أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

تصاعد العنف:

استمرار الصراع الدائر بين حركة الشباب والحكومة الصومالية

11 أكتوبر، 2022


شهدت الساحة الصومالية تطورات متسارعة إذ استمر تصاعد القتال بين الحكومة الفيدرالية وحركة الشباب الصومالية، مما ينذر بدخول البلاد في حلقة مفرغة من العنف. وأعلنت القوات الأمريكية استهداف القيادي، عبد الله نذير، بحركة الشباب، والذي رُوج عنه بأنه كان مرشحاً لخلافة زعيم الحركة، أحمد ديريه، وذلك في بداية شهر أكتوبر الجاري في ضربة جوية بالقرب من منطقة جيليب، التي تقع على بعد نحو 370 كيلومتراً جنوب غرب العاصمة. 

كما أفادت بعض التقارير الحكومية بمقتل الناطق الرسمي باسم الحركة، علي محمود راغي طيري، مطلع أكتوبر. ومن جهة أخرى، أثار مقتل القيادي بحركة الشباب ضربات انتقامية متتالية، من قبل الحركة، مما أدى إلى شنّها عمليات دامية متتالية بالمناطق الجنوبية والوسطى في البلاد. وجاءت تلك التطورات المتسارعة بعد تولي الرئيس الصومالي الجديد، حسن شيخ محمود، رئاسة الدولة منذ مايو 2022، والذي أعلن عن حرب شاملة ضد حركة الشباب الصومالية. 

التركيز على مواجهة الشباب: 

تشهد الصومال، خلال الأشهر الماضية، عمليات عسكرية متصاعدة ضد حركة الشباب، بعد تولي شيخ محمود الحكم، والذي سعى لإضعاف الحركة، وهو ما يمكن تفصيله على النحو التالي:

1- تجفيف مصادر تمويل الحركة: يسعى شيخ محمود إلى تجفيف المصادر المالية لحركة الشباب، وذلك من خلال إنشاء وكالات حكومية لمراقبة التدفقات المالية، لتتبع حركة الأموال للحركة. كما أعلن الرئيس الصومالي تطوير وحدة استخبارات المالية، فضلاً عن إعداد قوانين للحد من عمليات تهريب الأموال. 

وعلى الرغم من أهمية هذه الجهود، فإن أحد مصادر تمويل الشباب الأساسية تعتمد على فرض ضرائب على المواطنين بالمناطق التي تسيطر عليها، مما يجعل من الصعوبة بمكان الحد من تلك الموارد المالية للحركة. 

2- تعزيز التعاون مع زعماء العشائر: أدرك شيخ محمود أهمية إصلاح العلاقات وتعزيزها مع زعماء القبائل بالأقاليم الصومالية، لتكون حجر زاوية في خطة الدولة الصومالية لمحاربة الشباب. وتبلور ذلك الأمر من خلال تعاون السكان بإقليم هيران مع القوات الفيدرالية الصومالية لاستعادة منطقة موقوكوري، غير أن الشباب استطاعت استعادتها فيما بعد. 

وعلاوة على ما سبق، نجح الجيش الوطني الصومالي في تحرير عدة بلدات بالتعاون مع السكان المحليين مثل مناطق بايلي، عليو، دويو، بورمي وغيرها من المناطق. كما أعلنت القوات الحكومية أن الجيش الوطني استطاع، بالتعاون مع السكان المحليين، قتل أكثر من 100 من مقاتلي الشباب، فضلاً عن تحرير 20 قرية من سيطرة الحركة حتى 17 سبتمبر 2022.

ويلاحظ أن تعزيز العلاقات بين زعماء العشائر والحكومة الصومالية خطوة مهمة، إذ لطالما سعت عناصر الشباب تجنب التصعيد ضد القبائل، مع الدخول في معاهدات مع زعمائها، إلا أن تفاقم الأعمال العدائية التي قامت بها الحركة ضد المدنيين، ساهم في تدهور العلاقات بين الطرفين. 

فقد استهدفت الشباب آبار المياه الجوفية، والقوافل الإنسانية، فضلاً عن إضرام النيران في المنازل، مع قطع رؤوس المدنيين، ومطالبة الحركة للمدنيين بدفع ضرائب في الوقت الذي تواجه فيه الصومال أسوأ موجات الجفاف منذ 40 عاماً، مما أدى إلى تفاقم حالة السخط لدى المواطنين، ولجوئهم إلى حمل السلاح ضد الحركة.

3- تحسين العلاقات مع الاتحاد الأفريقي: يُعد تحسين العلاقات مع بعثة الاتحاد الأفريقي لدعم العملية الانتقالية ومكافحة الإرهاب "أتمص" في الصومال أحد المحاور الاستراتيجية في خطة الرئيس الصومالي، سعياً للحصول على الدعم اللازم من قوات البعثة خلال عملياتها لمكافحة الإرهاب. والجدير بالذكر أن عدد بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال يُقدر بحوالي 22 ألف جندي موزعين في معظم الولايات الصومالية. 

ويُناط بالبعثة مواجهة حركة الشباب الصومالية، مع تدريب القوات الصومالية لتحل محل البعثة بنهاية 2024 بشكل تدريجي. ولعبت البعثة دوراً محورياً في مواجهة حركة الشباب، إلا أن العلاقات بين الاتحاد والرئيس الصومالي السابق، محمد عبد الله محمد الملقب بـ "فرماجو" قد وصلت إلى أدنى مستوياتها، نظراً لتوجيه فرماجو اتهامات بشأن التأثير السلبي للدول المساهمة بقوات بعثة الاتحاد الأفريقي على الداخل الصومالي.

4- الدعم الأمريكي للعمليات الحكومية: وعد الرئيس الأمريكي، جو بايدن، بتعزيز التواجد العسكري الأمريكي في الصومال، لمواجهة الشباب، وذلك على النقيض من سياسة سلفه الرئيس السابق دونالد ترامب الخاصة بالانسحاب من الصومال. 

ووقّع بايدن على قرار تنفيذي في 16 مايو 2022، لإعادة نشر ما يقرب من 500 جندي أمريكي في الصومال، وذلك في إطار تنامي أنشطة حركة الشباب بمنطقة القرن الأفريقي، مع عدم رغبة الإدارة الأمريكية في تكرار عواقب الانسحاب الأمريكي الفوضوي من أفغانستان في أغسطس 2021.

وعلى صعيد آخر، التقى الرئيس الصومالي بعدد من المسؤولين الأمريكيين، خلال زيارته واشنطن في سبتمبر الماضي، على غرار وزير الدفاع، لويد أوستن، ووزير الخارجية، أنتوني بلينكن، وغيرهم من المسؤولين، ليؤكد على استراتيجيته في مواجهة الإرهاب.

5- استيعاب الأعضاء السابقين بالحركة: يدرك شيخ محمود بأن القضاء على الشباب لا يمكن أن ترتكز فقط على الأساليب العسكرية، لذلك اتجهت الحكومة إلى تعيين أحد المتشددين السابقين بالحركة، وهو النائب السابق لزعيم الحركة والمتحدث باسمها، مختار روبو، وزيراً للشؤون الدينية بالحكومة في بداية أغسطس الماضي. 

وكان هذا القيادي السابق أحد المتشددين المدرجين بالقائمة الأمريكية للإرهابيين المطلوبين، مع مكافأة قدرها 5 ملايين دولار. وأثار هذا الأمر انقساماً بين المواطنين الصوماليين، ففي حين أثارت هذه الخطوة ارتياحاً لدى البعض انطلاقاً من كونه سلاح فعال للمواجهة الفكرية مع حركة الشباب، وذلك بصفته عضو مؤسس للحركة، فإن البعض يرى أن هذه الخطوة تكرس الإفلات من العقاب.

تزايد العمليات الإرهابية:

على الرغم من تزايد فعالية العمليات العسكرية للحكومة الصومالية، لاسيما في ضوء الدعم الدولي والمحلي الذي يشهده الرئيس الصومالي الحالي، فإن حركة الشباب الصومالية، لازالت تشهد تصاعداً في عملياتها الإرهابية خلال الأشهر الماضية، والذي قد يفسره صعوبة استئصال تلك الحركة، خاصة في ضوء سيطرتها الفعلية على مناطق شاسعة بالبلاد، فضلاً عن روابطها المحورية مع تنظيم القاعدة.

كما أن البعض فسّر تزايد تلك الهجمات انطلاقاً من رغبة الحركة للثأر لمقتل زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، خاصة أن حركة الشباب تعد أقوى الأجنحة المبايعة لتنظيم القاعدة. ويمكن الاستدلال على تزايد العمليات الإرهابية من خلال استحواذ الصومال على النصيب الأكبر من عدد العمليات وعدد المصابين بمنطقة شرق أفريقيا؛ إذ سجلت الحركة حوالي 23 عملية إرهابية خلال سبتمبر 2022، وتتبلور أبرز مؤشرات تزايد الهجمات الإرهابية كالآتي:

1- عمليات إرهابية في وسط الصومال: قامت الشباب بعدد من العمليات الإرهابية، من خلال تفجير الشاحنات المفخخة، مما أدى إلى إصابة حوالي 100 شخص ومقتل 40 شخصاً على الأقل، وذلك في أكتوبر 2022 في مدينة بلدوين بوسط الصومال في إقليم حيران من بينهم وزير الصحة في ولاية هيرشابيل ونائب حاكم حيران المسؤول عن الشؤون المالية، كما نصب مسلحون كميناً لقافلة مساعدات إنسانية في إقليم حيران في سبتمبر، مما أسفر عن مقتل 20 مدنياً على الأقل.

2- السيطرة على بعض المناطق: استطاعت الحركة السيطرة مرة أخرى على منطقتي موقوكوري ويسومن بإقليم حيران في ولاية هيرشبيلي في بداية أكتوبر الجاري، وذلك عقب انسحاب الميليشيات المحلية والقوات الفيدرالية من تلك المناطق. ولم تكن هذه المناطق الوحيدة التي تعرضت فيها الحكومة الفيدرالية لانتكاسة عسكرية، حيث سبق وأن انسحبت القوات الحكومية من مناطق تمكنت من تحريرها في إقليم غلغدود بوسط البلاد.

3- اقتحام فندق بالعاصمة "مقديشيو": شنّت الشباب إحدى أكبر عملياتها العسكرية على الإطلاق في أغسطس 2022، وذلك من خلال اقتحامها فندق على بُعد مسافة قصيرة من القصر الرئاسي في العاصمة الصومالية، مقديشيو، حيث قام المهاجمون بالتحصّن داخل الفندق لمدة 30 ساعة، مما أدى إلى مقتل أكثر من 20 شخصاً، فضلاً عن إصابة 117 شخصاً.

وفي الختام، من المتوقع أن يستمر الصراع الدائر بين حركة الشباب الصومالية وقوات الحكومة الفيدرالية، مع تفاقم حدة وتواتر القتال في مناطق عديدة داخل الصومال، خاصة مع تبني الرئيس الصومالي الجديد استراتيجية واضحة للقضاء على الحركة، مما يعني أن الدولة الصومالية قد أضحت في حلقة مفرغة من العنف، مع عدم وجود أي بوادر لانخراط الطرفين في محادثات لوضع حد لتصاعد العنف.