أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

الإرهاب الناعم:

كيف تؤجج تجارة المخدرات أزمات الشرق الأوسط؟

24 فبراير، 2022


ارتبطت تجارة المخدرات في منطقة الشرق الأوسط بنمو النمط الميليشياوي، وما سبقه من انهيار المؤسسات وغياب الاستقرار في بعض الدول، مما كان له انعكاساً كبيراً على العديد من الملفات، خاصة في الجوانب السياسية، وتراجع علاقات التعاون بين عدد من الدول، فضلاً عن التداعيات الأمنية المتصلة بتوظيف أموال هذه المخدرات في تمويل الميليشيات والتنظيمات الإرهابية، وتزايد العنف وحروب الوكالة، بالإضافة إلى الأبعاد الاقتصادية المتصلة بتدهور التجارة البينية، وتهديد حركة السلع والأفراد. 

مؤشرات كاشفة: 

ثمة مؤشرات عديدة على وجود نمو في تجارة المخدرات بمنطقة الشرق الأوسط خلال الفترة الأخيرة، ويمكن رصد أبرز هذه المؤشرات كالتالي:

1- كشف تقرير لمجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، في أواخر ديسمبر 2021، عن تعرض المجتمع السعودي لحالة استهداف ممنهجة من تجار المخدرات في الشرق الأوسط، خاصة الدول التي تنشط فيها الميليشيات مثل لبنان وسوريا؛ وهو ما دفع الرياض إلى اتخاذ العديد من الإجراءات على مختلف الأصعدة، وأبرزها منع استيراد المنتجات اللبنانية، وإعلان حالة التأهب على منافذ المملكة البرية والبحرية والجوية، وإعلان وزارة الداخلية السعودية عن تبنيها أحدث البرامج التدريبية لصقل خبرات منتسبيها لمواكبة تحايلات شبكات تجارة المخدرات التي ابتدعت العديد من الحيل لتحقيق مآربها.

ويُذكر أن المملكة أعلنت عن نجاحها في استهداف العديد من عمليات التهريب، حيث صادرت في مطلع ديسمبر 2021 أكثر من 30 مليون قرص مخدر في شحنة واحدة قادمة من لبنان. وفي 11 فبراير 2022، أعلنت هيئة الزكاة والضريبة والجمارك في السعودية إحباط محاولتين لتهريب 2.4 مليون حبة كبتاجون مخبأة في شحنتي قفازات بلاستيكية وبرتقال كانت في طريقها للدخول إلى المملكة عبر ميناءي جدة الإسلامي وضباء. ونتيجة للضغوط السعودية المستمرة على بيروت في هذا الصدد، نجحت السلطات اللبنانية في إحباط العديد من محاولات تهريب الكبتاجون إلى الرياض عبر بوابة الأردن، إذ أعلنت مديرية الأمن الداخلي اللبنانية، يوم 11 ديسمبر 2021، عن إحباط عملية تهريب 4 ملايين حبة كبتاجون إلى السعودية عبر الأردن.

2- يقف الأردن في الخطوط الأمامية في حرب المخدرات الإقليمية، حيث تؤكد وزارة الداخلية الأردنية أن 85% من المخدرات التي تُضبط معدة للتهريب إلى خارج البلاد. وفي هذا الإطار، غيَّر الجيش الأردني من استراتيجيته في التعاطي مع قواعد الاشتباك على الحدود، نتيجة تزايد عمليات التسلل والتهريب التي تتم على حدوده مع سوريا. لذا أكدت القوات الأردنية التعامل مع من يقترب منها، كهدف مشروع للقتل والتدمير. وقد أدى تطبيق قواعد الاشتباك المعمول بها حديثاً إلى مقتل وإصابة العشرات من مهربي المخدرات على الحدود السورية – الأردنية منذ مطلع العام الحالي، وضبط نحو 16 مليون حبة مخدرة وأكثر من 17 ألف كف حشيش. كما كشفت قيادة المنطقة العسكرية الأردنية الشرقية، في 17 فبراير 2022، عن ارتفاع حصيلة القتلى من مهربي المخدرات القادمة من الأراضي السورية شمال البلاد، لتصل إلى 30 مهرباً منذ بداية العام الجاري، فيما رصدت القوات المسلحة الأردنية أكثر من 160 شبكة تهريب في الجنوب السوري. ومن جانبه، زار العاهل الأردني، الملك عبدالله الثاني، في 14 فبراير 2022، الحدود الأردنية - السورية، موجهاً تحيته لحرس الحدود، ومؤكداً على أهمية التصدي لعمليات تهريب المخدرات.

3- ساعد سوء الأحوال الجوية على نمو عمليات تهريب المخدرات في فصل الشتاء، خاصة في أوقات الضباب، والثلوج والغبار. كما تستخدم العصابات أدوات تقليدية في عمليات التهريب بمحاذاة النقاط الحدودية، ومنها استخدام الحيوانات كالبغال والحمير المُدربة على مرور الحدود وحدها. إضافة إلى توظيف آخر ما توصلت إليه التكنولوجيا، حيث استفادت هذه العصابات من وسائل التواصل الاجتماعي خاصة تطبيقات المحادثة القصيرة "واتساب"، و"تيليجرام"، علاوة على استخدام سيارات الدفع الرباعي، والطائرات المُسيّرة (الدرونز) التي تُحمَّل بشحنات المخدرات. ويُبرز ذلك بشكل أو بآخر مدى حرفية عصابات الجريمة في عمليات تهريب المخدرات.

أسباب الانتشار:

تبرز العديد من الأسباب التي تفسر انتشار تجارة المخدرات في بعض دول الشرق الأوسط خلال الفترة الأخيرة، ومنها ما يلي:


1- تصاعد دور الميليشيات: ارتبط تزايد تحديات الأمن غير التقليدي، وانتشار الجريمة المنظمة كتجارة المخدرات في المنطقة، بعاملين أساسيين؛ هما تراجع دور الدولة الوطنية وانهيار مؤسساتها في بعض الدول، وما تبع ذلك من تدخلات غير مشروعة لدول في الإقليم تعمل على إحلال الميليشيات والتنظيمات شبه العسكرية. فعلى سبيل المثال، اعتمدت ميليشيا الحوثيين وحزب الله اللبناني وتنظيم داعش على تهريب المخدرات والاتجار بها لتوفير مصادر المال اللازمة لتمويل حروبهم؛ لما تدره المخدرات من أرباح كبيرة. ويُضاف إلى ذلك، اعتماد عناصر تنظيم داعش على تناول أفراده ومنتسبيه للمخدرات وحبوب الهلوسة لرفع معنوياتهم القتالية، ومضاعفة وحشيتهم في القتال.

2- تأثيرات جائحة كورونا: وفق تقرير مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات الصادر في عام 2020، تراجعت تجارة المخدرات نتيجة إغلاق الحدود إثر جائحة فيروس كوفيد-19، وهو ما أثّر بدوره على شُحه، وتضاعف أسعاره. وفي السياق ذاته، صاحب تطبيق سياسات الإغلاق العالمي تدهور في الأوضاع المعيشية، وهو ما نتج عنه تزايد الفئات التي تتعاطى هذه السموم بسبب ارتفاع معدلات البطالة والفقر. إذ ينسب العديد من الأخصائيين النفسيين أن حالات الإحباط والملل وغياب الأنشطة الترفيهية التي لازمت حالة الإغلاق العام التي شهدها العالم بسبب كورونا خاصة في عام 2020؛ كانت من العوامل التي حفَّزت الإدمان لدى شرائح مختلفة من المجتمع، لاسيما فئة الشباب في بعض الدول.

ومن ناحية أخرى، تزايدت زراعة المخدرات من قِبل الميليشيات في المنطقة على غرار حزب الله اللبناني، وميليشيا الحوثيين في اليمن؛ للتغلب على أزمة تراجع الدعم الاقتصادي لها في ظل تفرغ الدول المانحة لأوضاعها الاقتصادية والصحية مع تفشي وباء كورونا. وهذا ما ظهر في عمليات الكشف والملاحقة التي نُفِّذَتْ من خلال قوات التحالف العربي في اليمن، وكذلك الجهود الأردنية التي أحبطت العديد من عمليات التهريب على حدودها المشتركة مع سوريا.

3- مواجهة العقوبات الدولية: توظف بعض الدول والميليشيات في المنطقة تجارة المخدرات أو ما يُسمى بـ "اقتصاد الظل" لتجاوز العقوبات والرقابة الدولية الصارمة عليها، وتتخذها كأحد أهم موارد العملة الأجنبية عبر تسهيل تبييضها لتستفيد منها في أنشطتها الداخلية والخارجية، كما أنها تستخدمها كورقة ضغط لمساومة المجتمع الدولي. وفي هذا السياق، اتهم المرصد السوري لحقوق الإنسان، في 15 فبراير 2022، حزب الله اللبناني بالتورط في تسهيل تهريب المخدرات إلى الأردن عبر البوابة السورية؛ وربما يكون أحد أسباب ذلك محاولة حزب الله مواجهة الحظر والعقوبات المفروضة عليه من جانب العديد من الدول.

تداعيات خطيرة:

ارتبطت تداعيات انتشار تجارة المخدرات بتهديد أمن منطقة الشرق الأوسط، وتدهور العلاقات الدبلوماسية بين بعض الدول، وإغلاق الحدود، وتهديد حركة التجارة البينية، فضلاً عن تزايد العنف وسيطرة الميليشيات على القرار في بعض الدول. ويمكن تناول ملامح هذه المخاطر فيما يلي:


1- اندلاع أزمات دبلوماسية بين الدول: تعتبر العديد من الدراسات المهتمة بالجريمة المنظمة والعابرة للحدود، أن تجارة المخدرات بمنزلة "إرهاب ناعم" يهدد الدول وحدودها. إذ باتت هذه التجارة بديلاً للإرهاب المسلح في كثير من الحالات، ومصدراً لتمويله في حالات أخرى. وفي هذا السياق، تعتبر السعودية أن أحد أبعاد أزمتها مع لبنان، والتي قررت على أثرها منع دخول الخضراوات والفواكه اللبنانية أو عبورها من أراضيها في أبريل 2021، يتصل بعدم التعاون الجدي من جانب السلطات اللبنانية مع المملكة في وقف تهريب المخدرات من خلال صادراتها، لاسيما في ظل سيطرة حزب الله على المنافذ الحدودية، إضافة إلى عدم تطبيق أي عقوبات بحق المتورطين في هذه الجرائم.

2- تهديد حركة التجارة البينية: تنشط تجارة المخدرات في الإقليم عبر العديد من الخطوط، والتي باتت تستهدف دولاً محددة في الفترة الأخيرة، ومن بينها السعودية؛ وهو ما دفع السلطات السعودية إلى فرض حظر كامل على واردات الفاكهة والخضراوات المستوردة من لبنان بعد تفنن المهربين في تحديث حيلهم لتصدير المخدرات بأنواعها المختلفة. ومن بين هذه المحاولات، تهريب الأقراص المخدرة داخل شحنات الفاكهة والخضراوات مثل ثمار التفاح والرمان، إضافة إلى تدقيق سلطات المملكة الواردات والشحنات التي تدخل إليها سواءً عبر البر أو البحر أو الجو، وهو ما يؤثر سلبياً على حركة التجارة البينية بين الدول.

3- دعم آلة الحرب في الصراعات: يُتهم الحرس الثوري الإيراني بتوظيف عائدات تجارة المخدرات في تمويل الوكلاء بالمنطقة مثل حزب الله اللبناني، وميليشيا الحوثيين، وعدد من الميليشيات العراقية. وفي هذا الاتجاه، أشارت الحكومة الشرعية في اليمن، على لسان وزير الإعلام معمر الإرياني، في 8 أكتوبر 2021، إلى الانتشار الكبير لتجارة المخدرات والترويج لها في صنعاء وبقية المدن الواقعة تحت سيطرة ميليشيا الحوثيين، مما يعني توظيف الأخيرة ما يُسمى بـ "الاقتصاد الأسود" الذي يعتمد على تجارة المخدرات وغيرها من أنواع الجريمة المنظمة، في تمويل عملياتها العسكرية ومعاركها المسلحة ضد قوات الشرعية اليمنية.

4- تزايد عمليات غسيل الأموال: طورت الميليشيات والتنظيمات شبه العسكرية، تجارة المخدرات، وحولتها إلى اقتصاد متكامل ومترابط، وليس مجرد سوق؛ وذلك عبر تهيئة الممرات الدولية الآمنة، سواءً في تسهيل مهمة العبور أو حتى عملية تبييض الأموال الناتجة عن هذه التجارة عبر إدخالها في النظام المصرفي الرسمي من خلال البنوك أو شركات التأمين والمنظمات الخيرية. فعلى سبيل المثال، يوظف حزب الله اللبناني العديد من الجمعيات بالخارج في هذه الأنشطة، لذا حظرت الحكومة الألمانية، في مايو 2021، جمعيات يُعتقد أنها تتبع حزب الله وهي جمعيات "عائلة ألمانية لبنانية" و"الناس من أجل الناس" و"أعط السلام".

ختاماً، تُعد تجارة المخدرات واحدة من أهم تحديات الجريمة المنظمة العابرة للحدود التي تؤثر على أمن منطقة الشرق الأوسط، وهو ما ظهر بشكل ملحوظ خلال الفترة الأخيرة، في ضوء ضبط العديد من الدول شبكات تهريب مخدرات عبر حدودها، الأمر الذي يفرض تداعيات خطيرة تنعكس سلباً على علاقات الدول السياسية والاقتصادية، إضافة إلى تزايد عمليات غسيل الأموال من جانب الميليشيات والتنظيمات الإرهابية، ودعم العمليات العسكرية لهذه الميليشيات بما يؤدي إلى إطالة أمد الحروب وحالة الفوضى وعدم الاستقرار في دول الصراعات بالإقليم.