أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

تحركات استباقية:

كيف تتعامل إيران مع قمة وارسو؟

21 يناير، 2019


لم تكتف إيران بشن حملة دبلوماسية ضد بولندا، بعد الإعلان عن استضافتها قمة دولية في 13 و14 فبراير 2019، سوف تكون مواجهة تدخلاتها في الإقليم أحد عناوينها الرئيسية، بل بدأت في اتخاذ خطوات إجرائية استباقية سواء لتوجيه رسائل إلى القوى المعنية بتداعيات تلك التدخلات، أو للترويج إلى قدرتها على احتواء الضغوط التي يمكن أن تفرضها السياسة الأمريكية تجاهها في الفترة القادمة، وهى خطوات ارتبطت بمحاولاتها التوجه نحو الشرق، ولا سيما تجاه بعض دول الجوار، والتلميح إلى قدرتها على الانسحاب من الاتفاق النووي وإعادة تنشيط برنامجها المثير للشكوك من جديد.

رسائل متعددة:

كان لافتُا أنه عقب إعلان وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، في 12 يناير الجاري، عن عقد قمة دولية في وارسو، ستركز، حسب تصريحاته، على "الاستقرار والسلام والحرية والأمن في الشرق الأوسط، على نحو يتضمن عنصرًا مهمًا وهو ضمان أن لا تمارس إيران نفوذًا مزعزعًا للاستقرار"، بدأت الأخيرة في التحرك، على المستويين الإقليمي والنووي، استعدادًا للاستحقاقات التي يمكن أن تفرضها هذه القمة عليها. وتتمثل أهم الخطوات التي اتخذتها على هذا الصعيد في:

1- التوجه شرقًا: قد لا يعبر التوجه نحو الشرق عن سياسة جديدة تتبناها إيران للتعامل مع الضغوط الدولية والإقليمية التي تتعرض لها بسبب تدخلاتها المستمرة في أزمات المنطقة. إلا أن الجديد في هذا السياق هو تركيزها على دول بعينها، ترى أن تحسين علاقاتها معها يتوافق مع مصالحها ويقلص في الوقت نفسه من احتمالات تحولها إلى ما يمكن تسميته "نقطة انطلاق" لتهديدها أو فرض ضغوط عليها. 

ويأتي على رأس هذه الدول كل من أذربيجان وباكستان. فالعلاقات مع الأولى كانت دائمًا ما تتسم بعدم الاستقرار نتيجة ارتباطها بمتغيرات أخرى لا تبدو هينة، على غرار ما تروج له إيران من نفوذ إسرائيلي واضح داخل باكو، فضلاً عن الاعتبارات التاريخية والديموغرافية التي دائمًا ما تطفو على الساحة وتؤثر على مسارات العلاقات بين الطرفين. 

وهنا، كان لافتًا أن إيران أبدت حرصًا خلال الفترة الأخيرة على توسيع نطاق علاقاتها الثنائية مع أذربيجان واحتواء تأثير هذه المتغيرات عليها، بشكل يوحي بأنها تسعى في المرحلة الحالية إلى تحييد أى دور محتمل قد تكون باكو مرشحة له في سياق الضغوط الدولية والإقليمية التي يتوقع أن تتصاعد ضدها في المرحلة القادمة.

هذا الاهتمام بدا جليًا في الزيارة التي يقوم بها حاليًا رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية محمد باقري إلى باكو، والتي التقى فيها كبار المسئولين في باكو، وفي مقدمتهم الرئيس الهام علييف ورئيس المجلس الوطني اكتاي اسداف، ووقع على اتفاقية تعاون عسكري مع نظيره الأذربيجاني ذاكر حسن اوف. لكن ربما تكون الخطوة الأكثر أهمية التي اتخذتها إيران خلال هذه الزيارة هى تأكيدها، حسب تصريحات باقري، على دعمها لسيادة أراضي جمهورية أذربيجان.

إدلاء باقري بهذا التصريح تحديدًا كان متعمدًا في هذا التوقيت. إذ أنه يعطي، في رؤية اتجاهات عديدة في طهران، أكثر من معنى ويوسع من حرية الحركة وهامش المناورة المتاح أمام إيران التي تسعى إلى ضمان عدم تحول حدودها مع أذربيجان إلى "بؤرة حرجة" خلال المرحلة القادمة التي ستتصاعد فيها حدة الضغوط عليها.

وهنا، فإن هذا التصريح يمكن أن يعني أن إيران ليس لديها تطلعات، مستندة إلى اعتبارات تاريخية، لضم أذربيجان، على النحو الذي ظهر خلال فترات سابقة وأدى إلى توتر العلاقات بين الطرفين، لكنه أيضًا يمكن أن يفهم منه أن إيران قد تغير موقفها من النزاع التاريخي بين أذربيجان وأرمينيا على إقليم ناجورني قره باغ، والذي تؤيد فيه موقف الأخيرة.

وبالتوازي مع ذلك، تواصل إيران مساعيها لتوسيع نطاق التعاون مع باكستان، على المستويين الأمني والاقتصادي، وهو ما انعكس في استمرار التنسيق بين الطرفين سواء لمواجهة الجماعات المسلحة التي تنطلق من الحدود لمهاجمة أهداف داخل الأولى، أو للتعامل مع التطورات السياسية الأفغانية خاصة فيما يتعلق بالمباحثات التي تجري مع حركة "طالبان"، وفي محاولات طهران الإسراع بالانتهاء من مشروع مد خطوط الغاز إلى باكستان، وهو المشروع الذي تحرص إيران على تأكيد أنه ليس لها دور في تأجيله، والذي كان، في رؤيتها، نتيجة لقرارات اتخذت من جانب إسلام أباد.

2- تحركات في بغداد: أبدت إيران اهتمامًا ملحوظًا بالزيارة التي قام بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى العراق، في 26 ديسمبر 2018، خاصة في ظل رؤيتها القائمة على أنها الطرف الرئيسي المستهدف منها. ومن هنا، سارعت طهران إلى ترتيب زيارة لوزير الخارجية محمد جواد ظريف إلى العراق، بدأها في 13 يناير الجاري، ويتوقع أن تتبعها زيارة للرئيس حسن روحاني، خلال الأسابيع القادمة.

كان لافتًا في هذه الزيارة أن برنامجها ازدحم بلقاءات عديدة مع المسئولين السياسيين وقادة الميليشيات الموالية لإيران. لكن قد لا يكون الرد على زيارة ترامب هو الهدف الوحيد لطهران في هذا التوقيت. إذ لا يمكن فصل لقاءات ظريف عن الخلافات المستمرة بين القوى السياسية العراقية والتي تحول دون استكمال تشكيل الحكومة العراقية، والذي قد يتأجل إلى مارس القادم مع بداية الدورة التشريعية الجديدة، في ظل إصرار كتلة "البناء" على مرشحها لحقيبة الداخلية فالح الفياض الذي تعترض عليه كتلة "سائرون"، وعدم اتفاق الكتل السنية على المرشح لحقيبة الدفاع والكتل الكردية على المرشح لوزارة العدل.

وهنا، فإن إيران ربما سعت إلى توجيه رسالة استباقبة قبل انعقاد قمة وارسو مفادها أن نفوذها في العراق يجعل منها رقمًا مهمًا لا يمكن تجاهله في عملية صياغة الترتيبات السياسية العراقية، وأنها قادرة، حسب رؤيتها، على إرباك حسابات القوى المعنية بالتطورات السياسية العراقية وعرقلة استكمال تشكيل الحكومة في حالة ما إذا واجهت ضغوطًا دولية وإقليمية أقوى خلال المرحلة القادمة.

3- استعراض في سوريا: بالتوازي مع ذلك، تصر إيران على الاستمرار في تكريس نفوذها العسكري والسياسي داخل سوريا، رغم كل الدعوات التي وجهت لها بإخراج قواتها والميليشيات الموالية لها من الأخيرة، وهو ما يمكن فهمه في إطار محاولاتها ملء الفراغ الناتج عن الانسحاب الأمريكي من سوريا وتوسيع نطاق تأثيرها على الأرض بغض النظر عما إذا كان ذلك يتوافق حتى مع مصالح القوى الحليفة لها، مثل روسيا، أم لا. وفي هذا السياق، قال مستشار القائد الأعلى للقوات المسلحة حسن فيروز أبادي، في 14 يناير 2019، أن المستشارين العسكريين الإيرانيين باقون في سوريا طالما خطر الإرهاب ماثل والحكومة السورية تطلب المساعدة.

4- خيارات نووية: لم يقتصر التصعيد الإيراني على الملفات الإقليمية وإنما امتد أيضًا إلى الاتفاق النووي، حيث بدأت إيران في تصعيد تهديداتها بإمكانية الانسحاب من الاتفاق النووي وإعادة تخصيب اليورانيوم حتى مستوى 20%. ويمثل ذلك، دون شك، محاولة من جانب طهران، لممارسة ضغوط أكبر على الدول الأوروبية، ليس لدفع الأخيرة نحو اتخاذ خطوات إجرائية لتفعيل الآليات الخاصة بمواصلة التعاملات التجارية بين الطرفين فحسب، وإنما أيضًا لإقناعها بالعزوف عن المشاركة في قمة وارسو القادمة.

إذ تعول إيران على أن تغيب الدول الأوروبية سوف يقلص، إلى حد ما، من أهمية القمة وما يمكن أن يخرج عنها من نتائج، على نحو دفعها إلى التلويح بتوسيع نطاق خياراتها النووية وتجاوز الحدود التي فرضها الاتفاق النووي في حالة ما إذا استجابت الدول الأوروبية للدعوة الأمريكية.

وعلى ضوء ذلك، يمكن القول في النهاية إن إيران سوف تتجه خلال المرحلة القادمة إلى التصعيد في الملفات الإقليمية والنووية، في محاولة من جانبها لتعزيز قدرتها على التعامل مع الضغوط الإقليمية والدولية التي تتعرض لها دون أن تكون لديها فرص لتحقيق نجاح يذكر في هذا الإطار.