أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

معوقات الإدماج:

اتجاهات مستقبل التصنيع العسكري الأمريكي

22 سبتمبر، 2015


إعداد: آيات عبدالعزيز


مازالت الثورة الرقمية والتكنولوجيا ذات النمو المتسارع تؤثر في كافة مجالات التصنيع وتقديم الخدمات في كافة الأسواق العالمية، ومن ضمنها بالضرورة مجال التصنيع العسكري. وعلى الرغم من الوتيرة المتسارعة للتغيير في مجال التصنيع العسكري في العالم، لايزال مجمع التصنيع العسكري الأمريكي خاضعاً لسيطرة قاعدة صلبة وراسخة من الشركات التقليدية، فهو يعد حتى الآن حصناً منيعاً أمام الشركات الجديدة وغير التقليدية التي تتسم بالتنوع والمرونة عن غيرها.

وثمة معوقات عديدة تقف أمام إدماج الشركات الجديدة باستمرار داخل منظومة التصنيع العسكري في الولايات المتحدة، ما يؤثر وبشكل سلبي على تطور هذه الشركات، ويحول دون وصول الحكومة إلى رأس المال البشري والإبداع المتحقق من وراء تلك شركات.

وبالتالي، يتعين على مجمع التصنيع العسكري الاستفادة من التكنولوجيا الأمريكية الصاعدة والمتطورة في مجال الدفاع، حتى وإن كانت من خارجه في قطاعات ومناطق وأماكن أخرى مثل "وادي السيليكون" الذي يعد بكل المقاييس العالمية النظام البيئي الرائد والأكثر قدرة على تحفيز  الابتكار في العالم، وذلك بهدف الحفاظ على التقدم والتفوق التكنولوجي الأمريكي على المدى الطويل.

ما سبق يُمثل خُلاصة دراسة مُعنونة بـ"لا يوجد تطبيق لذلك.. تعطيل المجمع الصناعي العسكري"، والصادرة عن "مركز الأمن والاستخبارات في القرن الحادي والعشرين" التابع لمركز بروكينجز، وأعدها "جيسون تاما" Jason Tama الزميل في المركز.

وتحاول الدراسة التعرف على أبرز المعوقات التي تمنع الشركات غير التقليدية من الولوج في القطاع العسكري الأمريكي، وكيفية التغلب على هذه المعوقات، وذلك من أجل الاستفادة من قدرات الفاعلين الجدد.

وتتسم هذه الدراسة بأنها تسعى إلى التعرف على رؤية الشركات الصاعدة لآفاق الشراكة والعمل مع الحكومة الفيدرالية في مجال الدفاع، وتأثير ذلك على إصلاح منظومة تجهيزات الدفاع والأمن القومي الأمريكي. وثمة الكثير من الدراسات التي تناولت هذا الموضوع، إلا أن أغلبها اهتم بعرض وجهة نظر الحكومة الأمريكية في عمل الشركات الناشئة في قطاع الدفاع، بعكس الدراسة محل العرض التي تتضمن نتائج مقابلات واستبيانات وأبحاث لوجهة نظر التنفيذيين ورواد الأعمال، فضلاً عن المستثمرين العاملين في "وادي السيليكون" كمثال حي للشركات التكنولوجية الجديدة والناشئة.

جدير بالذكر أن "وادي السيليكون" هو المنطقة الجنوبية من سان فرانسيسكو في ولاية كاليفورنيا الأمريكية، وهذه المنطقة تمثل العاصمة التقنية للكرة الأرضية بفضل الآلاف من الشركات العاملة في مجال التقنيات المتقدمة التي تتخذ من هذه البقعة الجغرافية مركزاً لمقراتها الرئيسية.

معوقات إدماج الشركات الجديدة في التصنيع العسكري

لايزال العاملون في "وادي السيليكون" يرون أن العمل في قطاع تجهيزات وإعدادات الدفاع يتسم بوجود العديد من المعوقات التي تحول دون اندماجهم فيه. ولا تتعلق هذه المعوقات فقط بالاعتراض أو الرفض الأيديولوجي الموجه لهم من قِبل الموردين والمتعاقدين التقليديين، وإنما تمتد لتشمل نظام العمل والثقافة السائدة في القطاع ذاته، والتي تعد ثقافة غير محايدة وتعطي أفضلية لموردي الدفاع التقليديين دون غيرهم.

ويستطرد هؤلاء في القول إن نظام التصنيع العسكري الحالي لا يتماشى مع السرعة والمرونة التي يتطلبها عملهم لتعزيز المنافسة في كثير من الأحيان في الأسواق التكنولوجية الأكثر سيولة على الصعيد العالمي.

كما تشكو الشركات التكنولوجية الجديدة من عدم توفير الحكومة الفيدرالية للتمويل اللازم للقيام بالعمل والأبحاث المرجوة، ولهذا يُفضل أغلبها الاتجاه للعمل على الأبحاث التجارية والاستخدمات التجارية للتكنولوجيا كبديل للعمل في مجال التجهيزات الدفاعية.

وتتطرق الدراسة إلى ما صرح به وزير الدفاع الأمريكي "أشتون كارتر" بأن هذا الاختلاف في وجهات النظر بين الموردين القدامى والجدد يعود في الأصل لاختلاف السياق الزمني، أي أن الفارق كبير بين الماضي والحاضر؛ فتكنولوجيا الدفاع في الماضي كانت تخرج من رحم شركات الدفاع العاملة في الولايات المتحدة والتي اتخذت من الأمن القومي الأمريكي دافعاً رئيسياً لعملها، أما الآن فيبدو الوضع أكثر اختلافاً، حيث أصبح إنتاج تكنولوجيا الدفاع معتمداً وبشكل كبير على قاعدة تكنولوجية تجارية تعززها شركات ودوافع تجارية بحتة، فضلاً عن كونها شركات عالمية وعابرة للقارات وليست أمريكية.

ثلاثة اتجاهات مُحتملة للتصنيع العسكري

يرى الكاتب أن عصر المعلوماتية يضع صناعة التجهيزات العسكرية في مفترق طرق بين ثلاثة اتجاهات محتملة، أولها: ما يرتبط بإبقاء الوضع على ما هو عليه في انتظار حدوث خلل أو أزمة ما للنظام لإدخال مجموعة من الاصلاحات المحتملة، وثانيها: العمل على خلق وتنمية المهارات الابتكارية المطلوبة للقرن الحادي والعشرين من واقع عمل المتعاقدين الحاليين، وثالثها: جذب مزيد من الموردين الجدد للتصنيع العسكري لتحفيز الابتكار.

وطبقاً للدراسة، يحمل كل اتجاه من تلك الاتجاهات في طياته العديد من المزايا والعيوب التي يصعب معها اختيار اتجاه دون غيره ، فالاتجاه الأول - على سبيل المثال - يمكن العمل من خلاله على تحفيز الابتكار والإبداع، بيد أنه غير مستدام بطبيعته، كما أن احتمال إدخال تعديلات جوهرية تُلقي بظلال سلبية على عمل النظام ذاته تبدو كبيرة مع تعرض النظام لأي أزمة في المستقبل.

أما الاتجاه الثاني، فإن أبرز معضلة تبدو أمامه هي استحالة إسراع وتيرة التغيير والابتكار فيه في ظل وجود هذه القاعدة الراسخة من المتعاقدين التقليديين العاملين في مجال الدفاع حالياً، خاصةً إذا ما توفر لدى هؤلاء تكنولوجيا قريبة من التكنولوجيا المزمع إدخالها أو البحث فيها. غير أن التطورات الحاصلة على الصعيد العالمي حالياً – مثل الأمن السيبراني وما يتعلق به- تعزز من أهمية اعتماد التصنيع العسكري الأمريكي على آليات وطرق جديدة لإتمام العمل.

مستقبل التصنيع العسكري الأمريكي

تشير الدراسة إلى أن العولمة تفرض العديد من التحديات على الولايات المتحدة، ما يُحتم عليها أن تكون أكثر انتباهاً للحفاظ على مزاياها النسبية كأفضل مُصنع عسكري في العالم، خاصةً في ظل سعي دول أخرى مثل الصين لتقليل الفارق بينها وبين الولايات المتحدة في القدرات العسكرية كجزء من استراتيجياتها العالمية.

تجدر الإشارة إلى أن واشنطن لا تتنافس مع الدول فقط للوصول إلى التكنولوجيا، وإنما ينضم للدول أيضاً الكثير من الفاعلين من غير الدول الساعين إلى الحصول على التكنولوجيا من أجل زعزعة الاستقرار العالمي. ولهذا، فإن مستقبل التصنيع والتجهيز العسكري الأمريكي يؤثر ويتأثر بالضرورة بتوازن القوى العالمي في الحاضر والمستقبل.

كذلك، فإن الاستثمار في مجالات البحث والتطوير في قطاع الدفاع يلعب بالضرورة دوراً كبيراً في تحديد وتيرة واتجاه التطور التكنولوجي المستقبلي، إلا أنه ومع التسليم بأهمية هذا القطاع في الاقتصاد الأمريكي، فهو لايزال يتمتع بغياب المنافسة الفعَّالة، على اعتبار أن الاستثمار في البحث والتطوير لدى الشركات التقليدية في مجال الدفاع يُعد قليلاً بالمقارنة بالشركات الناشئة وغير التقليدية.

من ناحية أخرى، تشير الدراسة إلى أن عوامل السن والنوع والخبرة المهنية تلعب أدواراً كبيرة في تشكيل القوى العاملة في قطاع الدفاع، ويرجح الكاتب أن القوى العاملة في وزارة الدفاع مبنية أساساً على الفئة العمرية من 40-60 عاماً، ويمثل هؤلاء حوالي 63% من العاملين، و44% منهم ذو خلفية عسكرية سابقة، وأغلبهم من الرجال. في المقابل، تتميز القطاعات الأخرى بالتنوع والاتساع على صعيد النوع والفئات العمرية العاملة، وعلى رأس هذه القطاعات الموظفون العموميون في الدولة.

وبالتالي، ثمة اختلافات جوهرية في الخلفية والخبرة لدى العاملين في مجال التجهيزات والمعدات العسكرية، في مقابل العاملين في الشركات التكنولوجيا الناشئة مثل "وادي السيليكون"، وهو ما يعد عائقاً أساسياً لدخول تلك الشركات في مجال الدفاع.

رؤية رواد الأعمال في "وادي السيليكون"

يأمل رواد الأعمال في "وادي السيليكون" في العمل مع الإدارة الأمريكية، ولديهم رغبة في تحقيق ذلك خاصةً في مجال الأمن القومي، إلا أن المعوقات قد تحول دون ذلك. وحالياً لا يمتلك هؤلاء رؤية معينة أو سيناريو معين للتعامل مع تلك المعوقات، لكنهم يأملون في الوقت ذاته أن تكون الحكومة أكثر انفتاحاً على أفكارهم ومنتجاتهم. ووزارة الدفاع بالنسبة لهؤلاء حتى الآن هي عميل غير جيد يُحابي الشركات التقليدية التي قد تتمتع بالخبرة كميزة نسبية أمام نظيرتها الجديدة.

من ناحية أخرى، فإن ثمة الكثير من الشركات الجديدة ترفض مبدأ الدخول في أعمال وشراكات مع وزارة الدفاع الأمريكية، وذلك رغبةً منها في الحفاظ على القاعدة العريضة من المستهلكين والعملاء الذين قد يتشككوا في نوايا هذه الشركات وتهتز ثقتهم فيها إذا ما وجدوا صلات بينها وبين وزارة الدفاع.

مُجمل القول، يمكن إيجاز ما تتطرقت إليه الدراسة بالتأكيد على أن قطاع التصنيع العسكري والدفاعي في الولايات المتحدة هو الأول على مستوى العالم، بيد أن الحفاظ على هذا المركز المتقدم مرهون بإدخال تطورات على نظام العمل الحالي لضمان مواكبة التطورات على الصعيد العالمي.

وبناءً عليه، فإن الجيش الأمريكي مُطالب بأن يكون أكبر حاضنة للتكنولوجيا في العالم، غير أن إدخال مثل تلك التطورات والإصلاحات على واحد من أهم القطاعات التي تعكس البيروقراطية الأمريكية بامتياز، ليس بالأمر السهل، فضلاً عن المخاطرة التي ينطوي عليها هذا الإصلاح، وذلك في ظل اعتقاد البعض أن الاصلاح قد يُحدث آثاراً سلبية أكبر من الإيجابية.

وفي كل الأحوال، فإن قضية استدامة التفوق العسكري الأمريكي تُحتم على واشنطن العمل على أن يكون اقتصادها هو الأكثر ابتكاراً في مجالات التصنيع العسكري وغيره من الصناعات المتقدمة.


* عرض مُوجز لدراسة: "لا يوجد تطبيق لذلك.. تعطيل المجمع الصناعي العسكري"، والصادرة في يوليو 2015 عن "مركز الأمن والاستخبارات في القرن الحادي والعشرين" التابع لمركز بروكنجز.

المصدر:

Jason Tama, There's no app for that: Disrupting the military-industrial complex (Washington, The Center for 21st Century Security and Intelligence, Brookings, July 2015).