أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)

فاعل أمني:

لماذا تصاعد دور القبائل في المنطقة؟

04 ديسمبر، 2017


طرأت تحولات جوهرية على الأدوار التقليدية التي تقوم بها القبيلة في بعض الدول العربية، وخاصة في مصر وليبيا واليمن وسوريا وقطر، ويأتي في مقدمتها تصاعد دور القبيلة كفاعل أمني Actor Security عبر مواجهة التنظيمات الإرهابية، ومحاربة الميليشيات المسلحة، والتصدي للنظم السلطوية، وتأمين المناطق الحدودية الرخوة، وتغذية الصراعات القبلية، وعرقلة جهود السلام بالوكالة. وعلى الرغم مما يطرحه تعاظم دور القبيلة فيما يخص دعم الاستقرار في مناطق أو إقاليم بعينها، إلا أنه يحمل في طياته مخاطر مستقبلية على بنية الدولة الوطنية العربية، وهو ما يبدو جليًا في حالة ليبيا، لا سيما أن زيادة قوة القبيلة قد يكون على حساب الحكومة المركزية بما يؤدي إلى إضعافها وتفتيتها في بعض الحالات. 

بوجه عام، يمكن تناول الأدوار الأمنية للقبيلة في عدد من الدول العربية، خلال الأشهر الماضية من عام 2017، على النحو التالي:

التعاون المعلوماتي:

1- مواجهة التنظيمات الإرهابية: يتزايد الحديث عن دور للقبائل في محافظة شمال سيناء في مصر مؤخرًا. فقد أدى ارتفاع منسوب العمليات الإرهابية في سيناء وخاصة بعد حادثة مسجد الروضة في بئر العبد، في 24 نوفمبر 2017، إلى توحد عدد كبير من قيادات قبائل سيناء مع قوات الجيش والشرطة المدنية المعنية بمكافحة الإرهاب وتنسيق قنوات الاتصال فيما بينها بهدف تحقيق أقصى استفادة ممكنة من خبرة القبائل الميدانية والمعلومات المتوافرة لديها فيما يخص مناطق اختباء العناصر الإرهابية، في إطار ما يعرف بالتعاون المعلوماتي مع الدولة.

وقد نجحت قوات إنفاذ القانون في استهداف بؤر الجماعات الإرهابية في مرحلة لاحقة على العملية السابقة، سواء بناءً على معلومات استخباراتية أو تعاون مع أبناء قبائل سيناء. لذا، شهدت الأيام القليلة الماضية، طبقًا لتقارير عديدة، اتصالات للسيطرة على الخلافات القبلية البينية وتحديدًا بين أكبر قبيلتين في شمال سيناء (الترابين والسواركة) فيما يخص مواجهة الإرهاب والتعامل مع أبناء القبائل المنضوين في الجماعات المسلحة والقضاء على عدد من البؤر التي تتخذها العناصر الإرهابية قاعدة انطلاق لتنفيذ أعمالها الإجرامية.

وفي هذا السياق، صدر بيان عن "اتحاد قبائل سيناء"، في 25 نوفمبر الماضي، يشير إلى أن "المجزرة الجماعية ضد أهل سيناء وقبائلها في مسجد الروضة وهم يصلون، ستجعلنا نار تحرقكم بالدنيا لنلحقكم بنار الآخرة. لن ينام الرجال حتى القصاص منكم ومن جرائمكم، فليس لدينا لكم محاكمات ولا سجون، وندعو كل رجال وشباب قبائل سيناء للانضمام للتنسيق لعملية كبرى مع الجيش للإنهاء التام على الإرهاب الأسود، التي يجري التحضير لها"، وأضاف: "نرحب بمن يريد الثأر والقصاص من الإرهاب ومن الدواعش ومن نفذوا الجريمة. نرحب بالجميع مرة أخرى للانضمام إلى مقاتلي القبائل (في قرية البرث في رفح) لرص الصفوف من جديد ضد الإرهاب الفاشي".

خزان المقاتلين:

2- محاربة الميليشيات المسلحة: ساد إدراك لعدد من القبائل بأن ثمة دورًا مطلوبًا منها للقضاء على التنظيمات المسلحة التي تعتمد على عنصر القوة. وفي هذا السياق، تعد القبائل اليمنية متغيرًا بالغ الأهمية في معادلة الصراع الداخلي، حيث يبرز دورها في مواجهة ميليشيا الحوثيين خلال المواجهات التي جرت في كل مناطق ومحافظات البلاد في 2 ديسمبر الجاري، ولازالت ممتدة.

فقد دعا بيان صادر عن حزب المؤتمر الشعبي الذي يتزعمه الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح كل اليمنيين وفي مقدمتهم رجال القبائل لأن "يهبوا للدفاع عن أنفسهم وعن ثورتهم وجمهوريتهم ووحدتهم التي تتعرض اليوم لأخطر مؤامرة يحيكها الأعداء وينفذها أولئك المغامرون من حركة أنصار الله". وأضاف البيان: "لقد حانت لحظة أن يقف الجميع صفًا واحدًا ويدًا واحدة وقلبًا واحدًا وأن يهبوا هبة رجل واحد للتصدي لمحاولات جر الوطن إلى حرب أهلية طاحنة تبدأ من العاصمة صنعاء".

ونظرًا لأن اليمن تعد واحدة من أكثر المجتمعات القبلية المدججة بالسلاح في المنطقة، فالقبيلة تعد عاملاً حاكمًا لترجيح كفة صالح بعد تفكيك تحالفه مع ميليشيا الحوثيين التي تحاول ترسيخ واقع إداري وأمني على الأرض يتعذر التراجع عنه. غير أنه يتعذر أيضًا على أنصار صالح القبول به لأنه يعبر عن شراكة مختلة. ولذا من المرجح أن تزداد كثافة المواجهات المسلحة بين الحوثيين من جهة والقادة المحليين ورجال القبائل ووحدات الجيش الموالية لصالح منذ عقود من جهة أخرى، خاصة أنه يرجع الفضل للقبيلة في الانتصار النسبي لقوات صالح في الحروب الست أمام الحوثيين.

إنقاذ الدوحة:

3- التصدي للنظم السلطوية: إذ أن هناك بعض أبناء القبائل القطرية الذين احتشدوا، في 18 نوفمبر 2017، في جوف قبيلة بني هاجر على خطوط الحدود بين الدمام والرياض تلبية لدعوة شيوخ قبيلة قحطان، للنقاش حول ضرورة التصدي للنظام القطري، بعد ممارساته الرامية إلى سحب الجنسية من شيخ قبيلة بني هاجر، الشيخ شافي بن ناصر آل شافي، والحجز على ممتلكاته وطرد بعض أفراد قبيلته، بل ووصلت إلى حد تهديد بعض أفراد العائلة الحاكمة لأفراد قبيلتى بني هاجر وقحطان بالكيماوي والغازات السامة.

وفي هذا السياق، حضر أحد الرموز القبلية المعارضة لنظام حكم الأمير تميم بن حمد هذا الاجتماع وهو الشيخ سلطان بن سحيم آل ثان، حيث قال: "نحن المؤسسون لقطر، ونحن الذين سنطهرها"، وأضاف: "جميعنا نحمل على عواتقنا مهمة إنقاذ قطر قبل أن تبتلعها الفوضى ويتلاعب بها المفسدون". ولعل ذلك يفسر اتساع الجبهة المناوئة للحكم القطري الحالي في أوساط عدد من القبائل وخاصة تلك التي يوجد لديها امتدادات في بعض دول الخليج، وبصفة خاصة السعودية والإمارات.

طاحونة العنف:

4- تغذية الصراعات القبلية: وهو ما ينطبق على الدور الذي تقوم به القبائل في إشعال فتيل الحرب الأهلية ذات الطابع الإثني التي تشهدها جنوب السودان منذ ديسمبر 2013. وفي هذا السياق، قال جاكوب أكيش دينق وزير الإعلام في جونقلي، في تصريحات إعلامية بتاريخ 29 نوفمبر الفائت: "إن مهاجمين من قبيلة المورلي قتلوا 20 رجلاً و22 امرأة وطفلاً وأصابوا 19 شخصًا في قرية دوك بايل الصغيرة في التاسع والعشرين من نوفمبر".

وتعد أعمال القتل هذه أحدث فصول سلسلة من الهجمات الانتقامية وخطف الأطفال وسرقة الماشية بين قبيلتي المورلي والدنكابور، والتي تشير بعض التحليلات الغربية إلى أنها في طريقها التصاعدي، مع الأخذ في الاعتبار أن بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان لم تنجح عبر دورياتها الأمنية أو مراقبيها لحقوق الإنسان في دعم جهود المصالحة بين المجتمعات المحلية وإنهاء دائرة العنف التي لا تنتهي وما يتمخض عنها من وقوع قتلى من المدنيين.

أدوار عائقة:

5- عرقلة جهود السلام بالوكالة: حيث أن دولة مثل ليبيا، على سبيل المثال، لا يمكن أن تستقر داخليًا إلا عبر توافق مجتمعي قبلي مستدام وخاصة القبائل الداعمة لحكم الرئيس السابق معمر القذافي وتحديدًا قبيلة ورفلة التي يبلغ عدد المنتسبين إليها نحو 1,5 مليون شخص أي ربع سكان البلاد، وفقًا لأحد التقديرات غير الرسمية، ولها تمثيل في مختلف المناطق. ونظرًا لأنها غير ممثلة في الحكم الحالي، فأبناؤها لا يؤيدون قائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر أو رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج.

وفي هذا السياق، قال مفتاح أفطيس رئيس مجلس حكماء وأعيان قبيلة ورفلة، في تصريحات إعلامية بتاريخ 9 نوفمبر الماضي في مدينة بني وليد المعقل السابق للقذافي: "نحن مع الحوار لكن الأمم المتحدة لم تتصل بنا"، وأضاف: "إذا الأمم المتحدة تريد حلاً لليبيا لازم تتصل بالقبائل"، الأمر الذي يشير إلى أن كل محادثات المبعوث الأممي إلى ليبيا الدكتور غسان سلامة مع مختلف أطراف ليبيا لا يمكن أن تفرض تأثيرًا إلا في سياق إدماج القبائل وخاصة الداعمة لنظام حكم القذافي السابق.

ضبط التخوم:

6- تأمين الحدود الرخوة: شهدت ليبيا صراعات قبلية في الجنوب خلال السنوات القليلة الماضية، وأسفر عنها سقوط قتلى، وغالبًا ما تنتهي باتفاقات مصالحة "محلية" سرعان ما تنهار في فترة لاحقة. لذا قامت قبيلتا أولاد سليمان والتبو من جنوب ليبيا بإبرام اتفاق مصالحة في روما، في 29 مارس 2017، بحضور 60 من شيوخ القبائل فضلاً عن ممثلين عن الطوارق وكذلك ممثل عن حكومة الوفاق الوطني الليبية، بحيث تم تشكيل قوة من حرس الحدود الليبية لمراقبة 5000 كم من الحدود في جنوب ليبيا.

ويهدف هذا الاتفاق إلى ضبط الحدود السائلة ومكافحة اقتصاديات التهريب (التي تشمل المهاجرين والمخدرات والأسلحة) والحد من التهديدات الإرهابية وتنمية المناطق الصحراوية الليبية. وفي هذا السياق، قال وزير الداخلية الإيطالي ماركو مينيتي في تصريحات لوسائل إعلامية محلية: "إن ضمان أمن الحدود الجنوبية الليبية يعني ضمان أمن الحدود الجنوبية الأوروبية".

مقاييس متعددة:

خلاصة القول، من الواضح أن ثمة تعاظمًا في دور القبائل داخل دول عدة بالمنطقة، والتحول من المهام الاجتماعية إلى الأدوار الأمنية التي تتجاوز حدود الدفاع عن القبيلة وحماية نفوذها في المناطق التي تقطن فيها، لدرجة تصل إلى إعلان مؤسسات رسمية في بعض الدول دعمها، على نحو يعكس الاعتراف بالدور الوظيفي المتعدد للقبيلة. غير أنه لا توجد مقاييس واحدة لدور القبيلة، وتظل المسألة مرتبطة بمدى قدرة الدولة على الاستفادة منها بالطريقة المثلى.