أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

المسارات الثلاثة:

ماذا بعد تأجيل اجتماعات الحوار الوطني الشامل في تشاد؟

17 مايو، 2022


أعلنت وزارة الشؤون الخارجية التشادية، في 8 مايو 2022، تأجيل جلسات الحوار الوطني الشامل الذي كان من المفترض أن ينطلق في 10 من الشهر ذاته، بناء على طلب الوسيط القطري، وذلك لمنح الأطراف المشاركة في الحوار التمهيدي الذي تستضيفه الدوحة، بين المجلس العسكري الحاكم في نجامينا وحركات المعارضة المسلحة، الوقت الكافي للتوصل إلى اتفاق سلام قبل انعقاد الحوار الشامل في تشاد.

تعثر واضح:

تشهد الدوحة منذ نحو شهرين جلسات مستمرة بين المجلس العسكري الحاكم في نجامينا والعشرات من حركات المعارضة المسلحة التشادية، في محاولة للتوصل إلى اتفاق سلام، تمهيداً لعقد حوار وطني شامل يضم المعارضة السياسية الموجودة كافة داخل تشاد وخارجها. وفي هذا الإطار شهدت عملية الحوار التمهيدي القائمة في الدوحة جملة من التطورات المهمة، والتي يمكن عرضها على النحو التالي: 

1- بداية متأرجحة: انطلقت جلسات الحوار التمهيدي بالدوحة، في 13 مارس 2022، بيد أن اللقاءات المباشرة بين ممثلي السلطات التشادية وحركات المعارضة المسلحة لم تبدأ فعلياً سوى في 14 أبريل الماضي، بسبب اعتراض ممثلي الحركات المسلحة على حضور ممثلين عن كثير من الحركات التي لا تمتلك وجوداً حقيقياً لقواتها على الأرض، حيث بلغ عدد الحركات المشاركة نحو 52 حركة، مما حدا ببعض الحركات لإعلان انسحابها من الحوار. وتدخلت الدوحة لمحاولة إيجاد توافقات، كما نظمت الحركات المسلحة نفسها في إطار ثلاث مجموعات رئيسة، هي "روما" و"الدوحة" و"قطر".

2- توافقات نسبية: قدمت حركات المعارضة التشادية جملة من المطالب، سلمها الوسيط القطري للسلطات التشادية، والتي وافقت على بعض المطالب، خاصةً تلك المتعلقة بتحقيق المساواة على أساس دستور توافقي، فضلاً عن إصدار قانون للعفو العام، ووقف كافة العمليات الحكومية التي تستهدف مواقع المجموعات المسلحة، بالإضافة إلى إنهاء مصادرة السلطات التشادية لممتلكات وأصول الحركات المسلحة. 

كما وافقت إنجامينا على توفير ضمانات لعناصر هذه الحركات بعدم الملاحقة القضائية عند عودتهم إلى البلاد، وكذا مشاركتهم في الحياة السياسية، وإطلاق برنامج لنزع السلاح والتسريح وإعادة تأهيل عناصر الحركات المسلحة، مقابل التخلي عن العنف والتوقف عن القيام بأية اعتداءات ضد السلطات التشادية.

3- مطالب مرفوضة: رفض المجلس العسكري التشادي التجاوب مع بعض مطالب الحركات المسلحة، حيث اعتبر أن غالبية هذه المطالب تدخل ضمن اختصاصات الحوار الوطني الشامل المزمع انعقاده بعد نهاية الحوار التمهيدي.

ومن جهة ثانية، رفضت إنجامنيا بعض المطالب المشتركة لمجموعات المعارضة الثلاثة، والتي تتمثل في إعلان وقف إطلاق النار، وتشكيل لجنة تحقيق بشأن الأضرار التي تمخض عن ممارسات القوات الحكومية في بعض الولايات، وإعادة هيكلة اللجنة المنوط بها تنظيم الحوار الشامل، والإفراج الفوري وغير المشروط عن كافة المعتقلين السياسيين وسجناء الرأي، فضلاً عن ضمان أمن وسلامة المشاركين في الحوار الشامل من خلال قوات تابعة للاتحاد الأفريقي، بالإضافة إلى ضم عناصر من حركات المعارضة المسلحة للجيش التشادي.

تفسيرات متعددة:

تعددت التفسيرات حول أسباب تأجيل الحوار التمهيدي في الدوحة، والتي يمكن عرضها على النحو التالي:

1- تعثر المباحثات القائمة في الدوحة: شهدت الأسابيع الأخيرة مطالبات متكررة من قبل الحركات المسلحة المشاركة في الحوار التمهيدي في الدوحة بضرورة تأجيل جلسات الحوار الوطني الشامل، وذلك نظراً لعدم توصل الحوار التمهيدي إلى نتائج ملموسة حتى الآن.

كما اعتبرت هذه الحركات أن التأكيدات المستمرة من قبل رئيس المجلس الانتقالي، محمد ديبي كاكا، بأن الحوار الوطني الشامل سيعقد في موعده المقرر من دون تأجيل يعكس عدم جدية السلطات التشادية في عقد حوار شامل للأطراف كافة، وهو ما عكسته تصريحات كل من رئيس مجموعة روما، آدم يعقوب، والمتحدث باسم مجموعة الدوحة، أبكر آسيلك.

2- اتهام ديبي برشوة المعارضة: أعلنت حركة "مجلس القيادة العسكرية لإنقاذ الجمهورية التشادية" انسحابها من جلسات الحوار التمهيدي، كما غادر ممثلوها الدوحة، وذلك بعدما تم نشر تسجيل صوتي لرئيس الحركة، رشيد محمد طاهر، تضمن اتهامات للمجلس العسكري الانتقالي بمساعيه لخلخلة صفوف المعارضة التشادية من خلال تقديم الرشاوى لبعض الحركات المشاركة.

3- محاولة قطر إنجاح الحوار التمهيدي: جاء قرار تأجيل الحوار الوطني الشامل بناء على اقتراح الدوحة، خاصةً أن إقدام المجلس الانتقالي التشادية على عقد الحوار الشامل في موعده الذي كان مقرراً في 10 مايو الجاري، كان سيعني مقاطعة العديد من الحركات هذه الجلسات، ويقلص فرص التوصل لاتفاق سلام، وربما يفتح المجال أمام عودة المواجهات المسلحة مرة أخرى.

دلالات مهمة:

عكست هذه المتغيرات المتعلقة بالحوار الوطني في تشاد عن جملة من الدلالات المهمة، والتي يمكن عرضها على النحو التالي: 

1- إضفاء شرعية متبادلة: أضفت جلسات الحوار التمهيدي في الدوحة الشرعية على مختلف الأطراف المشاركة، من خلال اعتراف السلطات الانتقالية في نجامينا ضمنياً بالمعارضة المسلحة بعدما اعتادت على اعتبارها مجرد مرتزقة. وعلى الجانب الآخر، مثلت جلسات هذا الحوار إقراراً من قبل هذه الحركات بدستورية السلطة الانتقالية التي يقودها محمد ديبي كاكا، والذي تولى الحكم خلفاً لوالده من دون سند دستوري. 

2- انخراط فرنسي قوي: أعلن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، خلال اتصال هاتفي مع رئيس المجلس الانتقالي التشادي، محمد ديبي كاكا، عن دعم بلاده للجهود التشادية للتوصل إلى اتفاق مع حركات المعارضة المسلحة، مشيراً إلى تمسك باريس بإجراء الحوار الوطني الشامل في تشاد في أقرب وقت ممكن، وأنها مستعدة لدعم المناقشات الجارية بين الأطراف التشادية في الدوحة للتمهيد لإطلاق جلسات الحوار الشامل.

وتجدر الإشارة إلى أن تصريحات ماكرون تعكس تحولاً كبيراً في الموقف الفرنسي التقليدي بشأن الحوار مع حركات التمرد المسلحة، والتي لطالما رفضت باريس الدخول في حوار معها، غير أن تراجع النفوذ الفرنسي في الساحل الأفريقي، وتحديداً مالي، دفعت باريس لدعم إنجامينا لتعزيز الاستقرار هناك، والحيلولة دون اندلاع أية مواجهات مسلحة ربما تفضي لخسارة باريس حليفها الأهم حالياً في المنطقة، ممثلاً في ديبي.

ولذلك تتجه باريس لتوسيع قواعدها العسكرية في تشاد، حيث أدانت "تنسيقية القوى المدنية" (وكت تما)، والتي تمثل تحالف المعارضة المناهضة للمجلس العسكري، سماح الأخير لفرنسا بإنشاء خمس قواعد عسكرية جديدة في تشاد، في "أم التيمان"، و"أتيا"، و"وور"، و"ادري"، و"تيس".

3- ترقب أمريكي: نجح الرئيس الراحل، إدريس ديبي، في ترسيخ صورة تشاد كحليف استراتيجي للغرب، خاصةً لفرنسا وبدرجة أقل الولايات المتحدة، وذلك من خلال توسيع مشاركة القوات التشادية في عمليات حفظ السلام في الساحل الأفريقي، وهو ما ساعد في دعم مصالح باريس وواشنطن هناك.

وفي هذا السياق، تولي وزارة الخارجية الأمريكية اهتماماً كبيراً بالحوار التمهيدي، كما تشير تقارير إلى إرسال واشنطن لفريق دبلوماسي لمتابعة مسار هذه المحادثات في قطر، وذلك في أعقاب الزيارة التي قامت بها مساعدة وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الأفريقية، مولي في، إلى نجامينا نهاية مارس الماضي. لذا، حثت الخارجية الأمريكية الأطراف كافة في تشاد على ضرورة العمل على إسراع عملية الانتقال السياسي، من خلال التوصل إلى اتفاق شامل يحقق الاستقرار في إنجامينا.

مسارات محتملة:

في إطار المعطيات السابقة، يمكن الإشارة إلى ثلاثة مسارات محتملة، يمكن عرضها على النحو التالي:

1- التوصل إلى اتفاق جزئي: يمكن أن يتمخض عن جلسات الحوار التمهيدي إبرام اتفاق سلام محدود، يتضمن الحكومة التشادية وبعض حركات المعارضة، مقابل استمرار معارضة بقية الحركات المسلحة وانسحابها من المباحثات، وهو ما قد يدفع نحو عقد الحوار الشامل بمشاركة الحركات التي وافقت على الحوار التمهيدي، الأمر الذي سيقلص من مشروعية هذا الحوار، غير أنه في المقابل سيمنح السلطات الانتقالية في إنجامينا فرصة لتحييد عدد من الحركات.

2- انهيار كامل للمباحثات: قد تتجه جلسات الحوار التمهيدي إلى التعثر والانهيار بشكل كامل، من خلال تمسك كل طرف بموقفه، ومن ثم انسحاب غالبية الحركات المشاركة، وهو ما قد يدفع بعض هذه الحركات إلى شن هجمات موسعة ضد القوات الحكومية، الأمر الذي ربما يتضمن تدخل أطراف خارجية، خاصة عناصر فاجنر الروسية، التي ربما تلجأ بعض الحركات إلى الاستعانة بها، بيد أن الدعم الفرنسي للسلطات التشادية يرجح أن يحول دون تحقيق أي انتصار لحركات المعارضة المسلحة، إلا حال حدوث انقسامات داخلية في المجلس الانتقالي.

3- التوصل إلى توافقات مبدئية: يبقى هذا السيناريو محتملاً أيضاً، خاصةً في ظل الانخراط الفرنسي المتنامي في هذا الملف، وبدرجة أقل الولايات المتحدة، حيث يمكن أن يفرز الحوار التمهيدي اتفاقية مبدئية بين الأطراف المشاركة، مع إحالة القضايا الخلافية الأكبر إلى جلسات الحوار الشامل، الذي سيتم تشكيل لجنة مشتركة تتولى عملية تنظيمه.

وفي الختام، لا تزال هناك صعوبة في التوصل إلى اتفاق بين السلطات الانتقالية في إنجامينا وحركات المعارضة المسلحة، وهو ما انعكس في رد الوفد الحكومي على مطالبات مجموعات المعارضة الثلاث، فعلى الرغم من توافقها في عدد من النقاط، فإن غالبيتها تم ترحيله إلى الحوار الشامل، أو إبداء الاعتراض عليه، وهو ما قد يوقف الحوار، ويتسبب في تمديد فترة المرحلة الانتقالية، الأمر الذي قد يلاقي اعتراضات واسعة من الحركات المسلحة، ويدفع نحو عودة المواجهات المسلحة مرة أخرى.