أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

رؤية أمريكية:

لماذا تراجعت شعبية الصين في العالم؟

12 سبتمبر، 2022


عرض: هند سمير

عاشت الصين حالة صعود لافت خلال العقود الأخيرة، ما جعل بعض المراقبين يعتقدون أن تصدرها سدّة العالم سيكون أمرًا محتوماً، إذ ارتفع الناتج القومي الإجمالي في الصين بـ40 ضعف منذ عام 1978، وتتفوق الصين عالميًا لكونها تملك أضخم احتياطات مالية وفائضًا تجاريًا، وأكبر اقتصاد بمقياس تكافؤ القدرة الشرائية، وأوسع قوة بحرية عالمية بالنظر إلى عدد السفن. 

مع ذلك تشير رؤية أمريكية إلى أن صورة الصين العالمية التي اتسمت بكونها إيجابية أو على الأقل محايدة قد تراجعت خلال الأعوام الأخيرة ليس فقط بين الديمقراطيات الرائدة مثل الولايات المتحدة واليابان وإنما أيضاً بين الدول النامية في إفريقيا وآسيا وأوروبا الشرقية، التي تمتعت الصين بعلاقات إيجابية معها بين تسعينيات القرن الماضي وأواخر عام 2010.

في هذا السياق، تطرح دراسة بعنوان "انهيار صورة الصين العالمية" لجوشوا كورلانتزيك، والصادرة عن مجلس العلاقات الخارجية (CFR)، أهم الأسباب التي تقف وراء تراجع شعبية بكين وكيف سيؤثر ذلك على تحقيق أهدافها الاستراتيجية والاقتصادية والدبلوماسية، وكيف يمكن للولايات المتحدة وحلفاءها الاستفادة من ذلك للحد من النفوذ الصيني؟

من الشعبية إلى النفور: 

في منتصف وأواخر التسعينيات، استخدمت بكين بشكلٍ فعَّال دبلوماسية رسمية متواضعة، وأنواع أخرى من القوة الناعمة، وسياسة خارجية مقيدة نسبيًا لتعزيز صورتها الإيجابية بين العديد من البلدان في آسيا وأجزاء أخرى من العالم، فبدأت الصين في توسيع أدواتها المعلوماتية وتكييف جهودها الإعلامية. وفي عام 2000، أطلقت بكين تلفزيون الصين المركزي الدولي، وهي قناة إخبارية عالمية تبث باللغة الإنجليزية، كما وسَّعت دبلوماسية النخبة للنخبة، ليس فقط في آسيا لكن أيضًا في إفريقيا وأمريكا اللاتينية، في وقت تراجعت فيه شعبية الولايات المتحدة بشكلٍ كبير بسبب حرب العراق، كما وسَّعت بكين المساعدات الخارجية إلى إفريقيا وأمريكا اللاتينية وجنوب شرق آسيا ومناطق أخرى.

زادت بكين أيضًا برامج التدريب المتنوعة للمسؤولين الأجانب، الذين جاء معظمهم من البلدان النامية، وفي غضون ذلك، كرر الدبلوماسيون الصينيون علنًا أن بكين ستظل قوة متواضعة وغير تدخلية، على عكس الولايات المتحدة، وستدعم طريق كل بلد إلى التنمية دون فرض نموذجها الخاص، كما قدمت الحكومة المركزية في بكين تدفقات جديدة لتمويل المنح الدراسية لزيادة عدد الطلاب الأجانب القادمين للدراسة في الجامعات الصينية، في الوقت نفسه، كانت الصين تعزز عدد طلابها الوافدين إلى دول جنوب شرق آسيا مثل، سنغافورة والدول الغربية بما في ذلك الولايات المتحدة وأستراليا ونيوزيلندا، ثم أطلقت الصين مشروع معهد كونفوشيوس في عام 2004، وهو برنامج للشراكة مع الجامعات المختلفة في اللغة الصينية والدراسات الثقافية، والذي افتتح الفرع الأول منه في الولايات المتحدة العام الدراسي 2004/2005.

إلا أن هذا الاتجاه المتصاعد للصورة الصينية الإيجابية بين تسعينيات القرن الماضي ومنتصف عام 2010، تراجع بشكلٍ لافت، لتحل معه صورة سلبية، وهو ما أكدت عليه دراسة أجرتها مؤسسة بيو عام 2021 عن الجماهير في سبع عشرة دولة مختلفة، بما في ذلك الولايات المتحدة، إذ أشارت إلى أن "الغالبية العظمى في معظم الاقتصادات المتقدمة التي شملها الاستطلاع لديها آراء سلبية عن الصين". 

وفي جنوب شرق آسيا، وجد مسح سنوي شامل صدر في أوائل عام 2022 في سنغافورة أن الغالبية العظمى من مواطني جنوب شرق آسيا "قلقون بشأن تنامي النفوذ السياسي والاستراتيجي الإقليمي للصين"، حتى في الشرق الأوسط وأفريقيا، حيث استثمرت الصين بشكل مكثف في البنية التحتية، تدهورت تصورات بعض الدول عن الصين، كما أن الكراهية تجاه الصين آخذة في الازدياد في دول مثل كمبوديا وزيمبابوي.

عوامل تراجع الصورة: 

طرحت دراسة مجلس العلاقات الخارجية ثلاثة أسباب لتراجع شعبية الصين، وهي:

1) تراجع الجهود الدبلوماسية: تحولت الصين، في السنوات الأخيرة، من دبلوماسية متواضعة إلى عدوانية وفقًا للدراسة، إذ إن ثمة دلائل على تنامي عدوانية الصين قبل أن يبدأ عهد "شي جين بينغ" في 2012-2013، لكن هذه الدبلوماسية العدوانية العلنية ازدهرت في ظل حكمه، حيث بدأ الوزراء والسفراء في التصريح بانتظام عن خطابات قومية شائكة تجاه الدول الأجنبية؛ مما أدى إلى زيادة اتساع الفجوة بين الصين والعديد من الديمقراطيات الرائدة -حتى قبل الوباء والحرب في أوكرانيا.

وطوال فترة الوباء وحتى الوقت الراهن من الحرب في أوكرانيا، يهاجم الدبلوماسيون الصينيون الجريئين بشكل لفظي الدول الأجنبية، وترى الدراسة أن الصين تنشر معلومات مضللة في الفترة الأخيرة حول أصول كوفيد-19، والعديد من الموضوعات الأخرى، فضلاً عن نشر معلومات مضللة حول الصراع بين روسيا وأوكرانيا، وإشارة وسائل إعلام محلية إلى أن روسيا هي الضحية الحقيقية، فضلاً عن استخدام الإنترنت لنشر معلومات مغلوطة، بحسب الدراسة.

2) الإكراه الاقتصادي: أصبحت الصين صريحة بشكلٍ متزايد بشأن استخدامها للإكراه الاقتصادي ضد الدول التي تنتقد سياساتها الخارجية والمحلية، والتي وصلت لعشرات الدول والشركات متعددة الجنسيات التي تتخذ مواقف انتقادية بشأن القضايا التي تعتبرها بكين ضرورية، بما في ذلك تايوان وبحر الصين الجنوبي وهونغ كونغ وشينجيانغ، أو تلك التي تنتقد قيادة شي أو تطالب بالتحقيق في أصول كوفيد-19.

تقدم أستراليا مثالاً هامًا على محاولة الصين الإكراه الاقتصادي، فبعد رغبة أستراليا المعلنة في إجراء تحقيق أكثر شفافية في ظهور كوفيد-19، وانتقادات حكومة موريسون لانتهاكات حقوق الإنسان في الصين، ردت بكين بفرض رسوم جمركية على مجموعة من الصادرات الأسترالية، كما أنشأت حواجز غير جمركية أمام المنتجات الأخرى مثل الأخشاب.

3) القوة الناعمة المتعثرة: ساهمت استراتيجية الصين "صفر-كوفيد" في عزلها فعليًا عن العالم، كما أضرت بجهود قوتها الناعمة، حيث قلصت العديد من برامج الطلاب والزائرين للأجانب التي ساعدت من قبل في تعزيز صورتها في الخارج، خاصةً في الدول النامية، بالإضافة إلى الانخفاض الحاد في عدد السياح الصينيين الوافدين إلى الخارج.

حاولت بكين تحديث شبكة التلفزيون الصينية العالمية (CGTN)، وراديو الصين الدولي (CRI)، بالإضافة إلى صحيفة الصين اليوم الصادرة باللغة الإنجليزية، كما استأجرت المنافذ الحكومية الصينية صحفيين ومراسلين محليين مرموقين من منافذ عالمية كبرى، وعززت بكين أيضًا وجود وسائل الإعلام الحكومية على وسائل التواصل الاجتماعي، وفي أوائل عام 2010 فشلت معظم وسائل إعلام الدولة هذه في تحقيق مستويات عالية من المشاهدة أو الاستماع.

 كما أن حجم المتابعين الضخم لوسائل الإعلام الحكومية الصينية على وسائل التواصل الاجتماعي لا يبدو حقيقيًا، وأن بكين قد استخدمت على تويتر متابعين وهميين لإعادة تغريد الدبلوماسيين الصينيين بحسب الدراسة، علاوة على ذلك، فإن العديد من متابعي الفيسبوك لمواقع وسائل الإعلام الحكومية الصينية قد تم شرائهم، حيث يمكن للشركات شراء الإعجاب وإعادة النشر والمتابعين، وذلك وفقًا لوكالة أسوشيتد برس.

تداعيات عالمية متعددة:

من المؤكد أن صورة الصين العالمية المتراجعة لن تلغي بشكلٍ كامل قدرتها على ممارسة القوة العسكرية والاقتصادية الهائلة في دول الجوار أو في الخارج، حيث تعد بالفعل القوة الاقتصادية المهيمنة في آسيا، وفي مضيق تايوان، تعمل الصين على تغيير ميزان القوى بشكل متزايد وتستخدم استصلاح الأراضي ومجموعة من التكتيكات الأخرى للتحرك نحو السيطرة العسكرية على بحر الصين الجنوبي، وتتبلور تداعيات الصورة السلبية عن بكين في:

1) خسارة الحلفاء والصفقات التجارية: إن تراجع شعبية بكين يخلق حواجز أمام أهداف سياستها الخارجية، في مجالات الدبلوماسية والاقتصاد والحوكمة العالمية، وغيرها، فعلى سبيل المثال، أظهرت بعض بيانات الشركات العالمية تراجع الاستثمارات في الصين، ومنها البيانات الأخيرة من مجموعة Rhodium Group التي أظهرت أن الاستثمار الألماني المباشر في الصين، يتباطأ الآن، وهو ما ينطبق على الاستثمار الأجنبي المباشر من الولايات المتحدة، فضلاً عن أن بعض الديمقراطيات الآسيوية، ودول أوروبية أخرى بخلاف ألمانيا، تفصل مؤسساتهم التجارية نفسها بشكل متزايد عن الدفاع عن الصين، كما تقوم بتدشين سياسات أكثر صرامة تجاه الاستثمار الصيني الداخلي وتعتمد بشكل عام سياسات خارجية أكثر تشددًا تجاه بكين. 

وعلى الرغم من اتباع بكين نهجًا صارمًا تجاه عدد من الشركات، إلا أن ذلك النهج أتى بنتائج عكسية مع شركات أخرى، فأصبحت تنوع من استثماراتها في مواقع أخرى مثل البلقان وأمريكا الوسطى وتايلاند وفيتنام، وعلى الجانب الأخر، جمَّد الاتحاد الأوروبي، الذي انتقد في العام الماضي علنًا "التحول الاستبدادي" للصين، صفقة استثمار ثنائية كبيرة مخططة مع الصين، ومع رفض الصين التراجع عما وصفته بشراكتها الاستراتيجية "بلا حدود" مع روسيا، من المتوقع أن تتخذ الدول الأوروبية المزيد من الخطوات لتهدئة العلاقات التجارية مع الصين.

2) فقد الشركاء الاستراتيجيين المحتملين: تعيق الصورة العامة المتراجعة للصين تحقيق الأهداف الاستراتيجية، ففي الدول الديمقراطية من الفلبين إلى إندونيسيا إلى إيطاليا، لا يستطيع السياسيون بناء علاقات استراتيجية أوثق مع الصين بمجرد أن تصبح صورتها مع جماهيرهم سلبية، حيث يخاطرون بغضب الناخبين، على سبيل المثال، فعلى الرغم من أن الرئيس الفلبيني رودريغو دوتيرتي ضغط بشدة في وقت مبكر من ولايته كرئيس لبناء روابط أوثق مع بكين وتقليل اعتماد مانيلا على الولايات المتحدة، إلا أن السلوك العدائي الصيني أدى إلى عدم القدرة على إكمال صفقات البنية التحتية الرئيسية، وزيادة عدم الشعبية بين الجمهور الفلبيني، مما أعطي مساحة محدودة لدوتيرتي للمناورة.

3) إقامة تحالفات رسمية وغير رسمية ضد الصين: تعمل الدول التي تخشى عدوانية بكين وقوتها وإكراهها المتزايد على بناء تحالفات غير رسمية ضد الصين في مجموعة واسعة من المجالات، تتراوح ما بين السيطرة على إنتاج أشباه الموصلات والتحالفات لمنع الشركات الصينية الكبرى من بناء الجيل التالي من التكنولوجيا اللاسلكية، إلى أنواع جديدة من العلاقات العسكرية المصممة لتقييد بكين.

وقد أدى الخوف المتزايد من سيطرة الصين على الشبكات اللاسلكية، إلى قيام الولايات المتحدة بحظر شركة هواوي وحظر العديد من الدول الأوروبية التي فكرت في السماح للشركة بإقامة أنظمتها الخلوية ذات النطاق العريض، من أجل الضغط عليها لاختيار شركات أخرى بدلاً من ذلك، حتى في أجزاء من جنوب شرق آسيا والمحيط الهادئ، اختارت عدد من الدول، مزودي شبكات الجيل الخامس من دول أخرى لبناء شبكاتهم.

4) تقييد فرصة الصين في القيادة العالمية: إن تراجع القوة الناعمة للصين وصورتها السلبية تقيدان نفوذها الدولي وقيادتها العالمية، خاصة مع بقاء شي وقادة آخرين في الصين لسنوات، بالإضافة لعزل الصين للعديد من الدول في منطقتها، حيث أضعف ذلك كله قدرتها على قيادة عدد من الملفات مثل التغير المناخي، وقيادة آسيا في التكامل التجاري، بل ومنحت الفرصة للقوى الإقليمية الأخرى مثل اليابان بأن تصبح أكثر نشاطًا وقيادة، كما أن مشاكل الصين المحلية مع كوفيد-19، توحي بأن قيادتها العليا قد تحجرت بشأن كيفية إنشاء استراتيجية وبائية يمكن أن تسمح لها بالهروب من الإغلاق والعزلة.

فرص أمريكية:

ترى الدراسة أن تراجع صورة الصين العالمية توفِّر فرصة للولايات المتحدة والديمقراطيات الأخرى لاتخاذ التدابير المناسبة، حيث يجب عليهم اتخاذ الخطوات التالية لفهم جهود التأثير العالمي للصين ومواجهتها بشكل أفضل:

1) فهم أعمق للقوى الناعمة الصينية، عبر توجيه التمويل لإجراء البحوث حول القنوات الحكومية الصينية والأنشطة الإعلامية الأخرى لفهم مدى وصول الصين الفعلي إلى وسائل الإعلام العالمية وبيئة المعلومات.

2) استباق الجهود الصينية في التضليل الإعلامي، وتسليط الضوء على روابط الصين المتنامية مع روسيا واستعدادها لنشر معلومات مضللة نيابة عن الكرملين. 

3) تركيز الانتقاد الموجه للصين على شي والحزب الشيوعي الصيني، حتى لا يُحسب على أنه موجه للجمهور الصيني.

4) الاستفادة من عدم شعبية بكين الحالية وأخطاءها السياسية لبناء شراكات جديدة وتعميق الشراكات القائمة، وربما إضافة أعضاء جدد إليها في المستقبل، وإعادة بناء العلاقات الدفاعية والاستراتيجية المضطربة مع حلفاء الولايات المتحدة في جنوب شرق آسيا وتايلاند والفلبين.

5) تسريع الجهود للحد من وصول الصين إلى التقنيات المتقدمة الهامة مثل أشباه الموصِّلات الأكثر تطورًا والآلات التي تصنعها، وهو جهد بدأته واشنطن بالفعل بالتعاون مع اليابان وكوريا الجنوبية وهولندا. 

6) أخيرًا، يجب على الديمقراطيات الرائدة أيضًا اتخاذ خطوات لضمان بقاء ديمقراطياتها عادلة وحرة وحيوية، إذا كانت تأمل في تقديم بديل واضح للنموذج الصيني، وضمان النقل السلمي للسلطة، وتوفير بيئات تصويت حرة ونزيهة، وسلطات تشريعية قادرة على تمرير مشاريع قوانين فعلية، وغيرها.

المصدر: 

Joshua Kurlantzick, China’s Collapsing Global Image: How Beijing’s Unpopularity Is Undermining Its Strategic, Economic, and Diplomatic Goals, Discussion Paper, The Council on Foreign Relations (CFR), July 2022.