أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

استجابات مختلفة:

حدود تصعيد الاحتجاجات الشعبية في تونس

25 يناير، 2016


تشهد تونس هذه الأيام تظاهرات شعبية عقب وفاة شاب عاطل عن العمل يُدعى "رضا اليحياوي" بصعقة كهربائية بعد تسلقه عمود كهرباء قرب مقر محافظة القصرين، احتجاجاً على سحب اسمه من قائمة التوظيف في القطاع العام.

وقد بدأت هذه الاحتجاجات بشكل محدود بمحافظة القصرين، وسرعان ما امتدت إلى باقي المحافظات التونسية وصولاً للعاصمة، لتتحول إلى احتجاجات شعبية تطالب بالتوظيف وإيجاد حلول لمعالجة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية. وقد أسفرت الاحتجاجات حتى الآن عن مقتل شرطي وإصابة أكثر من 350 متظاهر نتيجة للاشتباكات مع قوات الأمن.

هذه التطورات أثارت المخاوف من عودة تونس إلى نقطة البداية بعد خمس سنوات من الانتفاضة التي أنهت حكم الرئيس السابق "زين العابدين بن علي" في عام 2011، وهو ما دفع الحكومة التونسية الحالية إلى سرعة احتواء الموقف والاستجابة إلى مطالب المُحتجين، مع اتخاذ بعض الإجراءات الاحترازية مثل فرض حظر التجوال ليلاً للسيطرة على الاضطرابات.

أسباب اندلاع الاحتجاجات في تونس

اندلعت الاحتجاجات الشعبية مؤخراً في تونس نتيجة لمجموعة من الأسباب السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وذلك كالتالي:

1- على المستوى السياسي: عكست الاضطرابات الراهنة استمرار تفشي المحسوبية والرشاوى والفساد في مؤسسات الدولة التونسية، حيث كان السبب المباشر لاندلاع الاحتجاجات هو التلاعب في قائمة أسماء المرشحين لشغل وظائف حكومية بمحافظة القصرين، ودفع رشاوى لشطب أسماء من القائمة واستبدالها بأسماء أخرى، وتعيين البعض بناءً على علاقاتهم الخاصة، وهو ما دفع الشاب "رضا اليحياوي" للاحتجاج على شطب اسمه من قوائم التوظيف مُتهماً إدارة القصرين بالفساد.

كما عانى الحزب الحاكم "نداء تونس" في الفترة الأخيرة من أزمة حادة في ظل الصراع على قيادة الحزب بين "حافظ السبسي" نجل الرئيس التونسي، و"محسن المرزوق" الأمين العام المستقيل، والتي تبعها تغييرات في الحكومة والكتل البرلمانية عقب استقالة عدد من نواب "حزب نداء تونس" من كتلته النيابية جعلته في المرتبة الثانية خلف "حركة النهضة". وكان لهذه الأزمة السياسية دور في إثارة غضب التونسيين الذين اعتبروها بمثابة صراع على السلطة وتوزيع المكاسب بين السياسيين دون اكتراث بمعاناة المواطنين الاقتصادية والاجتماعية.

ويُضاف إلى ما سبق، ما يتعرض له جهاز الشرطة التونسي من اتهامات بممارسة انتهاكات ضد المواطنين، حيث أعلنت "منظمة محاربة التعذيب في تونس" أنها تلقت ما لا يقل عن 500 شكوى ضد الأجهزة الأمنية في هذا الشأن، منها 50 في الأشهر الأربعة الأخيرة.

2- على المستوى الاقتصادي والاجتماعي: لاتزال الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في تونس متدهورة، فقد فشلت الحكومات المتعاقبة منذ سقوط نظام "بن علي" وحتى الآن في معالجتها، حيث بلغت نسبة البطالة في تونس عام 2015 حوالي 15.2% بما يعادل 601.4 ألف عاطل، وتصل هذه النسبة بين أصحاب الشهادات العليا حوالي 30% من نسبة العاطلين أي أكثر من 212 ألف عاطل، وترتفع بصفة خاصة في الفئة العمرية ما بين 15- 29 عاماً.

كما بلغت نسبة النمو في العام الماضي أقل من 1%، متأثرة بأزمة القطاع السياحي نتيجة عدم الاستقرار الأمني ووقوع الهجمات الإرهابية.

ويتفاقم تدني الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في المحافظات الحدودية المهمشة، والتي سبق أن انطلقت منها التظاهرات ضد نظام "بن علي"، وعلى رأسها محافظة القصرين التي انطلقت منها الاحتجاجات الأخيرة، حيث تعاني نصف القوى العاملة بالمحافظة من البطالة، ويعمل 20% من العاملين في مهن غير مُرخصة، فضلاً عن تردي مستوى الخدمات الصحية والتعليمية. وزادت الأوضاع الاقتصادية سوءاً في القصرين بعد تراجع عمليات التهريب باعتبارها إحدى مصادر الدخل الأساسية لسكان المحافظة، وذلك عقب الحاجز الذي أقامته الجزائر على حدودها مع تونس، وتشديد قوات الأمن التونسية رقابتها على الحدود بسبب نشاط الجماعات الإرهابية.

استجابة النظام التونسي للاحتجاجات

مع تصاعد وتيرة العنف في المحافظات التونسية، فرضت وزارة الداخلية حظراً للتجوال الليلي في كافة أنحاء تونس لمواجهة أعمال العنف والسرقة، وتم نشر وحدات من الجيش التونسي لمساعدة الشرطة على فرض الأمن.

وألقى الرئيس التونسي "السبسي" خطاباً في 22 يناير وصف فيه التظاهرات التي اندلعت في البلاد بالمشروعة، مطالباً بإعطاء الحكومة الحالية مزيداً من الوقت لمواجهة تحدي توفير وظائف للعاطلين عن العمل، غير أنه اتهم في الوقت ذاته أحزاباً سياسية ووسائل إعلام محلية ودولية باستغلال التظاهرات وتأجيج الأوضاع في تونس.

ومن جهتها، اعتبرت الحكومة التونسية أن التظاهر السلمي حق دستوري، مؤكدةً التزامها بحماية كافة الحريات العامة والفردية، وأعلنت تفهمها معاناة العاطلين عن العمل ومطالبهم، غير أنها حذرت في الوقت ذاته من ممارسة أعمال العنف والتخريب واستهداف المقرات الأمنية.

كذلك اتخذت الحكومة التونسية مجموعة من الإجراءات العاجلة لتهدئة المحتجين في محافظة القصرين، حيث قررت توظيف 5 آلاف عاطل عن العمل في ولاية القصرين، وتقديم الدعم لـ 500 مشروع صغير ومتوسط بتمويل من البنك التونسي للتضامن وتوزيع أراض على أهالي المحافظة قبل مارس القادم، وتنفيذ 9 مشروعات تتعلق بالطرق والجسور بالمنطقة، وبناء ألف وحدة سكنية، ومد المحافظة بأسطول من سيارات إسعاف وتوفير وحدات طبية متخصصة.

كما قررت الحكومة تشكيل لجنة لمكافحة الفساد والتدقيق في الإجراءات والمعاملات الإدارية بالمحافظة والتحقيق فيما أُثير عن التلاعب في أسماء المرشحين لشغل وظائف حكومية بالمحافظة، والذي كان السبب المباشر لاندلاع الاحتجاجات.

مواقف أحزاب الائتلاف الحاكم

عقدت أحزاب الائتلاف الحاكم المُشكلة للحكومة وهي "حزب نداء تونس" و"حركة النهضة" و"حزب الاتحاد الوطني الحر" و"حزب أفاق تونس"، اجتماعاً في 23 يناير بمقر "حزب نداء تونس"، لمناقشة الاحتجاجات التي تشهدها البلاد. وقد أسفر الاجتماع عن إعلان الأحزاب المجتمعة تضامنها مع مطالب المحتجين المشروعة، ودعوة الحكومة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لتوفير فرص عمل للعاطلين، وعقد اجتماع فوري للجنة الخبراء المُمثلة لأحزاب الائتلاف لمرافقة الحكومة من أجل اتخاذ مجموعة من الإجراءات العاجلة للاستجابة لمطالب المحتجين والتمهيد لتنظيم ندوة وطنية حول التوظيف في أقرب وقت ممكن ودون إقصاء. كما تم الاتفاق على عقد اجتماع بين أحزاب الائتلاف الحاكم ورئيس الحكومة في 27 يناير الجاري لعرض توصياتهم للخروج من الأزمة وتحديد الإجراءات اللازمة لتنفيذها.

ومن ناحيته، أكد "راشد الغنوشي" زعيم "حركة النهضة" الإسلامية على حق العاطلين في التظاهر، داعياً إياهم لتفهم الصعوبات التي تواجه الحكومة لحل مشكلة البطالة، وطالب الحكومة بإعطاء الأولوية لقضية التوظيف، ورجال الأعمال بزيادة استثماراتهم ومشاريعهم في تونس.

وفي المقابل، طالب "سليم الريحي" رئيس "حزب الاتحاد الوطني الحر" باختيار رئيس حكومة جديد بدلاً من رئيس الحكومة الحالي "الحبيب الصيد" على أن يكون من أحزاب الائتلاف الحاكم الأربعة، أو تشكيل فريق من أحزاب الائتلاف يرافق رئيس الحكومة تكون لديهم خبرة سياسية وانتخابية وقدرة على التواصل مع المواطنين للتعرف على مشكلاتهم، كي تتمكن أحزاب الائتلاف من تنفيذ برامجها ووعودها الانتخابية.

مطالب المعارضة والاتحادات العمالية

اعتبر "حزب الجبهة الشعبية اليساري" (15 مقعداً بالبرلمان) أن تونس على أبواب ثورة أو انفجار اجتماعي، واتهم حكومة "الصيد" بالعجز عن تحقيق المطالب الاقتصادية والاجتماعية للتونسيين.

وفي السياق ذاته، دعا "منصف المرزوقي" الرئيس التونسي السابق ورئيس "حزب حراك تونس الإرادة"، إلى عقد مؤتمر إنقاذ وطني لوضع الحلول اللازمة للخروج من الأزمة الحالية بما في ذلك إجراء انتخابات تشريعية مبكرة، معتبراً أن حكومة "الصيد" لا مستقبل لها، واتهم "حزب نداء تونس" بالكذب على الناخبين.

وأعلن "الاتحاد العام التونسي للشغل"- وهو منظمة نقابية مركزية- دعمه ومساندته لمطالب المحتجين التي وصفها بالمشروعة، ودعا الحكومة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة وعملية وفتح حوارات مع المحتجين، غير أن الاتحاد استبعد حدوث ثورة ثانية في تونس، وحذر من استغلال تلك الاحتجاجات للقيام بأعمال عنف وتخريب في البلاد.

مآلات الأزمة وتداعياتها المحتملة

ثمة حالة من الغضب بين المُحتجين في الشارع التونسي ضد الائتلاف الرباعي المُشكل للحكومة وسياساته التي فشلت في معالجة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية السيئة؛ ومن ثم من المتوقع أن تترك هذه الاحتجاجات آثارها السلبية على تماسك الائتلاف الحاكم، خاصةً في حال استمرارها وفشل أحزاب الائتلاف في التوافق على حل للخروج من الأزمة، حيث ستعطي تلك الأحزاب أولوية للاستحقاقات الانتخابية القادمة والتخوف من معاقبة الناخبين لهم، بما قد يدفعهم للانسحاب من الحكومة للحفاظ على كتلتهم التصويتية.

كما أن الاضطرابات الحالية قد تُعرض "حزب نداء تونس" لمزيد من التفكك، خاصةً في ظل الخلافات والانشقاقات التي يعاني منها، فهذه الاحتجاجات تعد بمثابة رسالة لعدم تنفيذ المشروع السياسي والاقتصادي والاجتماعي للحزب، بما يشجع مزيد من أعضاءه على الاستقالة والانضمام للحزب الجديد الذي يسعى لتأسيسه الأمين العام المستقيل "محسن مرزوق".

وبالتالي، ففي حالة عدم احتواء الحكومة التونسية الحالية للأزمة التي تشهدها البلاد وتطبيق القرارات التي اتخذتها على أرض الواقع، على نحو يؤدي إلى استقرار الوضع وتهدئة غضب المحتجين، فإن ذلك يعني اتساع موجة الاحتجاجات الاجتماعية، وتفاقم الأزمة التي قد تنتهي في هذه الحالة بأحد السيناريوين التاليين:

السيناريو الأول: حل حكومة "الحبيب الصيد"، ليتم تشكيل حكومة حزبية من وزراء ينتمون لأحزاب الائتلاف الأربعة انطلاقاً من رؤية تلك الأحزاب بأن الأزمة السياسية هي نتاج عدم تمكنهم من تنفيذ برامجهم الانتخابية لعدم تعيين أعضاءهم بالحكومة، أو تشكيل حكومة إنقاذ وطني تتكون من التكنوقراط وبدعم من "الاتحاد التونسي العام للشغل" والأحزاب السياسية الفاعلة في المشهد السياسي وذات الثقل البرلماني، وذلك عقب عقد حوار وطني جامع تشارك فيه الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني لصياغة استراتيجية لإخراج تونس من أزمتها الاقتصادية والاجتماعية.

السيناريو الثاني: التوجه لانتخابات برلمانية مبكرة، وذلك انطلاقاً من أن أحد مخارج الأزمة هو تشكيل حكومة أغلبية تُمكن الحزب الفائز من الانفراد بتشكيل حكومة قوية قادرة على التعامل مع مشاكل التونسيين من خلال تطبيق برنامجه الانتخابي، وذلك كبديل للحكومة الائتلافية الحالية.

وقد تذهب الأحزاب السياسية لهذا السيناريو في حال فشل التغيير الحكومي المحتمل في تهدئة المحتجين واستمرار الاحتجاجات بوتيرة تصاعدية، وفشل الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني في الاتفاق على مخرج للأزمة.