تبذل دول عديدة في منطقة الشرق الأوسط جهودًا حثيثة، سواء على المستوى الثنائي أو الجماعي، لتعزيز التعاون والتكامل في مجال إمدادات الكهرباء. وهذا النشاط التعاوني يأتي في إطار التوقعات القائمة بزيادة طلب المنطقة على الكهرباء خلال السنوات القادمة في ظل التنبؤ بمعدلي نمو سكاني واقتصادي مرتفعين في السنوات المقبلة.
ومؤخرًا، شهدت المنطقة العديد من المبادرات الجدية لتعزيز التعاون الكهربائي، ومن أهمها مبادرة إنشاء سوق عربية مشتركة للكهرباء، والتي تشكلت بموجب توقيع مذكرة تفاهم بين 14 دولة عربية في هذا الصدد في 7 إبريل 2017. وعلى الصعيد الثنائي أيضًا، كثفت العديد من دول المنطقة مثل تونس، وتركيا، وليبيا من جهودها لدعم ترابطها الكهربائي مع الدول المجاورة، سواء بالإقليم أو أوروبا.
ومن المرجح أن يؤدي نجاح بعض دول المنطقة، سواء في دعم التكامل الكهربائي إقليميًّا أو مع دول أوروبية، إلى العديد من الفوائد الاقتصادية والتجارية التي يتمثل أهمها في الإسهام في التخفيف من حدة أزمات الطاقة المستمرة بالمنطقة، بالإضافة إلى تقليص الأعباء الرأسمالية اللازمة لإنشاء شبكات ومحطات الكهرباء، فضلا عن خلق وفورات تشغيلية في إنتاج الكهرباء.
وبالرغم من قدرات المنطقة الممكنة على صعيد الترابط الكهربائي، إلا أن تجاربها السابقة -في هذا الصدد- تشير إلى عدد من التحديات التي ينبغي تداركها مستقبلا، ومنها قصور آليات تنفيذ مشروعات الربط الكهربائي، فضلا عن التحديات الأمنية والجيوسياسية التي قد تعرقل تنفيذ هذه المشاريع مستقبلا في بعض الدول.
دوافع مستمرة:
واقع الأمر أن طلب منطقة الشرق الأوسط على الكهرباء سيزيد بدرجة كبيرة في السنوات المقبلة، بما يجعل مشروعات التكامل الإقليمي لشبكات الكهرباء إحدى الآليات الممكنة لتوفير إمدادات مستقرة وكافية للكهرباء مستقبلا. وفي الوقت نفسه، هناك عدة أسباب أخرى قد تزيد من ضرورتها، وهى ضعف الاستثمارات في مجال توليد الطاقة الكهربائية في بعض الدول مثل ليبيا، والعراق، وغيرها.
وفي الدول السابقة، أدت الاضطرابات السياسية والأمنية إلى تباطؤ إنجاز بناء محطات جديدة، كما تعرّضت القدرات الإنتاجية للكهرباء فيها-في الوقت نفسه- لتدمير كبير. وتشير التوقعات إلى أن المنطقة في حاجة إلى إضافة طاقة كهربائية بنحو 147 جيجاوات خلال الفترة من 2016-2020، في حين تبلغ القدرة الحالية للكهرباء قرابة 315 جيجاوات.
ولتوفير القدرات الكهربائية السابقة، فإن المنطقة على ما يبدو في حاجة إلى ضخ استثمارات بقيمة 334 مليار دولار خلال الفترة المشار إليها سابقًا. وكمثال على ذلك، تحتاج إيران لاستثمار 63 مليار دولار لزيادة 23 جيجاوات لطاقتها الكهربائية لتبلغ 93 جيجاوات على مدى السنوات الخمس المقبلة، وتحتاج العراق إلى 40 مليار دولار لمضاعفة إنتاجها إلى 29 جيجاوات.
أطر مختلفة:
على مدار الأشهر الماضية، ظهرت العديد من أطر التعاون في مجال الربط الكهربائي بالمنطقة، سواء على المستوى الثنائي أو الجماعي، وفيما يلي أبرزها:
1- تكامل عربي: يتمثل أحد أهم أطر التعاون التي شهدتها المنطقة -مؤخرًا- على صعيد التكامل الكهربائي، في توقيع 14 دولة عربية مذكرة تفاهم لإنشاء سوق عربية مشتركة للكهرباء في 7 إبريل الجاري، وذلك على هامش أعمال الدورة الثانية عشرة للمجلس الوزاري العربي للكهرباء. ومن دون شك فإن الخطوة السابقة ستقدم مزيدًا من الدعم الفني والتنفيذي لمشروعات التكامل الكهربائي العربي والإقليمي التي بدأت منذ منتصف القرن الماضي، مثل مشروع الربط الثماني، ومشروع الربط المغاربي.
2- شبكة دولية: تعد تركيا من أوائل الدول في المنطقة التي اعتمدت على أوروبا في توفير إمدادات الكهرباء، ونظرًا لقربها الجغرافي من القارة، فإنها تعتمد على دول مثل اليونان وبلغاريا وجورجيا، بالإضافة إلى إيران، في الحصول على الكهرباء. في حين أن المغرب لديها شبكة ربط كهربائي مع إسبانيا بطاقة 1400 ميجاوات، وهو ما يوفر قرابة خمس الاستهلاك المحلي من الكهرباء في المغرب.
وهناك فرص أخرى لزيادة التعاون بين بعض دول الإقليم ومنطقة أوروبا في مجال الكهرباء، حيث تشير الزيادة في قدرة توليد الكهرباء بجنوب أوروبا إلى إمكانية استيراد الكهرباء من القارة. وفي الأشهر الماضية، عززت تونس وليبيا من مساعيها لاستيراد الطاقة من بعض الدول الأوروبية، لا سيما إيطاليا واليونان وقبرص.
وفي هذا الإطار، أعلنت شركة الكهرباء الليبية، في أكتوبر 2016، عن خطط للربط الكهربائي بين ليبيا وكل من إيطاليا واليونان لسد العجز في إنتاج الطاقة الكهربائية بالبلاد، بينما سعت الحكومة التونسية أيضًا إلى إحياء مشروع الربط الكهربائي مع إيطاليا البالغة طاقته المبدئية 600 ميجاوات واللازم لتنويع مصادر استيراد الطاقة لديها، حيث تقدمت بطلب للاتحاد الأوروبي بتمويله بقيمة 600 مليون يورو، وذلك في أكتوبر من العام الماضي أيضًا.
3- تعاون ثنائي: يوفر التكامل الكهربائي الثنائي إحدى الآليات الأخرى لتعزيز التعاون في مجال توفير إمدادات الكهرباء. وحاليًّا، تعتمد ليبيا على توفير 200 ميجاوات من الطاقة الكهربائية من مصر وتونس.
عوائد متعددة:
نظريًّا، هناك العديد من الفوائد التي يمكن أن توفرها مشروعات الربط الكهربائي، سواء على المستوى الاقتصادي أو التجاري أو الفني. وتتمثل إحدى أهم هذه الفوائد لربط عدة شبكات كهربائية، في تقليل القدرة الاحتياطية المركبة في كل شبكة، وبالتالي تخفيف الأعباء الرأسمالية، وكذلك تخفيض تكاليف التشغيل والصيانة للمحطات الكهربائية. فضلا عن أن تعزيز التكامل الكهربائي يساهم في الاستفادة من انخفاض تكلفة توليد الكهرباء في الدول المجاورة، كما يبدو الوضع في تكلفة استيراد المغرب للكهرباء من إسبانيا.
وبحسب البنك الدولي، من الممكن أن يعمل إنجاز مشروعات التكامل الكهربائي الإقليمية على تقليل الحاجة المستقبلية لقدرات إضافية لتوليد الطاقة الكهربائية من 135 جيجاوات إلى 102 جيجاوات، وبما قد يمثل انخفاضًا كبيرًا في قيمة الاستثمارات المطلوبة.
وفي الاتجاه نفسه، يُشير الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي إلى أن المنافع الاقتصادية الرأسمالية الناجمة عن مشاريع الربط قد تصل على مدى 15 عامًا إلى حوالي 3.7 مليارات دولار ناتجة عن تأجيل الحاجة إلى إضافة توليد بقدرة حوالي 6.5 جيجاوات.
تحديات قائمة:
على الرغم من جهود بعض دول الشرق الأوسط لتعزيز الترابط الكهربائي، إلا أن التبادل التجاري الحالي للطاقة الكهربائية بين الدول العربية محدود، ولم يتجاوز بأية حال نسبة 2% من الطاقة الإنتاجية المتاحة للمنظومة الكهربائية العربية، وهذا يعني أن المنطقة العربية هي الأقل تكاملا على صعيد التبادل التجاري للطاقة الكهربائية على مستوى العالم.
وفي الماضي، واجهت مشروعات التكامل الكهربائي العربية الرئيسية عددًا من التحديات التي يتمثل أبرزها في القصور في آليات تنفيذ المشروعات، إلى جانب عدم توفر رؤوس الأموال اللازمة لتنفيذها، يضاف إليها في الوقت الراهن ضعف اقتصاديات بعض هذه الدول، إلى جانب الصراعات الأمنية والسياسية.
كما يشير البنك الدولي في دراسة صادرة عام 2013 حول تقييمه لبعض مشاريع شبكات الربط إلى عدد من العقبات التي واجهتها، وهي محدودية هوامش احتياطي التوليد الكهربائي ببعض الدول العربية، إلى جانب غياب وجود إطار تنظيمي متناسق يضم قواعد واضحة تنظم تجارة الكهرباء.
وفي ضوء المعوقات الكثيرة السابقة لمشروعات الربط الكهربائي الإقليمي والعربي، والتي على ما يبدو أنها ستستمر لا سيما في ظل الضغوط الاقتصادية والسياسية التي تواجهها بعض دول المنطقة، فربما يُمكن القول إن الرهان المستقبلي لدول الإقليم في سد نقص الطاقة الكهربائية سيكون بالاعتماد على القارة الأوروبية، وهو ما يتيح مكاسب اقتصادية وجيوسياسية كبيرة لكلا الطرفين.