أثارت عودة قلب الدين حكمتيار زعيم "الحزب الإسلامي" إلى العاصمة الأفغانية كابول، في 4 مايو 2017، بعد غياب دام ما يقرب من 20 عامًا، عقب توقيع اتفاق سلام مع الحكومة الأفغانية، في سبتمبر 2016، بدعم من جانب القوى الدولية المعنية بالأزمة الأفغانية، تساؤلات عديدة حول مغزى توقيت تلك الخطوة وتداعياتها المحتملة على تطورات المشهد السياسي وحالة الاستقرار الأمني في أفغانستان، خاصة وأنها تزامنت مع ذكرى ما يسمى بـ"يوم انتصار المجاهدين" فى إبريل 1992، بشكل يشير إلى أن "الحزب الإسلامي" بقيادة حكمتيار ربما يسعى إلى العودة من جديد للساحة السياسية الأفغانية مع إجراء تغييرات بارزة في التوجهات العامة التي يتبناها للتجاوب مع التطورات السياسية والأمنية التي تشهدها أفغانستان في الفترة الحالية.
دوافع متعددة:
أبرم "الحزب الإسلامي" اتفاق سلام مع حكومة الرئيس أشرف غني في سبتمبر 2016، قضى بأن يتخلى الحزب عن النشاط العسكري مقابل الانخراط في العمل السياسي، على أن تقوم الحكومة بإطلاق سجناء من الحزب وحذف اسم حكمتيار من ما يسمى بـ"القوائم السوداء" لدى الولايات المتحدة الأمريكية والأمم المتحدة.
ويبدو أن هناك جملة من الأسباب التي دفعت الحكومة والحزب إلى إبرام هذا الاتفاق، يتمثل أبرزها في:
1- الاستفادة من العفو: إذ أدى الاتفاق إلى رفع العقوبات التي كان يفرضها مجلس الأمن على حكمتيار في فبراير 2017، بشكل مهد المجال أمام عودته إلى كابول مرة أخرى، كما ساهم في رفع التجميد عن أصوله. وقد أثار ذلك انتقادات قوية من جانب بعض القوى الأفغانية والمنظمات المعنية بحقوق الإنسان، التي وجهت اتهامات لحكمتيار بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان والمسئولية عن مقتل عدد كبير من المدنيين بعد أن أعطى، وفقًا لها، تعليمات بإطلاق صواريخ عشوائية على كابول في تسعينيات القرن الماضي.
2- استعادة النفوذ السياسي: يبدو أن حكمتيار يرغب من خلال عودته إلى العاصمة من جديد إلى التحول لطرف سياسي بارز على الساحة الأفغانية، حيث أشار إلى أنه لا ينوى لعب دور ثانوي فى الحياة السياسية، وهو ما أثار قلقًا ملحوظًا من جانب بعض القوى السياسية، خاصة بعد أن شكك فى اتفاق تقاسم السلطة الذي تم إبرامه بين الرئيس أشرف غني ورئيس الهيئة التنفيذية عبدالله عبدالله، والذي توسطت فيه الولايات المتحدة الأمريكية، وكشفت مؤشرات عديدة عن أنه ربما يحاول استغلال الصراع الحالي بين الحكومة الأفغانية وحركة "طالبان" فى طرح نفسه كمساند للطرف الأول فى تلك المواجهة.
وقد أشارت اتجاهات عديدة إلى أن قيام حكمتيار بزيارة مدينة جلال أباد أولا قبل الوصول إلى العاصمة كابول فضلا عن تعمد أنصاره تنظيم حشد جماهيري كبير لاستقباله في الملعب الرئيسي بالعاصمة، كان خطوة متعمدة لتوجيه رسالة بأن الحزب ما زال يحظى بقاعدة شعبية سوف تمثل رصيدًا سياسيًا له خلال المرحلة القادمة، مع تحوله إلى طرف رئيسي في التفاعلات السياسية التي تشهدها أفغانستان.
3- استقطاب دعم الحزب في مواجهة "طالبان": تبذل الحكومة الأفغانية جهودًا حثيثة من أجل تعزيز قدرتها على مواجهة حركة "طالبان" وتنظيم "داعش" الذي يسعى إلى تكريس نفوذه في أفغانستان، في أعقاب تراجع سيطرته على مناطق رئيسية في سوريا والعراق. ومن هنا، فإن الحكومة ترى أن الاتفاق الجديد مع حكمتيار وعودة الحزب إلى خريطة القوى السياسية الرئيسية في أفغانستان يمكن أن يساعدها في مواجهة الطرفين، فضلا عن أن قادة وكوادر الحزب يمتلكون خبرة عسكرية نتيجة مشاركتهم في المعارك المسلحة التي شهدتها أفغانستان خلال فترة الحرب الأهلية بشكل سوف يدعم جهودها في هذا السياق.
4- تعزيز سلطة الرئيس: تشير اتجاهات عديدة إلى أن الرئيس الأفغانى أشرف غني، الذى أبرم الاتفاق مع حكمتيار وحزبه، وينتمي إلى نفس عرقيته، يهدف إلى تعزيز سلطته في الدولة، وتقوية نفوذه من خلال هذا الاتفاق، فى ظل الصراع المكتوم بينه وبين رئيس الهيئة التنفيذية عبد الله عبد الله، الذي يتقاسم معه السلطة في البلاد.
تأثيرات محتملة:
أبدت كثير من القوى والأطراف الدولية المعنية بالأزمة الأفغانية دعمها لاتفاق السلام الذي أدى إلى عودة حكمتيار من جديد إلى العاصمة كابول، خاصة بعد الخطاب الذي ألقاه فى 29 إبريل 2017، والذي دعا فيه "إلى فتح صفحة جديدة وتجاوز الماضي والعمل على إعادة بناء الدولة الأفغانية بمشاركة الجميع، وعدم إقصاء أى طرف"، مطالبًا حركة "طالبان" بـ"ترك السلاح والدخول فى عملية المصالحة". وبالطبع، فإن ذلك يعود إلى أن تلك القوى ترى أن هذه الخطوة ربما تنتج تداعيات إيجابية عديدة على أفغانستان. لكن ذلك لا ينفي أن ثمة تأثيرات أخرى لا يمكن تجاهلها قد تفرضها عودة حكمتيار وحزبه إلى العمل السياسي من جديد.
إذ أن ذلك قد يؤدي، على عكس ما تتوقعه بعض الاتجاهات، إلى تصاعد حدة الصراع مع "طالبان"، التي طالبها حكمتيار بـ"إلقاء السلاح والعودة إلى الرشد وعدم القتال فى حرب لا طائل من ورائها والانخراط فى العملية السياسية"، وهو ما سارعت الحركة إلى رفضه، معتبرة أن إقدام الحكومة على إبرام اتفاق مع حكمتيار يهدف إلى إجراء تغيير في توازنات القوى لصالح الحكومة. ومن دون شك، فإن ذلك سيزيد من احتمالات اندلاع مواجهات مسلحة بين "طالبان" و"الحزب الإسلامي"، بل قد يدفع الأولى إلى رفع مستوى عملياتها ضد القوات الحكومية، حتى توجه رسالة بأن عودة حكمتيار سوف تؤدي إلى تفاقم الاضطرابات الأمنية ولم تساهم في تقليص حدة الصراع.
فضلا عن ذلك، أثارت عودة حكمتيار إلى كابول وتوقيعه اتفاق سلام مع الحكومة مخاوف عديدة لدى "تحالف الشمال" الذي تتسم علاقته مع "الحزب الإسلامي" بالعداء والتوتر المستمر، ومن ثم فإن انخراط حكمتيار في العمل السياسي وسعيه للتحول إلى قوة سياسية بارزة في المشهد الأفغاني ربما يؤدي إلى توسيع نطاق التوتر مع "تحالف الشمال"، الذي قد يسعى بدوره إلى تأسيس تحالفات أخرى من قوى مناوئة لحكمتيار من أجل منع الأخير من تغيير توازنات القوى السياسية لصالحه.
ومع ذلك، لا يمكن إغفال أن حكمتيار يمتلك خبرة واسعة في التعامل مع خصومه وحلفاءه السابقين في آن واحد، خاصة أنه كان حريصًا دائمًا على توسيع هامش الخيارات المتاحة أمامه وتبنى في بعض الأحيان سياسة "الأبواب غير الموصدة" وذلك تحسبًا لتغير الظروف السياسية سواء داخل أفغانستان أو خارجها، بشكل سوف يكون له تأثير بارز على مدى قدرته على إعادة صياغة أنماط تحالفاته وتفاعلاته مع القوى السياسية الرئيسية والتنظيمات الإرهابية المسلحة الموجودة على الساحة الأفغانية.