تسعى إيران مجددًا إلى رفع مستوى تعاونها مع روسيا، لا سيما بعد الخلافات التي تصاعدت بين الطرفين بسبب التباين في التعامل مع التطورات السياسية والميدانية في سوريا، والتي اتسع نطاقها بشكل واضح في مرحلة ما بعد انتهاء معركة حلب في منتصف ديسمبر 2016، خاصة في ظل مبالغة إيران في تقدير حجم إسهامها في المواجهات المسلحة المختلفة وفي المكاسب التي تتوقعها مع الانتقال من مرحلة الصراع إلى مرحلة التسوية السياسية، في مقابل حرص روسيا على تأكيد أن تدخلها في الصراع هو الذي ساهم في تغيير توازنات القوى وتعزيز موقع النظام السوري وحلفاءه في المفاوضات التي أجريت في الأستانة وجنيف خلال الفترة الأخيرة.
وفي هذا السياق، قدمت إيران عروضًا جديدة لروسيا خلال الزيارة التي قام بها الرئيس الإيراني حسن روحانى إلى موسكو في 27 مارس 2017، حيث أعلن وزير الخارجية محمد جواد ظريف عن إمكانية عودة موسكو إلى استخدام القواعد العسكرية الإيرانية لشن هجمات جوية داخل الأراضي السورية، على الرغم من أن استخدام تلك القواعد لم يعد يحظى باهتمام خاص، على ما يبدو، من جانب الأخيرة، في ظل تراجع العمليات العسكرية الميدانية في سوريا وتركيز موسكو على تثبيت وقف اتفاق النار ومواصلة المفاوضات بين النظام السوري وقوى المعارضة.
رسائل مباشرة:
لكن هذه الجهود الإيرانية ربما تواجه عقبات عديدة خلال المرحلة القادمة، وذلك لاعتبارات مختلفة، يتمثل أبرزها في تعمد روسيا توجيه رسائل عديدة إلى إيران في مرحلة ما بعد انتهاء معركة حلب والوصول إلى اتفاق وقف إطلاق النار. ففي الأسبوع الأخير من ديسمبر 2016، نشرت روسيا كتيبة شرطة عسكرية في حلب، وبدأت هذه الكتيبة في ممارسة دور جديد داخل سوريا، بشكل سعت من خلاله روسيا إلى تأكيد تحولها إلى ضامن رئيسي للترتيبات الأمنية التي تمت صياغتها مع الوصول لاتفاق وقف إطلاق النار، حيث تضطلع تلك الكتيبة، وفقًا لقائدها الرائد رسلان حجييف، بمسئوليات الأمن العام والتدريب وبعض النواحي الإنسانية، وقد أشرفت على عملية إخلاء حى الوعر بالإضافة إلى تدريب وتأهيل عناصر من الشرطة العسكرية السورية على عمليات تأمين المناطق والاشتباك المحدود وتأمين الأطراف، وهى المهام التقليدية للشرطة العسكرية.
وقد أثار ذلك انتقادات من جانب بعض القيادات الميدانية الإيرانية التي تشارك في المواجهات العسكرية داخل سوريا، والتي اعتبرت أن نشر تلك الكتيبة يهدف إلى تقليص دور الميليشيات الحليفة لإيران على الأرض والتي تقوم ببعض تلك المهام، في مقابل دعم جهود روسيا لتعزيز نفوذها، خاصة بعد تراجع الهجمات الجوية التي تقوم بها، والتي مثلت الآلية الرئيسية في تكريس الدور الروسي، عسكريًا وسياسيًا، في الصراع السوري منذ بداية التدخل الروسي في سبتمبر 2015.
وقد كان لافتًا أيضًا أن هذه الكتيبة الروسية ضمت، وفقًا لتقارير عديدة، عناصر متعددة دينيًا، بما يعنى أنها "كتيبة عابرة للطائفية" وهو ما يمثل أيضًا رسالة لإيران بأن روسيا ضد العمل على إجراء تغييرات في التوازنات الطائفية داخل المناطق التي يتم إنهاء المواجهات المسلحة فيها منعًا لظهور نزاعات تالية ذات طابع ديني في المرحلة التالية على انتهاء الصراع المسلح.
كما أن روسيا لم تقم بالتنسيق مع إيران قبل نشر تلك الكتيبة، وهو ما زاد من مخاوف الأخيرة إزاء إمكانية اتجاه الأولى، تدريجيًا، نحو تقليص مستوى تفاهماتها مع إيران لحساب التنسيق مع تركيا، وهو ما بدا جليًا خلال المفاوضات التي أجريت بين النظام وقوى المعارضة في الأستانة وجنيف.
مصالح متقاطعة:
وعلى ضوء ذلك، حرصت إيران خلال زيارة روحاني إلى موسكو على إضفاء نوع من الزخم على علاقاتها القوية مع روسيا، على المستويين السياسي والاقتصادي، وهو ما انعكس في توقيع نحو 14 اتفاقية بين الطرفين، وفي تأكيد مسئولين إيرانيين على أن هذه الزيارة سوف تساعد في دعم ما أسموه بـ"التحالف" مع روسيا ورفع مستوى التنسيق حول الملفات التي تحظى باهتمام مشترك، ولا سيما الملف السوري.
لكن اللافت هنا أن إيران لا تسعى من خلال ذلك إلى تقليص مساحة التباينات التي ظهرت في مواقف الدولتين تجاه التطورات السياسية والميدانية في سوريا فحسب، وإنما تحاول أيضًا الحفاظ على العلاقات مع الأخيرة في ظل الضغوط التي تتعرض لها في الوقت نفسه من جانب قوى إقليمية ودولية عديدة. فقد تصاعدت حدة التوتر في علاقاتها مع تركيا بسبب الخلاف حول الصراع في سوريا، خاصة بعد الانتقادات الأخيرة التي وجهها بعض المسئولين الأتراك إلى سياستها الإقليمية. كما يتسع نطاق خلافاتها مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ليشمل ملفات إقليمية عديدة إلى جانب الملف النووي، على غرار الوجود الإيراني في العراق وسوريا، واتهام إيران بدعم الإرهاب.
وبعبارة أخرى، فإن إيران ترى أن روسيا تمثل ظهيرًا دوليًا يمكن أن يساعدها في التعامل مع الضغوط التي تفرضها تلك القوى، سواء بسبب الاتفاق النووي الذي توجه إليه الإدارة الأمريكية انتقادات غير مسبوقة، أو بسبب دورها في زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط.
لكن ذلك لا ينفي أن روسيا كقوة دولية لديها حساباتها الخاصة، سواء في علاقاتها مع تركيا أو الولايات المتحدة الأمريكية، بشكل يوحي بأن الجهود التي تبذلها إيران لرفع مستوى التنسيق فيما بينهما في الملف السوري تواجه عقبات لا تبدو هينة. إذ أن موسكو تسعى إلى رفع مستوى التنسيق والتعاون مع أنقرة على المستويين السياسي والاقتصادي، وهو ما انعكس في الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى موسكو، في 10 مارس 2017، حيث أكد خلالها الرئيس الرئيس الروسي فيلاديمير بوتين على أن "موسكو وأنقرة أقامتا علاقات جيدة على مستوى الأجهزة الأمنية والعسكرية"، فيما تحدث أردوغان عن أهمية التعاون الاقتصادي خاصة في مجالي الصناعات الدفاعية والطاقة، كما طالب برفع العقوبات التي فرضتها روسيا بعد أزمة إسقاط المقاتلة الروسية في نوفمبر 2015.
فضلا عن ذلك، فإن روسيا تسعى إلى توسيع نطاق التفاهمات مع الإدارة الأمريكية، وتقليص مساحة الخلافات المحتملة بين الطرفين، وتحييد أية تداعيات قد تفرضها الاتهامات التي توجهها بعض الأطراف لروسيا بالتدخل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي أجريت في نوفمبر 2016. ومن هنا، ربما تسعى موسكو إلى عدم الدخول في خلافات مع واشنطن بسبب إيران.
وعلى ضوء ذلك، ربما يمكن القول إن زيارة روحاني قد تفرض تداعيات مهمة على صعيد العلاقات الاقتصادية بين الطرفين، في ظل سعى طهران إلى رفع مستوى التبادل التجاري مع موسكو، إلا أنها قد لا تؤدي إلى تقليص مساحة الخلافات بين الطرفين حول التطورات السياسية والميدانية في سوريا، في ظل صعوبة إقدام روسيا على إجراء تغييرات رئيسية في مواقفها، خاصة فيما يتعلق باستمرار التفاهم مع تركيا وتوسيع نطاق نفوذها على الأرض داخل سوريا.