أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

التضامن الهش:

لماذا تزايدت نزعة التصنيع المحلي للقاحات كورونا؟

19 أبريل، 2021


لم يتوقف سباق لقاحات كورونا عند تطوير اللقاحات كمكتسب عالمي، وإنما برز في الآونة الأخيرة سباق تطوير اللقاحات محليًا، حيث سعت بعض الدول الكبرى إلى تطوير لقاحات جديدة بجانب اللقاحات التي طورتها بالفعل، ودخلت دول أخرى سباق تطوير اللقاحات، بجانب شراكات عقدتها دول مع شركات اللقاح العالمية لتصنيع اللقاحات محليًا.

مساعي التصنيع:

تتخذ محاولات دول العالم لتصنيع اللقاحات محليًا شكلين رئيسيين، هما:

1- تطوير لقاحات جديدة: حيث تسعى بعض الدول إلى تطوير لقاحات جديدة بجانب اللقاحات التقليدية الشهيرة التي سيطرت على سوق اللقاح العالمي في الفترة الأخيرة، ومن ذلك لقاح "بوتانفاك" الذي أعلنت البرازيل عن تطويره في مارس الماضي، ومن المنتظر إنتاجه وبدء التطعيم به في يوليو المقبل.

وبجانب لقاح "سبوتنيك V"، أعلنت روسيا عن تطوير لقاحين آخرين لفيروس (كوفيد–19) هما "أبيفاك كورونا" و"كوفيفاك". كما أعلنت أنقرة عن تطوير لقاح تركي بتقنية "VLP" وسط توقعات بأن يكون جاهزًا للإنتاج خلال 3 أشهر، وتطور كوبا خمسة لقاحات، وينظر إلى لقاحي "سوبيرانا 2" و"عبدالله" على كونهما الأكثر تقدمًا في المرحلة الثالثة من التجارب السريرية. وبخلاف اللقاحات التي بدأ إنتاجها، فإن لدى بكين 17 لقاحًا تقريبًا في طور الأبحاث الإكلينيكية.

2- التصنيع المحلي للقاحات: تسعى بعض الدول إلى عقد شراكات مع الشركات العالمية المصنعة للقاحات، من أجل تصنيع اللقاحات عبر خطوط إنتاج محلية. فقد أعلنت السفارة الروسية في البرازيل عن إنتاج شركة Uniao Quimica"" البرازيلية مجموعة تجريبية من المكون النشط للقاح "سبوتنيك V" الروسي في برازيليا، على أن تحول هذه المجموعة التجريبية إلى مركز "جاماليا" الروسي، لاجتياز إجراءات مراقبة الجودة. وأعلن وزير الصحة التونسي فوزي المهدي، في فبراير الماضي، عن اتفاق بلاده مع الجانب البريطاني على تصنيع لقاح أسترازينيكا البريطاني. كما أعلن وزير الصناعة الصيدلانية الجزائري لطفي جمال بن باحمد، في 7 أبريل الجاري، عن بدء بلاده في سبتمبر المقبل إنتاج لقاح "سبوتنيك V" الروسي بالشراكة مع روسيا.

دوافع التصنيع:

تقف مجموعة من الدوافع والعوامل المختلفة خلف محاولات دول العالم لتطوير وإنتاج لقاحات كورونا عبر خطوط إنتاج محلية، ومنها:

1- سباق زمني: يعمل العالم في سباق زمني مع فيروس (كوفيد-19) في ظل طفراته وتحوراته المستمرة. ويشدد علماء على ضرورة تطوير المزيد من اللقاحات المضادة للفيروس خلال هذا العام، من أجل تحييده بشكل سريع قبل ظهور سلالات جديدة تعيق جهود مكافحته. وقد أجرى "تحالف لقاحات الشعب People’s Vaccine Alliance"، استطلاعًا شمل 77 عالمًا من 28 دولة، وأشار ما يقرب من ثلث المشاركين إلى أن الإطار الزمني الذي ينبغي تطوير لقاحات جديدة فيه يجب أن يكون تسعة أشهر أو أقل، متخوفين من ظهور سلالات جديدة من الفيروس، بعضها أكثر فتكًا وقابلية للانتقال، وأقل استجابة للقاحات. ورأى 88% من المشاركين أن استمرار انخفاض إمدادات اللقاح في العديد من الدول من شأنه أن يزيد من احتمالية ظهور الطفرات المقاومة للقاحات. حيث قد تحد الطفرات الجديدة من فعالية اللقاحات الحالية، أو تتطلب جرعات إضافية منها.

2- تزايد اللا يقين: رغم إنتاج اللقاحات وبدء التطعيم بها، إلا أن حالة من اللا يقين لا تزال تسيطر على فيروس كورونا وأعراضه وطفراته من جهة، وعلى اللقاحات التي لم تتمتع بالوقت الكافي المعتاد لاختبار كافة نواحيها بشكل موسع من جهة أخرى في ظل ضيق الوقت الذي فرض تسريع مراحل الإنتاج، مع مراعاة الالتزام بالإجراءات الفنية والصحية قدر الإمكان. وهو ما انعكس في الجدل حول علاقة لقاح أسترازينيكا بالتجلطات الدموية التي أصابت بعض الأفراد بعد تلقيهم اللقاح. وقد علقت بعض الدول في منتصف مارس الماضي تطعيم مواطنيها بااللقاح البريطاني بشكل مؤقت لحين التأكد من وجود علاقة بين اللقاح وحالات التجلط التي أعلنت عنها بريطانيا. وقد أعلن مسؤول استراتيجية اللقاحات في وكالة الأدوية الأوروبية، ماركو كافاليري، في 6 أبريل الجاري عن وجود صلة بين اللقاح وحالات التجلط، دون التوصل إلى أسباب ذلك. وأوقفت الدنمارك في 14 أبريل الجاري استخدام لقاح "أسترازينيكا" بسبب المخاوف من أنه قد يتسبب في حدوث حالات نادرة من تجلط الدم، وذلك في اليوم التالي لتعليق الولايات المتحدة وكندا والاتحاد الأوروبي وجنوب إفريقيا استخدام لقاح "جونسون آند جونسون" الأمريكي لذات السبب.

وسواء تم إيقاف الاعتماد على هذه اللقاحات وغيرها بشكل كامل، أو تخصيص فئات عمرية أو حالات صحية دون غيرها؛ فإن حالة اللا يقين بشأن بعض الآثار الجانبية للقاحات تدعو إلى تطوير لقاحات وبدائل مختلفة لسرعة معالجة أزمات الإمداد الطارئة. كذلك، هناك حاجة لزيادة إنتاج اللقاحات في ضوء توقعات باحتياج جرعات أخرى للأشخاص الذين تم تطعيمهم، وكذلك في ضوء الجدل حول مدة الوقاية التي توفرها اللقاحات.

3- تطوير تقني: بخلاف مساعي تطوير وإنتاج لقاحات جديدة، فإن هناك مساعي للتطوير التقني وتحسين اللقاحات. فقد أعلن مركز "فيكتور" الروسي، في مارس الماضي، أنه بصدد تطوير لقاح ضد فيروس كورونا لاستخدامه عن طريق الأنف، بدلًا من عملية الحقن. والأمر ذاته بالنسبة لمركز "جاماليا" الروسي للأوبئة والبيولوجيا المجهرية، الذي أعلن رئيسه ألكسندر جينسبورج، مطلع أبريل الجاري، عن بداية الاختبارات قبل السريرية للّقاح الأنفي، على أن تبدأ الاختبارات السريرية بنهاية العام. ويتميز لقاح بخاخات الأنف بقدرته الأسرع على الوصول إلى الأوعية المخاطية. كما يعد لقاح "مامبيسا" الكوبي -الذي لا يزال تحت التطوير– عبارة أيضًا عن قطرات عبر الأنف.

4- أزمات كوفاكس: تأسست مبادرة كوفاكس المدعومة من الأمم المتحدة بهدف توزيع ملياري جرعة من لقاحات (كوفيد-19) على حوالي ربع سكان البلدان الفقيرة بحلول نهاية عام 2021، إلا أنها تواجه توقعات بعدم النجاح في تحقيق هذا الهدف في ضوء التعثر الحالي للمبادرة. حيث تواجه كوفاكس تحديات يتعلق بعضها بالقدرات التمويلية، والمنافسة مع المساعي الفردية للدول الغنية، وضوابط التصدير، والاحتياجات المحلية. فرغم الاتفاق بين الهند وكوفاكس العام الماضي على إنتاج الأولى 200 مليون جرعة من لقاح كورونا لصالح سكان 92 دولة فقيرة عبر المبادرة؛ إلا أن تراجعًا في معدل الإمداد طرأ بسبب تزايد معدلات الإصابة في الهند، وتوجيه الحكومة الهندية الأولوية نحو توزيع اللقاح لمواطنيها. فقد سلّمت نيودلهي 28 مليون جرعة من لقاح "أسترازينيكا" للمبادرة في شهر مارس الماضي من أصل 40 مليون جرعة كان من المفترض تسليمها.

وتفرض التحديات التي تواجهها الآليات الجماعية والتعاونية الدولية مثل كوفاكس على الدول الفقيرة والنامية ضرورة التفكير في خيارات بديلة دون تعظيم الاعتماد على مبادرات التضامن العالمي مثل كوفاكس، ومحاولة السعي نحو عقد شراكات مع الدول والشركات المصنعة للقاحات لإنتاج اللقاحات محليًا.

5- الأولويات الوطنية: حذرت منظمة الصحة العالمية مرارًا من قومية اللقاحات، حيث يُصعّب اكتناز الدول الغنية للقاحات من مفاوضات الدول النامية مع شركات الأدوية المنتجة للقاحات، بالإضافة إلى احتمالية رفع أسعار اللقاحات. وتميل الدول المنتجة للقاحات إلى توجيه معظم الإنتاج للداخل المحلي، مما يحد من فرص الدول الأخرى أو يؤخرها على الأقل. وقد أبرزت الحالة الهندية مخاطر الاعتماد على دول أخرى لتوريد اللقاحات، فرغم كون الهند أكبر منتج للقاحات في العالم، وامتلاكها قدرات تصنيعية هائلة؛ إلا أنها اضطرت تحت ضغط ارتفاع أعداد الإصابات المحلية، وتزايد الطلب على اللقاحات، إلى تعليق تصدير لقاحي "أسترازينيكا" البريطاني و"ريميدسفير" الأمريكي، إلى حين تحسن الأوضاع في الهند، وهو ما يشير إلى أهمية تعدد دول الإنتاج، وكذلك الاعتماد على التصنيع المحلي في ضوء سعي الدول لتلبية الاحتياجات المحلية بشكل أساسي. كما أن العديد من الدول فطنت إلى ضرورة الاعتماد على الذات، وأن امتلاك لقاحات أو خطوط إنتاج وطنية عامل مهم للحصول على الكميات اللازمة من اللقاح لتلبية احتياجات مواطنيها.

6- مركز إقليمي: تهدف بعض الدول من خلال تصنيع اللقاحات محليًا إلى أن تصبح مركزًا إقليميًا لتصدير لقاحات كورونا. ويتضمن ذلك من جهة ما يعرف بدبلوماسية اللقاحات، من حيث الاستفادة السياسية من تصدير اللقاح في تعزيز وتوطيد العلاقات بين الدولة المصدرة والدول الأخرى، وتحقيق مكاسب سياسية في بعض الملفات المشتركة. كما يتضمن من جهة أخرى تحقيق مكاسب اقتصادية من خلال عائدات بيع اللقاح، والارتقاء بصادرات الصناعات الدوائية.

فقد وقّعت المغرب في أغسطس الماضي اتفاقيات شراكة وتعاون مع شركة "سينوفارم" الصينية لإشراك المملكة في التجارب السريرية للقاح، ثم نقل الخبرة وإنتاج اللقاح في المغرب. وتعكف المغرب على تصنيع لقاح "سينوفارم" محليًا بالإضافة إلى أدوية أخرى في إطار المدينة الصناعية الجديدة "محمد السادس طنجة تيك" في ظل طموحات تنمية الصناعات الدوائية في المغرب، خاصة على مستوى اللقاحات. حيث تستهدف المملكة أن تصبح مركزًا صناعيًا دوائيًا للسوق الإفريقية والأوروبية، وخاصة لقاح كورونا، استغلالًا لموقع المغرب الاستراتيجي الذي يمكنه من توريد الإمدادات الدوائية واللقاح للقارتين. كما تستهدف تونس أيضًا عبر تصنيعها لقاح "أسترازينيكا" البريطاني محليًا أن تكون مركزًا لتوزيعه في إفريقيا، خاصة في ظل مساعي تونس لزيادة قيمة الاستثمارات في قطاع الصناعات الدوائية.

7- نقل المعرفة والتكنولوجيا: تسعى الدول عبر الشراكات وتصنيع اللقاحات محليًا إلى نقل تكنولوجيا تصنيع اللقاح، والمعرفة العلمية. وهو ما يفيد في حالة لقاح كورونا بشكل خاص، كما يفيد في تطوير تكنولوجيا تصنيع اللقاحات وتكنولوجيا الصناعات الدوائية في هذه الدول بشكل عام. ويعتبر نقل التكنولوجيا أحد أهم الأهداف التي تسعى إليها الدول عند عقد شراكات مع شركات أجنبية أو خاصة، أو عند توطين صناعات جديدة. وكذلك الحال بالنسبة إلى نقل المعارف العلمية خاصة في المجالات الطبية والدوائية.

8- مقاومة العقوبات: تسعى بعض الدول إلى تكوين تحالفات بصبغة سياسية لإنتاج لقاحات كورونا محليًا، ومواجهة العقوبات المفروضة عليها. فقد أعلن الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، في 11 أبريل الجاري، عن توقيع بلاده اتفاقًا مع كوبا تنتج بموجبه كاراكاس لقاح "عبدالله" الكوبي محليًا. وأشار السفير الكوبي في فنزويلا داجوبيرتو رودريغيز، إلى أن هذه الاتفاقية تعزز العلاقات بين البلدين "في خضم المعركة التي يواجهانها ضد الحصار الأجنبي". ويأتي توقيع هذا الاتفاق بعد أسبوعين تقريبًا من طرح الرئيس الفنزويلي صيغة "النفط مقابل اللقاح" لتمكين البلاد الخاضعة لعقوبات دولية، من شراء لقاحات مضادة لفيروس كورونا المستجد.

كما وقّع معهد "فينلاي" الكوبي، في يناير الماضي، اتفاقية ثنائية مع معهد "باستور" الإيراني للعمل المشترك بين البلدين، من أجل تطوير لقاح ضد فيروس كورونا، من خلال إجراء جزء من المرحلة الثالثة للتجارب السريرية على لقاح "سوبيرانا 2" الكوبي في إيران، ونقل تكنولوجيا صناعة اللقاح إلى طهران، والتعاون بين البلدين في تصنيع لقاحات أخرى بخلاف لقاح كورونا.

وتسعى الدول الثلاث للترويج للتعاون بينها باعتباره آلية مشتركة لمواجهة العقوبات الأمريكية، وتوحيدًا للدول التي تصنفها واشنطن فيما تسميه "محور الشر". بينما ترى هذه الدول في تعاونها تضامنًا في مواجهة الهيمنة الأمريكية، ونزعة استقلالية في تطوير اللقاحات.

ختامًا، تقف العديد من العوامل وراء مساعي العديد من الدول لتطوير لقاحات جديدة مضادة لفيروس كورونا، أو التصنيع المحلي للقاحات الحالية. ومع القول بتحقيق هذه الدول لمكتسبات من هذا الأمر داخليًا وخارجيًا؛ إلا أنه أيضًا يحقق مكتسبات عالمية، حيث يساهم في زيادة نوعية وكمية للقاحات كورونا تساعد أكبر قدر ممكن من المواطنين حول العالم في الحصول على اللقاح، في معركة عالمية مع فيروس سريع التحور والانتشار. كما يشير ذلك الأمر أيضًا إلى هشاشة الأطروحات التي تحدثت عن التضامن العالمي، حيث أصبح امتلاك خطوط إنتاج داخلية وطنية هدفًا للدول من أجل تلبية الاحتياجات المحلية أولًا، ثم الالتفات للاحتياجات الإقليمية والدولية.