إلغاء الولايات المتحدة التزاماتها تجاه الاتفاق النووي مع إيران تطور مهم له تبعات وتحولات سياسية محتملة في المنطقة، اللاعبين والملعب والأزمة. التطورات الجديدة مرهونة باستمرار الموقف الأميركي ضد طهران، الذي قد يتغير لو قدمت الحكومة الإيرانية تنازلات للولايات المتحدة. هنا سبق للرئيس دونالد ترمب أن وعد إيران بالعودة للاتفاق في حال تراجعت وقبلت بشروطه التعديلية، ومن بينها حرمانها من تحويل البرنامج النووي إلى عسكري إلى ما لا نهاية، وسحب قواتها والميلشيات التابعة لها في حروب خارج إيران. شروط نستبعد أن تقبل بها حكومة روحاني في الفترة الراهنة.
عند تفعيل العقوبات، وزيادة الضغوط على إيران سيكون لإسرائيل دور إقليمي جديد لم يسبق لها أن لعبته. فقد كانت نشاطاتها محصورة في أمنها الخارجي من حروب ومواجهات مع دول الجوار. يحتمل أن تأخذ إسرائيل دوراً جديداً، دور الشرطي الذي يراقب ويحاسب إيران. فهي من ناحية قامت بعمليات عسكرية مهمة ضد مواقع إيرانية في سوريا، وتقول إنها دمرت البنية التحتية التي بناها الحرس الثوري الإيراني هناك بالكامل. ولو افترضنا أن نصف هذا التقدير وصفا صحيحا فإن إسرائيل تكون قد حجمت قوة إيران لأول مرة منذ دخولها الحرب منذ نحو خمس سنوات. إسرائيل عبرت بشكل صريح أنها تعتزم القضاء على الوجود الإيراني في سوريا، مما يزيد من احتمال المزيد من المواجهات وستكون عنيفة أيضا. وفي حال نجحت إسرائيل بإخراج إيران والميليشيات الأجنبية التابعة لها من سوريا، فإن ميزان القوى بين المتحاربين سيتغير. من يعوض عن إيران؟ هل يزيد الروس من وجودهم، هل ستحل القوات العربية، معظمها مصرية، محل الإيرانية، أو يكتفى بحل سياسي مكمل برعاية الأمم المتحدة وبإشراف القبعات الزرق؟
الجانب الآخر، تقول إسرائيل إنها معنية بملاحقة مشروعها النووي وستحاول أن يكون لها دور في أي مواجهة أو حصار عسكري. المواجهة مستبعدة كثيرا لكن ربما ينجم عن عمليات عسكرية أصغر موجهة ضد الوجود الإيراني خارج أراضيه. الهدف الضغط على النظام في طهران لسحب مقاتليه من سوريا والعراق واليمن أو إحراجه أمام مواطنيه وشعوب المنطقة، كما حدث له في سوريا الأسبوع الماضي.
بفضل توسع إيران، يكبر دور إسرائيل الإقليمي، الذي لم يكن يحدث في السابق. فالمواجهات بين إسرائيل وإيران كانت دائما مع وكلائها مثل «حماس» الفلسطينية و«حزب الله» اللبناني. ولا بد أن وضع القيادة الإيرانية، خاصة الحرس الثوري، في حرج شديد لأنها خسرت المواجهات الأخيرة، وكانت شبه حالة حرب، لأول مرة تكون معركة بهذا الحجم بين البلدين.
وما دامت الإدارة الأميركية توكل هذا الدور الجديد لإسرائيل، وهو ملائم للأطراف العربية الأخرى، فالأرجح أنه سيتوسع مستقبلا. فإسرائيل دولة صغيرة نسبيا، تقارب مساحتها مساحة الكويت، لكنها تملك قدرة عسكرية إقليمية متفوقة، مستغلة التوترات، وتبدل المعسكرات. تضع لنفسها مكانة جديدة. ويتزامن صعود إسرائيل مع نهاية الامتناع الأميركي الطويل عن نقل السفارة إلى القدس، ومع إشراك مصر في حل مشكلة قطاع غزة الأمنية نتيجة المظاهرات.
*نقلا عن صحيفة الشرق الأوسط