يبدو أن الهجمات التي استهدفت مبنى مجلس الشورى الإسلامي الإيراني (البرلمان) ومرقد الخميني في 7 يونيو 2017 وأسفرت عن مقتل 17 وجرح نحو 50 آخرين، سوف تفرض تداعيات مباشرة سواء على توازنات القوى السياسية داخل إيران خلال الفترة الثانية للرئيس حسن روحاني، أو على اتجاهات السياسة الخارجية الإيرانية، خاصة أنها تزامنت مع تصاعد حدة الصراعات السياسية التي يتوقع أن يتسع نطاقها خلال الأعوام الأربعة المقبلة، ومع تفاقم الضغوط الخارجية التي تتعرض لها إيران بسبب تدخلاتها في الشئون الداخلية لدول المنطقة ودعمها للإرهاب ودورها في زعزعة الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.
دلالات عديدة:
تطرح هذه الهجمات التي تعرضت لها إيران دلالات ثلاثة رئيسية: يتمثل أولها، في أنها وقعت في العاصمة طهران واستهدفت المؤسستين السياسية والدينية للنظام السياسي، ممثلة في مجلس الشورى الإسلامي ومرقد قائد الثورة ومؤسس الجمهورية، بما يعني أن الجهة المسئولة عن تنفيذها سعت إلى توجيه رسالة مباشرة للنظام الإيراني بأن مؤسساته المختلفة ربما تصبح أهدافًا لها خلال المرحلة القادمة، خاصة أن الهجمات وقعت بعد ثلاثة أيام فقط من ذكرى وفاة الخميني في 4 يونيو 1989.
وثانيها، أن طريقة تنفيذ هذه الهجمات تكشف خللا أمنيًا واضحًا، على عكس الادعاءات التي روجتها السلطات الإيرانية في الفترة الماضية، والتي كانت تقوم على أن إيران هى الدولة الأكثر استقرارًا في المنطقة وسط محيط إقليمي يتسم بالاضطراب، وهو ما تؤكده الرواية الرسمية للسلطات الإيرانية، التي تشير إلى أن مهاجمي البرلمان دخلوا من البوابة الخاصة بالمراجعين والموظفين بزعم لقاء بعض النواب ومتنكرين في زى نسائي، وذلك خلال تظاهرة نظمها بعض المودعين الذين خسروا أموالهم في مؤسسة "كاسبين" المالية.
وربما يشير ذلك إلى أن الجهة المنفذة قامت بالتخطيط للهجمات منذ فترة واستغلت الاحتجاجات لتمكين عناصرها من تجاوز الإجراءات الأمنية، فضلا عن أنها استطاعت، على ما يبدو، تكوين خلية تمتلك قدرات تدريبية عالية، وهو ما أشار إليه رئيس لجنة السياسة الخارجية والأمن القومي بمجلس الشورى علاء الدين بروجوردي. كما طُرحت أيضًا تساؤلات عديدة عن كيفية نجاح المهاجمين في الوصول إلى ضريح الخميني، الذي يحظى بأهمية خاصة داخل إيران، لاعتبارات سياسية ودينية عديدة.
وثالثها، أن ثمة ارتباكًا في تعامل السلطات الإيرانية مع هذه الهجمات. فقد وجهت بعض الاتجاهات في البداية اتهامات أولية لمنظمة "مجاهدي خلق" المعارضة بالمسئولية عنها، لكن تم التراجع عن ذلك بالتأكيد على أن تنظيم "داعش" هو المسئول عنها، بعد صدور بيان من وزارة الأمن، في 8 يونيو 2017، كشف أن خلية "داعشية" شاركت في عمليات خارج إيران، لا سيما في الموصل والرقة، هى المسئولة عن الهجمات، بعد أن نجحت في دخول الأراضي الإيرانية في يوليو 2016.
وربما يمكن القول إن هذا الارتباك يفسر أحد الأسباب التي دفعت بعض العناصر التي تنتمي للمعارضة أو القوميات الإيرانية إلى عدم استبعاد تورط النظام الإيراني نفسه في تلك الهجمات وذلك لتحقيق أهداف خاصة بإعادة ضبط توازناته الداخلية وتقليص حدة الضغوط الخارجية المفروضة عليه بسبب دعمه للإرهاب.
تداعيات محتملة:
يبدو أن هذه الهجمات سوف تفرض تداعيات عديدة على إيران خلال المرحلة القادمة. إذ أن وقوعها في هذا التوقيت يمثل فرصة لخصوم الرئيس حسن روحاني فضلا عن المؤسسات النافذة في النظام من أجل تصعيد حدة الضغوط التي تمارسها على الرئيس بعد نجاحه في الفوز بالانتخابات الرئاسية من جولتها الأولى وبفارق كبير عن المشرف على العتبة الرضوية إبراهيم رئيسي الذي دعمته بهدف تعزيز فرصه في انتزاع منصب الرئيس من تيار المعتدلين.
كما أن هذه المؤسسات ربما تستغل الهجمات من أجل فرض مزيد من القيود على الأنشطة السياسية والاجتماعية والإعلامية خلال المرحلة القادمة، بشكل سوف يحرج الرئيس روحاني أمام قاعدته الشعبية التي صوتت له بكثافة ليس فقط من أجل تمكينه من الفوز على إبراهيم رئيسي، وإنما أيضًا بهدف تعزيز قدرته على فتح الملفات الخلافية التي تحظى باهتمام خاص من جانبها، على غرار رفع الإقامة الجبرية عن مير حسين موسوي ومهدي كروبي وتوسيع هامش الحريات الاجتماعية والسياسية والانفتاح على الخارج وغيرها.
وهنا، أشارت اتجاهات عديدة إلى أن هذه الهجمات تعيد إلى الأذهان مرحلة الاغتيالات التي طالت عددًا من الكتاب والصحفيين الإيرانيين خلال عهد الرئيس الأسبق محمد خاتمي (1997-2005)، واستغلها المحافظون والمؤسسات الرئيسية في فرض مزيد من الضغوط على الرئيس وعرقلة برامجه السياسية والاقتصادية والاجتماعية المختلفة.
وبعبارة أخرى، فإن هذه الهجمات سوف تضيف ملفًا جديدًا من الملفات التي يستخدمها خصوم الرئيس روحاني لممارسة ضغوط عليه، على غرار فشل الحكومة في الحصول على عوائد الاتفاق النووي، والتوصل إلى حلول لبعض المشكلات الاقتصادية القائمة، ومواجهة الفساد.
استغلال الهجمات:
فضلا عن ذلك، فإن النظام الإيراني ربما يسعى إلى استغلال تلك الهجمات من أجل توجيه رسائل إلى الخارج، وتحديدًا إلى القوى الإقليمية والدولية المعنية بالحرب ضد الإرهاب، مفادها أن تلك الهجمات تمثل ردًا من جانب تنظيم "داعش" على مشاركة إيران في الحرب ضده، لا سيما في مدينة الموصل بشمال العراق، والتي أوشكت على الانتهاء.
وقد سارع بعض المسئولين الإيرانيين بالفعل إلى الترويج لهذه المزاعم عقب وقوع تلك الهجمات، بشكل يشير إلى أن طهران تسعى إلى تقليص حدة الضغوط الخارجية المفروضة عليها بسبب دعمها للإرهاب، والتي يبدو أنها ستتصاعد خلال المرحلة القادمة، خاصة مع تزايد احتمالات تعرضها لمزيد من العقوبات الأمريكية، بسبب دورها في زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط.
لكن هذه المزاعم الإيرانية لا تتوافق مع المعطيات الموجودة على الأرض، التي تشير إلى حقيقتين: الأولى، أن الدعم الإيراني للميليشيات الطائفية الموالية لها في شمال العراق، والتي ارتكبت انتهاكات عديدة لحقوق الإنسان كان من أهم الأسباب التي ساعدت التنظيم على الانتشار في شمال العراق والسيطرة على بعض المدن الرئيسية منذ منتصف عام 2014.
والثانية، أن العلاقة بين إيران والتنظيمات الإرهابية لم تكن عدائية على النحو الذي تحاول إيران الترويج له، بدليل أنها لم تُستهدف من قبل تلك التنظيمات خلال الفترة الماضية، رغم أن هذه التنظيمات موجودة في دول الجوار، مثل أفغانستان والعراق، بل إن ثمة مؤشرات عديدة تكشف إن الطرفين توصلا إلى تفاهمات أو هدنة ضمنية خلال المرحلة الماضية تقضي بعدم استهداف مصالح بعضهما البعض، خاصة في ظل الدور الذي قامت به إيران سواء في إيواء بعض العناصر الإرهابية على أراضيها، أو السماح بانتقالهم عبرها إلى كل من أفغانستان والعراق منذ مرحلة الحرب الأمريكية على أفغانستان عام 2001.
وعلى ضوء ذلك، ربما يمكن القول في النهاية إن تلك الهجمات قد تمثل بداية لمرحلة جديدة سوف تشهد فيها إيران تطورات جديدة سواء على صعيد التوازنات الداخلية، أو على مستوى التفاعلات الخارجية.