تشعر باكستان بأن هناك خطة لعزلها، خصوصاً في ما يتعلق بتوسيع ميناء تشابهار على خليج عُمان، لذلك قام رئيس الأركان الباكستاني الجنرال بلال أكبر بزيارة إلى طهران يوم السبت الماضي والتقى نظيره الإيراني الجنرال عبد الكريم موسوي؛ حيث أكد الاثنان أن «لدينا تهديدات متبادلة على الحدود، لذلك هناك تعاون دقيق وجاد على أجندة القوات الدفاعية والعسكرية والأمنية لباكستان وإيران».
أيضاً يوم الأحد الماضي تصادف هجوم إرهابي في سوق بمدينة جلال آباد على أقلية من الأفغان السيخ والهنود، مع زيارة أليس ويلز، مبعوثة الولايات المتحدة إلى كابل من أجل التوصل إلى السلام؛ حيث اتهمت قادة «طالبان» الذين لا يعيشون في أفغانستان بأنهم يشكلون عائقاً أمام السلام. وقالت ويلز، وهي النائب الأول لمساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون جنوب ووسط آسيا، إن على باكستان أن تبذل مزيداً من الضغوط على «طالبان».
الذي ربما يزعج باكستان أن قبضتها على «طالبان» بدأت تضعف وتقوى قبضة إيران. ثم إن إيران نجحت في إخفاء تدريباتها الأخيرة لـ«طالبان» وركزت على العلاقات التاريخية التي تربطها بالعاصمة كابل، وهناك الآن تعاون كبير بين إيران والهند وأفغانستان على حساب باكستان، يتمثل في توسيع ميناء تشابهار، وهو ميناء إيراني بني أصلاً عام 1983 من أجل تنويع التجارة بعيداً عن الخليج العربي خلال حرب العراق - إيران. تم توسيع هذا الميناء مؤخراً بعدما قدمت الهند 500 مليون دولار استثمارات وقروضاً، ويتكون الموقع من منفذين منفصلين هما: شهيد كالانتاري، وشهيد بهشتي، وتجمع بينها 10 موانئ للمياه العميقة. لكن «تشابهار» أكثر من مجرد ميناء؛ إنه جزء من طموحات الهند التجارية، ويستهدف الميناء إلى جانب خط سكة حديد تشابهار - زاهدان الذي تبلغ تكلفته 1.6 مليار دولار، ربط الهند بأفغانستان من أجل ترسيخ طرق التجارة الإقليمية الجديدة إلى آسيا الوسطى، وهي طرق ستتنافس في بعض الحالات وفي شكل مباشر مع مبادرة «طريق الحزام الواحد» الصيني، لا سيما الممر الاقتصادي ما بين الصين وباكستان. ويشكل ميناء تشابهار طموحات الهند البعيدة، بوصفه ممر نقل بين الشمال والجنوب عبر مشروع يعتمد على السكك الحديدية، والطرق، والنقل البحري، ويمتد شمالاً عبر آسيا الوسطى وروسيا ليصل في نهاية المطاف إلى أوروبا. اللاعبان الأساسيان في هذا المشروع هما الهند وإيران، لكن قد تتعرض خطط الهند للخطر بسبب خروج الرئيس دونالد ترمب من الصفقة النووية الإيرانية.
تعد نيودلهي الداعم المالي والدبلوماسي الرئيسي لميناء تشابهار، فهي البلد الذي سيستفيد أكثر من عملياته، إلى جانب إيران. يساعد الميناء على التخفيف من العوائق الرئيسية التي تعترض سبيل الجغرافيا الحالية للهند: عدم وجود صلة مباشرة بالأرض مع أفغانستان، وبالتالي منطقة آسيا الوسطى، التي تقطعها منطقة كشمير الواقعة تحت سيطرة باكستان. كان المخططون في الهند قلقين بشأن إمكانية استبعادهم من الممرات التجارية الرئيسية الجديدة، مثل الممر الاقتصادي ما بين الصين وباكستان الذي سينطلق شمالاً من ميناء «غوادار» الباكستاني ومن ثم إلى آسيا الوسطى عبر شمال غربي الصين، ويتجاوز تماماً الهند ويحول التجارة بعيداً عن موانئها. جاءوا بالحل في إنشاء ممر بديل يبدأ بنقل بحري ما بين ميناء «كاندلا» في الهند وميناء تشابهار الإيراني على بعد 550 ميلاً بحرياً فقط، ومن هناك تنطلق التجارة شمالاً إلى أفغانستان، فآسيا الوسطى ثم أخيراً أوروبا.
قد تكون الروابط التجارية الجديدة مع آسيا الوسطى هي الهدف على المدى المتوسط، لكن مشروع ميناء تشابهار سيدفع على المدى القصير إلى تعميق نفوذ الهند في أفغانستان، وقد بدأ القمح الهندي بالتدفق عبر تشابهار إلى الأسواق الأفغانية، وهناك مجال كبير للنمو، وتستعد للتمدد والوصول إلى 4 من كبرى الأسواق الحضرية في أفغانستان: هرات، وكابل، ومزار شريف، وقندهار. وكانت الهند قد اتخذت خطوات حثيثة لاختراق السوق الأفغانية ففقدت باكستان نحو 50 في المائة من السوق المحلية هذا العام فقط.
إن أي قضية إقليمية تأتي بالهند وباكستان وأفغانستان إلى الطاولة نفسها ستتأثر حتماً بالتوترات الجيوسياسية الكامنة بين الدول الثلاث، ويهدف نهج العمق الاستراتيجي طويل الأمد لباكستان في أفغانستان إلى منع البلاد من الاقتراب كثيراً من الهند، فهذا تطور تخشى إسلام آباد أن يؤدي بها إلى فتح جبهتي حرب. ويترجم العمق الاستراتيجي في الواقع إلى الدعم الباكستاني لمختلف الجماعات شبه العسكرية داخل أفغانستان، مما يضر غالباً بالاستقرار هناك.
أما العلاقات الأفغانية - الهندية، فعلى الرغم من التقارب العام وعدم وجود نزاعات ثنائية رئيسية، فإن الجغرافيا ضدها بسبب افتقارها إلى رابط أرضي، واعتماد أفغانستان الرئيسي على الموانئ الباكستانية. ولا شك في أن ميناء تشابهار قد يضع حداً لهذه الديناميكية، مما يجعله أداة لتغيير قواعد اللعبة في العلاقات الثلاثية؛ بين باكستان والهند، والهند وأفغانستان.
ثم إن ما يشد كابل إلى ميناء تشابهار هو أنه سيسمح بتنويع التجارة بعيداً عن الاعتماد المفرط على موانئ باكستان، لا سيما ميناء كراتشي الذي - تاريخياً - كان بوابة أفغانستان البحرية إلى العالم. وفي الماضي سعت باكستان للاستفادة من اعتماد جارتها على مينائها من خلال فرض التعريفات الجمركية، وإغلاق المعابر الحدودية بشكل عشوائي، وتكثيف البيروقراطية في الموانئ الباكستانية من أجل الحد من الصادرات الأفغانية واستخراج الامتيازات الدبلوماسية. ولطالما أبدت كابل استياءها من هذا الاعتماد، فبدأت تسعى وبنشاط للتخلص منه، وقد بدأت جهودها مؤخراً تؤتي ثمارها، لا سيما في ما يتعلق بمينائي تشابهار وبندر عباس في إيران. لقد حولت هذه الموانئ إلى حد كبير قدراً كبيراً من التجارة الأفغانية بعيداً عن باكستان، وقد تقلص حجم التجارة الثنائية إلى 500 مليون دولار فقط من أعلى مستوى بلغه وهو 2.7 مليار دولار قبل بضع سنوات.
هناك فوائد اقتصادية واضحة لإيران، فهي تؤسس نفسها في قلب ممر اقتصادي جديد يمر عبر الشرق الأوسط وأوراسيا. في ما يتعلق بميناء تشابهار، تريد طهران التفوق، خصوصاً في مواجهة ميناء غوادار الباكستاني الذي يقع على بعد 80 كلم فقط، وهو جزء رئيسي من خطة الصين «الحزام الواحد» في العالم. ومثل الهند، تخشى الخروج من ممرات التجارة العالمية الجديدة التي تتجاوز أراضيها.
إن قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب فرض عقوبات أميركية جديدة على إيران سيقلص من تقدم المرحلة الثانية، لأن التمويل سيتأثر مع انسحاب المصارف من المشروع، وحسب صحيفة «الفجر» الباكستانية، فقد تأجلت 3 عقود للبنى التحتية لأن الشركات التي تقف وراءها خائفة من تطبيق العقوبات.
إذا عاد وانطلق مشروع تشابهار، فإنه سيسبب لباكستان أكبر خسارة من حيث تدفقات التجارة المحمولة، وضياع النفوذ في أفغانستان.
التجارة مع الصين ارتفعت عبر الممر الاقتصادي الباكستاني - الصيني، لكن بالنسبة إلى باكستان، لم تكن الفوائد توازن الخسائر. ومع ازدهار التجارة بسبب الممر الاقتصادي، فإن العجز التجاري الصيني - الباكستاني يتثاقل، والاحتياطي الأجنبي الباكستاني يجف. وتمثل أفغانستان السوق التي تحتاج بالفعل إلى ما تبيعه باكستان، ففي عام 2010 بلغت قيمة صادرات باكستان 2.4 مليار دولار، لكن بحلول عام 2017 انخفض هذا الرقم إلى 1.39 مليار دولار، ومن المتوقع أن يتهاوى أكثر مع قيام ميناء تشابهار بتعزيز عملياته.
تكثر الموانئ وقد يكثر الغرقى في تلك المنطقة... باكستان مقبلة على انتخابات حامية في النصف الثاني من هذا الشهر. الهند مطلوب منها وقف استيراد النفط من إيران. إيران تتوجس من السادس من أغسطس (آب) والرابع من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبلين بسبب العقوبات الشاملة التي ستقع عليها، أما أفغانستان فيدور حوار داخل الدوائر المغلقة في واشنطن عما إذا كان على أميركا وحلف الأطلسي الانسحاب نهائياً منها. إنه الشرق الأوسط الكبير الذي يتمدد وقد تترك آثاره سلبيات كثيرة على المناطق العربية، وقد بدأت.
*نقلا عن صحيفة الشرق الأوسط