أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

عواقب متعددة:

تأثير شبكات التجسس على العلاقات الأوروبية- الإيرانية

26 يناير، 2019


أعلن الاتحاد الأوروبي، في 9 يناير 2019، عن إدراج إدارة الأمن الداخلي التابعة للاستخبارات الإيرانية على قائمة الإرهاب الخاصة به، وذلك كرد فعل على تمدد شبكات التجسس الإيرانية في أوروبا وإحباط العديد من دول الاتحاد لهجمات على أراضيها، وهو ما يتوازى مع إشارة بعض هذه الدول إلى تحركات لعناصر إيرانية بغطاء دبلوماسي وشخصيات غير إيرانية تعمل لحساب الحرس الثوري بهدف تنفيذ مخططات عديدة لصالحه. 

ويبدو أن العديد من دول الاتحاد، لا سيما التى حرصت على استمرار سريان الاتفاق النووي عقب انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية منه في 8 مايو 2018، أصبحت بصدد إجراء مراجعة لمواقفها بسبب تلك التحركات الإيرانية التي تمثل تهديدًا أمنيًا لها، وهو ما لا يمكن فصله عن حرص واشنطن على ممارسة ضغوط من أجل اتخاذ موقف مماثل بالانسحاب من الاتفاق، وهى ضغوط تشارك فيها هيئات أمنية ومنظمات أهلية في تلك الدول تطالب بوضع الاعتبارات الأمنية كأولوية على المصالح الاقتصادية المشتركة بين تلك الدول وإيران بناءً على الاتفاق النووي. 

أهداف خفية: 

يمكن القول إن ثمة أهدافًا عديدة تسعى إيران إلى تحقيقها عبر توسيع نطاق شبكات التجسس التابعة لها داخل دول الاتحاد الأوروبي، ترتبط بقضايا تحظى باهتمام خاص من جانبها، ويتمثل أبرزها في الاقتراب من مصالح خصومها لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، واستهداف عناصر المعارضة الإيرانية خاصة من منظمة "مجاهدي خلق" والمجموعات التابعة للقوميات التي تتعرض للإقصاء والتهميش داخل إيران، وهى الجهات التي كان له دور في توجيه انتباه المجتمع الدولي إلى العواقب الوخيمة للسياسة الإيرانية، على المستويين الإقليمي والنووي، إلى جانب ممارسة أنشطة تتعلق بشراء بعض المكونات التي تتصل بالبرنامج الصاروخي في إطار سعيها إلى تحسين قدراتها الصاروخية، فضلاً عن التجسس على انتشار بعض الجيوش الأوروبية في الخارج، لا سيما في أفغانستان، وهو ما كشف عنه قيام السلطات الألمانية، في 15 يناير الجاري، باعتقال ألماني من أصل أفغاني للاشتباه في نقله بيانات ومعلومات إلى إيران، حيث كان يعمل مستشارًا ثقافيًا في الجيش الألماني.  

ويبدو أن إيران تُعوِّل في هذا السياق على أن الخيارات المتاحة أمام الدول الأوروبية ليست متعددة للتعامل مع تلك التهديدات التي تفرضها أنشطتها، خاصة أن الأخيرة ما زالت تسعى إلى تعزيز فرص استمرار العمل بالاتفاق النووي ولا ترى بديلاً له حتى الآن، على عكس الولايات المتحدة الأمريكية التي اعتبرت أن الاتفاق دفع إيران إلى الإمعان في تبني سياسة فرضت تداعيات سلبية على الأزمات الإقليمية في المنطقة، بالتوازي مع محاولاتها الالتفاف عليه من خلال مواصلة إجراء أنشطة خاصة بتطوير الصواريخ الباليستية.

ولا يمكن استبعاد أن تكون بعض الميليشيات الموالية لإيران على صلة بتلك المخططات مثل حزب الله، الذي يحاول بدوره تعزيز نشاطه داخل الدول الأوروبية أيضًا، وهو ما كشفت عنه مؤشرات عديدة في الفترة الماضية.

تعاون أمني:

ويبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية كان لها دور في الكشف عن المخططات الإيرانية في أوروبا، بشكل يمكن أن يساعد في تقليص حدة الخلافات مع الدول الأوروبية حول آليات التعامل مع إيران، خاصة فيما يتعلق بأدوارها في المنطقة وبرنامجيها الصاروخي والنووي.

ففي هذا السياق، أشارت تقارير عديدة إلى أن التعاون بين واشنطن وبرلين لا يتوقف فقط على عمليات مكافحة التجسس الإيراني في ألمانيا وأوروبا، وإنما يمتد أيضًا إلى مراقبة دور إيران في الإرهاب الدولي. وقد انعكس ذلك في قضية شركة طيران "ماهان إير" الإيرانية التي قررت ألمانيا، في 21 يناير 2019، إلغاء تصريح التشغيل الخاص بها لديها، وهو ما يعود، في قسم منه، إلى ما كشف عنه التنسيق الأمريكي- الألماني بشأن الدور الذي تقوم بها الطائرات التابعة للشركة في نقل الأسلحة والذخائر وعناصر من الحرس الثوري والميليشيات التي قامت إيران بتكوينها وتدريبها إلى سوريا للمشاركة في الصراع العسكري إلى جانب النظام السوري.

كما كانت واشنطن حريصة على دعم الإجراءات التي اتخذتها فرنسا، في 3 أكتوبر 2018، حيث فرضت عقوبات على إدارة الأمن الداخلي التابعة للاستخبارات الإيرانية وشخصين إيرانيين تتمثل في تجميد أصولهم داخل فرنسا، بعد أن اتهمتهم بمحاولة التخطيط لشن هجوم ضد تجمع نظمته المعارضة الإيرانية في يونيو من العام نفسه، وهى العملية التي كان للتنسيق الذي جرى بين السلطات في فرنسا وألمانيا وبلجيكا والنمسا دور في إحباطها.

مسارات محتملة:

لكن رغم مجمل تلك الأنشطة السلبية التي مارستها إيران وهددت من خلالها أمن ومصالح الدول الأوروبية، إلا أن الأخيرة ما زالت تسعى إلى مواصلة العمل بالاتفاق النووي، وهو ما بدا جليًا في إعلان وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان، في 23 يناير الحالي، عن أن آلية الأغراض الخاصة التي يمكن أن تساهم في استمرار التعاملات التجارية بين إيران أوروبا واحتواء تداعيات العقوبات الأمريكية، سوف تكون جاهزة في الأيام المقبلة، مع أن تقارير عديدة كشفت عن أن تلك الآلية لن تعمل قبل عدة أشهر في ظل الحاجة إلى الاتفاق على التفاصيل الخاصة بها بين الجانبين.

وتستند اتجاهات عديدة إلى أن هذه الإجراءات يمكن أن تقلص من التأثيرات السلبية للأنشطة الإيرانية على العلاقات التجارية مع الدول الأوروبية. إلا أن اتجاهات أخرى تعتبر أن إصرار إيران على تبني سياستها المتشددة سوف يضع استمرار العمل بالاتفاق النووي أمام عقبات صعبة خلال المرحلة القادمة، وهو احتمال يبدو قويًا في ظل المؤشرات التي تكشف عن أن طهران تتجه نحو اتخاذ خطوات تصعيدية جديدة خلال المرحلة القادمة على المستويات المختلفة.