أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

الحل الثالث:

إشكاليات إعادة توطين اللاجئين بين التسييس وإزاحة الأعباء

07 أكتوبر، 2024


يشهد العالم في الوقت الحالي واحدة من أسوأ أزمات الهجرة القسرية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، مع تدفق عشرات الملايين عبر الحدود الدولية هرباً من دولهم الغارقة في أزمات الحروب والاقتتال والصراعات المسلحة الداخلية. وتستمر الصراعات المسلحة الدائرة في دول مثل: سوريا واليمن والسودان ولبنان وميانمار وأوكرانيا وغيرها، في إنتاج أعداد متنامية من اللاجئين بوتيرة مزعجة. فيما لا يزال النظام العالمي لحماية طالبي اللجوء، يُعطي الأولوية لحماية مصالح الدول، ويصحب ذلك اتجاه متنامٍ لإضفاء الطابع الأمني على قضية اللجوء، ولاسيما في دول الشمال، والنظر إلى طالبي اللجوء باعتبارهم تهديداً أمنياً وعبئاً اقتصادياً على الدولة المُضيفة، فضلاً عن تنامي مشاعر مُعاداة الأجانب والعنصرية والشعبوية؛ مما يؤدي إلى سيادة مناخ أقل ترحيباً بهؤلاء اللاجئين الذين تقطعت بهم السُبل بحثاً عن ملاذ آمن، بالإضافة إلى تزايد الجدل حول سياسات إعادة توطين اللاجئين في دولة ثالثة.

إعادة التوطين:

تُعرّف المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين "إعادة التوطين" (Refugees resettlement)، بأنها السياسة التي تتضمن "نقل اللاجئين من إحدى دول اللجوء إلى دولة أخرى وافقت على قبولهم ومنحهم إقامة دائمة". وتُعد سياسة إعادة التوطين واحدة من الحلول الثلاثة الدائمة للتهجير القسري، جنباً إلى جنب مع إدماج اللاجئين في دولة اللجوء الأولى، وعودة اللاجئين إلى دولهم الأصلية. وتعتمد سياسة إعادة التوطين على التعاون الطوعي من قِبل الدول، لكن يظل عدد اللاجئين الذين تتم إعادة توطينهم منخفضاً مقارنةً بإجمالي عدد اللاجئين الذين تتم استضافتهم في دولة اللجوء الأولى.

وتحتل سياسة إعادة التوطين في الوقت الحالي المركز الأخير بين البدائل الدائمة التي تتم الاستعانة بها للتعامل مع قضية اللجوء. وتشير التقديرات إلى أن أقل من 1% فقط من الأشخاص النازحين تتم إعادة توطينهم. ويرجع ذلك إلى عدة عوامل، منها أن سياسة إعادة التوطين تنطوي على العديد من العقبات الإدارية والقانونية، فضلاً عن أنها تستند إلى قرار سياسي كونها تعتمد على الموافقة الطوعية للدولة التي سوف تقبل أن تكون مكاناً لإعادة التوطين.

تجارب متنوعة: 

يشير استعراض مواقف العديد من الدول في الفترة الأخيرة، ومنها مثلاً: دول الاتحاد الأوروبي، وبريطانيا، وبنغلاديش، والأردن، إلى سيادة مناخ أقل ترحيباً باللاجئين؛ إذ ترغب العديد من دول الشمال والجنوب على السواء في "نقل العبء" الذي تتكبده جراء استضافة تدفقات متزايدة من اللاجئين على أراضيها. وهذا ما يتضح في التالي:   

1- دول الاتحاد الأوروبي: على مدار السنوات القليلة الماضية، باتت فكرة إعادة توطين اللاجئين تكتسب مزيداً من القبول في بعض الدول الأوروبية. وتخطط كل من الدنمارك وإيطاليا وألمانيا والنمسا لإناطة مهمة فحص طلبات اللجوء بدولة ثالثة تقع خارج حدود الاتحاد الأوروبي؛ في خطوة مهمة للتعامل مع ضغوط مشكلة الهجرة القسرية. وكانت ألمانيا وحدها قد تلقت ما يربو على مئتي ألف طلب لجوء في النصف الأول من العام الماضي، بحسب تقديرات المكتب الفدرالي للهجرة واللاجئين.

ويرتبط هذا الاتجاه بالانفجار الحادث في طلبات اللجوء والعبء الذي تتحمله الدول جراء قبول لاجئين على أراضيها. وتحتاج الحكومات الأوروبية إلى نقل رسائل سياسية لمواطنيها مفادها أنها تتخذ إجراءات جادة للتعامل مع مشكلة اللجوء. وفي هذا السياق، يمكن فهم توصل إيطاليا إلى اتفاق مع حكومة ألبانيا، في 6 نوفمبر 2023، لنقل المهاجرين الذين يتم إنقاذهم في البحر إلى ألبانيا، للنظر في طلبات اللجوء المقدمة منهم هناك؛ إذ ستتم معالجة طلباتهم من قِبل موظفين إيطاليين. وتشير السلطات الإيطالية إلى أن هذه الطريقة فعالة في تسهيل عودة الأشخاص الذين لا يحتاجون إلى الحماية، ومنع هؤلاء الأشخاص من دخول الاتحاد الأوروبي.

وفي رسالة مشتركة موجهة إلى المفوضية الأوروبية في مايو الماضي، حثت 15 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي التكتل على البناء على نماذج مثل: اتفاق إيطاليا وألبانيا، كجزء من حملة مشتركة للاستعانة بمصادر خارجية في سياسة الهجرة واللجوء في الاتحاد الأوروبي. ومن جانبه، أعلن رئيس الوزراء الألباني، إيدي راما، في 19 سبتمبر الماضي، أن الحكومات التي تسعى إلى تكرار الاتفاق المُبرم بين بلاده وإيطاليا يجب ألا تتطلع إلى البلد البلقاني كشريك، مشيراً إلى أن هذه الاتفاقية حصرية ولا يمكن تكرارها مع دول أخرى.

2- بريطانيا: أعلنت بريطانيا في عهد حكومة رئيس الوزراء الأسبق، بوريس جونسون، في إبريل 2022، أن أي طالب لجوء يدخل المملكة المتحدة بصورة غير قانونية بعد الأول من يناير 2022 من دولة آمنة يمكن إرساله إلى رواندا؛ إذ ستُفحص طلبات اللجوء الخاصة بهم في تلك الدولة التي تقع في شرق إفريقيا، وإذا كانت طلباتهم مستوفية للشروط فسوف يُسمح لهم بالبقاء في رواندا، أما إذا لم تكن مستوفية للشروط فسوف يُسمح لهؤلاء الأفراد بالاستقرار في رواندا وفق أسباب أخرى، أو طلب اللجوء في دولة ثالثة آمنة، لكن لن يُسمح لأي طالب لجوء بالتقديم للعودة للمملكة المتحدة. 

وتشير التقديرات إلى أنه عقب إقرار البرلمان البريطاني للقانون المثير للجدل في 22 إبريل 2024، كان هناك قرابة 52 ألف طالب لجوء ممن يُحتمل ترحيلهم إلى رواندا. وفي سياق متصل، أعلنت وزارة الداخلية البريطانية أن هذا القانون ينطبق أيضاً على من تم رفض طلبهم بالحصول على اللجوء وفشلوا في استئناف القرار. وكان هذا القانون قد واجه تحديات لتنفيذه بعد قرار المحكمة العليا، في نوفمبر 2023 بعدم مشروعيته، وقد استندت المحكمة العليا في حكمها إلى السجل "السيئ" لرواندا في مجال حقوق الإنسان، ومعاملتها للاجئين التي تمثل خرقاً للحق في الحماية من التعذيب والمعاملة المهينة، على حد وصفها.

لكن الحكومة البريطانية السابقة برئاسة ريشي سوناك، أوضحت، في مرسوم لها، أن رواندا دولة آمنة، ووقّعت هذه الحكومة اتفاقية جديدة للهجرة مع رواندا، والتي تضمن لأي شخص يُرحل إلى هناك ألا يُعاد لموطنه الأصلي. وتشير التقديرات إلى أن نظام اللجوء في المملكة المتحدة يُكلف البلاد قرابة أربعة مليارات جنيه إسترليني سنوياً، لكن ذلك لا يعني أن خطة الترحيل إلى رواندا لن تكون من دون تكاليف مالية؛ إذ تعهدت الحكومة البريطانية بدفع 20 ألف جنيه إسترليني عن كل شخص تتم إعادة توطينه، فضلاً عن دفع مساعدات تنموية لرواندا.

وفي تحول لافت، أعلن رئيس الوزراء البريطاني الحالي، كير ستارمر، في 6 يوليو 2024، أن حكومته لن تتبع سياسة سلفه الخاصة بترحيل طالبي اللجوء الذين يصلون إلى البلاد في قوارب صغيرة إلى رواندا، وهو ما ينهي هذا المخطط قبل حتى إقلاع أية رحلات جوية. وتركز الحكومة البريطانية الحالية على تبني سياسات أمنية من شأنها إحكام القبضة على الحدود ومكافحة الهجرة غير الشرعية.

3- بنغلاديش: بعد تعرض أقلية الروهينغا لحملة قمع عسكرية واسعة في ميانمار بدأت قبل سبع سنوات، شُرد قسراً ما يزيد على مليون شخص ممن ينتمون إلى هذه الأقلية. وتشير التقديرات إلى أن مئات الآلاف من هؤلاء الأفراد يعيشون في بنغلاديش المجاورة، والتي بدأت في ديسمبر 2020 نقل الآلاف منهم إلى جزيرة نائية في خليج البنغال، بالرغم من وجود تحفظات شديدة أثارتها العديد من المنظمات الحقوقية حول هذه الخطة بسبب مخاوف تتعلق بسلامة اللاجئين وقبولهم الطوعي لهذا الإجراء.

وفي تطور يؤكد عزم بنغلاديش على المُضي قدماً في سياسة إعادة التوطين، دعا رئيس الحكومة الانتقالية، محمد يونس، في 8 سبتمبر الماضي، إلى تسريع خطط إعادة توطين الروهينغا في دولة ثالثة. ومع احتدام القتال الداخلي في ميانمار، فرَّ قرابة ثمانية آلاف من مسلمي الروهينغا خلال الشهور القليلة الماضية إلى بنغلاديش، التي تعاني من أزمة اقتصادية وسياسية حادة. وبحسب رئيس المنظمة العالمية للهجرة، فقد أكدت واشنطن التزامها باستقبال الآلاف من لاجئي الروهينغا ضمن خطة إعادة التوطين، وكانت الحكومة البنغلادشية قد أعلنت أنها لن تستطيع قبول المزيد من لاجئي الروهينغا، داعيةً الهند والدول الأخرى المجاورة لقبول أعداد أكبر منهم.

4- الأردن: بحسب التقديرات، يستضيف الأردن قرابة 1.3 مليون سوري منذ بداية الأزمة السورية عام 2011. ووسط مؤشرات على مراجعة الحكومة الأردنية سياساتها بشأن اللاجئين السوريين، أعلن وزير الداخلية الأردني، مازن الفراية، في 30 يوليو 2024، أن أكثر من مليون لاجئ ما زالوا موجودين على الأراضي الأردنية، وأن هذا الأمر لا يمكن أن يستمر ولا يمكن تحمله، مضيفاً أنه تمت إعادة توطين 63 ألف لاجئ في دول أخرى. وكان مفوض الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في الأردن، دومينيك بارتش، قد أعلن، في 10 ديسمبر 2023، عن خطط إعادة توطين 6 آلاف لاجئ موجودين في الأردن في بلد ثالث خلال العام الماضي، معتبراً أن هذا العدد يظل "نقطة في بحر مقارنةً بأعداد اللاجئين المقيمين في الأردن".

مشكلات ضاغطة:

تشير الأمثلة السابقة إلى سيادة مناخ أقل ترحيباً باللاجئين في العديد من الدول، وتبني سياسات تقييدية تهدف إلى تقليل تدفقات طالبي اللجوء. ويرتبط هذا المناخ بالعديد من العوامل، منها أزمة الهجرة القسرية التي يشهدها العالم في الوقت الحالي، وما نتج عنها من انفجار هائل في أعداد طالبي اللجوء، والعبء الاقتصادي الذي يفرضه اللجوء على الدولة المضيفة، فضلاً عن مشكلات الاندماج الثقافي والاجتماعي لأعداد ضخمة من الأشخاص الذين ينتمي معظمهم لدول الجنوب. وتجد العديد من الحكومات نفسها في موقع المُطَالب باتخاذ سياسات صارمة في مواجهة هذه المشكلة، في ظل تسييس تلك القضية في العديد من دول الشمال والجنوب على السواء.

وفي هذا السياق، تثور بعض الإشكاليات فيما يخص اللجوء وإعادة التوطين. فمن جهة، هناك مشكلة القبول الطوعي لطالب اللجوء خيار التوطين في دولة ثالثة؛ إذ تضاربت التقديرات مثلاً في حالة إعادة توطين أقلية الروهينغا حول مدى كون هذه السياسة انعكاساً لإرادة حرة ممن تتم إعادة توطينهم أم أن الأمر لا يعدو أن يكون أقرب لسياسة الترحيل. 

ومن جهة ثانية، تبرز مشكلة ضمان المعاملة الإنسانية وتوفير الملاذ الآمن في دولة اللجوء الثالثة، وهو أمر أثارته خطط الحكومة البريطانية ترحيل اللاجئين إلى رواندا. ومن جهة ثالثة، تبدو قدرة دول العالم على استضافة أعداد ضخمة من اللاجئين على أراضيها موضع تساؤل، فالدول الغنية تريد - على أقل تقدير - الحد من عوامل الجذب لديها والتي تجعلها مقصداً رئيسياً لتدفقات الهجرة القسرية، وذلك في سياق سياسي يشير إلى تنامي نفوذ أحزاب أقصى اليمين والشعبوية ومعاداة الأجانب. أما الدول الفقيرة فهي لا تستطيع بمواردها الحالية إعاشة تلك الأعداد الضخمة دون وجود ضغوط على المرافق الأساسية وتفاقم مشكلة التضخم، وهي بحاجة إلى مساعدات مالية ضخمة من دول الشمال كي تستطيع النهوض بمسؤولياتها في نظام اللجوء العالمي.