أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

قصة الكيماوي التي لا تنتهي

09 أبريل، 2017


منذ عام 2013، وبعد الواقعة الشهيرة، تنافس الأميركان والروس في التستُّر على بشار الأسد في قصفه للشعب السوري بالكيماوي، والواقع أنَّ الجهات الدولية ما ركَّزت على هذه المسألة إما لصعوبة الإثبات أو للاعتقاد بأنَّ الاهتمام عبثٌ ولا داعي له، لكنَّ خبيراً فرنسياً قال لي إنَّ تلك المؤسَّسات لم تقصِّر في «التوثيق»، وإنَّ المتابعة قد تتمُّ لاحقاً عندما يكونُ ذلك ممكناً!

يقول «الموثقون» إنَّ مرات استخدام الكيماوي في سوريا تزيد على المائة، وإنَّ الضحايا يزيدون على سبعة الآلاف، أكثر من نصفهم أطفال، لكن لماذا يستخدم الأسد هذا السلاح، وبإصرار، رغم أنَّ أصدقاءه لا ينصحونه بذلك؟ يختلف الخبراء في ذلك، فيذكرون أنَّ قنابل الطائرات والمدفعية والبراميل المتفجرة توقع أيضاً خسائر كبيرة، لكنَّ الكيماوي وسيلة أسرع في الإرعاب والتهجير، فهو أقلُّ كلفةً من الحصارات والتجويع، ثم إنَّ هناك مناطق نائية لا يمكن حصارها، وبسبب السمعة المُريعة للكيماوي، فإنَّ استعماله أدعى للهجرة السريعة، وقد سمعتُ خبيراً دولياً يذكر أنَّ الكيماوي من أغراضه إبطال قصة المناطق الآمنة، فالهجرة إلى تركيا أو الأردن أو لبنان ما عادت ممكنةً تقريباً، وقد صارت مناطق إدلب والأُخرى التي فتحتها قوات «درع الفرات» شبه آمنة أو أنها أفضل حالاً من جبال القلمون وريف دمشق والجنوب، لذلك لا بد من الإرغام على الهجرة إلى الخارج مجدداً، باعتبار أنه لا مناطق آمنة بداخل سوريا، حتى للذين استسلموا أو «صالحوا»، لأنَّ مصيرهم التهجير أيضاً!

قال الروس (وهم لا يأبهون لما يقولونه لأنهم لا يحسبون للمستقبل حساباً باعتبارهم دولةً عظمى!): إنَّ الطائرات السورية قصفت مخزناً للمواد السامة التي اختزنتها المعارضة (!). وعندما قيل لهم: لكنَّ ذلك محرَّمٌ دولياً كذلك، أي قصف مخزن الكيماوي في مناطق آهلة بالسكان، أجابوا: إنَّ ذلك حصل خطأً! لماذا هذه الاستماتة في الدفاع عن جرائم النظام إن كان الروس يريدون حلاً سياسياً بالفعل؟ لقد بدأ الدوليون القدامى والجدد (إدارة ترامب) يسلّمون ببشار الأسد، وما عاد الأتراك بعيدين عن ذلك، وعندما وقع الكيماوي الأخير ما جرؤ أردوغان في مخاطبته لبوتين إلا على القول إنه يخشى نتيجة ذلك على مصير اجتماعات أستانة. وقالت وسائل الإعلام التركية والعربية: الخوف على أستانة وجنيف معاً! الظاهر أنَّ الروس واثقون من استسلام الأوروبيين والأميركيين.. والعرب. إنما حتى لو كان ذلك صحيحاً: ما الداعي لهذا الإصرار على استخدام الكيماوي، ولماذا لا يمنع الروس النظام السوري من ذلك حتى لا يضطروا للدفاع عنهم بهذه الاستماتة؟!

تتعرض إدارة ترامب، وهي ما تزال شديدة الهشاشة والتقلب، لتجارب قاسية ومربكة في كل مكان، ولا يرجع ذلك إلى عدم الخبرة أو الحيرة بين الأسد والإرهاب، بل وإلى «سياسات المواربة» التي اتَّبعها أوباما في قضايا كثيرة، وأهمها قضية دمار الدول والمجتمعات في المشرق العربي، فقد بدا انتقامياً من الناس والمسؤولين العرب، لأنه اعتبرهم مسؤولين عن الإرهاب، ولأنه اعتبر أنه يُرضي الإيرانيين والروس ويستخدمهم في هذه المهام القذرة، وقد فعلوا ذلك بحماس شديد كأنما عندهم ثأر قديم على الناس في سوريا والعراق، لكنَّ أوباما في مقابل ذلك ما استطاع إقناعهم بمقاتلة الإرهاب بالفعل. لذلك استخدم الأكراد في سوريا، وعاد للجيش العراقي (وحتى لـ«الحشد الشعبي»!) بالعراق. السؤال الآن: ماذا سيفعل الأميركان؟ وماذا سيفعل العرب؟!

بالاتفاق بين روسيا وتركيا وإيران، جرى اختراع مسار جديد هو مسار أستانة من أجل تثبيت وقف إطلاق النار. وجرى تهميش المسار السياسي في جنيف. وما ثبت وقف النار والتهجير والقتل والكيماوي، فكلها ما تزال مستمرة. وذهب الطرفان إلى جنيف مرتين حتى الآن، والروس والإيرانيون يميِّعون كل شيء، ويقفون في ذلك مع بشار الجعفري.

لقد صرنا بالفعل نحن العرب عبئاً على أطفالنا ونسائنا، وما عاد الصبر ولا التسويغ ممكناً أو يمكن تسويغه، وكفانا احتجاجاً بأننا نجرؤ على الحركة حتى لا نتهم بالإرهاب. لا بد من التدخل في سوريا بأي ثمن، لحماية الشعب السوري من التهجير والقتل والإبادة.

*نقلا عن صحيفة الاتحاد