أخبار المركز
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)
  • شريف هريدي يكتب: (مخاطر الانفلات: خيارات إيران للرد على استهداف قنصليتها في دمشق)

ابتكارات جديدة:

كيف تشارك الشركات الناشئة في الحد من التغير المناخي؟

16 نوفمبر، 2021


يُهيِئ الاهتمام العالمي غير المسبوق بمكافحة التغير المناخي وتقليص الانبعاثات الكربونية، لاستمرار زخم الشركات الناشئة المتخصصة في تكنولوجيات الطاقة والنقل والغذاء وغيرها، الرامية لمعالجة الاحتباس الحراري العالمي. وشهدت تلك الشركات طفرة غير مسبوقة في أعدادها منذ توقيع اتفاقية باريس للمناخ في عام 2015، ووفرت للأسواق منتجات ومواد مبتكرة أكثر استدامة ومراعاة للبيئة. 

ويشير التغيُّر المناخي إلى التحولات طويلة الأجل في الأحوال الجوية لمنطقة ما أو للكوكب بأكمله، لاسيَّما التغيُّر في درجات الحرارة وأنماط هطول الأمطار، والرياح، بسبب الأنشطة البشرية بشكل رئيسي، مما يؤدي إلى تغيرات قاسية في الظروف المناخية، وتهديد استدامة النظم البيئية للكوكب من ناحية، والتأثير سلباً على النشاط الاقتصادي من ناحية أخرى.

نماذح واعدة 

يرتكز نموذج عمل الشركات الناشئة العاملة في مجال التغير المناخي على تقديم ابتكارات جديدة في التقنيات، أو المنتجات، أو المواد المستخدمة في الإنتاج الصناعي، على نحو يساعد في تقليص الانبعاثات الكربونية الصادرة عن مختلف الأنشطة الاقتصادية، ويتضح ذلك على النحو التالي:

1- حلول الشركات الناشئة: تعرف الشركات التكنولوجيا الناشئة العاملة في مجال مكافحة التغير المناخي بأنها تلك الكيانات التي تستهدف تحقيق واحد أو أكثر من أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، فضلاً عن كونها تُطبق تقنيات تكنولوجية مختلفة، وابتكارات حديثة تساعد على تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، أو معالجة آثار تغير المناخ.

2- تنوع مجالات الشركات: تعمل الشركات في قطاعات متنوعة بغرض أساسي يتمثل في تفادي مشكلة الاحتباس الحراري العالمي، ويتضمن ذلك الطاقة، مثل تلك العاملة في الطاقة النظيفة والتقنيات المتعلقة بها، والاقتصاد الدائري، والتي تهدف إلى القضاء على الهدر وخفض استهلاك الطاقة والمواد الخام، من خلال الابتكار في تقنيات إعادة التصنيع وإعادة التدوير، الأمر الذي يُسهم في خفض معدلات استخدام مدخلات الموارد، ومن ثم يخفض مستويات التلوث وانبعاثات الكربون (مثل ذلك تطبيق شركة "ديبوب" Depop للأزياء المستعملة.

كما تعمل بعض الشركات الناشئة في قطاع الأغذية، من خلال التركيز على تقليل هدر الطعام، واستخدام التكنولوجيا الرقمية في التواصل بين الأفراد، مما يتيح استفادة البعض من فائض الطعام بدلاً من هدره، فضلاً عن ابتكار طرق وأنماط استهلاك أكثر استدامة (والمثال على ذلك تطبيق مشاركة الطعام "أوليو" OLIO. 

كذلك، تعمل بعض من الشركات في قطاع النقل، على سبيل المثال، من خلال ابتكار التصميمات والتقنيات الخاصة بالسيارات الكهربائية، مما يُسهم في تعزيز التبني الشامل لذلك النوع من السيارات في جميع أنحاء العالم، والمثال على ذلك شركة "أريفال" Arrival.

الخريطة الاستثمارية

شهد تمويل الشركات الناشئة في مجال التغير المناخي زخماً قوياً في العقد الماضي، ويتضح ذلك كالتالي:

1- تضاعف الاستثمارات: شهد تمويل الشركات الناشئة العاملة في مجال التغير المناخي نمواً قوياً منذ العقد الماضي. ففي عام 2013، بلغ حجم تمويل لتلك الشركات عالمياً حوالي 418 مليون دولار، ثم ارتفع ليبلغ أكثر من 16 مليار دولار عام 2019، بزيادة تصل لحوالي 3750%. وخلال العام الجاري، ارتفعت رؤوس الأموال الموجهة لهذه الشركات على مستوى العالم إلى 32 مليار دولار، وذلك وفقاً لتقديرات شركة "ديلروم" (Dealroom).

2- اهتمام غربي وآسيوي: تعتبر أوروبا أكثر المناطق التي شهدت نمواً في استثمارات الشركات الناشئة العاملة في مجال التغير المناخي، إذ تضاعفت الاستثمارات حوالي سبع مرات منذ عام 2016، تليها الولايات المتحدة وكندا، حيث ارتفعت الاستثمارات حوالي 6 مرات، ثم آسيا، والتي تضاعفت فيها الاستثمارات لمرة واحدة فقط منذ عام 2016 وحتى الربع الثالث من عام 2021. 


ومن ناحية أخرى، تشير البيانات إلى تركز الشركات العاملة في مجال التغير المُناخي بالمدن الأوروبية، خاصة لندن، والتي تضم حوالي 416 شركة، والتي استقبلت استثمارات أكثر من مليار دولار خلال عام 2021، ليرتفع بذلك أكثر من 6 مرات مقارنة بمستوياته خلال عام 2016.

3- هيمنة أمريكية وصينية: تأتي الولايات المتحدة الأمريكية في صدارة الدول على صعيد الاستثمارات، وفقاً للدول، وذلك بحجم رؤوس أموال بالشركات الناشئة بنحو 48 مليار دولار خلال الفترة (2016- الربع الثالث 2021)، تليها الصين بحوالي 18.6 مليار دولار خلال الفترة نفسها، ثم تأتي كل من السويد والمملكة المتحدة بنحو 5.8 مليار دولار و4.3 مليار دولار على التوالي. 

4- سيطرة قطاعي الطاقة والنقل: استحوذت الشركات الناشئة العاملة في قطاعي الطاقة والنقل على حوالي 80% من الاستثمارات ورؤوس الأموال في الفترة من 2016 وحتى العام الجاري.  بينما يستحوذ قطاع الطاقة على النصيب الأكبر من استثمارات هذه الشركات، بنسبة تبلغ حوالي 40% في المتوسط. 

وعلى الرغم من ذلك، فمن الملحوظ أن التمويل الموجه إلى الشركات الناشئة العاملة في قطاع الأغذية، والاقتصاد الدائري آخذ في التزايد مؤخراً. وفي لندن، اجتذبت الشركات الناشئة في مجال الطاقة معظم التمويلات، يليها الاقتصاد الدائري وبرمجيات المؤسسات.


قوة دافعة

من المتوقع أن تشهد الاستثمارات في الشركات الناشئة العاملة في مجال تكنولوجيا المناخ نمواً استثنائياً خلال السنوات القادمة، في ضوء الاعتبارات التالية:

1- عودة أمريكا لاتفاقية المناخ: تمثل عودة الولايات المتحدة الأمريكية إلى اتفاق باريس للمناخ بعد تولى الرئيس الأمريكي جو بايدن سدة الرئاسة الأمريكية في يناير 2021، انتصاراً سياسياً كبيراً لقضية التغير المناخي، إذ إن هذه الخطوة سوف تُعزز من الجهود الدولية في مكافحة التغير المناخي وتنسيق الأهداف المناخية مع مختلف بلدان العالم. وقد تعهدت الإدارة الأمريكية مؤخراً بإنفاق نصف تريليون دولار لمكافحة التغير المناخي، لاسيما من أجل التوسع في إنتاج الطاقة المتجددة بالسوق الأمريكي.

2- إتاحة التمويلات العالمية: من المرجح أن تكتسب أنشطة الشركات الناشئة، في ضوء الحشد الدولي لمكافحة التغير المناخي في العالم، مزيداً من الاهتمام من قبل المستثمرين الاستراتيجيين والشركات الكبرى والحكومات، على نحو سيدعم مجالات عملها، وتوفير التمويلات لها. وهنا، وضعت قمة تغير الُمناخ (COP26) التي عقدت في جلاسكو، على قائمة أجندتها مسائل توفير التمويل اللازم لمعالجة الاحتباس الحراري.  

وكان من أبرز نتائح المؤتمر، حتى الآن، أن تم إطلاق صندوق "العمل المناخي للأسواق الناشئة "بقيمة 500 مليون يورو (577.2 مليون دولار)، والذي يُركز على الاستثمارات المعنية بالتخفيف من حدة آثار التغير المناخي في الأسواق الناشئة، بالتعاون بين البنك الأوروبي للاستثمار، وشركة أليانز جلوبال إنفيستورز. يشار هنا، إلى أن العالم بحاجة 100 تريليون دولار على مدى ثلاث عقود للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري.

3- تسارع التقنيات الجديدة: من المتوقع أن تعمل الشركات الناشئة على توظيف وتطويع وتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي والاستشعار عن بعد والروبوتات وغيرها، في أنشطتها، من أجل معالجة آثار التغير المُناخي، والحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. وفي هذا الصدد، تؤكد دراسة لشركة أبحاث "كابجيميني" (Capgemini) أن تقنيات الذكاء الاصطناعي يمكن استخدامها في الحد انبعاثات الغازات الدفيئة لكثير من المنشآت الصناعية والتجارية بنسبة 16%.

4- البحث عن تكنولوجيا منخفضة التكلفة: يتوجه العالم سريعاً نحو التوسع في استخدام مصادر الطاقة النظيفة، مثل الطاقة الشمسية والرياح. كما حظي الهيدروجين الأخضر أيضاً باهتمام مؤخراً، لما يمكن أن يساهم به في خفض البصمة الكربونية لصناعات ثقيلة مثل الحديد والأسمنت وغيرها. يعول المراقبون على الشركات الناشئة، أن تقدم ابتكارات واختراقات تكنولوجية في القريب العاجل، تساعد على خفض تكلفة إنتاج الطاقة النظيفة مقارنة بالوقود الأحفوري، وهي إحدى زوايا عمل بعض الشركات الناشئة العاملة في مجال الطاقة الآن.

وفي الختام، يمكن القول إن الشركات العاملة في مجال تغير المناخ، يمكن أن تلعب دوراً جوهرياً في مكافحة التغير المناخي، في ضوء ما تقدمه من ابتكارات جديدة تساعد على تقليص الانبعاثات الكربونية، ويدعمها في ذلك توافر الدعم السياسي وإتاحة التمويلات الدولية، إلى جانب التحولات التكنولوجية الجارية في العالم حالياً.