أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

انعكاسات التهريب:

هل يؤثر ضبط الحدود على انخراط حزب الله في الصراع السوري

28 مايو، 2020


تصاعدت حدة الجدل داخل لبنان حول جهود ضبط الحدود البرية مع سوريا، لاسيما بعد أن اكتسبت اهتماماً سياسياً وإعلامياً ملحوظاً في الفترة الأخيرة، بالتوازي مع الجهود التي يبذلها الجيش اللبناني من أجل فرض قيود على عمليات تهريب المحروقات إلى سوريا، لاسيما في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها لبنان في الفترة الحالية نتيجة الأزمة الاقتصادية وانتشار فيروس "كورونا". إذ أعلن الجيش، في 27 مايو الجاري، عن إزالة خطوط أنابيب غير شرعية تستعمل في تهريب المازوت عند الحدود اللبنانية- السورية الشمالية في منطقة "البقيعة –خط البترول" وجرى مصادرة نحو 30 متراً من الأنابيب داخل الأراضي اللبنانية، وهو ما يأتي في سياق الإجراءات التي اتخذتها السلطات، في 13 من الشهر نفسه، والخاصة باستحداث نقاط أمنية وعسكرية وجمركية على الحدود مع سوريا.

أسباب التحرك:

بعد أن اتسع نطاق الانتقادات التي وجهت إلى الحكومة بسبب استمرار عمليات تهريب المحروقات والطحين إلى سوريا، عقد الرئيس ميشال عون، في 13 مايو الجاري، اجتماعاً للمجلس الأعلى للدفاع حضره رئيس الحكومة حسان دياب والوزراء الأعضاء وقادة الأجهزة الأمنية، وخصص للبحث في الإجراءات الواجب اتخاذها لمكافحة تلك العمليات. ويمكن تفسير تحرك السلطات اللبنانية لضبط الحدود في ذلك التوقيت في ضوء اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في:

1- حملة إعلامية: تحولت مكافحة التهريب إلى قضية رأى عام، بعد أن ألقت بعض وسائل الإعلام اللبنانية الضوء على عمليات التهريب بين لبنان وسوريا وتأثيراتها السلبية على الأوضاع الداخلية، في الوقت الذي تواجه لبنان نقصاً في مادة المازوت تحديداً التي تستخدم كوقود لمولدات الكهرباء لتعويض العجز اليومي في الكهرباء الذي تعاني منه الدولة.

2- مناوئة حزب الله: تحرص بعض القوى السياسية المعارضة على استثمار قضية التهريب من أجل تجديد دعوتها إلى وقف انخراط حزب الله في الصراع السوري، والذي ينتهك من خلاله سياسة النأى بالنفس التي اعتمدتها الدولة منذ بداية نشوب هذا الصراع في عام 2011، حيث اعتبرت أن الحزب يستغل تلك العمليات في مواصلة نقل مقاتليه وأسلحته من وإلى داخل سوريا، وذلك بالتنسيق مع إيران والنظام السوري والميليشيات الأخرى التي شاركت في الصراع منذ بدايته.

3- توفير الإيرادات: تعاني لبنان من تدهور اقتصادي وتراجع في إيراداتها، مما دفع الحكومة لاتخاذ العديد من الإجراءات في خطة العمل الحكومية التي أقُرت في 30 إبريل الفائت، تقوم على زيادة إيرادات الدولة وتقليص النفقات، وفي هذا السياق اتجهت الحكومة لزيادة إيراداتها الجمركية، حيث قدّرت بعض الجهات خسائر الدولة من الرسوم الجمركية نتيجة التهريب عبر المعابر غير الشرعية بنحو 600 مليون دولار.   

4- الحصول على المساعدات: أجرت لبنان مفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول على قروض تدعم ماليتها العامة، إلا أن تلك القروض ترتبط بشروط تقوم على ضرورة ضبط الحدود لمنع التهريب الذي يسفر عن خسارة الدولة ملايين الدولارات، وفي السياق نفسه تطالب مجموعة الدعم الدولي بذلك الأمر في إطار منع الهدر الذي يؤثر سلباً على المالية العامة.

5- التماهي مع مطالب المجتمع الدولي: تسعى الحكومة لتوجيه رسالة للمجتمع الدولي بأنها لا تدعم أنشطة حزب الله (التهريب بين لبنان وسوريا سواء للأموال والبضائع أو العناصر المقاتلة)، وهو ما يمثل تماهياً مع المطالبات الدولية السابقة بضبط الحدود لاحتواء النشاط الإقليمي للحزب. وبالرغم من التدابير الجديدة التي تقوم بها الدولة، إلا أن فرص نجاحها في وقف تنقل عناصر حزب الله بين البلدين مشكوك فيها.

واللافت في هذا السياق، هو أن تقارير عديدة كشفت، في 27 مايو الجاري، أن الجهات الدولية المانحة ترفض تقديم مساعدات لمؤسسات يديرها حزب الله، مشيرة إلى أن وزارة الصحة، على سبيل المثال، تعتبر إحدى المؤسسات التي ترفض الجهات المانحة تقديم دعم لها بسبب وجود وزير مقرب من حزب الله على رأسها، وهو ما يمكن أن يقلص من تأثير الإجراءات التي تتخذها الحكومة للتعامل مع أزمة انتشار فيروس "كورونا".

6- تنامي أنشطة التهريب: اتسع نطاق عمليات التهريب بين الدولتين خلال الفترة الماضية بعد الإجراءات التي اُتخذت لتقليص الانتقال عبر المعابر الرسمية من أجل منع انتشار فيروس "كورونا"، وفي هذا السياق كان القرار الذي اتخذته سوريا بإغلاق الحدود بشكل كامل، في 22 مارس الماضي، أحد الأسباب التي دفعت الجهات التي تدير عمليات التهريب إلى الاعتماد على المنافذ غير الشرعية.

7- النأى بالنفس: تأتي تدابير منع التهريب بين لبنان وسوريا لتكريس وجود الجيش والقوى الأمنية في المناطق الحدودية، والحيلولة دون تنفيذ أى ضربات عسكرية غربية أو إسرائيلية تستهدف تلك المنطقة، كما أن وجود الجيش على الحدود مع سوريا يُعد بمثابة رسالة للقوى الغربية، قد تدفعها لسحب مطالبتها بقوات دولية تتمركز في المناطق الحدودية مع سوريا.

مسار متواصل:

يشكل ضبط الحدود اللبنانية- السورية عاملاً مهماً في استقرار الوضع الاقتصادي اللبناني، كما أنه يجنب بيروت ضغوطاً أجنبية تسعى لتقليص العلاقات اللبنانية- السورية، سواء في شكلها الرسمي أو غير الرسمي. ومع ذلك، فإن هذه الجهود قد لا يكون لها تأثير مباشر على مستوى انخراط حزب الله في الصراع السوري، وذلك لاعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في أن هذا الانخراط لا يعكس قراراً منفرداً من جانب الحزب، وإنما يعبر عن توجه عام يتبناه المحور الإقليمي الذي تقوده إيران، والذي ما زال مصراً على المشاركة في الترتيبات السياسية والأمنية التي يجري العمل على صياغتها في سوريا بعد التطورات الميدانية التي شهدها الصراع في الفترة الماضية. 

كما لا ينفصل ذلك عن الضغوط الدولية التي يتعرض لها الحزب، والتصعيد المتواصل بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، والذي لم يعد ينحصر في البرنامج النووي رغم أهميته، وإنما بات يمتد إلى الملفات الأخرى، وعلى رأسها الدور الإقليمي، لاسيما في العراق ولبنان وسوريا واليمن.

ومن هنا، فإن أى تغيير في مستوى انخراط الحزب في الصراع السوري لن يرتبط فقط بالإجراءات الداخلية التي تتخذها السلطات اللبنانية، وإنما يعتمد في الأساس على التطورات التي تشهدها الملفات الرئيسية التي تؤثر على التفاعلات التي تجري على الساحة الإقليمية في المرحلة الحالية.