أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

هل يستطيع ترامب وقف الحروب في أوكرانيا والشرق الأوسط؟

12 نوفمبر، 2024


تعهد الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، خلال حملته الانتخابية في أكثر من مناسبة، بوقف الحروب في أوكرانيا والشرق الأوسط. وتراوحت أحاديثه في هذا الشأن ما بين الإشارة إلى أنه لو كان رئيساً ما كانت هذه الحروب قد نشبت أصلاً، والتلويح بأنه عندما يصل إلى سدة الحكم، فإنه سوف يوقفها. والأرجح، أنه يتمنى ذلك فعلاً حتى لا تشغله عن القضايا الداخلية الرئيسية التي يريد التركيز عليها، وعلى رأسها الاقتصاد والهجرة.

صفقات ترامب:

يمكن النظر إلى هذه التصريحات والتعهدات في سياق ثقة ترامب بقوته، ودوره الشخصي في التأثير في الآخرين وفي مسار الأحداث. ويتفاخر ترامب بقدرته على إبرام الصفقات التي اكتسبها من خلفيته المالية والتجارية، وهو يسعى إلى حل المشكلات والأزمات السياسية بنفس المنهج؛ وذلك بعقد صفقات يستخدم في إبرامها الأدوات المتاحة له من حوافز إيجابية وكوابح سلبية. وأكد ترامب، مراراً وتكراراً، أن سياسته الخارجية لا تهدف إلى بدء الحروب، ولكن إلى وقفها وإنهائها، وإن كان قد اكتفى بالإشارة إلى ذلك دون أن يشرح تفصيلات كيف يحقق هذا الهدف. 

تنتهي الحروب أحياناً بانتصار أحد طرفيها وتحقيق أهدافه كاملة، واستسلام الطرف الآخر كما حدث في الحربين العالميتين الأولى والثانية. وفي أحيان أخرى، تنتهي عندما يشعر أحد الطرفين بأن تكلفة استمرار الحرب تفوق المكاسب المتوقعة منها؛ ومن ثم يسعى إلى المفاوضات مع الطرف الآخر لإنهاء الحرب. وفي هذه الحالات، من الأرجح أن يكون هناك طرف ثالث يقوم بالتوسط بين الأطراف المتحاربة، وتقريب وجهات النظر بينها، مستخدماً أدوات الترغيب والتهديد، للوصول إلى حلول يتعايش معها الطرفان.

لكن نجاح الطرف الثالث في تحقيق مهمته يتوقف على أدوات الترغيب (الحوافز)، والضغط أو التهديد (الكوابح) التي يملكها إزاء أطراف الصراع، ومدى تأثيرها فيهم، فكلما ازدادت قيمة الحوافز أو قسوة الضغوط، فإن احتمال نجاح دور الطرف الثالث يكون أكبر. يتوقف الأمر أيضاً على طبيعة الصراع، وعما إذا كان يدور حول خلافات دبلوماسية أو تجارية يمكن المساومة والوصول إلى حلول وسط بشأنها، أم أنها صراعات سياسية واجتماعية ممتدة تتعلق بالهوية ولها جذورها التاريخية والثقافية والدينية، أو أنها تستند إلى مظالم تاريخية يتناقلها الناس جيلاً بعد جيل، ففي هذه الحالة يصبح دور الطرف الثالث أكثر صعوبة، وإن لم يكن مستحيلاً.

الحرب الأوكرانية:

إذا بدأنا بالحرب في أوكرانيا، التي كرر ترامب أنه لو كان رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية لما اندلعت، وألقى باللوم على سوء إدارة جو بايدن لها التي أدت إلى استمرارها، ووصل الأمر به للقول إنه سوف ينهيها في 24 ساعة. ولكن من الواضح أن ترامب لا يملك الكثير من أدوات الضغط على روسيا، فقد فرضت واشنطن على موسكو منذ نشوب الحرب في فبراير 2022 مجموعات متتالية من العقوبات الاقتصادية، التي أثرت بالطبع في الاقتصاد الروسي، ولكنها لم توقف آلة الحرب الروسية، ولم تقلل من قدرتها على استمرار القتال وتحقيق مزيد من السيطرة على الأراضي الأوكرانية. وبالعكس، فإن قدرة ترامب على التأثير في القرار الأوكراني كبيرة، بحكم اعتماد كييف العسكري والاقتصادي على واشنطن والدول الأوروبية.

ومن منظور ترامب عن الصفقة الجيدة، فقد يكون من المتصور أن يستغل نجاح أوكرانيا في احتلال أجزاء من روسيا، ويعتبر أنها في موقف يسمح لها بالتفاوض معها، في الوقت الذي يتفاهم فيه مع الرئيس فلاديمير بوتين على صفقة يحصل فيها على عرض أفضل بشأن مطالبه الإقليمية في أوكرانيا، مقابل إنهاء الحرب التي استنزفت القدرات البشرية والاقتصادية لبلاده؛ بل ربما تتسع تلك الصفقة لتشمل حروب الشرق الأوسط.

وبينما لم يسارع بوتين بإرسال برقية لتهنئة ترامب بالفوز في اليوم التالي للانتخابات، وهو 6 نوفمبر 2024، فقد صرح الناطق الرسمي باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، بأن الوقت سوف يحدد ما إذا كان حديث ترامب عن إنهاء الحرب في أوكرانيا سوف يتحول إلى حقيقة أم لا، وأنه "إذا كانت الإدارة الأمريكية الجديدة ستبحث عن السلام، وليس عن استمرار الحرب، فسيكون ذلك أفضل"، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة قادرة على المساهمة في إنهاء هذا الصراع.  

وفي 7 نوفمبر الجاري، دخل الرئيس بوتين على الخط في مداخلته أمام منتدى سوتشي، فأعرب عن ترحيبه بأية مباحثات لإنهاء الحرب في أوكرانيا، مشيداً بشجاعة ترامب إزاء محاولات اغتياله المتكررة. وجاء الرد إيجابياً من واشنطن، فسارع ترامب بالتصريح بأنه يتطلع إلى الحديث مع بوتين قريباً. 

ويدعم احتمالات عقد صفقة بين واشنطن وموسكو، أن ترامب وبوتين نجحا في إقامة علاقات عمل أثناء فترة رئاسة الأول، وأن ترامب يعتبر الصين - وليس روسيا - التحدي الرئيسي للولايات المتحدة. ولكن هذا التوجه سوف تعترضه عدة صعوبات، مثل: حماس بعض الدول الأوروبية لدعم أوكرانيا وعدم رغبتها في أن تحقق روسيا انتصاراً، ودرجة تجاوب المؤسسات السياسية والأمنية الأمريكية كالبنتاغون ووكالة المخابرات المركزية ووكالة الأمن القومي مع هذا التوجه. 

حربا غزة ولبنان:

بخصوص الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، فقد أشار ترامب إلى أن هجوم السابع من أكتوبر 2023 على إسرائيل ما كان ليقع لو كان في الحكم. وينطلق ترامب من موقف الدعم الكامل لإسرائيل، والذي ظهر في فترة رئاسته الأولى في الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل مقر السفارة الأمريكية إليها، والاعتراف بضم إسرائيل لهضبة الجولان وبشرعية المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن. 

وانتقد ترامب بقوة المظاهرات الأمريكية المعارضة للعدوان الإسرائيلي، ودعا إدارات الجامعات والشرطة إلى اتخاذ إجراءات أكثر حسماً، كما دعا إسرائيل إلى الإسراع لتحقيق أهدافها، وخاطب نتنياهو بأن "عليك أن تنهيها وتفعل ذلك بسرعة". وفي مناسبة أخرى، عبّر ترامب عن موقفه بأنه "يدعم حق إسرائيل كسب حربها على الإرهاب"، على حد وصفه، وأن عليها "أن تنتصر بسرعة بغض النظر عما يحدث".

وانتقد ترامب سياسة إدارة بايدن وهاريس في اقتراح وقف إطلاق النار؛ كونها تضع قيوداً على حركة إسرائيل، موضحاً أن أي وقف لإطلاق النار هو لمصلحة حركة حماس؛ لأنه سوف يعطيها الفرصة لالتقاط الأنفاس وتجميع صفوفها وتخطيطها لهجوم جديد يماثل ما قامت به يوم 7 أكتوبر. وقال ترامب في مناظرته الأولى مع بايدن، إن "إسرائيل تريد استمرار الحرب، وينبغي السماح لهم بإنهاء عملهم".

ومؤدى ذلك أن مفهوم إنهاء الحرب على غزة يعني عند ترامب انتصار إسرائيل وتحقيقها لأهدافها، ويؤكد ذلك تصريح إحدى المتحدثات باسم حملته يوم إعلان نتائج الانتخابات الأمريكية بالتزام ترامب بإنهاء الحرب على غزة، وعندما سألها أحد الصحفيين عن كيفية تنفيذ ذلك قبل أن تحقق إسرائيل أهدافها، أجابت بأن إنهاء الحرب سوف يكون بما لا يهدد أمن إسرائيل. 

ومن الناحية العملية، فإن تطبيق ذلك يتطلب أن تنتهي إسرائيل من عدوانها قبل 20 يناير 2025، وهو تاريخ تسلم ترامب مهام الرئاسة رسمياً، وهذا هدف غير واقعي، فإذا كانت إسرائيل لم تتمكن من تحقيقه على مدى أكثر من عام، فليس من المتصور أن تحققه في شهرين. وإذا استمر ترامب في سياسات الدعم العسكري والسياسي الإسرائيلي؛ فإن ذلك سوف يقود إلى استمرار الحرب على جبهاتها المختلفة وإلى تعميق حالة الأزمة في الشرق الأوسط. 

ويعتقد البعض أن ثمة مخارج لتحقيق ترامب وعده بإنهاء الحرب على غزة، منها الآتي:

1- سيناريو أن يُعيد طرح ما سماه بـ"صفقة القرن"، وجوهرها التلويح بحوافز اقتصادية واستثمارية للفلسطينيين، يكون من شأنها إعادة الإعمار، وإعادة بناء الاقتصاد، وتحسين مستويات المعيشة وفرص الحياة. ويتطلب ذلك مبالغ هائلة من المال لن يكون ترامب مستعداً لتوفيرها من أموال دافعي الضرائب الأمريكيين؛ ومن ثم سوف يعمل على تحفيز عدد من الدول العربية الغنية ودول الاتحاد الأوروبي للمساهمة في هذا الأمر. ويعترض سبيل هذا السيناريو، الموقف الإسرائيلي المتمثل في إصرارها على السيطرة العسكرية، وأنشطة الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وموقف الفصائل الفلسطينية الرافضة لمثل هذا الحل، عندما لا يرتبط بمسار ينتهي بإقامة دولة فلسطينية. وهو ما ينطبق أيضاً على موقف السلطة الفلسطينية التي بعث رئيسها ببرقية تهنئة لنجاة ترامب من محاولة اغتياله، وبأخرى بعد فوزه في الانتخابات ربط فيها بين استعداده للعمل مع ترامب، وتحقيق السلام العادل على أسس الشرعية الدولية. 

2- سيناريو عقد ترامب صفقة مع إيران، يُنهي بها العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها ويحقق لها بعض طموحاتها، في مقابل توقفها عن دعم وكلائها بالمال والسلاح؛ ومن ثم يضطرون إلى وقف الحرب. ويعترض سبيل هذا السيناريو أيضاً، الموقف الإيراني ومدى استجابته لمثل هذا الطرح، والموقف الإسرائيلي المصمم على تدمير القدرة النووية الإيرانية. 

3- سيناريو عقد مؤتمر دولي للسلام تحت رعاية أمريكية، وهو ربما اقتراح غير واقعي، فكثير من الدول سوف تفضل رعاية الأمم المتحدة لمثل هذا المؤتمر، بينما يريد ترامب أن يحقق اختراقاً أمريكياً يُنسب لبلده وله. وينطبق نفس الشيء على سيناريو الضغط على إسرائيل لإنهاء الاحتلال والتجاوب مع المطالب الفلسطينية.

في هذا السياق، فإن أقصى ما قد يمكن تصوره في هذا الشأن، هو أن ينجح ترامب في تجميد الأوضاع، وإقامة هدنة تُوقف القتال في غزة لفترة، ليعود بعدها مرة أخرى. 

أما بخصوص الحرب الإسرائيلية على لبنان، فقد اكتسبت في تصريحات ترامب بعداً شخصياً، فابنته الصغرى، تيفاني، تزوجت في عام 2022 من مايكل بولس، وهو أمريكي لبناني، نجل مسعد بولس، الذي هاجر في شبابه إلى الولايات المتحدة. وشارك مسعد بولس في الحملة الانتخابية لترامب، وقام بدور كبير مع الجالية العربية في ولاية ميشيغان. وأشار ترامب إلى أنه تحدث مع مسعد بولس عن كيفية إنهاء الحرب في لبنان. وكتب ترامب رسالة إلى الجالية اللبنانية في الولايات المتحدة، تعهد فيها بدعم المجتمع في لبنان، والسعي لإحلال السلام في الشرق الأوسط والعالم. وهي الرسالة التي أشارت إليها مؤخراً مصادر قريبة من رئيس مجلس النواب اللبناني، نبيه بري. 

وقد تجمع صفقة ترامب اللبنانية بين انسحاب إسرائيل إلى خط الحدود بين البلدين، وإنشاء منطقة عازلة، وانتشار الجيش اللبناني وربما قوات أممية في مناطق الجنوب وحتى نهر الليطاني، واستكمال ذلك بإنهاء الشغور الرئاسي واختيار رئيس جمهورية جديد حتى تنتظم شؤون الحكم في لبنان. ويواجه هذا التصور تحديات عديدة، أبرزها عدم إمكانية نزع سلاح حزب الله، وأن اختيار رئيس للجمهورية مفروض من الخارج لن يكون من شأنه استقرار الأوضاع في لبنان.

الخلاصة، أن تعهدات ترامب بشأن إنهاء الحروب سواء في أوكرانيا أم الشرق الأوسط، قد تكون تمنيات صادقة ومرغوب فيها، ولكن طروحاته عامة ولا تتضمن كيفية تنفيذها، ولا الأدوات التي سوف يستخدمها في هذا الشأن، وأنه تواجهها صعوبات جمة في التطبيق، ولاسيما في حالة غزة لانحيازه التام لإسرائيل، ورفضه الاعتراف بأي حقوق وطنية للفلسطينيين؛ مما يضع أفكاره في طريق مسدود.