عرض: سارة محمود خليل - باحثة في العلوم السياسية
مع تزايد وتيرة الهجمات الإرهابية إقليميًّا وعالميًّا، مؤخرًا، وازدياد اعتماد التنظيمات المتطرفة على الإنترنت، لا سيما وسائل التواصل الاجتماعي، في التجنيد والترويج لعملياتها الإرهابية، وتنامي أعداد الشباب المنضم إلى صفوف تلك التنظيمات، ونجاحها في استغلال ظروفهم للتأثير عليهم ودعوتهم للجهاد؛ تبرز أهمية البحث عن أهم الوسائل التي تعتمد عليها التنظيمات الإرهابية لتجنيد أشخاص جدد ونشر الدعوة للجهاد.
وفي هذا السياق، تأتي الدراسة التي أعدَّتها الباحثة بالمركز الكندي للدراسات الاستخباراتية والأمنية "أنجيلا جندرون"، بعنوان "الدعوة إلى الجهاد: كاريزما الدعاة والإنترنت" بدورية "دراسات في النزاع والإرهاب". وتسعى الباحثة في دراستها إلى بحث دور وسائل الاتصال التكنولوجية والدعاة الكاريزميين لدى الجماعات السلفية الجهادية في الدعوة للجهاد والتطرف، وبحث الدور الذي يلعبه الإنترنت في تعزيز الكاريزما؛ ممَّا قد يُساهم بدوره في مكافحة التطرف.
تُشير جندرون في دراستها إلى أنه عادةً ما تستند التنظيمات الإرهابية في دعوتها للجهاد إلى شرطين مترابطين، أولهما ظهور قيادة دينية كاريزمية تروج لأفكارها المتطرفة، وثانيهما وجود اضطرابات عميقة في المجتمع؛ نتيجة عجز الأشكال التقليدية والقانونية للسلطة عن مواجهة التغييرات المجتمعية الجذرية في ظل غياب الحلول غير العنيفة.
الاستفادة من الأزمات والاضطرابات
عن المحدد الأول الذي تستند إليه التنظيمات الإرهابية في نشر أفكارها المتطرفة تطرقت الباحثة إلى أن استمرار الأوضاع كما كانت عليه في الماضي رغم الدعوات للتغيير قد منحت دعاة السلفية الجهادية فرصة للاستفادة من الاضطرابات الاجتماعية والأزمات لنشر أفكارها المتطرفة، حيث تشير إلى أن الدول ذات الأغلبية المسلمة فشلت في مواكبة نظيراتها الغربية، لتحتل المراكز الدنيا في مؤشرات التنمية البشرية، سواء من ناحية التعليم أو البحث العلمي أو التنوع الصناعي.
وأوضحت جندرون، أن الدعاة المتطرفين يُفسرون الأحداث الإقليمية والعالمية بأنها مؤامرة من الغرب لقمع العالم الإسلامي؛ وبناءً على هذا التصور العدائي، فإنهم يُبررون ضرورة اللجوء إلى "الجهاد العنيف" والدعوة المتطرفة كأحد الاتجاهات التي تشكل الإسلام الراديكالي، باعتبارهما من الوسائل المشروعة لاستعادة سلطة الإسلام في العالم والانتصار على الأعداء.
وتطرّقت الباحثة -في دراستها- إلى نجاح دعاة التنظيمات الإرهابية، مثل تنظيم "القاعدة" وتنظيم "الدولة الإسلامية"، في تجنيد أشخاص جدد من كافة دول العالم من خلال دعوتهم للجهاد، وهو الأمر الذي أثار مخاوف لدى الدول الغربية من تنامي التهديدات الإرهابية النابعة من الداخل.
وانطلاقًا مما سبق، حذَّرت الدراسة من تزايد أعداد المسلمين الشباب المغادرين إلى أوروبا والولايات المتحدة وكندا وأستراليا وغيرها من الديمقراطيات الغربية للانضمام إلى صفوف التنظيمات الإرهابية في الخارج، رغم الجهود المبذولة من قبل السلطات الأمنية في تلك الدول لوقف انضمامهم. وواصلت جندرون تحذيرها بشأن احتمالية عودة بعض المقاتلين الأجانب ممن شاركوا في العمليات الإرهابية في الخارج لتنفيذ عملياتهم داخل الدول الغربية.
وتضيف أن التنظيمات الإرهابية في الداخل من خلال حدٍّ أدنى من التواصل مع الشبكات الإرهابية فيما عُرف بنموذج "بلا قائد leaderless" تُشكل تهديدًا للغرب أيضًا. وضربت مثالا على ذلك بجماعة "تورونتو 18" الإرهابية الكندية التي اتبعت نهج تنظيم "القاعدة"، وخططت لسلسلة من الهجمات في مقاطعة أونتاريو عام 2006. وتشير الباحثة إلى أن أعضاءها استمدوا أفكارهم المتطرفة من مشاهدتهم على شبكة لإنترنت خطب "أنور العولقي" الذي قُتل في الثلاثين من سبتمبر 2011 في غارة أمريكية لطائرة بدون طيار في اليمن.
دور الدعاة الكاريزميين
وقد أشارت جندرون إلى أن دور الدعاة الكاريزميين في دفع الأفراد إلى التطرف غير كافٍ بمفرده في التأثير على أفكار الأفراد لتبني العنف، وإنما يزيد مع العزلة الاجتماعية للفرد ورفضه المعتقدات العالمية.
وتُشير الباحثة في دراستها إلى دور دعاة السلفية الجهادية في نشر الأفكار المتطرفة بين المقيمين في الغرب الذين لديهم معرفة قليلة عن الدين الإسلامي ولا يتحدثون لغة القرآن، مستغلين الجهل الديني ونقاط ضعف الشخصية لدى هؤلاء الأشخاص، ويُصورون المسلمين على أنهم مُضطهدون من الغرب. وأضافت، أن أنشطة الدعاة الكاريزميين تُعزز "التطرف العنيف" من خلال تشجيع أتباعهم على المشاركة في أعمال متطرفة، سواء كانوا مقاتلين أجانب في تنظيمات إرهابية خارجية، أو يقومون بأعمال إرهابية داخل بلدانهم.
وذكرت جندرون أن السلطة الكاريزمية لا تُمنح للشخص بموجب المنصب، ولكن باعتراف من يخضعون لسلطته بأن لديه سلطة وسمات استثنائية لا تتوفر لدى الآخرين. وفي هذا السياق، أشارت إلى إجماع الدراسات منذ ستينيات القرن المنصرم إلى أن الكاريزما الفردية تعني أن شخصًا لديه القدرة على قراءة الآخرين، وإقناعهم بالقيام بأعمال معينة. واستطردت بأن السلطة الكاريزمية للدعاة الإسلاميين نابعة من تصور الأتباع قدرة الدعاة على تفسير إرادة الله.
وتضرب مثالا على ذلك بـ"أنور العولقي"، حيث كتبت أنه لم يكن عالمًا، ولكنه استمدَّ سلطته الكاريزمية بحكم التزامه المعلن بدراسة نصوص الإسلام، وموهبته في الخطابة التي أقنعت أتباعه بأنه أُوحي إليه، فضلا عن تحدثه الإنجليزية بطلاقة، ومعرفته الثقافية الواسعة عن الغرب نتيجة إقامته في الولايات المتحدة خلال السنوات الأولى من عمره، وقدرته على التواصل مع الآخرين، وفهم وتحديد احتياجاتهم.
وفي هذا الإطار، أشارت جندرون إلى اعتماد تنظيم "القاعدة" في العراق وسوريا على الدعاة الكاريزميين لتبرير العنف ضد ما يزعمون أنهم أعداء الإسلام، بالإضافة إلى تكفير المسلمين المعارضين لأفكارهم.
وأشارت الباحثة أيضًا إلى استغلال الدعاة الكاريزميين مشاعر الاغتراب لدى الشباب في تجنيدهم للقتال ضمن صفوف التنظيمات الإرهابية، فتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) يعتمد نفس أسلوب تنظيم "القاعدة" في التركيز على تجنيد من يقيمون في مناطق نائية بعيدًا عن المدن الكبرى، وغير المتدينين لجهلهم بتعاليم الإسلام، حيث يكونون أكثر قبولا للتوجيه والتلقين، كما يركز على الأقليات في المجتمعات "العلمانية" الغربية.
وتوضح الباحثة في دراستها أن التحدي الرئيسي للدعاة يكمن في التغلب على الشكوك الأخلاقية للمجندين المحتملين لاستخدام العنف لتحقيق هدف سامٍ. ولهذا تشير إلى أن الأفراد الجهاديين يقرون بأن العنف ضد العدو مُبرر، وأنه سيحقق حالة أخلاقية أعلى للمجموعة التي ينتمون إليها. وتشير الباحثة إلى أن القتال من أجل مصلحة الآخرين يُشكل حافزًا كبيرًا لكثير من المتطوعين ممن لديهم يقين بأن الجهاد واجب ديني، وليس عملا إرهابيًّا.
دور الإنترنت في التجنيد
تُشير جندرون إلى أن الشباب المسلم في الغرب لم يتعرف على الأفكار "الرجعية المتطرفة" من خلال الخطب في المساجد، وإنما من خلال الإنترنت ووسائل تكنولوجيا الاتصالات التي كان لها دور محوري في زيادة عدد الجماعات المتطرفة. وتضيف: إن الإنترنت وسيلة أساسية للدعاة المتشددين لنشر معلومات تُشكل معتقدات الشباب المسلمين عندما يبحثون عنها في المجتمعات الافتراضية، وأنه أصبح "بنك المعرفة" للتطرف، وموردًا حيويًّا للدعاة وأتباعهم على حد سواء، فهو كما توضح "وسيط" بين التصريحات الأيديولوجية لقادة الجماعات المتطرفة والجمهور المستهدف، خاصة أولئك المقيمين في الغرب. ولهذا أصبح دور القادة الدينيين المتشددين أكثر تأثيرًا مع نشر خطبهم على الإنترنت وتشجيع التطرف الذاتي.
وفي هذا الشأن تشير الباحثة إلى أن "العولقي" الذي كان بارعًا في استغلال قدراته والتطورات التكنولوجية، لا يزال لخطبه على الإنترنت تأثير كبير على الرغم من مقتله.
وتطرقت الباحثة إلى وجود ثلاث مهام أساسية تقوم بها المواقع الجهادية؛ أولها أنها بمثابة مكتبات إلكترونية لمحاضرات الشخصيات الجهادية البارزة مثل عبدالله عزام. وثانيها تُوفر خطب أبرز الدعاة الإسلاميين الراديكاليين كأنور العولقي وأبو محمد المقدسي. وثالثها منتديات تسهل المحادثات الإلكترونية بين أتباع التفكير الجهادي لتبادل المعلومات وتعزيز الترابط بينهم.
تطور القدرات الإعلامية
وفي دراستها ألقت جندرون الضوء على تطور القدرات الإعلامية للتنظيمات الجهادية المعاصرة، مشيرة إلى أنه قبل هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 كان هناك موقع واحد لتنظيم "القاعدة" يُنشر باللغة العربية. واليوم، هناك أكثر من 4 آلاف موقع جهادي يساعد في الحضور العالمي للتنظيمات السلفية الجهادية.
وأوضحت أنه أصبح للتنظيمات الإرهابية مواقع ومطبوعات تتحدث باسمها مثل مجلة "إنسباير Inspire" التابعة لتنظيم "القاعدة"، والتي تصدر باللغة الإنجليزية، بهدف توسيع نطاق التنظيم في الداخل الأمريكي. ومجلة "دابق" التابعة لتنظيم "الدولة الإسلامية"، التي صدرت لأول مرة في عام 2014، عندما أعلن التنظيم تأسيس "دولة الخلافة" بقيادة زعيمها "أبو بكر البغدادي". وتشير الباحثة إلى أن تلك المجلات وفرت منبرًا للدعاة الكاريزميين لإعلاء قيمة "الجهاد" وضرورته للدفاع ضد أعداء الإسلام.
وختمت الباحثة دراستها بأنه من المهم إدراك أهمية "عامل الكاريزما" في نشر الأفكار المتطرفة وتجنيد الأفراد في ظل الدور الذي يلعبه الإنترنت في مساعدة الدعاة الكاريزميين لتحقيق الانتشار العالمي، حيث توفر مواقع التواصل الاجتماعي لهم الحصول على معلومات حول الفئات المستهدفة والأفراد الذين يمكن استغلالهم بعد ذلك.
كما أن المواد التي يتم نشرها على المواقع الجهادية تمنحهم حضورًا دائمًا في المجتمعات الافتراضية. ولهذا أوصت بضرورة تركيز استراتيجية مكافحة الإرهاب على تقويض مصداقية الدعاة الداعين للتطرف.
المصدر:
Angela Gendron, The Call to Jihad: Charismatic Preachers and the Internet, Studies in Conflict & Terrorism, Vol. 40, issue. 1, 2017, PP 44-61.