أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

رهانات "بايدن":

اتجاهات تصويت الأفروأمريكان في الانتخابات الأمريكية

06 أكتوبر، 2020


تظلّ قضايا العلاقات الأمريكية الإفريقية، واتجاهات تصويت المواطنين من ذوي الأصول الإفريقية "الأفروأمريكان"، من أهم الملفات المطروحة خلال الحملة الانتخابية لمرشَّحَيٍ الرئاسة الأمريكيين، الجمهوري "دونالد ترامب"، والديمقراطي "جو بايدن"، حيث يحرص كل منهما على تقديم أوراق اعتماده إلى القارة السمراء، وبيان الملامح العامة للسياسة الأمريكية إزاءها، بالتزامن مع السعي لاجتذاب أصوات الأفروأمريكان.

ويعود ذلك للأهمية الاستراتيجية الفائقة لموقع القارة الإفريقية، الذي يتوسط طريق الواردات الأمريكية من النفط والغاز الطبيعي القادم من منطقة الخليج العربي. وكذلك لدورها في إطار الحرب ضد الإرهاب، ولكونها تزخر بالموارد الطبيعية النفيسة والاستراتيجية، وتمثل سوقًا واسعة أمام المنتجات الأمريكية، حيث يتوقع أن يمثل عدد سكانها ربع القوى العاملة والمستهلكين بالعالم بحلول عام 2030. 

كما تبدو أهمية اجتذاب أصوات الأفروأمريكان، باعتبارهم ثاني أكبر الأقليات بالولايات المتحدة، بنسبة 13.5% من الشعب الأمريكي. وهم أيضًا أكثر الأقليات انخراطًا في العملية السياسية الأمريكية، مقارنة بالجماعات والأقليات الأخرى، وفقًا لمستوى تسجيل الناخبين والمشاركة في الانتخابات، فقد كان لهم دور بارز في حسم نتائج العديد من الانتخابات، خاصة انتخابات 2008، عندما صوت 95% من الأفروأمريكان لصالح الديمقراطي "باراك أوباما".

لذا تبدو أهمية إلقاء الضوء على السياسة الخارجية الأمريكية إزاء القارة الإفريقية خلال الولاية المنتهية للرئيس "ترامب"، ووضع القارة في إطار الحملة الانتخابية الحالية، واتجاهات تصويت الأفروأمريكان، وانعكاسات ذلك على القارة الإفريقية، حسب نتيجة السباق الانتخابي. 

أولًا- السياسة الأمريكية تجاه إفريقيا في عهد "ترامب":

لم تكن القارة الإفريقية حاضرة بالشكل اللائق على قائمة أولويات الرئيس "ترامب" خلال حملته الانتخابية الأولى. فلم يصوت لصالحه سوى 8% فقط من الأفروأمريكان، بينما ذهب 88% من أصواتهم لصالح مرشحة الحزب الديمقراطي "هيلاري كلينتون".

وعقب تسلمه مقاليد السلطة مباشرة، أصدر "ترامب" قرارًا يحظر دخول جميع اللاجئين إلى الولايات المتحدة، بدعوى حماية البلاد من المتطرفين. كما أعلن انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ في يوليو 2017، بغية تجنب الآثار السلبية للاتفاقية على الاقتصاد الأمريكي، فيما يُعتبر تراجعًا عن الالتزام بمكافحة الاحتباس الحراري، ولتزداد شكوك الأفروأمريكان في إمكانية تطوير العلاقات الأمريكية الإفريقية في عهد "ترامب".

وقد تحولت شكوك الأفارقة لغضب عارم في يناير 2018، مع تصريحات "ترامب" بشأن اللاجئين الأفارقة، الذين نعتهم بـ"الحثالة"، فاستنكر الاتحاد الإفريقي مقولته المسيئة، واستدعت وزارة الخارجية السنغالية السفير الأمريكي في داكار لتفسير ذلك التصريح الذي لا يزال كامنًا بأصدائه السلبية في أذهان الأفارقة، رغم محاولات "ترامب" احتواء الموقف بالتصريح في سبتمبر 2018 بأن إفريقيا هي أجمل بقاع العالم.

عمليًّا، انطلقت السياسة الأمريكية إزاء القارة من أربعة محاور هي: إطلاق الحوار السنوي الأمريكي الإفريقي، وتفعيل التعاون الاقتصادي مع إفريقيا، ومكافحة الإرهاب، وتسوية صراعات وأزمات القارة الإفريقية. 

في هذا الإطار، بدأ الحوار الأمريكي الإفريقي بلقاء استضافته مفوضية الاتحاد الإفريقي بأديس أبابا في نوفمبر 2018، بهدف تدشين التعاون مع الاتحاد الإفريقي، وتعزيز فرص النمو الاقتصادي والتجارة والاستثمار والتنمية بإفريقيا، وإقرار السلم والأمن، وتعزيز المؤسسات الديمقراطية والحكم الرشيد.

أطلقت إدارة "ترامب" أيضًا مبادرة بعنوان "مبادرة ازدهار إفريقيا"، مؤكدة أنها مبادرة دائمة لا ترتبط بإدارة معينة. وأنها تضم ١٦ وزارة ووكالة تمويلية أمريكية، أهمها بنك التصدير والاستيراد الأمريكي، بغية تعزيز التجارة والاستثمار بين الطرفين، خاصة في مجال الطاقة المتجددة، وذلك عبر ثلاث مقاربات تتعلق بتحديث ومواءمة القدرات والجهود الأمريكية، وتسهيل المعاملات، والارتقاء بمناخ المال والأعمال في إفريقيا. 

في إطار هذه المبادرة، بدت واشنطن أكثر اهتمامًا بالدول الإفريقية الفاعلة، خاصة مصر، وجنوب إفريقيا، ونيجيريا، وإثيوبيا. وتعددت اللقاءات بقادة تلك الدول، حيث تم تنظيم ستة اجتماعات بين "ترامب" والرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي"، كان أحدها خلال الحملة الانتخابية لترامب. كما شاركت الولايات المتحدة في منتدى إفريقيا 2019، الذي استضافته مصر.

وبالنسبة لمكافحة الإرهاب، أعلنت إدارة "ترامب" دعمها للحرب ضد الإرهاب بالصومال والساحل الإفريقي ونيجيريا، فدشنت عملية فريق القبعات الخضراء عام 2017، لتوفير المعلومات حول الجماعات المسلحة في مالي، ووقعت مذكرة تفاهم مع النيجر للحصول على تسهيلات جوية في نوفمبر 2017، ونشرت المئات من العناصر العسكرية في ليبيا ونيجيريا والنيجر ومالي.

وبخصوص تسوية الصراعات، أكدت إدارة "ترامب" مساندتها لعملية الانتقال السياسي في السودان، عقب سقوط نظام الإنقاذ، ودعمها لاتفاق السلام بجنوب السودان، والتسوية السلمية للصراع في ليبيا، وتوسطت لتسوية أزمة سد النهضة.

وبالرغم من ذلك، ظهرت مؤشرات عديدة تؤكد ضعف اهتمام "ترامب" بالقارة الإفريقية لدرجة بلغت حد الإهمال، ومن أبرزها ما يلي:

1- بطء تعيين المسؤولين والسفراء الأمريكيين بدول القارة الإفريقية، إثر تغيير "ترامب" لجميع السفراء الأمريكيين بالخارج عقب توليه الرئاسة في يناير 2017، حيث انتظر "ترامب" عامًا ونصف قبل تعيينه مساعد وزير الخارجية للشؤون الإفريقية، وأخذ الأمر وقتًا أطول لتعيين السفراء الأمريكيين بجنوب إفريقيا ونيجيريا وتشاد وتنزانيا، فيما ظلت سفارات واشنطن بالعديد من عواصم القارة بدون سفير لمدد أطول. 

2- تراجع نصيب الولايات المتحدة من التجارة والاستثمار الأجنبي بإفريقيا، حيث سحبت الصين البساط من تحت قدميها في هذين المجالين، مسجلة ثلاثة أمثال حجم التجارة الأمريكية مع إفريقيا خلال عام 2018. وبالمثل تراجع نصيب الولايات المتحدة من التجارة مع إفريقيا لصالح روسيا وتركيا. وهنا تجدر الإشارة إلى أن مبادرة ازدهار إفريقيا التي طرحتها إدارة "ترامب" لم تكن أكثر من رد فعل على مبادرة صينية سابقة، وأن واشنطن اكتفت بالشكوى من تزايد النفوذ الصيني بالقارة، دون تقديم بدائل قابلة للتطبيق.

3- لم يزر "ترامب" إفريقيا مطلقًا طوال ولايته الأولى، ففي الوقت الذي كثّفت فيه روسيا وجودها بإفريقيا، وخططت الهند لافتتاح 18 سفارة جديدة بالقارة، وبلغ عدد السفارات التركية بإفريقيا زهاء 42 سفارة، فقد اكتفى "ترامب" بجولة للسيدة الأولى "ميلانيا ترامب" في أكتوبر 2018، شملت غانا ومالاوي وكينيا ومصر، وزيارات مقتضبة لوزير خارجيته لمهام خاصة، مثل زيارته لإثيوبيا في فبراير 2020 لتسوية أزمة سد النهضة، وزيارته للسودان في أغسطس 2020. وهنا كان العبء الأكبر في مباشرة السياسة الأمريكية تجاه إفريقيا في عهد "ترامب" يقع على عاتق مساعد وزير الخارجية للشؤون الإفريقية، ومدير الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية. 

4- سعت إدارة "ترامب" للتحكم في مقاليد إدارة الصراعات بالقارة، وتوجيه التسويات السياسية صوب خدمة المصالح الأمريكية، أكثر من حرصها على إيجاد تسويات عادلة لها. ففي السودان، توجه اهتمامها الأكبر لمساومة السلطة الانتقالية لأجل التطبيع مع إسرائيل مقابل رفع اسم السودان من اللائحة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب، والحصول على المساعدات المالية. وفي ليبيا، أكدت واشنطن اعترافها بحكومة الوفاق الوطني، وضرورة التسوية السلمية للصراع، ووقف التدخلات الأجنبية فيه، وإحكام حظر السلاح إلى ليبيا. لكنها عقدت الأمور بإضعافها دور الأمم المتحدة، وتقديم الضوء الأخضر للتدخل العسكري التركي، لقطع الطريق على الدور الروسي في ليبيا. وبالنسبة لأزمة سد النهضة، رعت إدارة "ترامب" خارطة طريق في نوفمبر 2019، بغية توقيع اتفاق نهائي في يناير 2020، لكن انسحاب إثيوبيا من المفاوضات، وعدم كفاية الضغوط الأمريكية، حالا دون الوصول لأي اتفاقات. 

وفي مجال مكافحة الإرهاب، ظلت الإدارة الأمريكية مترددة في التدخل العسكري المباشر لمواجهة الحركات المتطرفة، مكتفية بتوفير المعلومات الاستخباراتية والدعم اللوجيستي، وبعض الضربات الجوية، ومحاولة احتواء الجماعات المتطرفة أكثر من السعي لهزيمتها. وتجلت هذه السياسة في قرار البنتاجون في فبراير 2020 بالموافقة على خطة لتقليص عدد القوات الأمريكية المخصصة لمكافحة الإرهاب بإفريقيا بنسبة 25٪ تقريبًا.

ثانيًا- إفريقيا والأفروأمريكان في الحملة الانتخابية الراهنة: 

نادرًا ما يتم الحديث عن مبادرات تفصيلية خاصة بإفريقيا خلال الحملات الانتخابية الأمريكية، وينطبق ذلك على الحملة الانتخابية الحالية، ليكتفي المرشحان بتأكيد أهمية تطوير العلاقات مع إفريقيا. فقد تعهد "ترامب" باستمرار الشراكة الاقتصادية مع القارة، فيما ركز "بايدن" على الفرص التي يمكن أن تجنيها إفريقيا من النفوذ الأمريكي داخل المنظمات العالمية والمؤسسات المانحة، وعلى ضرورة تمكين المرأة والشباب الإفريقي، ونقل الخبرة الأمريكية في الديمقراطية والتعليم وتخطيط المدن للقارة الإفريقية.

وكان الاهتمام الأكبر لكلا المرشَّحَيْن ينصبّ على اجتذاب أصوات الأفروأمريكان، حيث دشن أنصار "ترامب" مبادرة بمدينة أتلانتا، باسم "أصوات السود لترامب"، مطالبين الأفروأمريكان بالتخلي عن تصويتهم النمطي لصالح الحزب الديمقراطي، والتصويت لصالح الحزب الجمهوري، إذ كانوا يطمحون في مزيد من الوظائف والفرص الجيدة لتعليم أبنائهم. 

كما اتهم "ترامب" الديمقراطيين بعدم الاهتمام بالسود إلا خلال الحملات الانتخابية فحسب، مؤكدًا أنهم سوف يتخلون عنهم في النهاية، ومحذرًا من خضوع الحزب الديمقراطي لقيادات متطرفة دأبت على توريط الولايات المتحدة في مغامرات خارجية كارثية العواقب. كما اتّهم "ترامب" خصمه بوصف الأفارقة بأنهم "وحوش مفترسة، متوحشة"، وذلك قبيل التصويت في الكونجرس على مشروع قانون لمكافحة الجريمة عام 1993.

من جانبه، نفى "بايدن" اتهامات "ترامب"، مؤكدًا احترامه للأفروأمريكان، واعتذاره لهم عن تصريحات سابقة أخرى له، تؤكد أنهم مجتمع غير متنوع بعكس الأقلية ذات الأصول الإسبانية. كما انتقد "بايدن" سوء تعامل إدارة "ترامب" مع مظاهر العنصرية ضد السود، مشيرًا لقضية مقتل المواطن "جورج فلويد" في مايو 2020، والتي أدت لتحالف تكتل السود بالكونجرس مع النواب الديمقراطيين لإصدار تشريع بإلغاء الحصانات الممنوحة لضباط الشرطة. وهنا تعهّد "بايدن"، في حال فوزه بالرئاسة، بالقضاء على العنصرية التي كرسها "ترامب" بالمؤسسات الأمريكية خلال المائة يوم الأولى لولايته.

ثالثًا- اتجاهات التصويت المحتملة للأفروأمريكان:

من المحتمل أن تتجه أصوات معظم الأفروأمريكان لمرشح الحزب الديمقراطي "بايدن"، وذلك لأسباب داخلية وأخرى خارجية. وتتعلق الأسباب الداخلية بتزايد احتمالات حدوث تصويت عقابي ضد "ترامب"، الذي لم يحصل على أكثر من 36% من أصوات السود، خلال استطلاعات الرأي العام، نظرًا لعدم تحسن أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية في عهده، خاصة بالنسبة للمقيمين بالولايات الجنوبية، الذين يمثلون نحو 55% من ذوي الأصول الإفريقية، حيث ينتشر الفقر والبطالة بين السود، ليبلغ معدل البطالة بينهم 14.7 %، مقابل 8.7 % بين البيض، فضلًا عن انخفاض رواتبهم بمتوسط 20% على الأقل مقارنة بالبيض. ولذلك عبر الأفروأمريكان عن ترحيبهم باختيار "بايدن" للسيناتور "كامالا هاريس" كنائبة له، باعتبارها أول امرأة سوداء تخوض الانتخابات كنائب للرئيس في تاريخ الولايات المتحدة، مما جعلهم يتطلعون للاستفادة من السياسات الليبرالية للحزب الديمقراطي بشأن قضايا الحقوق المدنية، والتأمين الصحي، والهجرة وغيرها، خاصة أنه يسيطر حاليًّا على مجلس النواب، ويسعى للسيطرة على مجلس الشيوخ أيضًا.

أما الأسباب الخارجية فترتبط بالتهميش الذي تعرضت له القارة الإفريقية في ظل إدارة "ترامب"، والذي يتوقع أن يزداد بحصوله على ولاية ثانية، خاصة أنه سيكون متحررًا أكثر من ضغوط الكتلة السوداء بالكونجرس، ولكونه يدير دفة الحكم بعقلية "رجل الأعمال"، الذي يركز على تأمين الواردات الأمريكية من النفط والغاز والثروات الإفريقية، دون الاهتمام بالنهوض بالقارة، وتطوير العلاقات معها، بالإضافة لتشدده إزاء قضايا المهاجرين واللاجئين والتغير المناخي.

في المقابل، تتعاظم التوقعات بصعود جديد للعلاقات الأمريكية الإفريقية في ظل رئاسة "بايدن"، الذي لعب دورًا مهمًّا في دفع العلاقات بين الطرفين، خلال عمله كنائب للرئيس "أوباما" (2009-2017)، والذي أولت إدارته أهمية للقارة. وتجلى ذلك بزيارة "أوباما" لإفريقيا في يوليو 2009، ليوجه خلالها خطابًا تاريخيًّا للقارة من برلمان غانا، طرح خلاله مبادرات للنهوض بإفريقيا، تتعلق بدعم التحولات الديمقراطية، ومكافحة الأمراض المتوطنة، وتعزيز فرص التجارة والاستثمار.