أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

«حماس» على خطى إيران عسكرياً

03 مايو، 2018


لم يطغَ اجتماع الرئيس الأميركي دونالد ترمب والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أو اجتماع زعيمي الكوريتين لمصالحة منتظرة منذ عام 1953، على خبر واحد ملأ الصحف الدولية في 12 أبريل (نيسان) الماضي عن اغتيال أحد ناشطي حركة «حماس» في ماليزيا، فصار مدار أبحاث كثيرة فتحت كثيراً من النوافذ المغلقة بإحكام حسب اعتقاد «حماس».

الدكتور فادي البطش مهندس كهربائي، ومحاضر بجامعة في كوالالمبور؛ العاصمة الماليزية، اغتيل عندما كان في طريقه إلى أحد المساجد صباح يوم السبت 10 أبريل الماضي عندما أطلق مجهولون على دراجة نارية طلقات رصاص باتجاهه أردته قتيلاً. لم تمض ساعات قليلة حتى تبين أن البطش لم يكن مجرد عالم، إنما كان يعمل لصالح الذراع العسكرية لـ«حماس»، ولعب دوراً مهماً في التسليح العسكري للحركة، بعدما ساهم، وفقاً لتقارير إعلامية، في الإعداد لمشروعات أسلحة متطورة. اغتيل البطش فأصبحت ماليزيا تحت رادار الدول المعنية.

منذ سنوات كانت ماليزيا مكاناً مرغوباً لنشاط «حماس»، فهي قريبة سياسياً وآيديولوجياً للفلسطينيين، لذلك ليس مستغرباً أن يكون هناك عدد من الفلسطينيين الذين يقيمون فيها، وجزء كبير منهم من الشباب الذين يسافرون للتعليم العالي. على البعض من هؤلاء ركزت «حماس» للتجنيد، وبالتحديد على طلاب الكيمياء والهندسة، لاستخدامهم قوةً عاملة ماهرة لبناء البنية التحتية للأسلحة الدقيقة الفاعلة، وتصنيع المتفجرات والصواريخ.

أصبحت الجامعات الماليزية المكان الأنسب لـ«حماس» لتجنيد الشباب، وكما تفعل إيران في الخارج حيث تستعمل البعثات الثقافية لاختراق الدول، صارت «حماس» تستخدم «تجنيدها» للطلاب وراء واجهة الأنشطة الاجتماعية والثقافية. يقول خبير أجنبي متابع لنشاطات «حماس» إنها تقوم في ماليزيا بتجنيد ناشطين لذراعها العسكرية. فعلت ذلك في تونس وتركيا، وهي تفعله اليوم في ماليزيا. ومع ذلك، ففي هذه الدولة الواقعة في جنوب شرقي آسيا، فإن «حماس» غير راضية عن مجرد تجنيد الشباب؛ إذ إنها تنظر إلى ماليزيا على أنها «البيت الدافئ»، حيث يمكنها أيضاً العثور على أماكن لتدريب المجندين وإرشادهم. ووفقاً لتقارير إعلامية أجنبية، فإن «حماس» تغري جماعاتها في ماليزيا بالتدريب العسكري بدءاً من التدريب الأساسي؛ وصولاً إلى إرشادات حول تحليق «الدرونز» وهي طائرات من دون طيار، وقد جندت «حماس» بالفعل عشرات الشباب هناك ومعظمهم من «الجامعة الإسلامية الدولية» وأيضاً من أماكن أخرى.

وعودة إلى الدكتور البطش؛ أصبح واضحاً بشكل متزايد من خلال الساعات والأيام التي أعقبت عملية الاغتيال، أنه كان في طليعة مشروع طائرات من دون طيار، لصالح «حماس»، الذي كان يهدف إلى التسلل والاختراق وإصابة الأهداف داخل إسرائيل.

يقول المتابع لنشاطات «حماس» إنه بالنسبة إلى ماليزيا، فإنها في أبسط الحالات كانت تتجاهل ذلك، وفي أسوأ الحالات كان فيها من يتعاون بنشاط مع تطوير الأسلحة وإنتاجها هناك. وعلى أي حال، حولت «حماس» ماليزيا إلى ميدان اختباري لها.

من جانبهم، يحاول الماليزيون وصف علاقتهم بـ«حماس» بأنها سياسية وإنسانية، يرتكزون في ذلك على تبادل الوفود السياسية بين الجانبين. وكان رئيس الوزراء الماليزي زار في الماضي على رأس وفد غزة، وتقوم «حماس» بإرسال وفود فلسطينية وبشكل منتظم إلى كوالالمبور. لكن، كما يقول محدثي: إنه صار واضحاً للجميع أن هذه الزيارات غطاء لاتصال أمني وعسكري، لأن الوفود الفلسطينية من «حماس» عندما تزور ماليزيا تحضر معارض الأسلحة الضخمة في العاصمة الماليزية.

هذه طريقة معروفة تستخدمها «حماس»... إنها تستغل التعاطف الآيديولوجي لمختلف البلدان في جميع أنحاء العالم من أجل دخول أراضيها، وبمجرد أن تستقر في مكاتب، تبدأ في تنفيذ البحث والتطوير لتلبية الاحتياجات العسكرية.

ليست ماليزيا البلد الأول، وربما لن تكون الأخيرة التي فتحت أبوابها، وبالتالي تعرّض نفسها لتصنيفها دولةً راعية للإرهاب. هناك خيوط هشة تربط بين كل من أنقرة وبيروت وكوالالمبور حيث تقوم «حماس» بتركيب شبكة لمصالحها العسكرية.

إذا أخذنا تركيا، فهي تقليدياً عرضت على «حماس» دعماً واسعاً يتعلق بالمسائل السياسية والاقتصادية والعملانية، كما أظهرت تقارباً آيديولوجياً مع «حماس»، ووجدت نفسها تؤوي كبار المسؤولين في الذراع العسكرية لـ«حماس» داخل حدودها. في السنوات الأخيرة نجح هؤلاء المسؤولون الكبار في مواصلة البحث والتطوير في مجال الأسلحة، وإنشاء مجموعة تدريب عسكري في تركيا، وتماماً كما في ماليزيا، تغاضت السلطات التركية عن اجتماعات المقيمين لديها من «حماس» مع المسهلين المشتركين في بناء القوة العسكرية، لكنهم لا يستطيعون دخول قطاع غزة.

لكن على الرغم من الدعم الشعبي الذي تقدمه تركيا لـ«حماس»، فإن أنقرة ليست غير مبالية بشأن ما قد يكلفها ذلك. إن تركيا حساسة للضغط الدولي الذي تتعرض له مراراً وتكراراً بسبب النشاط العسكري من قبل كبار مسؤولي «حماس» داخل حدودها. لذلك، وحتى لو سمحت لـ«حماس»، على ما يبدو، بتنفيذ نشاط عسكري غير قانوني فوق أراضيها، فإنها لم تتردد في إصدار تعميمات لها من أجل تبني صورة أقل استفزازاً، ثم، كما أشرت في مقال سابق، إن «حماس» تريد تقويض «حزب الله» والاستفادة من الملجأ الذي وفره لعدد من زعمائها في لبنان. وعلى الرغم من أن نشاط «حماس» في لبنان، بدأ بالتنسيق مع «حزب الله» بالطبل والزمر، فإن «مكتب الأعمال الأجنبية» التابع لـ«حماس» بدأ، ومنذ سنوات، العمل على مشروع صاروخي سري، مصمم لتزويد «حماس» بالقدرة الاستراتيجية لإطلاق مئات الصواريخ على إسرائيل من أجل إجبار لبنان على الانضمام إلى حربها المقبلة، كما في اعتقادها. لقد سبب نشاط «حماس» في لبنان وضعاً عبثياً قد يكون فيه «حزب الله» - الذي وفر ملاذاً آمناً في قلب الضاحية الجنوبية من بيروت لصالح العروري الذي أصبح نائباً لرئيس المكتب السياسي لـ«حماس»، وكان من مؤسسي «كتائب عز الدين القسام» - مجبراً على الدخول في حرب لا يريدها رغم كل التصريحات النارية، وذلك نتيجة لجهود «حماس» السرية الرامية إلى إنشاء قوة عسكرية مستقلة في جنوب لبنان، كما فعلت «فتح» في السابق إثر «اتفاق القاهرة»، وكلنا يعرف ماذا كانت نتيجته من تمزيق للبنان، وتشتيت لمنظمة التحرير الفلسطينية وإبعادها حتى تونس، وحتى الآن لا تزال على هذا الوضع وأسوأ.

الشبكة السرية التي عملت عليها «حماس»، هناك ما يهددها مع ازدياد عدد ساحاتها العملياتية كما في ماليزيا وتركيا ولبنان، ويتم الكشف أيضاً عن نطاق وعمق النشاط العسكري غير القانوني الذي تقوم به في تلك الدول. إنها تسير على «الطراز» الإيراني، التمدد لأهداف عسكرية، قد تطال أولاً منظمة التحرير الفلسطينية.

من المرجح أن تتضرر «حماس» إزاء ذلك، لأن الدول نفسها التي فتحت لها الأبواب، ستجد نفسها في نهاية المطاف عرضة لعقوبات انتهاك القانون الدولي، ومساعدة الذراع العسكرية لـ«حماس»، التي تم تصنيفها حركةً إرهابية من قبل أوروبا والولايات المتحدة.

قريباً سوف يتم توجيه أصبع الاتهام وبسرعة إلى مسؤولين كبار في «حماس» الذين استغلوا استقبال هذه الدول لهم، فاستخدموا واجهة الآيديولوجيا والمساعدات الإنسانية لمتابعة أنشطة عسكرية. عندما يحدث ذلك، فستتوقف هذه الدول عن كونها متسامحة للغاية، لأن مستقبل ورخاء شعوبها على المحك، وستجد «حماس» نفسها معزولة ليس فقط في قطاع غزة، بل أيضاً على النطاق العالمي، وللأسف الشديد سيبقى الغزاويون يدفعون ثمن جنوح «حماس» ومراهنتها على نصائح إيران لها.

*نقلا عن صحيفة الشرق الأوسط