أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

فاعلية مفقودة:

هل يتجه الاتحاد الأوروبي إلى التفكك بعد أزمة كورونا؟

31 مارس، 2020


كشفت أزمة فيروس كورونا عن محدودية دور الاتحاد الأوروبي في التعامل مع الأزمة وفقًا لحدود صلاحياته المنصوص عليها في معاهدات تأسيس الاتحاد، ووفقًا لمدى التزام الدول الأعضاء بتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه في بروكسل لإدارة الأزمة بشكل مشترك. وبرغم الانتقادات التي وُجهت للاتحاد بضعف تعاطيه مع الأزمة، وغياب التضامن الأوروبي فيها؛ إلا أن هذا الحكم يستدعي أولًا استكشاف وفهم طبيعة دور الاتحاد الأوروبي وفقًا للمعاهدات، واستعراض الإجراءات التي اتخذها منذ بدء الأزمة ثانيًا، للوصول ثالثًا إلى تقييم متكامل لدور الاتحاد في أزمة كورونا.

صلاحيات محدودة:

يمتلك الاتحاد الأوروبي سلطات محدودة للتصدي لمثل هذه النوع من الأوبئة بشكل عام، ذلك لأن الدول الأعضاء تشرف على القطاع الصحي، ويمكن للمفوضية الأوروبية فقط تنسيق ودعم الدول الأعضاء في مجال الصحة، وتقديم توصيات وإعطاء المشورة، من خلال الدور عبر الحكومي، لكن تظل الحكومات الوطنية حرة في اعتماد هذه التوصيات. 

وهذه القاعدة منصوص عليها في المادة 168 من معاهدة عمل الاتحاد الأوروبي؛ إذ -وفقًا لها- يمكن للاتحاد الأوروبي فقط "استكمال السياسات الوطنية" و"تشجيع التعاون بين الدول الأعضاء" و"تقديم الدعم عند الضرورة لعملها". 

بالإضافة إلى ذلك، فإن لدى المفوضية الأوروبية ثلاثة أنواع من الأدوار: دور حصري، ودور مشترك، ودور داعم. فالدور الحصري يتضمن الاتفاقيات التجارية والدولية، ويكون للاتحاد الرأي النهائي فيها. أما الدور الثاني فيتم تقاسمه بالاشتراك بين الاتحاد والدول الأعضاء، ويغطي مجالات مثل الزراعة أو السوق الموحَّدة. 

أما الدور الثالث فهو الدور الداعم للدول الأعضاء فقط؛ حيث تقع السلطة النهائية في اتخاذ القرار على عاتق الدول الأعضاء، والذي تندرج تحته أزمة كورونا، لأن دور الاتحاد فقط هو دعم الإجراءات الوطنية في المجالات الاجتماعية كالصحة. وتجدر الإشارة إلى أن دول الاتحاد ما زالت مترددة في تسليم السلطات الصحية إلى المستوى فوق الوطني، خاصة أن السياسة الاجتماعية هي مجال يتضمن عادة ميزانيات وطنية كبيرة، والتي تظل عرضة للتغييرات في الحكومة والائتلافات السياسية.

برغم ذلك، يمكن تفعيل المادة 222 في معاهدة الاتحاد الأوروبي التي تشترط التضامن بين الدول الأوروبية في حالة وقوع دولة في الاتحاد ضحية لهجوم إرهابي أو كارثة من صنع الإنسان أو كارثة طبيعية؛ حيث إنها تُلزم دول الاتحاد الأوروبي بالعمل بشكل مشترك "بروح التضامن" ومساعدة الدول الأعضاء التي طلبت المساعدة.

ويكون الأمر متروكًا لرئاسة المجلس الأوروبي لتولي القيادة وتنسيق استجابة الاتحاد الأوروبي للأزمة. ويتم ذلك من خلال تفعيل ما يسمى بترتيب "الاستجابة المتكاملة للأزمة السياسية"، بما يعني أن على الاتحاد الأوروبي أن يفعل كل ما بوسعه، بما في ذلك الوسائل العسكرية التي تتيحها الدول الأعضاء، من أجل دعم أولئك المعرضين للتهديد. 

وبرغم محاولات الاتحاد لتنسيق استجابة مشتركة بين الدول الأعضاء، إلا أن العديد من الدول الأوروبية تتخذ تدابير غير منسقة إلى حد كبير، بل وحتى متناقضة، بما قد يُقوِّض في نهاية المطاف الجهود المشتركة لمكافحة تفشي الفيروس.

ففي مطلع مارس منعت ألمانيا وفرنسا وجمهورية التشيك تصدير معدات مكافحة الفيروسات للدول الأوروبية، فضلًا عن قيام بعض الدول الأعضاء بإعادة إدخال ضوابط الحدود أو حتى إغلاق الحدود لغير المواطنين كما فعلت فرنسا، وهو ما أظهر نوعًا من التفكك في الاستجابة الأوروبية للوباء، وأثار انتقادات لفكرة التضامن الأوروبي من جانب قادة بعض الدول الأعضاء كإيطاليا وغير الأعضاء كصربيا.

وقد دفعت تلك الانتقادات المفوضية الأوروبية إلى اتخاذ قرار، في 14 مارس، يلزم الدول الأعضاء فقط بإصدار تفويض لتصدير المعدات الطبية، استرشادًا بالقواعد الداخلية للاتحاد الأوروبي في حالات الأزمات وفقًا لقانون المفوضية الأوروبية التي تشدد على ضرورة خضوع صادرات معدات الحماية الشخصية إلى تفويض يضمن كفاية الإمداد في الاتحاد لتلبية الطلب الحيوي. فتصدير هذه المعدات من عدمه، لن يعتمد على قرارات بروكسل، بل على القرارات الفردية للدول الأعضاء السبع والعشرين، اعتمادًا على توريدها للمعدات.

إجراءات المواجهة:

في 10 مارس 2020، عقد رؤساء الدول والحكومات الأوروبية مؤتمرًا عبر الفيديو كونفرانس للاتفاق على السبل المشتركة لمواجهة فيروس كورونا، حيث تم التشديد على ضرورة اتباع نهج أوروبي مشترك وتنسيق وثيق مع المفوضية الأوروبية، والتأكيد على وزراء الصحة ووزراء الداخلية بضرورة التشاور يوميًّا لضمان التنسيق المناسب من أجل التوجيه الأوروبي المشترك. وخلال الاجتماع تم تحديد 4 أولويات: 

1- التنسيق والمشاورة: اتفقت الدول الأعضاء على أن التدابير التي سيتم اتخاذها يجب أن تستند إلى المشورة العلمية والطبية من خلال المركز الأوروبي للوقاية من الأمراض ومكافحتها ECDC، وأن تكون تلك التدابير متناسبة بحيث لا تكون لها نتائج مفرطة على المجتمعات الأوروبية. كما اتفق القادة كذلك على أنهم سيتبادلون جميع المعلومات ذات الصلة من خلال تعزيز آليات التنسيق القائمة. 

2-توفير المعدات الطبية: تم الاتفاق على تكليف المفوضية بتحليل الاحتياجات، والخروج بمبادرات لمنع نقص المعدات الطبية. وأبلغت المفوضية أنها ستواصل ارتباطها بالصناعة وتتابع المشتريات العامة المشتركة. علاوة على ذلك، تعتزم المفوضية شراء معدات الحماية الشخصية من خلال إطار الحماية المدنية الأوروبي RescEU، مع إيلاء اهتمام خاص للأقنعة وأجهزة التنفس.

وفي هذا السياق دعت المفوضية في 28 فبراير و17 مارس الشركات والمنتجين إلى تقديم عطاءات بشأن المعدات الطبية، وبالفعل حتى 24 مارس قدم المنتجون عروضًا تُغطي الاحتياجات التي طلبتها الدول الأعضاء. وتجدر الإشارة إلى أن دور المفوضية في هذا الصدد تنسيقي فقط، ولا تشتري المعدات نيابة عن الدول.

واقترحت المفوضية في 19 مارس 2020 إنشاء مخزون استراتيجي من المعدات الطبية لإنقاذ الاتحاد الأوروبي كنوع من الاحتياطي الأوروبي المشترك، معلنة تمويلها 90٪ من تكاليف التخزين وإدارة توزيع المعدات للتأكد من أنها تذهب إلى حيث تشتد الحاجة إليها داخل أوروبا.

كما وافقت المفوضية في 20 مارس على أن جميع المعايير الأوروبية سيتم توفيرها بشكل استثنائي مجانًا للشركات المهتمة بهدف زيادة القدرات الإنتاجية الأوروبية بما سيسمح بتصنيع أجهزة عالية الجودة، مثل: الكمامات، والقمصان الطبية، والمطهرات، وأدوات التعقيم، وغيرها، وضخها في الأسواق المحلية.

3- دعم البحث العلمي: شددت الدول الأعضاء على أهمية تعزيز الجهود في مجال البحث لاسيما فيما يتعلق بإنتاج اللقاح، وقد قامت المفوضية بالفعل بتوفير 140 مليون يورو للأبحاث العلمية، واختارت 17 مشروعًا للقيام بذلك.

4-مواجهة تداعيات الوباء: اتفقت الدول الأعضاء على الاستعداد لاستخدام جميع الأدوات اللازمة لمواجهة التداعيات الناتجة عن الفيروس، بالتركيز على دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة والقطاعات المتضررة وموظفيها. وستكون هناك حاجة إلى تطبيقٍ مرنٍ لقواعد الاتحاد الأوروبي على وجه الخصوص فيما يتعلق بمساعدة الدول على الاستقرار والنمو.

وفي هذا الإطار، أعلنت المفوضية الأوروبية في مارس  2020 عن تخصيص نحو 40 مليار دولار لمواجهة أزمة "كورونا"، كما دعت 9 دول أوروبية في  مارس 2020 نظراءها في الاتحاد الأوروبي إلى إصدار ما أسمته "سندات كورونا"، وهي أداة دين جديدة تجمع بين الأوراق المالية من دول أوروبية مختلفة، خاصة في ظل تزايد الضغط في القارة للتوصل إلى طرق جديدة للتخفيف من الأثر الاقتصادي لفيروس كورونا، وهو الأمر الذي يظل حتى الآن موضع جدل بين دول الاتحاد.

إضافة لما سبق، تم تفعيل الاستجابة المتكاملة لأزمة انتشار وباء كورونا في أوروبا، وتم تفعيل دور مركز تنسيق الاستجابة للطوارئ التابع للمفوضية الأوروبية والذي يلعب دورًا رئيسيًا في جهود الإغاثة لمساعدة جميع البلدان التي تطلب دعمًا محددًا، والذي يتخذ شكل المساعدة في التمويل المشترك أو توفير معدات الحماية الشخصية.

كما شكَّلت المفوضية في منتصف مارس لجنة من العلماء من ست دول في الاتحاد الأوروبي لوضع إرشادات وتنسيق إدارة المخاطر. ويترأس اللجنة رئيسة المفوضية الأوروبية "أورسولا فون دير لين"، وهي طبيبة مدربة. كما عرضت المفوضية مبادئ توجيهية بشأن الحدود للحفاظ على تدفق البضائع بين الدول الأوروبية.

حدود الفعالية:

من واقع العرض السابق، يمكن القول إن الاتحاد الأوروبي -على عكس ما يُشاع- يقوم بالدور المنوط به في التعامل مع أزمة كورونا، وهو الدور الذي فرضته عليه معاهدات الاتحاد الأوروبي، والصلاحيات الممنوحة للاتحاد في بعض الملفات كالصحة وغيرها. بيد أن ما قد يُؤخذ على الاتحاد في التفاعل مع أزمة كورونا هو بطء الإجراءات والقرارات التي تم اتخاذها، والتي كان من الممكن لو تم اتخاذها مبكرًا إنقاذ القارة العجوز من إحدى أخطر الأزمات التي تواجهها مؤخرًا.

برغم ذلك، لم يَتَوَانَ الاتحاد عن القيام بهذا الدور من خلال التنسيق بين وزراء الصحة والداخلية في الدول الأعضاء، فضلًا عن تفعيل استراتيجية الاستجابة المتكاملة للأزمة، والتي برزت من خلالها أولويات الاتحاد للتعامل مع انتشار الوباء وتداعياته، كما خصص الاتحاد 40 مليار دولار للتخفيف من التداعيات الاقتصادية للأزمة. 

برغم ذلك تثار بعض التحفظات على أداء الاتحاد في التعامل مع الأزمة، وأنه لم يثبت فعاليته في المواجهة المشتركة للوباء وتداعياته، لذا تجدر الإشارة إلى أن هذه الانتقادات نابعة من عدة أمور، لعل أهمها عدم فهم الخط الفاصل بين دور الاتحاد وأدوار الدول الأعضاء طبقًا لمعاهدات تأسيس الاتحاد، خاصة في بعض الملفات وذلك لأن الاتحاد ككيان فوق وطني له سلطة التنسيق بين الدول الأعضاء، وصلاحية إبداء النصيحة والرأي وليس فرض قراراته عليهم.

والتلاعب بسياسة مدح الحكومات الوطنية في حالة الإنجاز وانتقاد الاتحاد في حالة الفشل والأزمة، وهو التوجه الذي اعتاده بعض الساسة للحصول على دعم مواطنيهم بالاعتماد على عدم الفهم الجمعي الكافي لحدود دور الاتحاد ومحدوديته.

يضاف إلى هذا اختلاف آراء الوزراء في بروكسل عنها في بلادهم؛ إذ يذهب الوزراء إلى بروكسل ليتخذوا قرارًا في المجلس بصفتهم ممثلين للدول في عملية تشريعية، لكنهم يتنصلون من هذه القرارات بمجرد عودتهم إلى بلادهم. بل إنه في بعض الأحيان ينتهي الأمر بهم إلى إلقاء اللوم على "بروكسل" لاتخاذ هذا القرار بما يُكسبهم تأييد الجماهير، ويخصم من رصيد ثقة المواطنين في الاتحاد الأوروبي.

مستقبل الاتحاد الأوروبي: 

تذهب بعض التحليلات إلى احتمال تأثر الاتحاد الأوروبي بتداعيات أزمة كورونا، وتطرح احتمالات خروج دول أخرى منه مثل إيطاليا على سبيل المثال، مستندين إلى أمرين؛ أولًا ما يُثار من مزاعم عن وجود حالة من الغضب الشعبي ضد الاتحاد الأوروبي داخل إيطاليا (مثل: حرق علم الاتحاد الأوروبي، وإنزال علم الاتحاد في مقابل رفع علم الصين)، وثانيًا حالة الاستياء على المستوى الرسمي الإيطالي النابعة من رفض الاتحاد الأوروبي في مارس 2020 (بالتحديد ألمانيا، وهولندا، وبعض دول شمال أوروبا) طلب تسع دول أوروبية منها إيطاليا بإصدار ما يسمى بـ"سندات كورونا" للتخفيف من الآثار الاقتصادية للوباء.

بيد أن تلك التحليلات غير دقيقة في تناولها، لأنه من المبكر جدًّا الحكم على هذا الأمر وتداعياته على الكيان الأوروبي؛ فحالة الغضب الشعبي في دول الاتحاد الأوروبي مثلًا لم تنعكس سوى في تصرفات فردية ولم تعبر عن توجه عام داخل المجتمع الإيطالي حاليًّا، خاصة مع قيام ألمانيا بعلاج المواطنين الفرنسيين والإيطاليين الذين يعانون من أمراض الجهاز التنفسي التي يسببها فيروس كورونا في المستشفيات الألمانية.

أما بالنسبة لحالة الاستياء على المستوى الرسمي في إيطاليا وإسبانيا والبرتغال على سبيل المثال بسبب رفض الاتحاد سندات كورونا فهي لا تعبر عن رغبة تلك الدول في مغادرة الاتحاد بشكل فعلي، لكنهم يستخدمون تلك النبرة في خطابهم للضغط على الاتحاد الأوروبي للاستجابة لمطالبهم. بالإضافة إلى ذلك فإن الاجتماع الأخير بين قادة الاتحاد أمهل وزراء مالية منطقة اليورو أسبوعين للتوصل إلى حل للتخفيف من التداعيات الاقتصادية للأزمة على جميع الدول الأعضاء. 

ختاماً يمكن القول أن بعض الحكومات الوطنية تريد تحميل الاتحاد الأوروبي مشكلات إخفاقها الداخلي في مواجهة أزمة كورونا، وانتقاده على عدم القيام بدور غير منصوص عليه في المعاهدات الأوروبية ولا تسمح به حتى الدول الأعضاء. ومن ثم أصبح التوجه العام داخل بعض المؤسسات الأوروبية في الوقت الحالي هو المطالبة بتمكين الاتحاد الأوروبي ككيان فوق وطني في ملفات مثل الصحة وغيرها، خاصة أن أزمة كورونا أظهرت ضعف سلطات الاتحاد على الدول الأعضاء؛ حيث قامت بعض الدول الأوروبية بوضع نفسها أولًا وقامت بشراء وتخزين الأدوية على المستوى الوطني بما زاد من صعوبة وصول المنتجات الطبية إلى دول أخرى هم في أمسّ الحاجة إليها، مما أدى في النهاية لانتشار المرض في سائر أوروبا دون استثناء.

لذا أضحى من الضروري لمكافحة مثل هذا النوع من التهديدات، إعادة النظر في المعاهدات الأوروبية بما يُعطي مزيدًا من السلطات للاتحاد الأوروبي لممارسة دوره بفعالية أكبر، ومزيدًا من الصلاحيات لتعزيز المواجهة "المشتركة" لأي أزمة.