أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

تكلفة الارتدادات:

هل تدخل إسرائيل حرباً مباشرة ضد إيران وحماس في 2022؟

23 ديسمبر، 2021


تدخل إسرائيل عام 2022 وهي تواجه تحديات داخلية وأخرى خارجية، يصعب التكهن بتطوراتها، ولعل أبرزها تهديدها باستخدام الخيار العسكري المنفرد لإيقاف مشروع إيران النووي، واحتمال دخول تل أبيب في صدام مع إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن على خلفية الملفين الفلسطيني والإيراني، فضلاً عن الصعوبات التي قد تواجهها في توسيع اتفاقيات السلام والتعاون لتشمل دولاً عربية أخرى.

وترتبط هذه التحديات وغيرها بمشكلات فرعية تتعلق في أحد جوانبها بمدى قدرة الائتلاف الحاكم حالياً والذي يقوده رئيس الوزراء نفتالي بينيت، على البقاء في السلطة، وفي جانبها الآخر بتصاعد الانقسامات السياسية والاجتماعية في الداخل الإسرائيلي بشكل غير مسبوق.

عقبات أمام ضرب إيران:

فشلت إسرائيل في إقناع الولايات المتحدة في ظل إدارة بايدن، بالامتناع عن التفاوض مع إيران للعودة إلى الاتفاق النووي المُوقع في عام 2015 والذي انسحبت منه واشنطن في عهد إدارة دونالد ترامب السابقة في عام 2018. وشددت تل أبيب على أنها لن تقبل بإعادة تفعيل الاتفاق النووي حتى بصيغته الأصلية، مطالبة واشنطن باعتماد الخيار العسكري ضد طهران، وهددت إسرائيل بأنها قد تضطر للعمل بشكل منفرد ضد المشروع النووي الإيراني حتى لو اعترضت الولايات المتحدة على ذلك.

ولكن هناك شكوكاً في إمكانية قيام إسرائيل بتوجيه ضربة عسكرية منفردة ضد إيران، وذلك لاعتبارات عديدة، ومنها الآتي:

1- عدم امتلاك إسرائيل الإمكانيات العسكرية التي يمكنها تدمير المنشآت النووية الإيرانية كافة والموزعة في مواقع متباعدة وشديدة الحراسة.

2- إذا كان بإمكان إسرائيل اختيار موقع أو منشأة نووية إيرانية واحدة لتركيز ضرباتها عليها وإخراجها من العمل كلياً، وبالتالي قطع تكامل خطوط المشروع وإبطاء تنفيذه لعدة أعوام مقبلة؛ فإن تعرض إيران لعدوان إسرائيلي مباشر بضربات صاروخية أو غارات جوية، سيحول الضربة الإسرائيلية والضربات الإيرانية المُضادة إلى حرب واسعة النطاق يُتوقع أن تواجه فيها تل أبيب هجمات صاروخية مكثفة موجهه إلى معظم مدنها من جانب أذرع إيران في المنطقة، وتحديداً في لبنان والعراق وسوريا واليمن؛ وهو سيناريو لا تستطيع إسرائيل مواجهته منفردة.

3- بالرغم من تهديدات إسرائيل لإيران والتي تزامنت مع إجراء الأولى مناورات بحرية وجوية مع الولايات المتحدة ودول حليفة أخرى، وأيضاً إجراء تدريبات ضخمة على كيفية مواجهة الجبهة الداخلية الإسرائيلية لهجمات متعددة من عدة أطراف خارجية، وحتى احتمالات نشوب مواجهات أثناء الحرب الافتراضية مع إيران بين المواطنين العرب واليهود داخل المدن المختلطة؛ بيد أنه يمكن فهم تلك التهديدات على أنها جزء من "حرب نفسية" تشنها إسرائيل ليس فقط ضد إيران، ولكن أيضاً ضد الولايات المتحدة والدول الخمس الأخرى المُوقعة على اتفاق عام 2015. 

وهدف تل أبيب من ذلك هو إما إجبار طهران على الرضوخ والعودة للالتزام بالاتفاق النووي حتى بصورته التي لا ترضي إسرائيل؛ كونه سيمنعها (أي إيران) عملياً من الوصول إلى العتبة النووية لفترة قد تمتد لثماني سنوات. وإما أن تعلن الولايات المتحدة فشل المفاوضات مع إيران، ومن ثم يصبح لإسرائيل الحق في طلب تشديد العقوبات الدولية على طهران من جهة، وحث واشنطن على الموافقة على عمل عسكري مشترك ضد المنشآت النووية الإيرانية من جهة أخرى.

وفي كل الأحوال، لا يبدو مرجحاً اندلاع حرب مباشرة بين إسرائيل وإيران في المدى القريب، وإن كان ذلك سيدفع إسرائيل بشكل أكبر نحو تشديد هجماتها السيبرانية ضد المؤسسات الإيرانية النووية، والعسكرية والأمنية وحتى المدنية. وكذلك قد تقوم تل أبيب بعمليات نوعية داخل الأراضي الإيرانية تستهدف من خلالها تصفية العلماء الإيرانيين العاملين في المجال النووي.

استمرار تهميش الملف الفلسطيني:

على الرغم من الوعود التي أطلقها الرئيس الأمريكي بايدن بأنه سيسعى إلى إعادة إحياء المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية المُعطلة منذ عدة سنوات، وأن الإطار الحاكم لهذه المفاوضات هو حل الدولتين؛ فإن الشكوك تحوم حول مدى قدرة بايدن على الوفاء بوعده، وذلك في ظل رفض نفتالي بينيت لهذا الحل بشكل قطعي ومُعلن، حتى من قبل توليه رئاسة الحكومة الإسرائيلية. كما أن إدارة بايدن تريد أن تنتهي من الملف الإيراني أولاً، ولا تريد تشتيت جهودها في هذا الشأن.

وتكمن المشكلة الأكبر هنا في قدرة إسرائيل على استغلال ورقة الأمن لتفكيك الضغوط الأمريكية عليها، حيث أصبحت هذه الورقة مرهونة بالعلاقة غير المنظورة بين الملفين الإيراني والفلسطيني، ومحاولات تل أبيب لإقناع واشنطن بأنها لا يمكنها أن تُعرض أمنها لخطر مزدوج؛ يتمثل في سعي إيران لامتلاك السلاح النووي من جانب، وسعي الفلسطينيين من جانب آخر إما لتدميرها (كما تريد حركتا حماس والجهاد)، أو لإضعافها (كما تريد السلطة الفلسطينية في رام الله) بتبني مشروع إعادة إسرائيل إلى حدود الرابع من يونيو 1967 والذي يُجمع الخبراء الأمنيين الإسرائيليين من كافة الاتجاهات على أنها حدود لا يمكن الدفاع عنها وتُعرض إسرائيل لخطر وجودي حتى على المدى البعيد.

بمعنى أكثر وضوحاً، أنه في حالة فشل مفاوضات فيينا النووية، ستعمل إسرائيل على أن تتذرع بفشل الولايات المتحدة في إجبار إيران على التخلي عن طموحاتها النووية؛ لكي تبرر أنها ليست مستعدة لتعريض نفسها لخطر آخر بتقديم تنازلات للفلسطينيين. وهنا، سيكون من الصعب على واشنطن ممارسة ضغوطات على تل أبيب في هذا الشأن، وبالتالي ستضطر الأولى لتجميد وعودها بإطلاق عملية سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وحتى في حالة تمكن إدارة بايدن من إقناع إيران بالعودة إلى الالتزامات المنصوص عليها في اتفاق 2015، فإن إسرائيل ستظل متمسكة بأن ذلك لن يكون كافياً لتحييد الخطر الإيراني، وأنها تُعرض نفسها لخطر موازٍ يمثله حل الدولتين.

تطوير الاتفاقيات الإبراهيمية:

مثّلت اتفاقات السلام التي وقّعتها إسرائيل مع دولة الإمارات ومملكة البحرين والمملكة المغربية والسودان، نجاحاً كبيراً للدبلوماسية الإسرائيلية، وتأمل الأخيرة في الحفاظ على هذه الاتفاقيات وتطويرها، وانضمام المزيد من الدول العربية إليها. ولكن هذه النجاحات تبقى مهددة بسبب الأوضاع غير المستقرة في بعض الدول مثل السودان؛ والذي أعلن عن خيبة أمله لعدم تلقيه المقابل الذي كان يريده من مساعدات اقتصادية، ودعم سياسي. 

والأمر نفسه بالنسبة للمملكة المغربية التي تلقى فيها تيار الإسلام السياسي هزيمة كبيرة في الانتخابات التشريعية الأخيرة، حيث أقصته عن رئاسة الحكومة. وبالتالي قد يتحول هذا التيار مع تيارات أكثر تشدداً من التيارين الديني واليساري نحو الضغط وتعبئة الرأي العام هناك ضد الاتفاق مع إسرائيل.

ومن ثم، فإن توسيع إسرائيل نطاق اتفاقيات السلام الإبراهيمية بضم دول عربية أخرى، ربما يكون غير مرجح حدوثه في عام 2022، وبدلاً من ذلك ستعمل تل أبيب على تطوير أو على الأقل الحفاظ على ما تحقق من اتفاقيات تعاون مع الدول العربية.

أزمات داخلية:

تواجه إسرائيل مشكلات داخلية متشابكة، وعلى رأسها وجود ائتلاف حاكم بأغلبية ضيقة، وبما يجعله مُعرضاً للتفكك في أي لحظه، ومن ثم عودة البلاد إلى الأزمة الحادة التي تعرضت لها قبل تشكيل حكومة بينيت الأخيرة، حيث ظلت دون حكومة منتخبة لمدة عامين بعد 4 انتخابات عامة متتالية. وتزداد هذه المخاوف في ظل بطء إجراءات محاكمة رئيس الوزراء السابق وزعيم المعارضة الحالي، بنيامين نتنياهو، إذ إن الائتلاف الحاكم الذي يقوده بينيت حالياً يسعى بكل الطرق لإخراج نتنياهو من الخريطة السياسية سواء بتمرير تشريع يمنع ترشحه لمنصب رئيس الحكومة طالما بقي تحت المحاكمة، أو بالضغط على المؤسسات القضائية لتسريع وتيرة محاكمته. 

ومعروف أن ائتلاف "نفتالي بينيت – يائير لابيد" تأسس بناءً على تعهد مكوناته الحزبية بعدم الدخول في أية منازعات تهدد بقاء الائتلاف لمدة عام على الأقل (ينتهي في أغسطس القادم)؛ وذلك على أمل أن تتم إدانة نتنياهو خلال هذه الفترة، ومن ثم إخراجه من الساحة السياسية لعدة سنوات قادمة. لكن لا يبدو هذا التعهد ضامناً لاستمرار بينيت وحكومته لفترة أطول إذا لم تنجح ضغوط تسريع محاكمة نتنياهو.

على الجانب الآخر، يريد بينيت تجنب أية مواجهة مع حركة حماس في قطاع غزة، حيث ستكون هذه المواجهة إذا حدثت اختباراً حقيقياً لما كان بينيت يعلنه بأنه قادر على هزيمة الحركة بعمليات عسكرية أقوى من تلك التي كان سلفه نتنياهو يعتمدها أثناء فترة حكمه. وبالتالي إذا فشل بينيت في ردع حماس أو هزيمتها في أي معركة قادمة، سيكون ذلك بمنزلة إنهاء مبكر لطموحاته بحكم إسرائيل لفترة طويلة، إن لم يكن ضربة قوية لمستقبله السياسي بأكمله.

أيضاً، تعاني إسرائيل توتراً خطيراً بين مواطنيها اليهود والعرب، وهو وضع يصعب معالجته في وقت قصير؛ ما سيؤثر على قرارات تل أبيب فيما يتعلق بإمكانية دخولها في مواجهه عسكرية مفتوحة مع إيران، أو إمكانية استمرارها في رفض الضغوط الأمريكية لفتح مسار السلام مع الفلسطينيين. وينبع مصدر القلق الإسرائيلي هنا من سابقة اندلاع أعمال عنف بين المواطنين الإسرائيليين العرب واليهود أثناء المواجهات العسكرية التي دارت بين إسرائيل وحركة حماس في مايو 2021، ما شكّل حينها عبئاً أمنياً كبيراً على الجبهة الداخلية في إسرائيل، وهو ما يمكن أن يتكرر حال نشوب مواجهه واسعة بين تل أبيب وطهران، أو على خلفية ممارسات الأمن الإسرائيلي، خاصة في القدس والضفة الغربية.