أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

"ما بعد النووي":

هل تُعيد إيران تشكيل علاقاتها مع جيرانها؟

15 يناير، 2015


إعداد: أحمد عبدالعليم

في ظل الأحداث التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، والتي تحاول فيها القوى الإقليمية غير العربية، ممثلة في إيران وتركيا وإسرائيل، لعب دور أكبر من أجل بسط النفوذ وزيادة التأثير، يبرز تساؤل مهم حول علاقة إيران مع دول المنطقة، وعلى رأسها الدول الخليجية.

ويكتسب هذا التساؤل أهميته في ظل ما يعتبره البعض "انفراجة إلى حد ما" فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني وتمديد المفاوضات مع القوى الكبرى حتى صيف 2015، وما يمكن أن يحدثه ذلك من تطورات في علاقة إيران مع جيرانها، حيث إنه وبحكم البيئات السياسية المختلفة التي توجد فيها دول المنطقة، فإنه لا يمكن تصوُّر ما يمكن أن تؤول إليه الأمور في علاقاتها مع بعضها البعض، لأن الشرق الأوسط تحدث فيه تقلُّبات لا يمكن التنبؤ بما يمكن أن يترتب عليها مستقبلاً، فالتفاعلات بين تلك الدول تتسم الآن بالتغير السريع.

في هذا الإطار، تأتي الدراسة الصادرة عن "المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية ECFR"، تحت عنوان: "ما بعد النووية.. مستقبل علاقة إيران مع دول الجوار"، والتي شارك فيها عدد من الباحثين والخبراء، منهم "فاطمة أيوب Fatima Ayub" الباحثة المتخصصة في شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية.

في بداية الدراسة، تذكر الكاتبة أن الرئيس الإيراني الحالي "حسن روحاني" جاء إلى منصبه في أغسطس 2013 وسط موجة من الجدل في طهران، وعُلقت عليه آمال كبيرة، ووُصف بأنه "معتدل"، سواء من المؤسسة الإيرانية المحافظة أو حتى من العامة، كما أنه وصل إلى السلطة في ظل إرث اقتصادي مضطرب وسياسات تجارية إيرانية مضطربة في الشرق الأوسط وخارجه.

وكان محور فوز "روحاني" هو التوصل لاتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني في المفاوضات مع مجموعة (5+1)، والتي تضم الدول الخمس الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن بالإضافة إلى ألمانيا، حيث نجحت طهران مؤخراً في تمديد المحادثات حتى صيف العام المقبل. وبالتالي تحاول هذه الدراسة بحث مدى قدرة "روحاني" على إعادة تشكيل علاقة إيران مع جيرانها، خاصةً دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، بالإضافة إلى إسرائيل، وتركيا، وحزب الله، لأنه من غير الواضح كيف يمكن لإيران أن تندمج سياسياً واقتصادياً مع جيرانها.

علاقات إيران مع دول مجلس التعاون الخليجي

يشير "كيرك سويل Kirk H. Sowell"، الباحث المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، إلى أنه ومنذ قيام الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979، فإن دول المنطقة، خصوصاً السعودية، قد حاولت بكل جهدها تقويض محاولات إيران لتصدير الثورة إلى المملكة أو إلى دول المنطقة. ومع فوز "روحاني" بالرئاسة الإيرانية شعرت المملكة بارتياح، حيث تعاملت مع فوزه بنوع من "التفاؤل الحذر"، والذي بدأ في التبدُّد في ظل مخاوف السعودية من التقارب الإيراني - الأمريكي خاصةً في ظل المكالمة الهاتفية التي تمّت بين الرئيس الأمريكي أوباما ونظيره روحاني في سبتمبر 2013 أي بعد أسابيع من تنصيب الأخير، فضلاً عن الغضب من حالة اللامبالاة الأمريكية إزاء خطر التوسع والتمدد الإيراني في المنطقة.

وقد أضفى التقدُّم الذي أحرزته إيران بشأن تمديد مفاوضاتها النووية مزيداً من القلق تجاه نظرة الرياض إلى جارتها الفارسية، ويأتي ذلك في ظل تأكيد الكاتب عدم قدرة دول مجلس التعاون الخليجي على اتخاذ موقف موحَّد ضد تهديدات إيران.

ويتمثل القلق الأمني والسياسي السعودي في أن الولايات المتحدة قادرة على تغيير حلفائها، وهو ما حدث مع تقارب واشنطن مع جماعة الإخوان بعد سقوط نظام مبارك في مصر، فالسعودية تخشى أن تصبح الولايات المتحدة وإيران وتركيا في تحالف مصالح يكون ضد دول المنطقة الأخرى، لكنها مخاوف - بحسب "كيرك سويل" - مُبالغ فيها، خاصةً أن الولايات المتحدة وأوروبا استثمروا مليارات الدولارات في القواعد العسكرية والاتفاقيات الاقتصادية في منطقة الخليج خلال العقود الثلاثة الأخيرة، ومن غير المرجح أن يتلاشى ذلك في وقت قريب.

أما عن علاقة طهران بباقي دول مجلس التعاون الخليجي، فيرى "أندرو هاموندAndrew Hammond"، الباحث في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، أن دول مجلس التعاون الأخرى وعلى النقيض من السعودية، لها علاقة عداء أقل مع إيران، ويدلل الكاتب على ذلك بوجود روابط اقتصادية لدول الخليج مع إيران. ومثال على ذلك، دولة قطر التي باتت أكثر ارتباطاً بإيران في ظل تحسُّن علاقاتهما الاقتصادية والاستراتيجية، حيث إن قطر دولة غنيّة ولديها قوة ناعمة، وتحاول الدوحة الحفاظ على علاقة طيّبة مع طهران لمنع أي تهديد قد يوجه لحقول الغاز في الشمال.

ويؤكد "أندرو" أن ثمة مخاوف لدى دول الخليج من فك الولايات المتحدة ارتباطاتها والتزاماتها الأمنية تجاه المنطقة، وهو ما يُمثل مصدر القلق الأساسي لها تجاه إيران. ويتوقع الكاتب أن تلتزم واشنطن بحماية حلفائها في الخليج حال تعرضهم لأي تهديد عسكري مباشر، مضيفاً أنه مع توجه الولايات المتحدة نحو التركيز على منطقة آسيا والمحيط الهادئ، فإنها تريد تشجيع دول الخليج على حل خلافاتها مع إيران.

قلق إسرائيلي من إيران النووية

على صعيد موقف إسرائيل من تطورات الوضع الإيراني، يذكر "شلومو بروم Shlomo Brom"، الباحث في "معهد دراسات الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، أن انتخاب "روحاني" لم يعكس أي تغيير في نظرة السلطات الإسرائيلية نحو إيران، لاعتقاد المسؤولين في تل أبيب أن الرئيس الإيراني مجرد "خادم" للنظام الذي اختاره لهذا المنصب، فضلاً عن سيطرة المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية "علي خامنئي" على عملية صنع القرار والسياسات الداخلية والخارجية. ومن ثم، هناك اعتقاد سائد لدى الحكومة الإسرائيلية بصعوبة إجراء النظام الإيراني تغييرات في سياساته على أربع جبهات رئيسية، هي: (برنامج إيران النووي، وموقفها السلبي تجاه الغرب، وسياساتها الإقليمية نحو التوسع والهيمنة من خلال استخدام الوكلاء المسلحين، والسياسات القمعية المحلية).

وإلى جانب المخاوف من الطموحات النووية الإيرانية، يشير الكاتب إلى مسببات أخرى لتوتر العلاقات بين طهران وتل أبيب، وفي مقدمتها استمرار دعم "روحاني" لنظام الأسد في سوريا، فضلاً عن مد الفاعلين غير الدوليين – مثل حزب الله في لبنان وحماس في قطاع غزة - الذين يهددون إسرائيل، بالأسلحة.

وتعتقد إسرائيل أن تمديد موعد المفاوضات الإيرانية مع القوى الغربية حتى منتصف عام 2015، هدفه أن تكسب طهران مزيداً من الوقت لبناء سلاحها النووي؛ الأمر الذي يثير القلق. ويرى الكاتب أن إسرائيل تعارض الاتفاق النووي، وتحاول جاهدة مع الولايات المتحدة - من خلال الكونجرس - منع هذا التقدم الإيراني. كذلك فإن القيادة الإسرائيلية والأغلبية في تل أبيب يتشككون في إمكانية إحراز تقدم كبير في المحادثات النووية بعد هذا التمديد. وبالتالي فإنه في ظل الانهيار المتوقع للمحادثات النووية الإيرانية، فإن الحكومة الإسرائيلية ستضع في أولوياتها تعزيز العقوبات الاقتصادية والعسكرية على إيران.

إيران وتركيا.. اختلاف سياسي وتعاون اقتصادي وأمني

فيما يتعلق بالعلاقات الإيرانية - التركية، يرى "ضياء ميرال Ziya Meral"، خبير الشرق الأوسط والباحث في مركز السياسة الخارجية بجامعة كامبريدج البريطانية، أن التعاون الاقتصادي والأمني بين أنقرة وطهران في تصاعد، ولكن لم تنتج عنه رؤية شاملة موحدة تجاه قضايا الشرق الأوسط، خاصةً في ظل المعارضة العنيفة من أنقرة لبقاء نظام الأسد في سوريا، وهو الموقف الذي ترفضه طهران بشدة.

ويضيف "ميرال" أنه منذ عام 2002 شهدت تركيا وإيران العلاقات التجارية بين البلدين توسعاً هائلاً لدرجة أن فرض العقوبات الدولية على إيران لم يؤثر على حجم العلاقات الاقتصادية بينهما.  وكذلك عززت الدولتان التعاون الأمني خاصةً في مواجهة الحركات الانفصالية الكردية على الحدود.

ويرى الكاتب أنه في ظل هذه الثقة التي بُنيت لعقود اقتصادياً وأمنياً، فإن ذلك لم يقابله توافق سياسي بين تركيا وإيران، حيث إن كلاً منهما، ومع بداية الثورات العربية في عام 2011، حاولت الاستفادة من تلك الثورات بالتقارب مع الفاعلين السياسيين الإسلاميين الجدد، فتركيا قد حققت في البداية نجاحات كبيرة في تونس ومصر وكذلك في ليبيا، ولكن مع الوقت خسرت هؤلاء الحلفاء بسقوط الإخوان المسلمين. أما فيما يتعلق بموقف تركيا وإيران من سوريا، فإنهما كما سبق القول كانتا، ولا تزالان مختلفتين، فطهران تدعم "الأسد" بقوة، وتسانده بكل الوسائل للحيلولة دون سقوط نظامه، على عكس التوجهات التركية.

وأبدى "ميرال" دهشته من أن يكون بين أنقرة وطهران هذا الاختلاف السياسي الكبير حول دولة رئيسية في الشرق الأوسط مثل سوريا، ومع ذلك لا يحدث بين البلدين انهيار في العلاقات الدبلوماسية. وحتى مع فوز "روحاني"، فإن ذلك لم يُشكّل تغيُّراً في سياسة إيران تجاه سوريا؛ وهو ما يعني أن تظل تركيا وإيران على درجة الاختلاف السياسي نفسها حول الأزمة السورية.

وفي ظل التهديدات على الحدود التركية من قِبل "داعش"، يرى الكاتب أن ذلك ربما يجعل علاقات أنقرة وطهران أقوى في المستقبل.

"حزب الله".. حليف إيران المُخلِص

فيما يتعلق بعلاقة إيران مع حزب الله، فإن الخبيرة الفرنسية في شؤون حزب الله "أوريلي ضاهر Aurelie Daher"، لا ترجح أن تشهد هذه العلاقة الكثير من التغيير في السنوات القادمة، فعلى الرغم من انخفاض الدعم الإيراني لحزب الله خلال إدارة رفسنجاني ومحمد خاتمي، فإن الحرب الإسرائيلية على لبنان في عام 2006 ومواجهة حزب الله الناجحة فيها ضد إسرائيل، عزز العلاقات آنذاك بين إيران وحزب الله في فترة الرئيس أحمدي نجاد.

وتشير "أوريلي" إلى أن أهداف كل من إيران وحزب الله تتلاقى في سوريا، حيث يحارب حزب الله بقوة بجانب نظام "الأسد" من أجل حماية مستقبله، وهو بذلك يدعم الأهداف الاستراتيجية الإيرانية في مساندة حليفها السوري.

وتعتقد الكاتبة أن بقاء نظام الأسد ومواجهة "داعش" ودعم إيران لحزب الله هي ملفات سوف تظل مستمرة في المستقبل، ولن تغير إيران من تعاملها معها إلا في ظل تغير القيادة السياسية.

ختاماً؛ يمكن القول إن الرغبة الدولية في مواجهة "داعش" هي بمنزلة نقطة انطلاق لإيران من أجل تحقيق مزيد من التعاون الإقليمي، فعلى الرغم من محاولات طهران التواصل مع دول الخليج واستقرار علاقتها مع تركيا، لاتزال علاقاتها مع كل من السعودية وإسرائيل تعاني التوترات الشديدة.

ومن جهة أخرى، فإن النجاح الإيراني في تمديد المفاوضات النووية سوف يعزز من قوة "روحاني" داخلياً، ويزيد من قوة إيران إقليمياً في ظل توافقها مع الغرب، في حين سوف تحاول إسرائيل عرقلة أي جهود من الممكن أن تحققها طهران من أجل إحداث انفراجة أكبر في محادثاتها النووية.

* عرض موجز لدراسة: "ما بعد النووية.. مستقبل علاقة إيران مع دول الجوار"، والصادرة عن "المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية" في ديسمبر 2014.

المصدر:

Ayub, Fatima; Sowell, Kirk H.; Hammond, Andrew; Brom, Shlomo;  Meral, Ziya; Daher, Aurelie, Post-Nuclear: The Future for Iran in its neighborhood (London, European Council on Foreign Relations, December 2014).