أخبار المركز
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (المعضلة الروسية: المسارات المُحتملة لأزمات الانتخابات في جورجيا ورومانيا)
  • إسلام المنسي يكتب: (جدل الوساطة: هل تخلت سويسرا عن حيادها في قضايا الشرق الأوسط؟)
  • صدور العدد 38 من دورية "اتجاهات الأحداث"
  • د. إيهاب خليفة يكتب: (الروبوتات البشرية.. عندما تتجاوز الآلة حدود البرمجة)
  • د. فاطمة الزهراء عبدالفتاح تكتب: (اختراق الهزلية: كيف يحدّ المحتوى الإبداعي من "تعفن الدماغ" في "السوشيال ميديا"؟)

قوة "التغريد":

التأثيرات المزدوجة لـ"تويتر" في الرأي العام الخليجي

02 يناير، 2017


يشكل موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" منصة إلكترونية رائجة بين مواطني دول الخليج العربي، الأمر الذي خلف تأثيرات عديدة في مجتمعات هذه البلدان. بعض هذه التأثيرات بدا مرتبطًا بدور الإعلام الإلكتروني في تشكيل رأي عام عبر فضاءات اجتماعية افتراضية تناقش قضايا الواقع، فيما ارتبط بعضها الآخر بخصوصيات مجتمعات الخليج العرب، ومنظومته القيمية التي تتباين مع بعض ما حمله إليها موقع تويتر.

ويشير تقرير الإعلام الاجتماعي العربي 2017 الصادر عن كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية إلى تصدر المملكة العربية السعودية دول مجلس التعاون الخليجي وكذلك العربية من حيث عدد مستخدمي تويتر. ويلي ذلك على الصعيد الخليجي، الإمارات، والكويت، وقطر، والبحرين، ثم سلطنة عمان، وفق التقرير نفسه (**). 

كما يأتي تويتر ضمن أكثر المواقع شعبية بدول مجلس التعاون الخليجي وفق مؤشرات موقع ألكسا العالمي في 30 ديسمبر 2016. ففيما يحتل المركز الـ11 بين أكثر المواقع التي يزورها الكويتيون، يأتي في المرتبة 12 بالسعودية، و20 بقطر، و24 بالإمارات، و26 بعُمان، و27 بالبحرين.

تفسيرات الانتشار

تتباين التفسيرات بشأن أسباب انتشار تويتر في دول مجلس التعاون الخليجي؛ إذ يُرجع البعض ذلك إلى انتشار استخدام الهواتف الذكية فيها التي بلغت الأعلى في العالم. ففي الإمارات بلغت تلك النسبة 73.8%، وفي السعودية 72.8%، وفق دراسة لشركة آب ميكر عام 2015. أضف إلى ذلك ما يتمتع به تويتر من مرونة وسهولة في الاستخدام، وتلاؤمه مع الطبيعة النقالة التي تُمكِّن مستخدميه من التغريد عن الأحداث والأنشطة العامة، بالإضافة إلى أن الموقع يمنح مستخدميه حرية التعبير عن أنفسهم دون تقييد مع ضعف منظومة الإعلام التقليدية، فضلا عن تزايد معدلات انتشار الإنترنت وارتفاع المستوى المعيشي الذي يسمح بامتلاك أدوات التكنولوجيا وانتشار الثقافة التقنية.

ومن الصعب الوصول إلى تفسير جازم بشأن أسباب انتشار تويتر، إلا أن هناك عوامل ترتبط بخصائص موقع تويتر وطريقة استخدامها في دول الخليج العربى، ومن أبرزها:

أولا- فعالية تويتر في قضايا النقاش العام: إذ إن مزايا السرعة والانتشار والوسوم والتبادل الشبكي تُعد أقوى في تويتر مقارنةً بفيسبوك على سبيل المثال، ما يجعله مثاليًّا في شن الحملات، والدعاية الانتخابية، ونشر الأخبار العاجلة، وهو ما قد يُفسر رواجه مثلا بالكويت التي تتمتع برواج سياسي في ظل الفعاليات الانتخابية والأزمات المتواترة بين الحكومة ومجلس الأمة، ونشاط التكتلات والتجمعات السياسية، وغيرها من الأنشطة التي تمنح مجالها العام رواجًا يجد في تويتر مساحة نشطة للتفاعل والنقاش.

ثانيا- سياسات النشر وإنشاء الحسابات الجديدة: فبينما يعتمد فيسبوك سياسات صارمة تجاه استخدام الأسماء المستعارة فيما عرف بـ"سياسة الاسم الحقيقي" Real-name policy، سمح تويتر بإنشاء حسابات بأسماء مستعارة لا تُظهر الهوية الحقيقية لمستخدميها، وهو ما وفر بيئة آمنة للبدء في استخدام وسيلة جديدة تقوم على التواصل والانفتاح والتبادل في بيئات اجتماعية محافظة، فيما كانت وسائل الإعلام الاجتماعي غير مألوفة بعد.

ثالثا- الطابع الأكثر عمومية للحساب على تويتر، ما يجعله أشبه بصفحة عامة يمكن قراءة تغريداتها عبر "المتابعة"، وليس "الصداقة" كما الحال في فيسبوك، أي إن المستخدم يمكنه إنشاء حساب باسم مستعار ينشر عليه ما يريد ويتابعه الآلاف، دون الحاجة إلى إنشاء "صداقات" أو التواصل الشخصي. وقد كان ذلك الإطار مثاليًّا لبدء تبني الأدوات الجديدة للإعلام الاجتماعي في بيئات محافظة ذات قيم تقليدية. وعلى الرغم من الانتشار اللاحق للإعلام الاجتماعي، ظل تويتر مستحوذًا على حصة من سوق المستخدمين وفق قاعدة ريادة الأسواق المعروفة First-mover advantage.

أنماط الاستخدام

يتمتع تويتر بمجموعة من الأدوات للتغريد والتعليق والمتابعة والنشر بالنص والصورة وكذلك الفيديو، وهو ما أتاح مساحة واسعة للتعبير أمام مجتمعات الخليج العربى التي اتجهت لاستخدام تلك الأدوات على اختلافها، ما أفرز عددًا من الظواهر التي تجاوزت حدود "الحساب الشخصي"، وعبرت عن الطرق التي استخدم بها مواطنوا الخليج العربى تويتر، والتي نرصد منها:

أولا- التجمعات الافتراضية الخليجية: وضع Howard Rheingold مصطلح "المجتمعات الافتراضية" عام 1993 مع بداية ظهور ما يسمى التواصل عبر الحواسب computer-mediated communication (CMC)، والذي تطور بسرعة على مدار العشرين عامًا الأخيرة ليشهد قفزة واضحة بظهور تقنيات web 0.2 التي أتاحت للمستخدمين إمكانية إضافة المحتوى، أو ما يُطلق عليه User Generated Content (UGC) الذي تعد شبكات التواصل الاجتماعي Social networks من نواتجه الرئيسية.

وبرغم أن تويتر قائم على فكرة الحساب فقط دون إنشاء مجموعات أو صفحات مثل فيسبوك؛ فإن تويتر شهد إنشاء حسابات لا تعبر عن أفراد، ولكنها تُعبِّر عن تجمعات تتشارك اهتمامات أو مصالح معينة، مثل حسابات "سعوديون في أمريكا" للمغتربين، أو "مؤلفون كويتيون" للكتاب، و"شباب قطر ضد التطبيع"، وهي كلها حسابات تعمل على فتح قناة للتواصل والتبادل الفكري والمعرفي والتعاون بين أفراد هذا التجمع عبر وسيلة للتواصل الافتراضي.

ثانيا- نشطاء التغريد: وهم من يسمون بالمستخدمين المؤثرين Influencers الذين تحظى حساباتهم بأعداد كبيرة من المتابعين ومعدل نشط من التفاعل عبر التعليق والإعجاب وإعادة النشر، سواء كان هؤلاء "المؤثرون" من الشخصيات العامة المعروفة بالفعل والتي تستخدم الموقع للتواصل مع الجمهور مثل رجال الدين والفنانين والسياسيين، أو ممن وجدوا ذلك الذيوع والانتشار عبر تويتر مثل مشاري بويابس بالكويت الذي ينشر تغريدات ناقدة سياسيًّا واجتماعيًّا ويتابعه 101 مليون شخص، وأبو عسم الذي لاقى انتشارًا إبان الانتخابات الكويتية ويتابعه 224 ألفًا، وحامد البراشدي بسلطنة عمان الذي يغرد عن موضوعات مختلفة ويتابعه 406 آلاف مستخدم.

ثالثا- مصادر الأخبار البديلة: على الرغم من امتلاك المؤسسات الإعلامية التقليدية حسابات على تويتر يتابعها الآلاف، فإن ذلك لم يمنع من انتشار حسابات على تويتر متخصصة في نشر الأخبار، وهي حسابات بلا مواقع، أي إنها لا تحيل القارئ لموقع تابع لها، كما أنها غير تابعة لأية وسيلة إخبارية تقليدية. وتوفر تلك الحسابات مصادر سريعة للحصول على الأخبار، كما أنها قد تكون -في بعض الأحيان- مصدرًا لنشر الأخبار التي لا تقع على أجندة اهتمامات الوسائل التقليدية، سواء لأسباب سياسية أو لاهتمامها بنطاقات جغرافية محلية لا تعيرها وسائل الإعلام التقليدية المركزية انتباهها، ومنها: حساب "أخبار عمان" ويتابعه 594 ألفًا، و"شئون إماراتية" الذي يتابعه 34 ألف شخص ويضع شعار "ننقل لكم بصدق ما لا تنقله وسائل الإعلام"، و"جدة الآن" الذي يتابعه 1.7 مليون شخص، و"هاشتاج السعودية" الذي يتابعه 7.5 ملايين. كما لا يقتصر الأمر على الأخبار السياسية والمحلية، وإنما يمتد للمضمون المتخصص الذي تقدمه الحسابات بشكل جذاب ويتفاعل مع احتياجات المتابعين بشكل فوري، مثل الحساب الكويتي "للنساء فقط" الذي يتابعه 509 آلاف مستخدم.

رابعا- الحملات الإلكترونية: يُعد الوسم أو الهاشتاج في تويتر أداة فعالة لجمع المستخدمين للتغريد من أجل قضية أو موضوع بعينه، وهو ما لم يستخدمه مواطنوا الخليج العربى للتعبير عن مواقف سياسية فحسب، وإنما قد يكون لرفض قرارات اقتصادية مثل حملة الكويتيين (#نرفض_زيادة_البنزين) لرفض تسعيرة البنزين الجديدة في أغسطس 2016، وكذلك حملات لجمع التبرعات وجهود التطوع، لا سيما عند الحالات الطارئة، وهو ما حدث -على سبيل المثال- في إطلاق حملات سعودية لنجدة المتضررين من السيول في تبوك عبر تويتر تحت هاشتاج (#تبوك_مثل_جدة) إبان السيول التي اجتاحت منطقة تبوك عام 2013.

على الصعيد نفسه، تم استحداث أساليب مبتكرة للتعبير عن التضامن، ومنها استخدام صورة أو شعار موحد في مكان الصورة الشخصية Profile photo، للتعبير عن موقف معين، وهو ما حدث بين مستخدمي تويتر المتضامنين مع حملة "تبوك مثل جدة" لإغاثة متضرري السيول.

خامسا- التسويق الانتخابي: وفر تويتر وسيلة رخيصة وشعبية وسريعة للتواصل مع قاعدة عريضة من مستخدميه الذين ينتمون للفئة العمرية الأقل سنًّا بالأساس، وهو ما مثَّل فرصة جيدة للتكتلات السياسية والمرشحين في الفعاليات الانتخابية. وقد كان تويتر أحد السمات المميزة لانتخابات مجلس الأمة الكويتي في نوفمبر الماضي؛ حيث استخدمه المرشحون ليس فقط للترويج لبرامجهم السياسية والتواصل السياسي، وإنما لشن الحملات للهجوم والنيل من خصومهم السياسيين أيضًا، وهو ما أثار انتقادات بسبب نشر الأكاذيب والشائعات.

وقد أشار الدكتور محمد الرميحي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة الكويت، في مقاله "تويتر والانتخابات الكويتية" بصحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية يوم 10 ديسمبر 2016، إلى تأثير تويتر في الانتخابات لتسويق البعض وتشويه البعض الآخر، ولكنه نوه أيضًا إلى دوره المستقبلي في توفير أداة لمراقبة هؤلاء المرشحين فيما بعد.

سادسا- العرائض الإلكترونية: وهي البيانات التضامنية التي يُطلقها المستخدمون عبر حملات منظمة تسعى لجمع التوقيعات الإلكترونية للمستخدمين لدعم قضية بعينها، وهي التوقيعات التي تكون بملء استمارات إلكترونية أو مواقع مخصصة لهذا الغرض مثل Avaaz أو Ipetition. ومن أمثلة تلك العرائض، ما أطلقه سعوديون تحت هاشتاج (#سعوديون_ضد_التطبيع) في أغسطس 2016 لمناهضة التطبيع، والمطالبة بمعاقبة المخالفين، والتي يمكن للمستخدمين الموافقة عليها بتسجيل بياناتهم عبر استمارة إلكترونية.

سابعا- التغريد الحكومي: مع انتشار تويتر بين مواطنى الخليج العربى، وخاصة قطاع الشباب، اتجهت المؤسسات الحكومية وكذلك المسئولون بالدولة إلى إنشاء حسابات لهم على تويتر يتواصلون من خلالها مع الجمهور، وينشرون كذلك البيانات والتعليمات والأخبار، وهو ما أتاح قناة جيدة للتفاعل المباشر بين الحكومة والمواطنين.

ففي الإمارات، يحتل حساب سمو الشيخ محمد بن راشد رئيس الوزراء، المركز الأول بين الحسابات الإماراتية من حيث عدد المتابعين بإجمالي 7.2 ملايين متابع، وفق موقع "سوشيال بيكرز" المتخصص في إحصاءات منصات التواصل الاجتماعي. وفي السعودية، قامت المملكة بنشر خطتها المستقبلية 2030 على موقع تويتر، وثار حولها نقاش شارك فيه نحو 190 ألف مستخدم نشروا 860 ألف تغريدة، وفق شركة "شيميوكاست" الفرنسية التي وصفت الأمر بأنه قدَّم "نقاشًا برعاية حكومية". 

وعلى الرغم من الدور الإيجابي لذلك "التغريد الحكومي" فإنه واجه بعض الانتقادات نظرًا لغياب التفاعل أحيانًا على تلك الحسابات، واتباعها سياسة النشر من جانب واحد، وهو ما رصده تقرير نشرته صحيفة "المدينة" السعودية في أبريل 2016، قام بتحليل مضمون حسابات مؤسسات حكومية بالمملكة.

ثامنا- التغريدات الإعلانية: على الرغم من أن إحدى الميزات الرئيسية لتويتر هي كونه ساحة حرة للنقاش العام، إلا أن الإعلانات التجارية بل والسياسية وجدت طريقها إلى الحسابات التي تحظى بمتابعات مليونية، لا سيما في الفترات الانتخابية. فقد شهدت الانتخابات الكويتية ظاهرة تقاضي المغردين أجورًا نظير النشر لصالح مرشح بعينه، وهي الأجور التي وصلت إلى 8 آلاف دينار نظير 20 تغريدة، وفق تقرير لقناة "العربية" إبان انتخابات مجلس الأمة عام 2013.

وقد تكرر الأمر ذاته في الانتخابات الكويتية 2016، ولو بوتيرة أقل، إذ أشار تقرير لصحيفة "القبس" يوم 6 نوفمبر 2016 إلى ظاهرة الإعلانات الانتخابية على حسابات تويتر، بل وقيام بعض المستخدمين بشراء متابعين وهميين لزيادة عدد متابعيهم لرفع السعر، وهو ما أشارت الصحيفة إلى أنه لا يتوقف على التغريدات الإعلانية فحسب، وإنما يمتد لإطلاق الاستفتاءات عبر سؤال متابعيهم عن مرشح ما، وحظوظه في الانتخابات، أو عن قضية معينة ورأيهم في موقف بعض المرشحين منها، وهي الاستفتاءات التي تتحدد بناءً على ارتباط المرشح بعقد إعلاني مع الحساب الذي أطلقها، وفق الصحيفة.

وفي البحرين، بلغت كلفة التغريدة الإعلانية التجارية الواحدة للحسابات التي يقل عدد متابعيها عن مائة ألف ما بين ألفين إلى خمسة آلاف ريال، فيما ترتفع تكلفة الإعلان إلى 20 ألف ريال للحسابات المليونية، وفق تقرير لصحيفة "الحياة" اللندنية في 9 فبراير 2016، كما نشر موقع "العربية" تقريرًا في 16 يناير 2014 قال إن إحدى شركات التسويق بالسعودية تمنح رواتب شهرية لنحو 9000 مغرد على تويتر يتجاوز عدد متابعيهم 30 مليونًا.

تاسعا- التغريد دون هوية: على الرغم من عدم وجود إحصاء بشأن عدد الحسابات التي تحمل أسماء مستعارة، أو نسبتها إلى إجمالي حسابات تويتر في دول الخليج العربى، فإن العديد من التقارير أشارت إلى ذيوع تلك الظاهرة، وهو التخفي الذي قد يعود لأسباب اجتماعية أو سياسية، وكذلك لأسباب غير أخلاقية كتوجيه السب والقذف.

تحولات إيجابية

تُشير نظريات التغير الاجتماعي والثقافي إلى التكنولوجيا من حيث كونها تمثل نزوع الإنسان إلى الاختراع واستخدام المعرفة والعلم لصناعة الأدوات والاستفادة من الموارد الطبيعية، باعتبارها عاملا هامًّا من عوامل إحداث ذلك التغيير. وتعبر وسائل الإعلام الاجتماعي عن تغير تكنولوجي أسهم في إحداث تغيرات اجتماعية، أو على الأقل تهيئة الواقع لإحداثها. وبالنظر إلى تداعيات استخدام تويتر كجزء من تلك الوسائل في مجتمعات الخليج العربى، يمكن الوقوف على مجموعة من النقاط التي تؤشر إلى تحولات إيجابية، تتمثل في:

أولا- تعزيز المجال العام: يُشير مصطلح المجال العام الذي نظّر له عالم الاجتماع الألماني يورغن هابرماس، إلى الفضاء الذي يتبادل فيه الناس أفكارهم وآراءهم، إذ يصفه جوسيف إرنست بأنه فضاء مطرد ومميز Distinctive discursive space يندمج فيه الأفراد كقوة سياسية تشمل النخبة والعامة معًا. وقد أدت وسائل التواصل الاجتماعي، ومنها تويتر، إلى تعزيز ذلك النطاق. إذ حدد بروفيسور الإعلام والاتصال بجامعة لوند السويدية بيتر ديلجيرين، ثلاثة أبعاد للمجال العام، وهي: البعد البنيوي الذي يتصل بالمؤسسات الرسمية، والبعد التمثيلي المرتبط بمخرجات وسائل الإعلام، والبعد التفاعلي الخاص بتمثيل المواطنين في وسائل الإعلام وكذلك النقاشات التي تدور بينهم. وقد أثر تويتر على الأبعاد الثلاثة عبر خلق قنوات جديدة للتواصل بين المؤسسات العامة والإعلام والمواطنين من ناحية، وبين المواطنين وبعضهم بعضًا من ناحية أخرى، وهو ما أدى في مجموعه إلى تعزيز النقاش المجتمعي حول القضايا العامة، وتعزيز نوعٍ من العلاقة التفاعلية القائمة على النقاش والحوار، عملت على تحويل علاقة الفرد بالمجال العام من مجرد متلقٍّ سلبي إلى فاعلٍ إيجابي داخل مناخ عام تعلو فيه أهمية رؤى المواطنين.

ثانيا- تعديل أجندة الاهتمامات: فإذا كانت وسائل الإعلام التقليدية تقدم أجندة القضايا التي تتسق مع توجهاتها، فإن تويتر يُتيح نافذة لطرح نقاشات جديدة تقدم أجندة قضايا أكثر اتساقًا مع اهتمامات واحتياجات مستخدميه، وبما أثّر على ما يطرحه الإعلام التقليدي، الأمر الذي عزز في مجمله أجندة القضايا المطروحة، ودفع بموضوعات من الظل إلى بؤرة الاهتمام العام في ظل تواجد اللاعبين كافة على منصة التغريد.

وقد أشارت الباحثة جين كينينمونت في ورقتها الصادرة عن معهد تشاتام هاوس في فبراير 2013 بعنوان "إلى أي مدى يغير تويتر مجتمعات الخليج العربى" إلى أن هذا الموقع جزءٌ من إعادة توزيع السيطرة على المعلومات من الحكومات إلى الأفراد، لا سيما الشباب، حتى عندما لا يتم استخدامه لأغراض سياسية فإن له أثرًا في العلاقة بين الدولة والمجتمع وكذلك بين الأجيال المختلفة، في ظل عدم القدرة على احتكار وسائل الإعلام.

ثالثا- التواصل مع الشباب: يُشير تقرير جامعة نورثويسترن بقطر لاستخدامات الإعلام لعام 2015 إلى أن 50% ممن يستخدمون تويتر في الشرق الأوسط تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عامًا، وهو ما يتفق مع دراسة لـ"آي مينا ديجيتال" قالت إن الشباب في نفس الفئة هم الأكثر استخدامًا لتويتر بالسعودية. وتكشف تلك النتائج عن أهمية تويتر في التواصل مع تلك الفئة العمرية التي هجرت وسائل الإعلام التقليدية إلى وريثتها الرقمية.

رابعا- استكشاف توجهات الرأي العام: إذا كانت استطلاعات الرأي تستغرق وقتًا طويلا، والفعاليات الاحتجاجية ذات تكلفة مجتمعية واقتصادية، فإن تغريدات تويتر وغيرها من التدوينات على شبكات الإعلام الاجتماعي توفر فرصة لاستشعار الأزمات واستكشاف الآراء وتحقيق التواصل السريع مع المواطنين، دون استغناء أو تخلٍّ عن الوسائل التقليدية كالاستطلاعات واللقاءات وغيرها، إلا أن الإعلام الاجتماعي يمتاز عنها في توفير مؤشرات لحظية تسهل مراقبتها والتفاعل معها، مع إغفال أنه لا يُمثل سوى مستخدميه.

خامسا- تنمية رأس المال الاجتماعي: ارتبط مصطلح رأس المال الاجتماعي بالنواتج الإيجابية للتفاعلات التبادلية بين عضوين أو أكثر في المجتمع، بدءًا من الأسرة حتى كبرى المؤسسات التنظيمية. وعلى الرغم من التركيز على المؤسسات التقليدية في هذا الشأن، إلا أن الروابط التي خلقتها وسائل التواصل الاجتماعي أسهمت في تعزيز تلك التفاعلات، وهو ما يُمكن الاستدلال عليه بوضوح في استخدام تويتر بحملات الخير والتطوع، والحسابات الشخصية التي يستخدمها أصحابها لدعوة المتابعين للمشاركة في نشاطات اجتماعية وطوعية بعينها، وكذلك الوسوم التي تنطلق لتعزيز المشاركة الفعلية في أنشطة مجتمعية حتى ولو عبر وسيلة افتراضية.

تأثيرات معاكسة

في مقابل تلك الإيجابيات التي تُعزز قيم الحوار والتواصل والمشاركة، فإن انتشار تويتر وغيره من منصات التواصل الاجتماعي أثارت عدة مخاوف في ظل ما أفرزته ممارسات الواقع من ظواهر، وهي التداعيات السلبية التي نرصد منها:

أولا- نشر الشائعات: يُتيح الطابع الشبكي لتويتر فرصة لانتشار الشائعات ككرة الثلج، خاصة في فترات الأزمات، ما يجعلها من أبرز التداعيات السلبية لانتشاره، وتتزايد مخاطر انتشار الشائعات بالنظر إلى ظاهرة الحسابات المستعارة التي يغرد أصحابها دون إظهار هوياتهم. وعلى الرغم من انحصار تلك الظاهرة مع ربط تلك الحسابات بأرقام الهواتف، وربط الأخيرة بالهويات الوطنية في ظل مساعٍ لتوثيق كافة خطوط المحمول المتداولة في السوق الخليجية، إلا أن تلك الحسابات لا تزال موجودة، بل ولا يزال لدى بعضها ملايين المتابعين، وهو ما لا ينبغي أن تتجاوز مواجهته حدود الملاحقة القانونية التي تُعاني هي الأخرى من إشكاليات، وإنما يمتد إلى بناء آلية جادة وفعالة لمواجهة الشائعات تستخدم الأدوات ذاتها في التواصل مع الجمهور. 

وهنا، برزت مبادرات غير رسمية للتوعية والمكافحة تمثلت في حساب "هيئة مكافحة الإشاعات" بالسعودية، وهي ليست هيئة بالمعنى المؤسسي ولكنها مبادرة أطلقها  المهندس ريان عادل عبر حسابه الشخصي في أغسطس 2010، ثم أنشأ لها حسابًا خاصًّا بات عدد متابعيه حاليًّا 723 ألف شخص.

ثانيا- إعلام الجماعات الإرهابية: وجدت التنظيمات المتطرفة في وسائط الإعلام الرقمي المفتوحة -مثل تويتر- قناة إعلامية تبث من خلالها أخبارها، وتعلن انتصاراتها، بل وتجند أتباعًا جددًا، على غرار إعلان تنظيم "ولاية نجد" التابع لتنظيم "داعش" مسئوليته عن الهجوم على مسجد الصادق بالكويت عبر حساب له على تويتر في يوليو 2015. وقد أثار نشاط المتطرفين على الموقع جدلا في يناير 2016 إثر رفع أرملة أمريكي مات زوجها في اعتداء إرهابي بالأردن دعوى قضائية ضد تويتر بتهمة توفير منصة للدعاية الإرهابية وتقديم الدعم للإرهابيين بمنحهم وصولا حرًّا لنشر رسائلهم وتجنيد عناصر وجمع أموال، وهو ما دفع الموقع للرد والتأكيد على اتباع سياسات أكثر صرامة تجاه المحتوى المروج للعنف.

ثالثا- التراشق الطائفي: أتاحت مساحات النقاش المفتوح على تويتر، في جانب آخر منها، مجالا للتراشق الطائفي لا يخلو من تبرير العنف والتحريض عليه. وقد أجرى الباحث بمركز كارنيجي للشرق الأوسط ألكسندرا سيغل دراسة نشرها باسم "حروب تويتر الطائفية" في 20 ديسمبر 2015، أجرى خلالها تحليلا لما يفوق 7 ملايين تغريدة باللغة العربية تم نشرها خلال عام 2015، وهو التحليل الذي أظهر تزايد حجم اللغة الطائفية بسبب أحداث العنف على أرض الواقع، وأن تلك اللغة تنتشر عبر كل من رجال الدين، والمتطرّفين، ووسائل الإعلام، والنُّخب.

رابعا- محاذير العزوف عن المشاركة الواقعية: على الرغم من دور تويتر الإيجابي في إثراء النقاش العام، إلا أن العديد من الاتجاهات البحثية أشارت إلى مخاوف تأثير الانخراط في فعاليات افتراضية على كفاءة انخراط الأفراد في النشاطات الواقعية، وعلى الرغم من حالة المغالاة التي سادت تقييمات أثر وسائل التواصل الاجتماعي في المشاركة السياسية، إثر أحداث الربيع العربي، إلا أن اتجاهات بحثية عديدة ذهبت إلى التقليل من أثر الأنشطة الرقمية في فعالية المشاركة العامة، وأن المشاركة السياسية عبر الإنترنت لا تستتبعها بالضرورة مشاركة سياسية فعلية لمن لا يقومون بها أصلا. 

وفي هذا السياق، رأى الباحث ديفيد هواردز في أطروحته "الديمقراطية العميقة" التي نشرها عام 2005 في الكتاب السنوي للأكاديمية الأمريكية للعلوم الاجتماعية والسياسية أنه على الرغم من دور التقنيات الرقمية في تعميق الممارسة الديمقراطية من خلال نشر المعلومات السياسية وتنوع اللاعبين والآراء في المجال العام، إلا أنها أضعفت المواطنة بالنظر إلى قدرة الأفراد على التعبير السياسي دون أن يكونوا مترابطين بشكل حقيقي.

خامسا- تعزيز القبلية الجديدة: وهو المصطلح الذي يشير إلى الجماعات القائمة على الانتماءات العرقية والإثنية والتي تنحو إلى ممارسة العنف. وقد أوضح البروفيسور ديف فروهنماير بجامعة أوريجون الأمريكية، في مقال له بعنوان القبلية الجديدة New Tribalism، أن الإعلام يلعب دورًا في إنشاء تلك الظاهرة، وأن تكنولوجيا الاتصالات الحديثة أتاحت للأفراد وبأقل التكاليف بناء مجموعات فرعية تتواصل مع بعضها بعضًا دون أن يكون هناك قاسم مشترك بينها سوى الحماس لسبب خاص وضيق، وهي التجمعات الافتراضية التي يمكن أو تولِّد قدرًا وافرًا من الطاقة والمال لخدمة ما سماه سياسات القضية الواحدة.

ويتسق ذلك مع دراسة أجراها الباحثان ماريكي ترانسفيلد وإيزابيل ويرينزفيل ونشرت نتائجها صحيفة "واشنطن بوست" في 2 ديسمبر 2016، حول استخدام تويتر في العالم العربي، والتي توصلت إلى أن استخدام الموقع يعمل على تعزيز سياسات الهوية، ويشكل مجتمعات تتكون على أساس الطائفة والعرق والدين تقف في وجه بعضها بعضًا، بما يعكس الصراعات والانقسامات، بل ويعيد إنتاجها، وأن حالات النقاش العابرة للدول أو القوميات التي قد يشهدها تويتر عادة ما تكون بين أشخاص متشابهي الأفكار في حالة أشبه بصدى الصوت.

وختامًا، فإن جانبًا كبيرًا من تأثيرات الإعلام الاجتماعي، ومنها تويتر في دول الخليج العربى، ترتبط بما يحمله في ثناياه من سلوك وثقافة، تتباين في جانب منها مع القيم المحافظة لمجتمعات الخليج العربى، بما يثير مخاوف التصادم معها في بعض الجوانب، كما أن المخاطر الأمنية التي باتت تحيط بالمنطقة واستخدام الجماعات الإرهابية لهذه المنصات الإعلامية الجديدة يثير مخاوف إضافية تطرح بقوة أهمية تعزيز استراتيجية خليجية تتضمن آليات آنية لرصد الإعلام الاجتماعي واتجاهاته، وأخرى طويلة الأمد لفهم أثرها المجتمعي وصياغات السياسات العامة لتعزيز جوانبه الإيجابية والتعامل معها، أو مجابهة تداعياته السلبية والتصدي لها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(**) بعض المؤشرات المتاحة تشير إلى أن عدد مستخدمي تويتر النشطين في دول مجلس التعاون الخليجي يصلون إلى 3.5 ملايين مستخدم وفق إحصاءات الإصدار السادس من تقرير الإعلام الاجتماعي العربي الصادر عن كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية في يوليو 2014. فيما تُشير إحصاءات "جلوبال ميديا إنسايت" إلى أن عدد مستخدمي تويتر النشطين في المملكة السعودية وحدها بلغ 6.37 ملايين عام 2016 يمثلون 31% من إجمالي مستخدمي الإنترنت النشطين بالمملكة و20% من سكانها، فيما قُدِّر عدد مستخدمي الموقع في الإمارات بـ2.58 مليون مستخدم نشط عام 2015 يمثلون 27% من إجمالي السكان.