أخبار المركز
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)
  • إيمان الشعراوي تكتب: (الفجوة الرقمية: حدود استفادة إفريقيا من قمة فرنسا للذكاء الاصطناعي 2025)
  • حسين معلوم يكتب: (تفاؤل حذر: هل تشكل الانتخابات المحلية فرصة لحلحلة المسار الليبي؟)
  • أحمد عليبة يكتب: (هاجس الموصل: لماذا يخشى العراق من التصعيد الحالي في سوريا؟)

"إقليم إيسيكويبو":

هل يُشعل الخلاف الحدودي الصراع بين فنزويلا وغويانا؟

03 يونيو، 2024


تجدد الخلاف الحدودي بين فنزويلا وغويانا على إقليم إيسيكويبو الغني بالنفط والمتنازع عليه بين الدولتين. ورغم عقد قمة بين الرئيسيْن الفنزويلي نيكولاس مادورو، والرئيس الغوياني عرفان علي، في ديسمبر الماضي، إلا أن الخلاف قد تجدد مرة أخرى. 

وقد أعلن الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، في 5 مايو 2024، عن وجود قواعد عسكرية واستخباراتية أمريكية في إقليم إيسيكويبو المتنازع عليه بين فنزويلا وغويانا، ويُعد هذا الإعلان حلقة جديدة في التصعيد بين البلدين بخصوص الإقليم، والذي ارتفعت أهميته بشكل كبير بعد اكتشافات نفطية ضخمة أُعلن عنها مؤخراً.  

دوافع مُحفّزة: 

يمكن تفسير النزاع الراهن بين غويانا وفنزويلا في ضوء عدة معطيات، على النحو التالي:

1. أهمية إقليم إيسيكويبو: تعود جذور المشكلة بين غويانا وفنزويلا إلى عام 1824، عندما طالبت فنزويلا بضم الإقليم إليها، باعتباره جزءاً من أراضيها ولا ينتمي لدولة غويانا، وبعد مداولات ومُباحثات في هذا الشأن لعشرات السنين، أخذ الأمر طريقه للمحاكم الدولية، مع استمرار الإقليم في حوزة غويانا. 

وتبلغ مساحة إيسيكويبو نحو 160 ألف كيلومتر مربع؛ مما يجعلها تمثل نحو ثلثي مساحة غويانا، ويقطنها قرابة 125 ألف نسمة، وتعتبر فنزويلا أن نهر إيسيكويبو الواقع شرقاً يمثل حدوداً طبيعية لها تم الاعتراف بها منذ عام 1777 إبان الإمبراطورية الإسبانية؛ لذا تطالب كاراكاس بتلك المنطقة، في حين تؤكد غويانا أن حدود إيسيكويبو قامت بترسيمها لجنة تحكيم في 1899، أثناء خضوعها للاستعمار البريطاني.

ومع بداية عام 2015، تجدد الصراع مرة أخرى بين البلدين بسبب اكتشاف شركة النفط الأمريكية العملاقة "إيكسون موبيل" -التي كانت تعمل بموجب تراخيص منحتها إياها حكومة غويانا- كميات كبيرة من احتياطي النفط في المنطقة البحرية على حدود إيسيكويبو، وهي الاكتشافات الموصوفة بأنها الأكبر في أي مكان بالعالم خلال العقد الماضي.

فوفقاً لتقرير أصدرته لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي عام 2023 عن الاستثمار الأجنبي المباشر، من المُقدر أن تُدر الاكتشافات النفطية لغويانا عوائد ضخمة، كما ستجعلها رابع أكبر مُنتج للنفط البحري في العالم بحلول عام 2035 مُتخطية دولاً مثل: الولايات المتحدة والمكسيك والنرويج؛ ومن ثم زيادة الناتج المحلي الإجمالي للدولة إلى حوالي 58.7% بحلول عام 2027؛ إذ يُشكل النفط بالفعل أكثر من حوالي 65% من صادرات البلاد. كما أضاف التقرير أن نفط غويانا يتمتع بميزة نسبية وتنافسية عالية في سوق الهيدروكربونات، التي تتسم بتنافسية مُتزايدة من حيث السعر وكثافة الكربون؛ إذ إن معظم الموارد النفطية المُستخرجة في البلاد تُعد من النوع الخفيف وكثافة انبعاثاتها أقل من المتوسط العالمي، كما أن تكاليف التنقيب عنها منخفضة. 

2. تفاقم أزمات فنزويلا: فسرت العديد من التحليلات اهتمام فنزويلا بهذا الإقليم، بالأزمات السياسية والاقتصادية الراهنة بالبلاد، فمن الناحية الاقتصادية تراجعت أهمية فنزويلا في سوق النفط العالمية بشكل حاد في السنوات الأخيرة، بسبب الإدارة السيئة والفساد داخل قطاع النفط الفنزويلي، فضلاً عن العقوبات الأمريكية وكان آخرها في إبريل الجاري حينما أعلن مسؤول أمريكي رفيع المستوى أن الولايات المتحدة ستسحب الترخيص الممنوح للتعامل مع قطاع النفط والغاز الفنزويلي، وهو ما سيؤثر سلباً في اقتصاد الدولة ككل لأنها من الاقتصادات المعتمدة بشكل شبه كامل على صناعة النفط؛ إذ تُمثل صادرات النفط نحو 65% من الميزانية الحكومية خلال العام الجاري، التي تُقدر بحوالي 15 مليار دولار. 

أما على الصعيد السياسي، فيسعى الرئيس الفنزويلي مادورو، إلى استغلال قضية ضم إيسيكويبو لتوحيد الرأي العام حوله ورفع شعبيته، باعتبارها قضية أمن قومي، ولاسيما وأنه سيواجه مُعارضة يمينية قوية بزعامة ماريا كورينا ماتشادو، التي من المتوقع أن تخوض انتخابات الرئاسة في مواجهته.

3. تصعيد متبادل: وهو ما يتضح فيما يلي: 

• اتخذت فنزويلا عدداً من الإجراءات التصعيدية خلال الفترة الماضية لإضفاء الشرعية على مطالبها بضم الإقليم؛ إذ أعلنت عن إنشاء مهبط للطائرات العسكرية وميدان تدريب بالقرب من الحدود مع إقليم إيسيكويبو. وفي هذا الصدد، أمر الرئيس الفنزويلي شركات النفط الحكومية بإصدار تراخيص للتنقيب عن النفط في الإقليم، كما أشار في ديسمبر 2023، إلى أن 6 آلاف جندي فنزويلي، بما في ذلك القوات الجوية والبحرية، سينفذون عمليات مشتركة قبالة الساحل الشرقي للبلاد، بالقرب من الحدود مع غويانا؛ رداً على إرسال المملكة المتحدة سفينة حربية باتجاه المياه الإقليمية لغويانا.

• نظّمت كاراكاس استفتاءً بشأن ضم الإقليم في 3 ديسمبر 2023 وافق فيه 95% من المشاركين على ضم الإقليم، كما رفضوا اختصاص محكمة العدل الدولية التي تنظر في القضية المتعلقة بالنزاع الحدودي بين الدولتين، وهو ما دفع الرئيس الفنزويلي إلى إقرار خطة البرلمان لقانون ضم أراضي غويانا- إيسيكويبو لتصبح الولاية الرابعة والعشرين في جمهورية فنزويلا، هذا إلى جانب الكشف عن خرائط جديدة تُظهر الإقليم باعتباره جزءاً من فنزويلا، وتعيين جنرال عسكري ليكون حاكماً له، فضلاً عن إصدار بطاقات هوية فنزويلية للأشخاص الذين يقيمون في المنطقة.

• من جهتها، اعتبرت غويانا قرار فنزويلا ضم إيسيكويبو تهديداً لسلامة أراضيها، ما من شأنه أن يصعد من خطر اندلاع نزاع مسلح بين الجارتيْن، وأعلنت تمسكها بحقها في الإقليم مع استمرار منح امتيازات للشركات العالمية للبحث والتنقيب عن النفط في الإقليم، وهو ما أكدته شركة النفط "إكسون موبيل" حينما أعلنت بأنها ستواصل زيادة الإنتاج في الحقول البحرية قبالة غويانا.

• في هذا السياق، اجتمع الرئيس الفنزويلي مع نظيره الغوياني عرفان علي، في سانت فنسنت وجزر غردينادين، بحضور أطراف إقليمية في 14 ديسمبر 2023، وتعهد الطرفان بعدم استخدام العنف ضد بعضهما، ولكنهما فشلا في التوصل لاتفاق بشأن كيفية تسوية النزاع على الإقليم؛ إذ أكدت غويانا أن النزاع يجب أن تتم تسويته من خلال محكمة العدل الدولية، بينما لا تعترف فنزويلا باختصاص المحكمة.

سيناريوهات مُحتملة: 

ثمّة ثلاثة سيناريوهات للأزمة بشأن إقليم إيسيكويبو، وذلك على النحو التالي:

1. فتح جبهة حرب جديدة: تتوقع بعض التحليلات تصاعد حدّة التوتر وقيام فنزويلا بشن هجوم لضم الإقليم، مع تدخل بعض الأطراف الدولية؛ الأمر الذي قد يترتب عليه تفاقم الصراع وإطالة أمده وتوسع نطاقه؛ ومن ثم تهديد الأمن والاستقرار الإقليمي في أمريكا اللاتينية، التي ستشهد حرباً بالوكالة بين الولايات المتحدة التي ستدعم حليفتها غويانا، فيما ستقدم الصين وروسيا الدعم لحليفتهما فنزويلا؛ ومن ثم فتح جبهة جديدة في الفناء الخلفي للولايات المتحدة، بالطريقة نفسها التي تدعم بها الولايات المتحدة خصوم بكين في بحر الصين الجنوبي وتعارض روسيا في أوكرانيا. وهو ما سيزيد من تعقيد الوضع ويحوله إلى نقطة توتر جيوسياسية كبرى على غرار أوكرانيا.

يُعزز هذا الرأي أيضاً، الزيادة الكبيرة في ميزانية الدفاع الفنزويلية والمرتبطة بإقليم إيسيكويبو؛ إذ يُشير قرار مادورو بإدراج الدفاع عن إيسيكويبو رسميّاً في ميزانية عام 2024 إلى الدور المركزي لهذه القضية ضمن خطة الدولة الاستراتيجية، وبينما تسعى غويانا إلى الحصول على الدعم من الدول الصديقة، تزعم فنزويلا أنها مستعدة للعمل الدفاعي، تزامناً مع التقديرات التي تؤكد التفوق العسكري لفنزويلا؛ إذ يبلغ عدد العناصر العاملة للجيش الفنزويلي حوالي 120 ألف جندي وضابط، مُقابل حوالي 3600 عنصر لدى جارتها، وفي خضم هذا السيناريو المعقد، سيبقى خطر التصعيد قائماً.

2. استحالة الحرب: أشارت بعض التقديرات إلى أن خيار الحرب شبه مستحيل؛ لأن غزو إقليم إيسيكويبو فعلياً سيكون مهمة يائسة؛ إذ إن المنطقة هي عبارة عن غابة يصعب ترويضها وتنقصها البنية التحتية للطرق والمراكز السكانية؛ وهو ما سيعوق تقدم مركبات وآليات الجيش الفنزويلي. يضاف إلى ذلك، أن الولايات المتحدة مُشتتة ومُنهكة بسبب حرب أوكرانيا وحرب إسرائيل على غزة، وسيكون من الصعب على واشنطن فتح جبهة جيوسياسية جديدة في أمريكا اللاتينية؛ إذ ستكون روسيا والصين وإيران أوائل المستفيدين من عملية عسكرية أمريكية ضد فنزويلا؛ ومن ثم ستدفع الولايات المتحدة في اتجاه تجنب التصعيد. 

يُعزز هذا السيناريو أيضاً موقف البرازيل الرافض للحرب، فهي تريد أن تثبت وجودها كدولة إقليمية وقوة عالمية صاعدة، وهذا يعني أنها لا تريد حرباً في قارتها بما يؤثر سلباً في طموحاتها وأهدافها، لذا دفعت البرازيل بتعزيزات عسكرية على الحدود مع غويانا تحسباً لأي تصعيد، ورفضاً لأي تحرك عسكري من قِبل فنزويلا، مُشددة على الدبلوماسية كخيار رئيسي لحل النزاع؛ كما أجرى الرئيس البرازيلي، لويس إيناسيو لولا دا سيلفا اتصالات مع نظيره الفنزويلي، لإبداء اعتراضه على أي تصعيد عسكري محتمل، واستطاعت البرازيل بالفعل الحصول على وعود من قبل فنزويلا بعدم استخدام الأراضي البرازيلية لشن عمليات عسكرية من خلالها، أو انتهاك أي اتفاقيات بين البلدين خلال محاولة كاراكاس ضم ذلك الإقليم. ومع ذلك، عزز الجيش البرازيلي وجوده في المنطقة الحدودية، في خضم التوترات المتزايدة بين فنزويلا وغويانا.

3. تجميد الصراع (الأكثر ترجيحاً): يتوقع هذا السيناريو استمرار السجال كما هو بين غويانا وفنزويلا دون اتخاذ أي قرار كبير انتظاراً لقرار محكمة العدل الدولية التي لجأت إليها غويانا، مع التوقع بأن يستمر الرئيس الفنزويلي مادورو، في التصعيد المحدود والمحسوب لحين انتهاء الانتخابات الرئاسية؛ لإثارة المشاعر القومية وضمان التفاف شعبه حوله؛ اعتقاداً بأن بلاده تمر بفترة حرجة تحتاج فيها إلى تماسك الجبهة الداخلية؛ ومن ثم انتخابه لولاية جديدة، ولاسيما وأن حدوث حرب قد يُثير استياء قطاعات واسعة من الشعب الفنزويلي لاحقاً، بسبب تداعياتها السلبية المتوقعة، وأنها قد تنعش المعارضة وتُعيد زعيمها السابق خوان غويدو، إلى المشهد من جديد.

يُضاف إلى ذلك، إدراك فنزويلا بأن الولايات المتحدة –رغم رغبتها في تجنب التصعيد- لن تتسامح مع أي عمل عسكري ضد غويانا، ولاسيما مع وجود القيادة العسكرية الجنوبية للولايات المتحدة الأمريكية في غويانا، والتي يتردد أنها تزمع إنشاء قاعدة عسكرية لها في شمال إقليم إيسيكويبو، وهو ما تضعه فنزويلا في الاعتبار ولهذا تتحرك في تهديداتها العسكرية بحساب وحذر شديديْن، ناهيك عن رغبتها في الحصول على بعض المكاسب النفطية عبر إعادة التعامل الأمريكي مع شركات النفط الفنزويلية؛ ومن ثم تخفيف العقوبات الأمريكية عنها.

يُعزز هذا السيناريو أيضاً توقع بعض الخبراء بعدم قدرة موسكو –الحليف الأهم لفنزويلا- على التورط بشكل مباشر في أي صراع قد يحدث في أمريكا اللاتينية جراء الخلاف الحدودي بين فنزويلا وغويانا، والذين أضافوا أن موسكو تدرك أن الولايات المتحدة قوة عظمى ولديها مصالح في تلك المنطقة، لذلك لن يرغب الكرملين في الدخول في أي صراعات معها، لكن هذا لا ينفي وجود علاقات وثيقة بين روسيا وفنزويلا في العديد من المجالات العسكرية والاقتصادية والاستخباراتية واللوجستية.

وفي التقدير، يمكن القول إنه على الرغم من اتفاق كلٍ من فنزويلا وغويانا على عدم استخدام القوة في النزاع حول الإقليم، فإن هذا لن ينفي خطورة الوضع في أمريكا اللاتينية، ينبع ذلك من عدم اقتصار الصراع على أطرافه الأصلية، بل امتداده ليصبح حلقة مهمة في الصراع العالمي بين الولايات المتحدة وحلفائها من جانب، والصين وروسيا من جانب آخر، بالإضافة إلى كونه في منطقة لها حساسيتها التاريخية بالنسبة للولايات المتحدة؛ مما يزيد من خطورة أي عمل عسكري بها؛ وعليه فمن المتوقع أن يكثف الوسطاء الإقليميون والدوليون جهودهم لاحتواء الموقف وعدم تصاعد الصراع.