في بغداد"، وهو ما يؤكد استمرار تبني إيران الخط المتشدد نفسه الرافض لتقديم تنازلات للصدر فيما يتعلق بتشكيل الحكومة العراقية القادمة، أو الذهاب لانتخابات مبكرة، نظراً لما يعنيه ذلك من تراجع في شعبية القوى المحسوبة عليها.

سيناريوهات مفتوحة:

في إطار التطورات السابقة، قد يشهد العراق أحد السيناريوهات التالية في المرحلة القادمة:

1- إجراء انتخابات مبكرة: يتوقع في هذه الحالة أن يستمر التيار الصدري في مواقفه ودعواته لاستمرار الاحتجاجات والاعتصام، في مقابل إصرار التنسيقي على ترشيح السوداني، وهو الأمر الذي يدفع إلى وساطة من قبل أطراف عراقية تفضي في النهاية لحل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة أخرى، مما يعني استمرار حكومة الكاظمي كحكومة تصريف أعمال إلى حين إجراء انتخابات جديدة.

2- التجاوب مع مطالب الصدر: يمكن أن ترضخ قوى الإطار التنسيقي لضغوط التيار الصدري وتسحب مرشحها لرئاسة الحكومة في محاولة لإرضاء الصدر، وذلك لتجنب الذهاب إلى انتخابات تشريعية لا تكون في صالحها، غير أن مثل هذا السيناريو تواجهه عدة عقبات أبرزها أن ذلك يعني القبول بتراجع دور المالكي في تشكيل الحكومة الجديدة، فضلاً عن استمرار دور الصدر في التأثير على توجهاتها، وإن من خلف الستار، ولا شك أن مثل هذا السيناريو سوف يحد من النفوذ الإيراني على العراق، وهو أمر تسعى إيران لتجنبه في الوقت الحالي. 

3- الدخول في اشتباكات مسلحة: يمكن أن يتحقق هذا السيناريو في حالة تمسك التنسيقي بترشيح السوداني لرئاسة الوزراء، من خلال دعوة الإطار إلى عقد جلسة للبرلمان في مكان آخر غير المنطقة الخضراء، لتمرير جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، بالإضافة إلى محاولة ميليشيات الحشد الشعبي الاحتكاك مع أنصار التيار الصدري، وهو ما يؤدي إلى مواجهات مسلحة، غير أن هذا السيناريو يعد الأسوأ بالنسبة لإيران، ليس فقط لأنه يهدد نفوذها في العراق، ولكن نظراً للكراهية الشعبية في محافظات العراق الشيعية لإيران، كما أن رئيس البرلمان، محمد الحلبوسي، استخدم في 30 يوليو، صلاحياته الدستورية ضمن المادة 50 من الدستور لتعليق جلسات البرلمان، ومن ثم، فإنه لا يمكن عقد أي جلسة إلا بعد قرار رفع التعليق، وهو أمر مستبعد حدوثه في ضوء التفاهمات بين التيار الصدري وتحالف السيادة. 

وفي التقدير، أظهرت التظاهرات التي أعلنت عنها القوى السياسية الشيعية الرئيسية، سواء التيار الصدري أو الإطار التنسيقي، عن اتساع القاعدة الجماهيرية والشعبية التي يحظى بها التيار الصدري مقارنة بالتنسيقي، بما قد يدفع التنسيقي للجلوس على طاولة الحوار مع الصدر لتخطي هذه الأزمة وتجنب الدخول في مواجهات مباشرة بين الطرفين، خاصة مع إدراك الأطراف كافة أن التيار الصدري لايزال يتمتع بنفوذ غير هين، ولا يمكن تجاوزه في تشكيل الحكومة المقبلة.