أخبار المركز
  • أحمد عليبة يكتب: (هاجس الموصل: لماذا يخشى العراق من التصعيد الحالي في سوريا؟)
  • محمود قاسم يكتب: (الاستدارة السريعة: ملامح المشهد القادم من التحولات السياسية الدرامية في كوريا الجنوبية)
  • السيد صدقي عابدين يكتب: (الصدامات المقبلة: مستقبل العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في كوريا الجنوبية)
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)

نهج تشاركي:

تقييم مبادرة "ترامب" لإدارة التنافس الدولي في إفريقيا

09 مايو، 2019


عرض: د. رغدة البهي، مدرس العلوم السياسية، جامعة القاهرة

على الرغم من الفرص الاقتصادية الواعدة بإفريقيا، تمحورت علاقة الولايات المتحدة بها حول المساعدات الأجنبية، التي بلغت تسعة مليارات دولار سنويًّا خلال السنوات العشر الماضية. وفي الوقت الذي عززت فيه دولٌ أخرى من وجودها الاقتصادي بالقارة؛ تراجع الدور الأمريكي بها إلى حد كبير. ومع ذلك، أطلقت إدارة "دونالد ترامب" في 13 ديسمبر 2018 مبادرة "ازدهار إفريقيا"، لفتح أسواق القارة أمام الشركات الأمريكية، وتمكين واشنطن من منافسة الصين والدول الأخرى التي تربطها بإفريقيا مصالح تجارية.

وفي هذا الإطار، تبرز أهمية التقرير الصادر عن المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية والدولية، والمعنون "المشاركة الاقتصادية الأمريكية في إفريقيا: جعل ازدهار إفريقيا واقعًا"، الصادر في أبريل الماضي، لكل من "دانييل راندي" (نائب مدير المركز)، و"رومينا باندورا" (زميلة مشروعي "الازدهار والتنمية" و"القيادة الأمريكية للتنمية" بالمركز). وقد ناقش التقرير تحديات وفرص المشاركة الأمريكية في القارة، ليقدم سلسلةً من التوصيات لصانع القرار لدفع المبادرة الأمريكية إلى الأمام.

السياق الإفريقي المتغير

يجادل الكاتبان بأن الأسواق الإفريقية تقدم فرصًا سانحةً أمام القطاع الخاص، وبخاصة في ظل استئثار المنطقة بمعدلاتٍ عاليةٍ من النمو الاقتصادي، واتساع قاعدة الطبقة الوسطى، وزيادة التحضر، وارتفاع معدلات النمو السكاني. ويشيران إلى تغير المشهد السياسي، والاقتصادي، والديموجرافي في القارة بشكلٍ مضطرد منذ التسعينيات من القرن المنصرم. ويضيفان أن ثورة التكنولوجيا سهّلت عملية التحول الديمقراطي من خلال مشاركة المعلومات، وتعزيز الاتصال ببقية دول العالم.

وعلى الصعيد الديموجرافي، يتوقع تضاعف عدد سكان إفريقيا بحلول عام 2050. كما يتوقع نمو الطبقة الوسطى من (350) مليون شخص إلى (1,1) مليار بحلول عام 2060. وقد توفر إمكانات السوق مزيدًا من الفرص الاقتصادية للاستثمار في البنية التحتية في القارة. وتتوقع الأمم المتحدة تضاعف عدد سكان إفريقيا بحلول عام 2050 إلى (2,5) مليار نسمة، أي ما يزيد عن (25%) من سكان العالم. 

وفي ظل التغذية الجيدة والرعاية الطبية، ترتفع معدلات الخصوبة، بينما تنخفض معدلات وفيات الرضع. ومع تنامي الطبقة الوسطى، يتوقع التقرير أن تتزايد فرص الاستثمار الأمريكي. لذا، يوصي بضرورة تعزيز التواجد الأمريكي في القارة بشكلٍ استباقي.

ويرى الكاتبان أن تلك المؤشرات تمثل فرصة اقتصادية، شريطة أن تتوفر فرص التعليم والتوظيف المناسبة للأجيال الشابة. لكنهما يشيران إلى احتمالات أن تزيد معدلات البطالة المرتفعة من عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي. ففي نيجيريا على سبيل المثال، يجب توفير مليوني فرصة عمل سنويًّا حتى عام 2025. 

ويتحدث التقرير عن قدرة الولايات المتحدة من خلال التجارة، والاستثمارات، وبناء القدرات، على أن تساعد البلدان الإفريقية في تطوير القطاع الخاص، لخلق مزيد من فرص العمل للشباب. فمنذ نهاية القرن العشرين، اجتذبت القارة الاستثمارات الأجنبية من الشركاء الدوليين. كما اتجهت بعض دولها، مثل: كينيا، ونيجيريا، وغانا، وبوتسوانا، وغيرها إلى الأسواق الدولية.

آفاق التواجد الأمريكي 

أوضح الكاتبان كيف أصبحت الصين أكبر شريك تجاري لإفريقيا في عام 2016، حيث بلغ حجم التجارة الثنائية بينهما ثلاثة أضعاف التجارة بينها وبين الولايات المتحدة. كما قدمت بكين قروضًا بلغت قيمتها (87) مليار دولار بين عامي 2013 و201٧. وعلاوة على ذلك، أعلنت عن إنشاء أول قاعدة عسكرية لها في إفريقيا في أبريل 2016. وعلى الرغم من ذلك يرى التقرير أن النهج الاقتصادي الصيني قد يتسبب في تزايد الضغوط الاقتصادية والاجتماعية على الدول الإفريقية التي لن تتمكن من تحمل أعباء الدين لصالح بكين.

ويشير التقرير إلى أنه في عام 2016 بلغت صادرات الولايات المتحدة إلى إفريقيا أدنى مستوى لها منذ 10 سنوات، ولا تشكل إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى الآن سوى (0,9%) من إجمالي صادراتها. ولهذا يرى الكاتبان أن من شأن تواجدها في إفريقيا أن يتزايد بالنظر إلى جملةٍ من الأسباب؛ يتمثل أولها في الوجود العسكري الأمريكي في القارة الذي ساهم في دعم جهود السلام والاستقرار بها. فعلى الرغم من وجود قاعدة عسكرية أمريكية رسمية واحدة في القارة؛ إلا أن الجيش الأمريكي لديه ما يقرب من (6) آلاف جندي في إفريقيا لتنفيذ ما يقرب من (100) مهمة في (20) دولة إفريقية.

ويتصل ثانيها ببرامج التنمية والإنفاق الأمريكي على المساعدات الخارجية؛ حيث تحتل الولايات المتحدة المرتبة الأولى بين دول لجنة المساعدات الإنمائية التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) على صعيد المساعدة الإنمائية الرسمية الثنائية الإجمالية لإفريقيا جنوب الصحراء.

ويرتبط ثالثها بالشتات الإفريقي في الولايات المتحدة؛ حيث يشكل الأفارقة (4,8%) من المهاجرين للولايات المتحدة. كما تزايد عدد الطلاب الأفارقة في الجامعات الأمريكية بنحو (75%) بين عامي 1999 و2015. وخلال العام الدراسي 2017-2018، استضافت الولايات المتحدة ما يقرب من 40 ألف طالب جامعي من إفريقيا جنوب الصحراء.

ومن المحتمل كذلك أن يتوسع النشاط السياحي الأمريكي في إفريقيا خلال العقد المقبل، وذلك في ظل تنامي التوقعات بتزايد عدد السائحين ليصل إلى (85) مليون سائح بحلول عام 2020. وقد أحيطت شركات الفنادق الأمريكية والأوروبية مثل: هيلتون، وماريوت، وشيراتون، وراديسون بلو علمًا بذلك. واتجهت بالفعل إلى بناء عشرات الفنادق الجديدة في إفريقيا. 

المبادرات الأمريكية

في 18 مايو 2000، أصدرت الولايات المتحدة قانون الفرص والنمو في إفريقيا ((AGOA ليسمح لما يزيد عن (40) دولة إفريقية بحُرّية الدخول للأسواق الأمريكية. وقد جددت الحكومة الأمريكية القانون مرتين حتى عام 2025. ويتطلب القانون الوفاء بعددٍ من المتطلبات التي يتحتم على الدول الإفريقية الوفاء بها، بما في ذلك: تعزيز اقتصاد السوق، وتنفيذ أحكام القانون، وإزالة الحواجز أمام التجارة والاستثمار، والحد من الفقر، ومكافحة الفساد والرشوة، وحماية حقوق العمال.

وبموجبه، اتسعت المعاملات المعفاة من الرسوم الجمركية، وارتفعت معدلات التجارة السلعية بين الولايات المتحدة وإفريقيا جنوب الصحراء الكبرى من (29,4) مليار دولار في عام 2000 إلى (39) مليار دولار في عام 2017.

كما قدمت خطة الرئيس الأسبق "جورج دبليو بوش" الطارئة للإغاثة من الإيدز (PEPFAR) خدمات لاختبار فيروس نقص المناعة البشرية لنحو (95) مليون شخص في عام 2018. وساعدت في تدريب أكثر من (270) ألف عامل في مجال الرعاية الصحية. وفعّلت الشراكة بين حكومة الولايات المتحدة، ومعهد كينيا للأبحاث الطبية، وأربع شركات كينية تقدم خدمات الرعاية الصحية لحوالي (16) ألف عامل وأسرهم.

وتعددت مراكز التجارة والاستثمار التابعة للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في إفريقيا منذ أوائل العقد الأول من القرن العشرين. وتعمل تلك المراكز على تقليل تكلفة ومخاطر التجارة في إفريقيا، من خلال إنشاء بيئة أعمال إفريقية مستقرة، على نحوٍ يوفر الفرص الاقتصادية للشركات والعمال الأمريكيين، ويقلل من التطرف والهجرة غير النظامية.

وأنشأ الكونجرس في يناير 2004 "مؤسسة تحدي الألفية" (MCC)، وهي وكالة ثنائية للمساعدات الخارجية لها مقاربة مختلفة عن كل من: وزارة الخارجية، والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية. حيث تقوم باختيار البلدان الشريكة بشكلٍ تنافسي بناءً على (17) مؤشرًا من قبيل: الحريات المدنية، وسيادة القانون، والسيطرة على الفساد، والسياسة التجارية، والجودة التنظيمية، وغيرها.

رؤية لازدهار إفريقيا

سلط الكاتبان الضوء على القيود التي عدّدها مجتمع الأعمال الأمريكي، والتي تقوض الاستثمار في القارة، وذلك على الرغم من وجود فرصٍ اقتصادية غير مستغلةٍ بها، وتتمثل تلك القيود فيما يلي:

أولًا- غياب السياسات التجارية الملائمة: مما يتطلب تعديل قوانين الاستثمار، لخلق بيئة استثمار جاذبة وشفافة، تحمي حقوق الملكية، وتقضي على عدم التمييز، وتلغي القيود المفروضة على الملكية الأجنبية، وتحارب الفساد. كما يجب تشجيع البنوك الأمريكية على العمل في إفريقيا، وبدونها قد يحجم عددٌ من الشركات الأمريكية عن الاستثمار فيها. 

ثانيًا- قصور البنية التحتية: خاصة فيما يتصل بالنقل، والموانئ، والمطارات، والطرق، والسكك الحديدية، والتي تعد مكونًا مهمًّا لسلاسل التوريد.

ثالثًا- تراجع إنتاجية العمل: تُعد الاستثمارات في تنمية رأس المال البشري والقوى العاملة -من خلال برامج التعليم والتدريب في المجالين التقني والمهني- للشباب ضرورةً للقوى العاملة المنتجة. وعليه، يتعين على الحكومات الإفريقية أن تعالج تلك القضايا بالشراكة مع مختلف الجهات المانحة، لتهيئة الفرصة للشركات الأمريكية.

رابعًا- دعم مبادرة ازدهار إفريقيا: فمن خلالها يمكن للولايات المتحدة أن تحل محل الصين وروسيا. ومع ذلك، تتطلب تلك المبادرة تعزيز النهج التشاركي. وهو ما يميز النموذج الاقتصادي لواشنطن عن بكين التي توفر الأموال ولا تقدم حلولًا مستدامة.

وعليه، يقترح الكاتبان نشر مقاربة الحكومة الأمريكية تجاه إفريقيا على نطاقٍ واسع من قبل: السفراء، وصناع السياسة، والبيت الأبيض؛ لتسليط الضوء على القيم الأمريكية، مع وضع هدفٍ واقعيٍ وطموح للتجارة غير النفطية. وبالنسبة للاستثمار، يجب أن تحفز الولايات المتحدة رجال الأعمال على زيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة، خاصة في البنية التحتية.

مجالات التركيز:

تتعدد المجالات الواعدة التي يجب اعتبارها محور تركيز مبادرة ازدهار إفريقيا، ومنها: تطوير الخدمات التجارية، وإعطاء الأولوية للاستثمار في البنية التحتية، والاتصالات السلكية واللا سلكية، وتمرير اتفاقات التجارة الإقليمية. كما يعد تطوير القطاع الخاص، وتعزيز روح المبادرة في إفريقيا، عنصرين أساسيين لخلق فرص العمل للشباب. 

وجدير بالذكر أن الدول الإفريقية تعتمد على الصين في مجالي الاتصال والتكنولوجيات الناشئة. ولذا، يمكن الاستفادة من مؤسسة تمويل التنمية الأمريكية U.S. Development Finance Corporation الجديدة لتحديد أولويات الاستثمارات الأمريكية في قطاع الاتصالات في إفريقيا. كما يمكنها العمل مع الشركات الأمريكية والأوروبية واليابانية لتقديم بديل عن شبكات الجيل الخامس الصينية.

ويجب عليها إعطاء الأولوية لاتفاقيات التجارة الحرة مع بعض الدول الإفريقية؛ فقد تفاوضت الولايات المتحدة على معاهدة استثمار ثنائية واحدة مع رواندا، وأخرى للتجارة الحرة مع المغرب. ومنذ عام 2008، أبرمت اتفاقية تعاون للتجارة والاستثمار والتنمية (TIDCA) مع الاتحاد الجمركي لإفريقيا الجنوبية (SACU). وقد ساعد ذلك في وضع اللبنات الأساسية للاتفاقات التجارية في المستقبل.

ختامًا، شجعت الدول الإفريقية الاستثمار في البنية التحتية، والتجارة، والابتكار، والقطاع الخاص. وقد أدركت الدول الصناعية الأخرى تلك التحولات. ففي الوقت الذي تتدفق فيه المساعدات والقروض الصينية الضخمة، تستخدم الدول الأوروبية والآسيوية الأخرى الدبلوماسية التجارية. أما الولايات المتحدة، فيتعين عليها تحديد أهداف ومجالات المشاركة الاقتصادية، ووضع آليات لتنفيذ ذلك، وإلا تحولت مبادرة "ازدهار إفريقيا" إلى بيانٍ للنوايا الحسنة. 

المصدر:

Daniel F. Runde, Romina Bandura, U.S. Economic Engagement in Africa: Making Prosper Africa a Reality, Center for Strategic & International Studies, April 26, 2019