أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

بدائل جديدة:

لماذا لجأت السعودية لأول اقتراض خارجي؟

16 أكتوبر، 2016


تتعرض ميزانية السعودية لضغوطات مالية في أعقاب هبوط أسعار النفط منذ منتصف عام 2014، مما دفع المملكة للسحب من احتياطاتها النقدية، والتوجه إلى إصدار سندات لتمويل العجز. وفي هذا الصدد، أعلنت السلطات السعودية بدء مباحثات خلال الأيام الماضية مع مستثمرين محتملين لإطلاق طرح للسندات الدولية بالدولار، في أول اقتراض للرياض من السوق الدولية، حيث من المتوقع أن تتراوح قيمة هذه السندات بين 10 و15 مليار دولار.

أسباب الاقتراض الخارجي

تلجأ الدول عادة إلى الاقتراض حينما تنخفض الإيرادات العامة، وتعجز عن مواجهة متطلبات الإنفاق العام، وفي مقابل ما تحصل عليه الدولة من قروض يتم إصدار سندات الدين العام. وتظهر أهمية الاقتراض كونه من أدوات تمويل النفقات العامة، وبالنظر إلى عجز الموازنة السعودية خلال السنوات الأخيرة، فقد كان لدى المملكة عدة خيارات لسد هذا العجز وتمويله، ومنها (الاقتراض الداخلي، الاقتراض الخارجي، والسحب من الاحتياطيات النقدية المتراكمة خلال سنوات الفائض).

وقد اتجهت السلطات السعودية، في البداية، إلى السحب من احتياطاتها الدولية الكبيرة التي تمثل خط الدفاع الأول في مواجهة تراجع الإيرادات النفطية خلال العامين الماضيين، وبهدف مواصلة الإنفاق الحكومي على مشاريع التنمية، وسد عجز الموازنة. ثم لجأت بعد ذلك إلى خيارات أخرى، وتوقفت عن سحب المزيد من احتياطاتها النقدية حتى لا يؤثر ذلك على تصنيفها الائتماني الذي تم تخفيضه بالفعل.

وأخذاً في الاعتبار زيادة الدين الداخلي، فضلت الحكومة السعودية التوجه نحو الاقتراض الخارجي لتحقيق عدة أهداف تدركها القيادة السعودية وتسعى من خلالها إلى تحقيق رؤيتها للإصلاح الاقتصادي. وتهدف المملكة من خلال هذا القرض الدولي إلى معالجة المشاكل المالية التي تواجهها، والتي تعود جذورها إلى ارتكاز اقتصادها على النفط، وعدم النجاح في تنويع الاقتصاد بشكل كاف خلال فترات الوفرة والفوائض المالية، وهو ما أدى إلى الأزمة الحالية التي تعكسها المؤشرات التالية:

1- انخفاض أسعار البترول، حيث تهاوت أسعاره عالمياً من مستوى 115 دولاراً إلى أقل من 30 دولاراً في عام 2014. وعلى الرغم من بدء تعافي أسعار النفط تدريجياً وبشكل طفيف خلال العام الجاري، فإنها تظل غير كافية لسد عجز الموازنة.

2- تراجع الإيرادات العامة، فنتيجة لاعتماد المملكة العربية السعودية على مبيعات النفط الخام التي تمثل أكثر من 85% من مصادر الدخل، تراجعت الإيرادات العامة لها، ما شكل ضربة مُوجعة للاقتصاد السعودي.

3- زيادة عجز الموازنة العامة، إذ سجلت المملكة عجزاً في موازنتها بقيمة 38.61 مليار دولار في عام 2015، كما اعتمدت السعودية موازنتها لعام 2016 بعجز قيمته 87 مليار دولار، ومن المتوقع أن يصل العجز الفعلي بنهاية عام 2016 إلى أكثر من 107 مليارات دولار نتيجة انخفاض سعر النفط عن السعر الذي حددت على أساسه تقديرات الإيرادات بالموازنة، واستمرار المملكة في الإنفاق العام على مشروعات التنمية.

4- تراجع الاحتياطيات الدولية، حيث تراجع الاحتياطي النقدي السعودي على مدار ثلاث سنوات بشكل كبير من 732 مليار دولار في عام 2014، إلى 611.6 مليار دولار في عام 2015 ليصل إلى 562 مليار دولار في أغسطس 2016، وذلك نتيجة السحب من الاحتياطي لسد العجز.

5- زيادة الدين الحكومي، فقد تسارعت وتيرة الزيادة في الدين الحكومي من 11.8 مليار دولار في عام 2014 لتصل إلى 37.9 مليار في عام 2015، بينما ارتفع حجم الديون الحكومية المباشرة عن إجمالي الفترة من ديسمبر 2014 حتى 31 أغسطس 2016 إلى 73 مليار دولار، منها 63 مليار دولار ديون محلية، و10 مليارات دولار ديون خارجية.

6- زيادة تكلفة دعم الطاقة، فقد بلغ إجمالي دعم الطاقة في السعودية ما يقرب من 61 مليار دولار في عام 2015 بما يلامس عتبة الـ 10% من الناتج المحلي الإجمالي، حيث تتحمل المملكة 23 مليار دولار لدعم بند واحد فقط من بنود الطاقة وهو البنزين، لكونه يمثل النسبة الأكبر من إجمالي الطلب على الطاقة في المملكة.

7- تراجع التصنيف الائتماني للمملكة في الأسواق المالية خلال 2016، حيث خفضت وكالات التصنيف الائتماني الدولي المعروفة (موديز، فيتش، ستاندرد آند بورز) التصنيف السيادي للسعودية، فقد خفضت موديز تصنيف المملكة من ( AA3إلى A1)، كما خفضت فيتش تصنيف السعودية من (AA إلى AA-)، إضافة إلى ستاندرد آند بورز التي خفضت تصنيف البلاد درجتين من (  A+إلى A- ). ويرجع السبب في ذلك إلى تراجع الإيرادات النفطية، وإن حافظت معظم وكلات التصنيف على نظرتها المستقرة للسعودية اعتماداً على "رؤية السعودية 2030"، التي تدعم النظرة المستقبلية المستقرة للمملكة.

الاقتراض ورؤية 2030

يتوافق اتجاه المملكة العربية السعودية للاقتراض الخارجي مع رؤيتها لتحقيق الإصلاح الاقتصادي، وإنهاء اعتمادها على النفط، وتحولها إلى قوة استثمارية عالمية بحلول عام 2030، وذلك من خلال تحقيق عدة أهداف، ومنها الآتي:

1- زيادة الإيرادات غير النفطية للمملكة وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى الاقتصاد السعودي.

2- العمل على إعادة ضبط الموازنة العامة للمملكة، واستعادة توازنها من خلال ضبط النفقات العامة والتقليل من الإنفاق غير الضروري، مع ترشيد الدعم بأشكاله كافة، خصوصاً دعم الطاقة.

3- تنويع الاقتصاد الوطني وتوسيع قاعدته الإنتاجية المولدة للإيرادات واستحداث موارد سيادية جديدة من خلال ضريبة القيمة المضافة وزيادة الموارد غير النفطية.

4- التوجه نحو الاعتماد على تنويع المحفظة الاستثمارية للمملكة لتوليد الدخل بعيداً عن هيمنة الإيرادات البترولية وما تحدثه من تقلبات في الإيرادات المتوقعة للسعودية نتيجة لتذبذب أسعاره.

5- خلق المزيد من فرص العمل للمواطنين السعوديين، واستمرار قيام الدولة بأعباء المشروعات التنموية الضخمة.

ويتسق ما تقدم مع إصدار مجلس الوزراء السعودي مؤخراً مرسوماً بقرار ملكي بتخفيض بعض مزايا موظفي الدولة من خلال إلغاء بعض العلاوات والبدلات والمكافآت، وخفض رواتب الوزراء ومن في مرتبتهم بنسبة 20%، مع وقف العلاوة السنوية في العام الهجري 1438 الذي يمتد من أكتوبر 2016 حتى سبتمبر 2017، ويطبق ذلك على كل العاملين بالقطاع الحكومي، فضلاً عن دفع رواتب الموظفين وفقاً للسنة الميلادية التي تزيد عن الهجرية بحوالي 11 يوماً، أي ما يزيد على ثلُث شهر، وهو ما يساوي أكثر من شهر كل ثلاث سنوات، بما يعني توفير مبالغ مالية.

الآثار المتوقعة للاقتراض السعودي

من المتوقع أن يساهم الاقتراض الخارجي الذي تعتزم السلطات السعودية الحصول عليه، في تحقيق العديد من المزايا للمملكة، وهي:

1- إثبات وتأكيد الجدارة الائتمانية للمملكة العربية السعودية، فبعد التخفيضات الائتمانية المتتالية من قِبل وكالات التصنيف الائتماني، تسعى الرياض إلى الحصول على هذا القرض لتؤكد أن لديها كافة الإمكانيات للاقتراض بمبالغ كبيرة من السوق الدولية، نظراً لأن دَيْنها الخارجى ضئيل للغاية، وهو ما يؤكد جدارتها الائتمانية.

2- الزيادة الصافية لموارد المجتمع، حيث يؤدي القرض الخارجي إلى تحويل موارد مالية بالعملات الصعبة إلى الاقتصاد السعودي، بما يزيد القوة الشرائية للوحدات الاقتصادية المحلية.

3- تخفيف الضغط على السيولة المحلية من خلال ابتعادها ولو مؤقتاً عن الاقتراض المحلي، بما يؤدي إلى ثبات الدين الداخلي.

4- زيادة الاستثمار وخلق فرص عمل جديدة عن طريق إعطاء الفرصة كاملة للقطاع الخاص للاقتراض محلياً لتوسيع أعماله وزيادة استثماراته وبما يحفز إيجاد فرص عمل تقلل من البطالة. ومن جانب آخر، تستثمر المملكة القرض في مشروعاتها التنموية وضبط إنفاقها العام.

5- الحفاظ على تكلفة الفرصة البديلة للسحب من الاحتياطات النقدية، فقد تكون تكلفة الاقتراض الخارجي أقل من العائد الذي تحققه هذه الأصول الاحتياطية السعودية المُوظفة في الخارج على المدى البعيد، وبذلك تستطيع المملكة الحفاظ على الاحتياطي باللجوء إلى الاقتراض الرخيص مقابل الاحتفاظ بأصول ستدر عائداً أعلى مستقبلاً.

ولا تعني الإيجابيات غياب أي آثار سلبية للقرض الخارجي، حيث إنه قد تظهر هذه السلبيات إذا حدث أي مما يلي:

1- ارتفاع عجز الموازنة من خلال اقتطاع جزء من الناتج المحلي للمملكة لخدمة الدين، بما يزيد من النفقات العامة مقابل الإيرادات ليستمر عجز الموازنة.

2- تحول الاقتراض إلى عبء، وذلك إذا استمر العجز وتراكم الدين الخارجي، إذ ستساهم أعباء خدمة الدين في زيادة فجوة العجز واستمراريتها، بما يشكل عائقاً أمام زيادة معدلات النمو الاقتصادي.

3- استخدام القروض الخارجية في الإنفاق الجاري، بما يؤدي إلى التوسع في الاقتراض، وإذا لم تتوافر مصادر للسداد يزداد حجم المديونية.

ختاماً، يمكن القول إن توجه أي دولة للاقتراض الخارجي لا يعد اتجاهاً سلبياً بصفة عامة، وهذا هو الثابت في المعاملات الدولية كافة، طالما كان للدولة موارد بالنقد الأجنبي تغطي أقساط وأعباء الديون الخارجية، ولا تسبب لها حرجاً في حال التعثر في السداد. ولإنجاح تجربة الاقتراض الخارجي للسعودية، يتعين أن تتم إدارة هذا الملف من خلال ضوابط محددة، منها توظيف الديون الخارجية في إطار مشروع الإصلاح الاقتصادي 2030 لتنويع الاقتصاد، بتوجيه القروض للمشروعات الإنتاجية التي يمكنها خدمة ديونها من دون أن تشكل عبئاً على الاقتصاد الوطني، وتجنب الإنفاق منها على النفقات الجارية، مع الاستمرار في سياسة الإصلاح المالي لمواجهة تصاعد عجز الميزانية، ومراجعة السياسات الضريبية وزيادة كفاءة التحصيل للسيطرة على النمو المحتمل في الدين العام.