أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)

فرص عربية:

أبعاد ودلالات تأسيس اتحاد الطاقة الأوروبي

24 مارس، 2015


في خطابه أمام البرلمان الأوروبي في 10 مارس الماضي، دعا رئيس المفوضية الأوروبية، يان كلود يونكر، الحكومات الأوروبية للمضي قدماً نحو تشكيل اتحاد الطاقة الأوروبي، مشيراً إلى أن هذا الاتحاد سيهدف إلى دمج اسواق الطاقة في الدول الثماني والعشرين الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ضمن سوق طاقة واحد.

وأعقب ذلك صدور بيان من المفوضية الأوروبية أكد على أن اتحاد الطاقة الأوروبي يستند إلى ثلاثة أهداف رئيسة، وهي: أمن الإمدادات، والاستدامة، وتعزيز التنافسية.

خمسة أبعاد لاتحاد الطاقة

وفي هذا السياق، كان تأسيس اتحاد الطاقة الأوروبي ضمن أهم الموضوعات التي تناولتها قمة الاتحاد الأوروبي التي انعقدت يومي 19 و20 مارس الماضي في العاصمة البلجيكية بروكسل، حيث دعت القمة، في بيانها الختامي، الدول الأعضاء والمؤسسات الأوروبية إلى العمل على تسريع وتيرة تنفيذ مشاريع الربط البيني بين الدول المتجاورة في مجالات الكهرباء والغاز الطبيعي، على غرار مشروع الربط الذي تم إطلاقه مؤخراً بين فرنسا وإسبانيا.

كما أكدت القمة أيضاً على تصميم الاتحاد الأوروبي على دعم التكامل في تشريعاته وقوانينه المتصلة بالطاقة، وعلى ضرورة أن تكون العقود الموقعة بين الشركات الأوروبية والشركات الأجنبية العاملة في مجال الطاقة متوافقة مع القوانين الأوروبية، وتراعي مبدأ الشفافية وعدم التأثير السلبي على أمن الطاقة في أوروبا.

وفي ضوء ذلك، شدد المسؤولون الأوروبيون، وعلى رأسهم رئيس الاتحاد الأوروبي دونالد توسك، ورئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر، على ضرورة توافق أي عقد مستقبلي في مجال الطاقة مع مصالح السوق الداخلية الموحدة في أوروبا، ومع الأهداف الأوروبية في مجال محاربة آثار التغير المناخي.

من جهة أخرى، أكدت القمة الأوروبية الأخيرة أيضاً على ضرورة تشجيع مشروعات الطاقة المتجددة داخل الاتحاد الأوروبي، مع أهمية استخدام كافة الوسائل المتاحة في إطار السياسة الخارجية الأوروبية لتعزيز التعاون في هذا المجال مع دول الجوار والدول الشريكة، خاصة دول العبور.

وتجدر الإشارة إلى أن كثيراً من الدراسات والتعليقات التي تناولت مسألة إنشاء اتحاد الطاقة الأوروبي قد أشارت إلى أن هذا الاتحاد يشتمل على خمسة أبعاد رئيسية ومتكاملة، وهي:

1 ـ تعزيز أمن الطاقة والتضامن والثقة بين دول الاتحاد الأوروبي،

2 ـ تكامل سوق الطاقة الداخلية في كافة الدول،

3 ـ تحقيق كفاءة الطاقة كمساهمة في خفض الطلب على الطاقة،

4 ـ تقليل الانبعاثات الكربونية المتسببة في ارتفاع درجة حرارة الأرض،

5 ـ تشجيع البحث والابتكار لزيادة القدرة التنافسية للشركات الأوروبية.

ويرى المراقبون أن اتحاد الطاقة الأوروبي يسعى إلى زيادة القوة التفاوضية لدول الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بصفقات الغاز والنفط عن طريق إنشاء لجنة تكون مهمتها دراسة كافة الاتفاقات الأوروبية بشأن هذه الصفقات، واقتراح التوصيات بشأنها لتحقيق أفضل شروط ممكنة لدول الاتحاد، سواء من حيث الأسعار أو من حيث التوافق مع قوانين البيئة الأوروبية.

ومن ناحية أخرى، سوف يترتب على هذا الاتحاد أيضاً إنشاء لجنة تكون وظيفتها توفير المعلومات والقواعد الضرورية لتعزيز حرية تجارة الطاقة عبر الحدود، واقتراح التدابير المناسبة لتشجيع منتجي الطاقة المتجددة على الاندماج بشكل أفضل في سوق الكهرباء الأوروبي على نطاق أوسع. كما سيتم أيضاً إنشاء هيئة تنظيمية لسوق الطاقة الأوروبي، تكون لها استقلالية كاملة في التعامل مع جميع القضايا العابرة للحدود، والتي تتصل بإنشاء سوق موحد وسلس للطاقة في الاتحاد الأوروبي.

كما سيعمل اتحاد الطاقة الأوروبي أيضاً على جذب التمويل اللازم (في صورة منح ومساعدات من الصندوق الأوروبي للاستثمارات الاستراتيجية "EFSI") للقيام بالمشروعات المطلوبة في مجالات البنية التحتية للطاقة، خاصة أن معظم هذه المشروعات غير مجدٍ من الناحية التجارية رغم أهميته في تحقيق أمن الإمدادات وتعزيز التضامن بين دول الاتحاد الأوروبي.

لماذا الآن؟

رغم التعثر الشديد الذي واجه فكرة "اتحاد الطاقة الأوروبي" خلال العقود الماضية لأسباب متعددة، إلا أن هذه الفكرة تحظى حالياً بقوة دفع شديدة داخل العديد من دوائر صنع القرار الأوروبية؛ حيث تشهد العلاقات الأوروبية مع روسيا، المزود الأهم لأوروبا بالغاز الطبيعي، توتراً غير مسبوق نتيجة الأزمة الأوكرانية. ومن هنا، يتم النظر إلى هذا الاتحاد باعتباره الوسيلة الأمثل لتقليل الاعتماد الأوروبي على الإمدادات الروسية في هذا القطاع الحيوي.

وفي هذا الصدد، يشار إلى أن الإتحاد الأوروبي يستورد أكثر من نصف حاجاته من الطاقة من الخارج، و94% من وسائل النقل لديه تعتمدُ على المنتجات النفطية، ويتم استيراد 90% منها، بحسب مذكرة للمفوضية الأوروبية. ويشتري الإتحاد الأوروبي 300 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً لسد حاجاته الاستهلاكية بينها 125 مليار متر مكعب من مجموعة "جازبروم" الروسية بمفردها، ويمر نصف هذه المشتريات بأنابيب غاز أوكرانيا، وتمثل مشتريات الغاز من روسيا حوالي 39% من واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز، وتغطي 27% من حاجته الاستهلاكية.

من ناحية أخرى، يعتبر المراقبون الأوروبيون أن اتحاد الطاقة الأوروبي يعد أيضاً أحد الوسائل الفعالة من أجل الحدّ من الفاتورة الضخمة لمشتريات الطاقة في الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى توفير المناخ الملائم لنجاح المؤتمر العالمي المرتبط بتغير المناخ، والمقرر عقده في العاصمة الفرنسية باريس في نهاية العام الجاري. وفي هذا السياق، أكد رئيس المفوضية الاوروبية، أن انشاء اتحاد الطاقة الأوروبي سيوفر على المستهلكين في الاتحاد الأوروبي حوالي 40 مليار يورو سنوياً، خاصة وأن الاتحاد الاوروبي يستورد بأكثر من مليار يورو من منتجات الطاقة في اليوم الواحد.

من جهة أخرى، فإن اتحاد الطاقة الأوروبي من شأنه حفز الدول الأوروبية على زيادة التنسيق المشترك فيما يتعلق بالبحوث والاستثمار وترشيد الطاقة، وبالتالي مكافحة التغير المناخي. كما يضيف البعض أن هذا الاتحاد من شأنه أيضاً مساعدة أوروبا في التغلب على مصاعبها الاقتصادية، وتزويدها بالحافز الذي تحتاج إليه من أجل تعزيز تنافسية منتجاتها المختلفة، لاسيما وأن تكلفة التيار الكهربائي في أوروبا تزيد عنها في الولايات المتحدة بنسبة 40%، مما يقلل من تنافسية منتجات الاتحاد الأوروبي مقارنة بمثيلتها في الولايات المتحدة.

آثار متوقعة على الدول العربية

إن أحد الاهداف المهمة لاتحاد الطاقة الأوروبي هو تنويع موردي الغاز والنفط بالنسبة للدول الأوروبية، وبالتالي تقليل الاعتماد على الإمدادات الروسية. وهنا يثور التساؤل التالي: ما هي فرص وإمكانات استفادة الدول العربية من هذا الاتحاد لتزويد الأسواق الأوروبية بمزيد من النفط والغاز، لاسيما أن هذه الأسواق لا تعتمد بشكل قوي على مصادر الطاقة العربية؟

يعتقد العديد من المراقبين الأوروبيين أن عدداً من الدول العربية الغنية بالنفط والغاز سيكون لديها فرصاً كبيرة لتوريد المزيد من النفط والغاز ومصادر الطاقة الأخرى إلى اتحاد الطاقة الأوروبي في السنوات القادمة، مشيرين إلى أن ارتفاع تكاليف نقل مصادر الطاقة المختلفة من الولايات المتحدة وكندا، ومحدودية الاحتياطات النرويجية، إضافة إلى توقف مشاريع نقل النفط والغاز من وسط آسيا، سوف يدفع دول الاتحاد الاوروبي إلى ضرورة التوجه جنوباً، أي نحو أفريقيا والشرق الأوسط للحصول على المصادر المطلوبة لتلبية احتياجاتها من الطاقة؛ وهو الأمر الذي سيجعل الدول العربية المصدرة للغاز والنفط في مقدمة شركاء الاتحاد الأوروبي في الفترة المقبلة.

وهنا، تبدو الجزائر في مقدمة الدول العربية المرشحة لتزويد أوروبا بمزيد من الغاز على ضوء الاضطرابات المستمرة في ليبيا وغياب الاستقرار السياسي فيها. ولذلك لم يكن غريباً أن يؤكد عبد المالك سلال، رئيس الوزراء الجزائري، مؤخراً على أن "بلاده تأمل في إحياء عدة مشاريع مع الاتحاد الأوروبي في مجال الغاز الطبيعي"، مشيراً إلى أن "الجزائر اقترحت على الاتحاد الأوروبي التفكير في إعادة إطلاق مشروع أنبوب الغاز "جالسي" الذي من المفروض أن يربط الجزائر بإيطاليا عبر سردينيا". كما دعت الجزائر أيضاً الاتحاد الأوروبي للتفكير في بعث مشروع "تي إس جي بي" (الأنبوب العابر للصحراء) الذي ينطلق من نيجيريا نحو أوروبا عبر الجزائر، إضافة إلى مشروع "ديزرتك" بين الجزائر وألمانيا لإنتاج الكهرباء باستخدام الطاقة الشمسية في الصحراء الجزائرية ونقلها إلى أوروبا.

وبالنسبة لمصر والمغرب وتونس هناك جهود أوروبية من قبل الحكومات والشركات لإقامة مشاريع مشتركة في مجال الطاقة الشمسية من أجل تزويد الأسواق المحلية والتصدير إلى أوروبا.

وتأسيساً على ذلك، يمكن القول إن اتحاد الطاقة الأوروبي ربما يؤدي إلى تحول كبير في طبيعة العلاقات العربية ـ الأوروبية في الفترة المقبلة، لما له من تداعيات مهمة على قطاع الطاقة في الجانبين.