أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

المكسب المرتقب:

هل يستطيع الأكراد الانفصال عن بغداد؟

20 يونيو، 2017


أثار إعلان الأكراد في العراق، يوم 7 يونيو الجاري، عن تحديد 25 سبتمبر المقبل كموعد لإجراء الاستفتاء على انفصال إقليم كردستان وإقامة الدولة الكردية، ردود فعل كبيرة؛ حيث رفضت هذه الخطوة الحكومة المركزية في بغداد، وأيضًا دول إقليمية في مقدمتها تركيا وإيران، وقوى دولية على رأسها الولايات المتحدة، وذلك نظرًا للتداعيات المتوقعة للانفصال الكردي ليس فقط في الداخل العراقي، ولكن أيضًا في باقي دول الإقليم التي توجد بها طوائف كردية.

ومع ذلك، يبدو أن أكراد العراق جادون فيما أعلنوا عنه، حيث تم اتخاذ مجموعة من الخطوات التنفيذية، تتمثل في تشكيل عدد من اللجان الخاصة بالإعداد لعملية الاستفتاء، وتعهد رئيس الإقليم "مسعود بارزاني" بإعادة تفعيل برلمان كردستان، وحل المشاكل السياسية والاقتصادية بهدف توحيد الرؤى والصف الوطني حول قضية الانفصال، وتم تحديد يوم 6 نوفمبر المقبل كموعد لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في الإقليم.

وبالتالي، ثمة تساؤلات عديدة حول دوافع تصعيد ملف الانفصال في التوقيت الحالي، والعلاقات الحالية بين الأحزاب السياسية داخل الإقليم في ضوء التركيز على ملف الانفصال، والعقبات التي تعترض مسعى أربيل في هذا الإطار، والانعكاسات المستقبلية لتحركات أكراد العراق الانفصالية على القضية الكردية في منطقة الشرق الأوسط.

محفزات الانفصال:

يمكن رصد دوافع أربيل لتصعيد مساعيها الانفصالية عن حكومة بغداد في هذا التوقيت، وذلك على النحو التالي: 

1- استكمال الخطوات العديدة التي اتخذتها القوى الكردية في الفترة الأخيرة من أجل الانفصال، خاصة القرار الذي اتخذه مجلس محافظة كركوك، في 28 مارس الماضي، برفع علم كردستان العراق بجانب العلم العراقي فوق مباني ومنشآت المحافظة، وهو ما أثار انتقادات قوية، سواء من جانب أطراف عراقية مثل حكومة "حيدر العبادي" في بغداد، وبعض القوى السياسية الأخرى، أو من قبل قوى إقليمية مثل تركيا التي اعتبرت أنه قرار غير صائب، وهددت باتخاذ إجراءات أحادية الجانب للتعامل معه.

2- الرغبة في فرض واقع على الأرض استعدادًا لبدء المفاوضات حول مستقبل العراق في مرحلة ما بعد انتهاء المعارك المسلحة ضد تنظيم "داعش" في الموصل، حيث يسعى الأكراد إلى استغلال الزخم الذي تحظى به الحرب ضد التنظيم والتي مارست فيها قوات البيشمركة الكردية دورًا رئيسيًّا بات محل تقدير من جانب القوى الدولية المعنية بالحرب ضد الإرهاب، من أجل الحصول على مكاسب سياسية من مشاركتهم العسكرية في تلك الحرب، وإضفاء أهمية خاصة على مساعيهم نحو الانفصال.

3. توجيه رسائل إلى الأطراف المعنية في الداخل والخارج بأن قضية الاستفتاء والانفصال تمثل محور توافق مشترك بين القوى السياسية الكردية، وتوجيه رسائل لبغداد -على وجه الخصوص- بأن قوات البيشمركة لن تنسحب من المناطق التي دخلتها في مدينة الموصل خلال المواجهات المسلحة لطرد عناصر تنظيم داعش منها، إلى جانب التمسك بضم مدينة كركوك إلى الإقليم. ويدعم هذا الأمر حرص الأكراد على أن يكون تحديد موعد الاستفتاء على الانفصال في أعقاب قيامهم بتنظيم اجتماعات متواصلة خلال الفترة الأخيرة، خاصة بين الحزب "الديمقراطي" وحزب "الاتحاد الوطني".

4. وجود دعم أمريكي غير مباشر للتحركات الكردية، يتضح بصورة أساسية من الاتفاق المُوقَّع بين أربيل وواشنطن (بالتحديد بين وزارة البيشمركة ووزارة الدفاع الأمريكية)، والذي ينص على أن خط الصد الأول للبيشمركة قبل انطلاقة عملية تحرير الموصل في 17 أكتوبر الماضي لا مناقشة عليه، وأن البيشمركة لن تتراجع عن هذا الخط. وكثيرًا ما يشير قيادات الحزب "الديمقراطي" وفي مقدمتهم "مسعود بارزاني" لهذا الاتفاق للتبرير لمسعاهم نحو الانفصال عن بغداد.

علاقات مضطربة: 

بالرغم من التحركات الكردية الأخيرة للدفع نحو الانفصال، إلا أن ذلك لا ينفي وجود خلافات بين القوى السياسية الكردية، وهو ما يمكن رصده من خلال ما يلي:

1. استمرار فشل القوى السياسية في حل أزمة الرئاسة في الإقليم بعد انتهاء ولاية "مسعود بارزاني" في 19 أغسطس 2015، وقيام "بارزاني" بالتمديد لنفسه بشكل تلقائي، بالإضافة إلى فشل جميع الوساطات الدولية لحل الأزمة.

2. ‌تواصل الاتهامات من جانب بعض القوى الداخلية في الإقليم خاصة حركة "التغيير" (التي تعد القوة الثانية في برلمان الإقليم المعطل بـ24 مقعدًا) للحزب "الديمقراطي" (وهو القوة الأولى في برلمان الإقليم بـ38 مقعدًا) وحكومة الإقليم باستخدام ملف الانفصال كغطاء لتشتيت انتباه الرأي العام عن الأزمة السياسية والاقتصادية القائمة في إقليم كردستان.

3.استمرار رفض الحزب "الديمقراطي" لسياسات التقارب الحالية بين حزب "الاتحاد الوطني" (القوة الثالثة في برلمان الإقليم بـ18 مقعدًا) وحركة "التغيير"، وأبرز مظاهر ذلك كان إبرام الطرفين الاتفاقية الثنائية بينهما في مايو 2016 والتي تتضمن تعهدهما بتنسيق تحركاتهما المشتركة داخل الإقليم، وهو الأمر الذي لا يزال يتحسب لتداعياته الحزب "الديمقراطي". 

ملفات معرقلة: 

يعترض التحركات الكردية الساعية نحو الانفصال عقبات عديدة، يمكن رصد أهمها على النحو التالي: 

1. ردود الفعل الرافضة التي سوف تبديها الأطراف العراقية، ودول الجوار، لا سيما تركيا وإيران، والتي تسعى إلى عرقلة محاولات أكراد العراق نحو الانفصال، على اعتبار أن ذلك سيغذّي الطموحات الانفصالية للأقليات الكردية في البلدين. 

2. لا تبدو الخلافات القائمة بين القوى الكردية داخل إقليم كردستان، لا سيما بين الحزب "الديمقراطي" وحركة "التغيير"، بالبسيطة، ومن الصعب التغلب عليها بسهولة، وذلك في ضوء اشتراط حركة "التغيير" أن يتم حلحلة الأزمة السياسية القائمة حاليًّا في الإقليم بشكل أوّلي قبل الشروع في الإجراءات الممهدة للانفصال، كما ترى الحركة أن الإقليم لا يمتلك مؤهلات الدولة، وهو ما سيؤثر بكل تأكيد على الجهود التي سوف تبذلها تلك الأطراف لضمان إجراء الاستفتاء في موعده.

3. رفض بعض الأطراف الكردية في المنطقة، خاصة بعض أكراد سوريا وهم "المجلس الوطني الكردي" (وهو محسوب على تركيا وله قوات خاصة به تسمى "بيشمركة روج آفا") للتحركات الانفصالية الحالية لأكراد العراق، ويُشار في هذا السياق إلى أن حزب "الاتحاد الديمقراطي الكردستاني" السوري بزعامة "صالح مسلم" وجناحه العسكري "وحدات حماية الشعب" الكردية يؤيد المسعى الانفصالي الحالي لإقليم كردستان، على اعتبار أنه مقدمة للوصول إلى حلم دولة كردستان الكبرى في المنطقة، والتي ستضم أكراد سوريا والعراق وإيران وتركيا. 

4. الخلاف حول المؤسسة التي سوف تقوم بتنفيذ عملية الاستفتاء والإشراف عليها، ويتضح ذلك من إصرار حركة "التغيير" على أن يكون البرلمان الذي تم تعطيله منذ أكتوبر 2015، هو الجهة المخولة بالقيام بتلك العملية، ويعني ذلك ضمنيًّا اشتراط حركة "التغيير" إعادة تفعيل برلمان الإقليم كشرط مبدئي للموافقة على انخراط الحركة في عملية الاستفتاء، وهو ما يتناقض مع إعلان الحزب "الديمقراطي" تنظيم انتخابات تشريعية جديدة في الإقليم في نوفمبر المقبل.

ارتدادات مباشرة: 

مما لا شك فيه أن تحديد أكراد العراق موعدًا للانفصال سينعكس بشكل مباشر على الأكراد في دول الإقليم، وسيعطي زخمًا متصاعدًا لمشروع الأكراد في تركيا وإيران وسوريا، وهو ما قد يشكل تهديدًا صريحًا لوحدة هذه الدول.

وتعد تركيا المتضرر الأكبر من هذا الأمر، وذلك في ضوء التماس المباشر جغرافيًّا لأكراد العراق مع الحدود التركية، ما سيساهم في زيادة التصعيد والعنف بين الحكومة التركية والأكراد، وبالتبعية زيادة حالة عدم الاستقرار في الداخل التركي. ومن المتوقع أن تكثف أنقرة من جهودها خلال الفترة المقبلة لإفشال السعي الكردي نحو الانفصال، على اعتبار أن ذلك يُعد خطًّا أحمر بالنسبة لها، وذلك على الرغم من العلاقات الاقتصادية القوية بين أنقرة وأربيل. 

وفي السياق ذاته، ستنعش خطوة أكراد العراق نظراءهم في إيران، حيث من المتوقع تكثيف الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني (الذي يرتبط بعلاقات واسعة مع باقي الأحزاب الكردية الإيرانية المسلحة مثل حزب بيجاك) من عمله المسلح ضد الحكومة الإيرانية انطلاقًا من مقره بجبال قنديل الواقعة على الحدود الإيرانية العراقية. 

ومن المتوقع كذلك أن يسعى أكراد سوريا إلى استغلال هذه التطورات للدفع نحو إقامة نظام فيدرالي في المناطق الخاضعة لسيطرتهم بشمال البلاد (مناطق روج آفا بالكردية)، والتمهيد لفرض ذلك كأمر واقع على باقي الأطراف المنخرطة حاليًّا في الصراع السوري، سواء كانت محلية أو دولية، وطرح أنفسهم كطرف أساسي في أية معادلة سورية قادمة. 

وستعطي التحركات الانفصالية لأكراد العراق دفعة ليس لأكراد المنطقة وحدهم، ولكن لطوائف أخرى في منطقة الشرق الأوسط، لمناقشة التوجه الانفصالي نفسه، ومحاولة تسويقه إقليميًّا ودوليًّا. وفي هذا الصدد من المتوقع تكثيف القوى السنية العراقية من تحركاتها الممهدة للانفصال عن الدولة العراقية، والبناء على الاجتماعات الدورية المكثفة التي تقوم بها القوى السنية خارج العراق لبحث هذا الشأن.

تصعيد مقبل: 

على الرغم من توحد الجيش العراقي وقوات البيشمركة في مواجهة الخطر المشترك المتمثل في تنظيم داعش في معركة الموصل، إلا أنه مع اقتراب زوال هذا العدو، برزت الأجندات المتناقضة لكليهما، خاصة مع لجوء أربيل إلى فتح ملف الانفصال بقوة.

وتأتي جهود "مسعود بارزاني" الهادفة إلى الانفصال عن بغداد، ضمن محاولات تشتيت الانتباه عن القضايا الداخلية في الوقت الحالي، والتي يأتي على رأسها أزمة رئاسة الإقليم، وذلك بالسعي لتشتيت جهود معارضيه الرافضين لبقائه في منصبه، من خلال دفع قضية الانفصال للصدارة في ضوء كونها قضية قومية داخلية. 

ومن الواضح أن المواجهة الحالية بين بغداد وأربيل حول قضية الانفصال وحّدت الحزبين الرئيسيين في الإقليم، وهما الحزب "الديمقراطي" وحزب "الاتحاد الوطني"، وهو ما يصب في صالح رئيس الإقليم "مسعود بارزاني" المنتهية ولايته منذ أغسطس 2015.

وعلى الرغم من اجتماع القوى الكردية -على اختلافها- على حتمية الانفصال عن بغداد؛ فإن بعض القوى -وفي مقدمتها حركة التغيير- ترى ضرورة خلق أرضية وظروف مناسبة قبل الاستفتاء على الانفصال، وفي مقدمة ذلك حل أزمة الفراغ المؤسسي الحالي في الإقليم. 

وبشكل عام، يمكن القول إن العلاقة بين بغداد وأربيل ستكون أكثر حدة في مرحلة ما بعد داعش، في ضوء إصرار "مسعود بارزاني" على المضي قدمًا نحو إنجاح الانفصال عن الحكومة المركزية، وذلك استنادًا إلى الأوراق التي يملكها.

ومن المتوقع في هذا الإطار أن يتزايد مسعى إقليم كردستان للضغط بقوة بورقة الانفصال خلال الفترة المقبلة للحصول على أعلى مكاسب ممكنة تتناسب مع حجم الإنجاز الذي حققته قوات البيشمركة في الحرب ضد داعش، والسعي لوضع الحكومة المركزية في موقف رد الفعل، بما يُعظّم من حجم المكاسب التي سيأخذها الإقليم من بغداد بعد الجلوس على مائدة التفاوض.