أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

سياقات متوترة:

تحديات إثيوبيا ما بعد الانتخابات التشريعية السادسة

27 يونيو، 2021


تعتبر الانتخابات الإثيوبية التي أُجريت يوم الاثنين الموافق 21 يونيو 2021، هي الأكثر تعقيداً منذ أكثر من ثلاثة عقود، وتحديداً منذ المصادقة على دستور 1994، حيث عقدت في ظل العديد من التحديات الداخلية، فضلاً عن الانتقادات الحادة التي تحيط بشرعيتها، سواء من الخارج أو من الداخل، حتى قبل الإعلان عن بدئها. وتترقب الأنظار الإعلان عن النتائج خلال الأيام القليلة المقبلة، وسط مخاوف كبيرة من زيادة درجة الاضطرابات الداخلية في بلد يعاني بالفعل موجة عنف أو توترات ببعض الأقاليم. 

سياقات انتخابية

على مدار العقدين الماضيين، شهدت إثيوبيا خمس عمليات انتخابية، دورة كل منها خمس سنوات بحسب الدستور، وعلى الرغم من ذلك، لم تمر أي من الانتخابات السابقة من دون التشكيك في مدى نزاهتها وديموقراطيتها. وعادة ما كانت تصاحب الانتخابات توترات وأعمال عنف في بعض الأقاليم والمناطق، فضلاً عن امتناع بعض الأحزاب عن المشاركة، وإبعاد بعضها الآخر تحت ذرائع مختلفة.

وفيما يخص الانتخابات الحالية، فقد تأخر انعقادها لمدة عام تقريباً، حيث صدق المجلس الفيدرالي، السلطة الدستورية العليا، في 10 يونيو من العام الماضي على تأجيل إجراء الانتخابات، وتمديد عمل البرلمان الفيدرالي والحكومة الحالية وجميع المجالس الفيدرالية والإقليمية، مبرراً ذلك على أساس تفشي فيروس كورونا، وصعوبة إجراء الانتخابات في ظلها. وفي المقابل اشترط المجلس إجراء الانتخابات في فترة تتراوح بين 9 أشهر وعام من تقديم وزارة الصحة الإثيوبية توصية حول انقضاء تهديد جائحة كورونا.

وفي ظل تأخر الانتخابات التي كان من المفترض إجراؤها في أغسطس الماضي، شهدت الساحة السياسية حالة من الشد والجذب والاحتقان بين معارض ومؤيد للتأجيل. وكانت حكومة إقليم تجراي من أكثر المعارضين لتأجيل الانتخابات، خاصة أن النخبة السياسية المنتمية إلى هذا الإقليم حكمت البلاد من خلال ائتلاف حكومي متعدد الأحزاب لـمدة 27 عاماً، وذلك قبل تولي آبي أحمد رئاسة وزراء إثيوبيا، وتبنيه سياسات لإقصائها من الحكم على المستوى الفيدرالي.

وأعلنت حكومة تجراي خوضها الانتخابات منفردة في 9 سبتمبر 2020، وقد صوت نحو 2.7 مليون شخص، وأجريت الانتخابات في أكثر من 2672 مركز اقتراع بمختلف المدن والمناطق في الإقليم الشمالي لإثيوبيا، واستندت حكومة الإقليم في تمسكها بإجراء الانتخابات إلى ما تقول إنها خطوة "يكفلها الدستور الإثيوبي للجميع".

وعقب إقامة الانتخابات في إقليم تجراي اندلعت خلافات متواصلة بين حكومة الإقليم بزعامة "الجبهة الشعبية لتحرير تجراي"، والحكومة الفيدرالية، وتبادل الطرفان الاتهامات بعدم شرعية كل منهما، وتصاعدت الأزمة في الرابع من نوفمبر 2020، حتى وصلت إلى حالة حرب بين الحكومة الفيدرالية وقوات الجبهة الشعبية لتحرير تجراي بشمال البلاد، والتي وصفت بكونها أسوأ حرب اندلعت في منطقة القرن الأفريقي، وأدت لأزمة إنسانية متفاقمة وتنديدات دولية.

وكانت الجبهة الشعبية لتحرير تجراي تقود الائتلاف الحكومي السابق "الجبهة الديمقراطية الثورية للشعوب الإثيوبية"، منذ تاريخ تشكله في عام 1985، وتمكنت من الوصول إلى السلطة من عام 1991 إلى 2018، وهو ما انتهى فعلياً بوصول آبي أحمد إلى سدة الحكم في أبريل 2018، والذي أنشأ تحالفاً جديداً بقيادة "حزب الازدهار" أعلنه في ديسمبر الماضي، ورفضت جبهة تحرير تجراي الانضمام إلى الائتلاف الجديد "حزب الازدهار" وشككت في شرعيته، واعتبرت العملية استيلاء على السلطة المنتخبة.

القوى المشاركة

تهدف الانتخابات البرلمانية الحالية لاختيار (547 عضواً) للبرلمان يمثلون كل فئات الشعب الإثيوبي، ولكن بسبب الأوضاع الأمنية في كل من إقليم بني شنقول وإقليم أوروميا، فضلاً عن الحرب في إقليم تجراي لم تجر الانتخابات في عدد من الدوائر الموجودة في تلك المناطق، بالإضافة لإقليم الصومال الإثيوبي "أوجادين"، الذي تم إرجاء العملية الانتخابية فيه لسبتمبر القادم، كما لم يتم الإعلان عما إذا كانت الانتخابات ستقام مستقبلاً في إقليم تجراي، أم ستبقى مقاعده شاغرة.

ويتنافس في هذه الجولة من الانتخابات الإثيوبية 49 حزباً سياسياً، حصلت جميعها على إذن من المجلس الانتخابي لخوض الانتخابات، وغالبيتها مندمجة تحت مظلة عدد محدود من الأحزاب الكبرى، وأهمها حزب الازدهار الحاكم الذي يرأسه رئيس الوزراء آبي أحمد، والذي تشكل في ديسمبر 2019 من خلال اندماج ثلاثة أحزاب سابقة في الجبهة الثورية للشعب الاثيوبي، هي حزب أمهرة الديمقراطي، وحزب أورومو الديمقراطي، والحركة الديمقراطية لشعوب جنوب إثيوبيا،  ثم انضم إليها رابطة هاريري الوطنية، وحزب الشعب الصومالي الاثيوبي الديمقراطي، وحزب عفار الوطني الديمقراطي، والحركة الديمقراطية لشعوب جامبيلا، وأخيراً جبهة الوحدة الديمقراطية الشعبية لبني شنقول جومز. 


ويأتي من بعد الازدهار حزب "المواطنون الإثيوبيون من أجل العدالة الاجتماعية" المعروف بـ(إيزيما) وهو أيضاً يتكون من سبعة أحزاب، وذلك إضافة إلى حزب بلديراس من أجل ديمقراطية حقيقية، وحركة أمهرا الديمقراطية المعروفة اختصاراً باسم "أبن"، والذي يتصدر المشهد السياسي في إقليم أمهرا، شمال البلاد.

ومن الجدير بالذكر أن التركيبة الحزبية الحالية تختلف كثيراً عن السابق، إذ إن غالبيتها تشكل حديثاً، ووفقاً لتلك التركيبة، فإن حزب الازدهار فقط من كان له تمثيل داخل البرلمان السابق بغالبية تصل إلى 512 مقعداً من أصل 547 عضواً. وتتنافس الأحزاب الحالية على حصد أغلبية أصوات الناخبين، والتي تتمثل في 274 مقعداً حتى تتمكن من تشكيل الحكومة.  

وكانت المنافسة شديدة الاحتدام على السباق الانتخابي، وهو ما ظهر جلياً في الحملات الانتخابية التي قادتها الأحزاب والائتلافات المختلفة، وكان على رأسها الحملة الانتخابية لحزب الازدهار، وهو الحزب الأقرب للفوز بالانتخابات، نظراً لقدرته التنظيمية القوية من جانب، وفي ضوء امتناع أو منع بعض القوى عن المشاركة في الانتخابات. 

وقد منعت بعض الأحزاب من المشاركة لعدة أسباب، منها ما يتعلق بإجراءات التسجيل بالمجلس الوطني للانتخابات، وعدم إقامة مؤتمرها الانتخابي وفق لإجراءات المجلس، فضلاً عن انسحاب بعض الأحزاب من المشاركة، مثل جبهة تحرير أورومو، ومؤتمر أورومو الفيدرالي، واللذين أعلنا انسحابهما من الانتخابات، إضافة إلى جبهة تحرير تجراي، التي دخلت مع الحكومة المركزية في حرب أهلية وصنفتها الحكومة كمنظمة إرهابية.


تحديات منتظرة

تتابع الأحزاب والتيارات السياسية المختلفة نتائج الانتخابات عن كسب وسط تخوفات من أي تحركات غير طبيعية أو اندلاع أي أزمات أو توترات عنيفة. وعلى الرغم من مرور عملية الادلاء بالأصوات بهدوء يترقب المتابعون للشأن الإثيوبي عمليات فرز الأصوات والإعلان عن النتائج وتداعيات العملية الانتخابية على الداخل الإثيوبي، وذلك في ظل عدد من التحديات التي تنتظر الحكومة القادمة وتفرض عليها مواجهتها. 

سوف تعلن النتائج في ظل أوضاع سياسية واجتماعية مختلفة تمر بها البلاد لأول مرة منذ عقود طويلة، على رأسها الصراعات الداخلية التي اندلعت في عدة أجزاء من البلاد مثل إقليم تجراي، وغرب إقليم أوروميا، وإقليم بني شنقول قمز، فضلاً عن الأحداث الأخيرة في إقليم أمهرا. 

ويضاف إلى ذلك تغييرات سياسة آبي أحمد خلال سنوات توليه الحكم، حيث بدأ حكمه بسياسة الانفتاح ودعوة كافة الأحزاب السياسية للعودة للبلاد، والمشاركة في المشهد السياسي حيث كانت هناك أحزاب إثيوبية ابتعدت عن السياسة في إثيوبيا منذ أكثر من ثلاثة عقود، وظلت تعمل من المهجر وواجهت تهماً عدة من الحكومات الإثيوبية السابقة، خاصة الجبهة الديمقراطية الثورية للشعوب الإثيوبية، وهي أحزاب ذات ثقل شعبي ولها تاريخ كبير مثل جبهة تحرير أورومو، وحزب الثوار الإثيوبيين، وقنبوت سبات وغيرها من الأحزاب الأخرى. 

ولم تستمر سياسة الادماج طويلاً، فقد تم إقصاء بعض الأحزاب ومنعها من المشاركة في الانتخابات. وسوف يثير إبعاد عدد من تلك الأحزاب عن المنافسة الانتخابية الحالية غضب العديد من مؤيديها، خاصة بالأقاليم الكبيرة. فضلاً عن الاتهامات التي وجهت لآبي أحمد وحزبه بالتحجج بكورونا لتأجيل الانتخابات لتوفيق أوضاعه وترتيب أوراقه الداخلية، خاصة مع رفض المقترحات بإقامة حكومة انتقالية من الاطياف السياسية كافة لمدة عام إلى أن يتم إجراء الانتخابات، حيث تنتهي ولاية الحكومة بحسب الدستور في أكتوبر 2020، وهو الشيء الذي خلق نوعاً من الشك بين الأحزاب المختلفة والحزب الحاكم "الازدهار".

ويرتبط بذلك منع عدد من الدوائر من الأدلاء بأصواتهم، وإلغاء نتائج الاقتراع للدوائر التي حاولت إجراء الانتخابات بالمخالفة للقرارات الحكومية. فقد أعلنت رئيسة مجلس الانتخابات الإثيوبي، برتكان مديكسا، إلغاء عملية التصويت بـ 100 مركز اقتراع في إقليم أوروميا، بسبب قيام مسؤول بالمنطقة بإجراء الانتخابات، وذلك بالمخالفة لقرارات المجلس الانتخابي القاضية بعدم إجراء التصويت في هذه المنطقة، وهو ما يثير القلق من موقف التيارات التي لم تشارك في العملية الانتخابية.

أضف لذلك وجود ضغوط دولية ضد الحكومة الإثيوبية الحالية بسبب الصراعات الداخلية والاتهامات الموجهة لها بانتهاك حقوق الإنسان وحقوق الأقليات، وما ترتب على ذلك من حركة نزوح داخلي، كما اتهم مسؤول أممي أديس أبابا بممارسة سياسة التجويع ضد السكان هناك. 

ويضاف إلى ما سبق ملف سد النهضة الإثيوبي الذي تأخر الانتهاء منه بسبب بعض التحديات المالية والأمنية والفنية لأكثر من خمس سنوات، خلافا للعلاقات الدبلوماسية المعقدة لإثيوبيا، وملف الحدود الإثيوبية – السودانية الذي تطور بصورة كبيرة في الشهور الماضية.

وإلى جانب التحديات سابقة الذكر، فإن هناك مطالب من بعض القطاعات الشعبية وحكومات الأقاليم بتغيير بعض بنود الدستور الإثيوبي المرتبطة بتعيين الحدود بين بعض الأقاليم وهي مسألة عالقة منذ سنوات وتسببت في نزاعات داخلية لسنوات طويلة، على رأسها الصراع بين الصومال الإثيوبي وإقليم أوروميا، وبني شنقول وأمهرا، وتجراي وأمهرا، بالإضافة لملف المدن الكبيرة التي تطالب بعض القوميات بتبعيتها لها وكان آخرها التحديثات في العاصمة الإثيوبية أديس آبابا والخلاف حول تبعيتها لمن.


وفي الختام، سوف تواجه الحكومة الناتجة عن الانتخابات الحالية تحديات عدة لا محالة، ومن الصعب التنبؤ بقدرتها، أياً كانت تبعيتها السياسية، على التعامل مع هذه الملفات الصعبة من دون أن تشهد البلاد موجة من التوترات الداخلية.