أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

مشروع ممر TUTIT:

محفزات ومعوقات تنفيذ ممر جديد لربط آسيا وأوروبا

22 فبراير، 2024


منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير 2022، بدأت غالبية الدول الآسيوية والأوروبية وبعض دول الشرق الأوسط، وحتى روسيا ذاتها، في البحث عن بدائل جديدة لطرق وممرات عبور التجارة. وبرز في هذا الإطار دور فعَّال للممر الأوسط، الذي تزايدت معدلات نقل التجارة من خلاله في العامين الأخيرين، وظهرت مبادرات جديدة ومشروعات مُقترَحَة لتنفيذ طرق نقل جديدة تصل بين آسيا وأوروبا على وجه خاص.

من بين هذه المشروعات المُقترَحَة، والذي لا تزال أطرافه تُجرِي دراسة وسائل تفعيله مستقبلاً، والسعي  للتغلب على العقبات القائمة، خاصةً في ضوء تشجيع الصين وأوروبا للمشروع نظرياً، مشروع (ممر TUTIT متعدد الوسائط)Tajikistan-Uzbekistan-Turkmenistan-Iran-Türkiye Multimodal Corridor، المعروف اختصاراً باسم مشروع (TUTIT)، والتي تُمثِّل الأحرف الأولى للدول المشاركة، وهي (طاجيكستان، وأوزبكستان، وتركمانستان، وإيران، وتركيا)؛ إذ يُعد هذا الممر طريقاً تجارياً يمتد من الصين أكبر مُصنِّع ومُصدِّر في العالم، مروراً بطاجيكستان وأوزبكستان وتركمانستان في آسيا الوسطى، ليعبر بحر قزوين عَبْر إيران قَبْل أن يتصل بأوروبا عبر السكك الحديدية والموانئ التركية.

تم اعتماد قرار مشروع هذا الممر وفقاً لتوصية إعلان أنقرة، الذي اعتمده الاجتماع الحادي عشر لوزراء النقل في منظمة التعاون الاقتصادي "إيكو" في فبراير 2022، ثم تم الإعلان عن التوافق على المشروع رسمياً في أكتوبر من العام نفسه، في العاصمة الطاجيكية دوشنبه، خلال المؤتمر الدولي "اللوجستيات ومزاياها في تطوير روابط النقل بين طاجيكستان ودول المنطقة". وكان من آخر الاجتماعات المشتركة لمناقشة المشروع الاجتماع الوزاري الثاني عشر لوزراء النقل في دول (TUTIT) الذي عُقِدَ في 2 نوفمبر 2023، في العاصمة الأوزبكية طشقند، وناقش تدابير توحيد المعايير القانونية والفنية عند تنظيم نقل البضائع على طول الممر وزيادة ربط وسائل النقل بين الدول المشاركة فيه. 

جدير بالذكر أن منظمة التعاون الاقتصادي تأسست في عام 1985، وتضم كلاً من: (تركيا، وإيران، وأوزبكستان، وتركمانستان، وطاجيكستان، وكازاخستان، وقرغيزستان، وأفغانستان، وباكستان، وأذربيجان)، وتتمتع جمهورية شمال قبرص التركية بصفة مراقب في المنظمة.

الدوافع الجماعية والفردية:

ثمة عوامل وأبعاد جيوسياسية وجيواقتصادية جماعية حفزت الدول المُشارِكَة على الاتفاق على هذا الممر، وهناك أيضاً مصالح حيوية تتعلق بكل دولة بشكل منفرد. يتمثل أول هذه العوامل في بحث دول آسيا وأوروبا عن بدائل إضافية للممر الشمالي، باعتباره ممراً رئيسياً على خريطة التجارة العالمية لأنه يربط بين الشرق والغرب، ويمتد عبر الأراضي الروسية والبيلاروسية؛ إذ انخفضت الشحنات بين الصين والاتحاد الأوروبي على طول هذا الممر بنسبة 40% منذ نشوب الحرب الروسية الأوكرانية.

في هذا السياق، برز دور كبير عَقِبَ الحرب الأوكرانية لمشروع "الممر الأوسط" منذ عام 2022، وهو (طريق التجارة الدولية عَبْر بحر قزوين) TRANS-CASPIAN INTERNATIONAL TRANSPORT ROUTE"، والمعروف اختصاراً باسم (TITR)، وظهرت مقترحات مشروعات ممرات جديدة مِثْل: (TUTIT)، ومشروع الممر الاقتصادي بين الهند والخليج وأوروبا، الذي تم الإعلان عنه في قمة العشرين في نيودلهي، في شهر سبتمبر 2023. كما تسعى روسيا إلى تطوير ممر الملاحة الشمالي، الذي يمتد عَبْر الدائرة القطبية الشمالية ويربط المحيطين الأطلسي والهادئ، ويُعَد أقصر طريق مائي بين الجزء الأوروبي من روسيا والشرق الأقصى، ويقع بالكامل داخل المياه الإقليمية والمنطقة الاقتصادية الخاصة لروسيا. 

أما ثاني هذه العوامل، فيتمثل في سعي الدول المشاركة في مشروع الممر للانتعاش الاقتصادي وتنويع العلاقات التجارية؛ إذ يُتوقَّع أن تتمتع هذه الدول بعلاقات تجارية أفضل مع أوروبا بسبب شبكة الطرق الجديدة. وفي المقابل، يُعد الممر مفيداً أيضاً لدول الاتحاد الأوروبي؛ نظراً لأن الدول التي تقع في طريق الممر ستكون مُصدِّرة ومُستورِدة للبضائع والسلع التي تمر من خلاله، خاصةً وأن التكتل الأوروبي يسعى إلى زيادة وارداته من الغاز الطبيعي من منطقة آسيا الوسطى، في ضوء خطته للبحث عن أسواق بديلة للسوق الروسية.

وهنا يبرز أيضاً دور الصين، فخلال الاجتماع الأول لمجموعة العمل رفيعة المستوى بشأن الممر المتعدد الوسائط، والذي عُقِدَ في دوشنبه، تحت رعاية منظمة التعاون الاقتصادي، في 21 سبتمبر 2023، وضم دول (TUTIT) + الصين، تم تأكيد أهمية النقل والخدمات اللوجستية في ضمان التنمية المستدامة للتجارة الدولية وخدمات النقل بين دول آسيا الوسطى، كما تم التوقيع على بيان دوشنبه، الذي يوضح التزام الدول المعنية بتعزيز رَبْط النقل في المنطقة. 

في هذا الإطار، يحقِّق مشروع (TUTIT) العديد مِن الفوائد للصين، منها زيادة الصادرات الصينية إلى وسط آسيا، وزيادة المرور البري بما يتيح للصين فرصة تنويع طرق التجارة وتأمين طرق بديلة لنقل البضائع والسلع بعيداً عن بعض الممرَّات البحريَّة التي توجد بها قواعد أمريكية. 

ويتمثل ثالث هذه العوامل في أن التعاون في منطقة أوراسيا يؤدي دوراً رئيسياً في تحسين الخدمات اللوجستية لنقل البضائع للدول المشاركة في ممر (TUTIT)، بما في ذلك مشروعات السكك الحديدية الأخرى المهمة مثل: "ممر النقل متعدد الوسائط بين الصين وقرغيزستان وأوزبكستان"، كجزء من "مبادرة الحزام والطريق"، ومشروع بناء طريق كالايخومب - فانج السريع بطول 92 كيلومتراً، وهو مشروع يهدف إلى تعزيز التنمية في مناطق الحدود بين الصين وطاجيكستان. كما تنفذ حكومة طاجيكستان، على سبيل المثال، مشروعاً لـ "أتمتة نظام التحكم" وإدخال نظام تحديد المواقع عبر الإنترنت لحركة البضائع على أراضيها، وتدرس أيضاً إدخال قوائم الشحن الإلكترونية، وقوائم الانتظار الإلكترونية، وغيرها لتبسيط الإجراءات والعمليات.

وبشكل عام، من المتوقع أن يؤدي ممر (TUTIT) إلى تقليل المسافات وتكاليف نَقْل البضائع مقارنةً بالممرات القائمة، وسوف يسهم في تعزيز طريق الحرير والتكامل الاقتصادي الإقليمي عَبْر الطريق السريع بين أراضي طاجيكستان والصين، ففي إبريل 2023، وخلال الاجتماع الـ 10 لوزراء النقل للدول الأعضاء في "منظمة شنغهاي للتعاون" الذي انعقد بالهند، وصف وزير النقل في طاجيكستان، عظيم إبراهيم، هذا المشروع بأنه "مهم للغاية من حيث تحقيق أهداف التنمية المستدامة". 

أما بالنسبة لتركيا، فإنها تعد هذا الممر وغيره من الممرات المماثلة التي تمر بأراضيها إلى أوروبا، ليست فقط كوسيلة لتعزيز علاقاتها الاقتصادية مع الدول المُشارِكَة، بل لتعزيز موقعها الاستراتيجي أيضاً، بأن تصبح مركزاً للشحن والعبور بين الصين والاتحاد الأوروبي، وحلقة وَصْلٍ رئيسية بين آسيا وأوروبا والشرق الأوسط، وبين البلقان والقوقاز وآسيا الوسطى وغرب آسيا وشمال إفريقيا، مستفيدةً في ذلك أيضاً من جذورها اللغوية المُشترَكَة مع الدول الناطقة بالتركية، ومنها تركمانستان وأوزبكستان.

من جانبها، تبدي إيران رغبتها في تعزيز موقعها على خطوط النقل العالمية بهدف تعزيز موقعها كحلقة وَصْل بين آسيا وأوروبا عَبْر إنشاء ممرات نَقْل جديدة من بحر قزوين، ولاسيما أن تجارة "الترانزيت" يُمكِن أن تكون عاملاً مساعداً لزيادة حصة إيران من التجارة العالمية، وأن تفتح منفذاً للحد من التداعيات السلبية المترتبة على العقوبات الغربية، إذ تشير التقديرات الإيرانية إلى أن تجارة "الترانزيت" سوف توفر عائدات بقيمة 20 مليار دولار سنوياً وسوف تتيح حوالي مليون فرصة عمل داخل إيران.

تجدر الإشارة إلى أن أكثر من خمسة ممرات دولية تمر بالأراضي الإيرانية، أهمها: ممر "شمال – جنوب" الذي يربط بين الهند وروسيا، وممر "تراسيكا" الذي يُمثِّل جسراً بين دول آسيا الوسطى وأوروبا، وممر "طريق الحرير القديم" الواصل بين شرق آسيا والبحر الأبيض المتوسط ودول القوقاز، إلى جانب ممرات أخرى لم تُفعَّل تشغيلياً بالكامل بسبب عدم توفُر البنية التحتية اللازمة.

المعوقات المُحتمَلَة:

على الرغم من الأسباب والمحفزات السابقة التي تدعم فكرة ممر (TUTIT)، فإن هناك مجموعة من  العوائق المحتملة قد تُحِد من زَخَم وفعالية المشروع، من أبرزها المعوقات التنظيمية واللوجستية، فالممر سوف يمر عَبْر عدة دول لا تتمتع بنفس القدر من قوة البنية التحتية والإجراءات التنظيمية والمالية، وقد تحد الإجراءات الجمركية وعملية تحصيل الرسوم من الطموحات التي يهدف إليها القائمون على المشروع، وهو ما يؤدي إلى تأخير مرور البضائع على بعض الحدود، هذا بالإضافة إلى قصور البنية التحتية في بعض الدول التي يمر خلالها الممر؛ فمثلاً تحتاج مرافق دولة مثل تركمانستان إلى التطوير وخفض تكاليف تعريفات الشحن بها. كذلك تعرضت البنية التحتية الإيرانية لأزمات متعددة بسبب العقوبات الدولية. هذا علاوة على العقبات المالية لتأسيس المشروع نظراً لأنه نموذج لممر متعدد الوسائط أو الطرق (برية – بحرية)؛ أي يجمع بين السكك الحديدية والشحن البحري، بما يجعله مكلفاً نسبياً مقارنةً بممر السكة الحديدي الشمالي المباشر في روسيا.

ولعل ظهور مبادرات وشراكات بديلة يُشكِّل تحدياً كبيراً بالنسبة لمشروع (TUTIT) وفرص انطلاقه واقعياً، وهي مبادرات لا تخلو من التنافس حول المشروعات الاقتصادية لنقل الطاقة والتحكم بالممرات الجيوسياسية بين القوى الفاعلة مثل: الصين وروسيا والهند وتركيا والاتحاد الأوروبي. ولهذا هناك حاجة إلى التطوير والتكامل التنظيمي بين دول الممر حتى يصبح هذا المسار عملياً، خاصةً لدى مقارنته بالممر الشمالي، الذي يُعد أكثر تنافسيةً في تشغيله الفعلي ويحتوي على أنشطة تجارية أكبر ويتمتع بإمكانات تقنية أفضل. 

ولا يمكن إغفال القضايا الشائكة بين بعض القوى الفاعلة، وتحديداً الصين والدول الأوروبية، فعلى الرغم من دَعْم بعض الدول الأوروبية ضرورة مواصلة الحوار والانفتاح على الصين؛ فإن التأرجح في التوجهات الغربية تجاه العلاقات مع بكين والخلاف الحاد معها في بعض الملفات الخلافية، وعلى رأسها التكنولوجيا والتجارة وأزمة مضيق تايوان؛ سيكون له تأثير في المشروعات المُشترَكَة بين الطرفين، بما في ذلك مشروع ممر (TUTIT)، هذا فضلاً عن أن إيران لا تزال تقع تحت طائلة العقوبات الغربية التي تُعد عقدة كبيرة أمام تعزيز علاقات الطرفين التجارية. 

من جانب آخر، لا يعني تراجع النفوذ الروسي في آسيا الوسطى وتوجه دولها نحو تنويع علاقاتها الدولية، أنها لا تأخذ بعين الاعتبار مصالحها مع روسيا وتخشى من تداعيات أي مشروع يَستبعِد موسكو من منطقة طالما اعتبرتها حديقتها الخلفية، فقد صرح وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في نوفمبر 2023، أن "الاتحاد الأوروبي يحاول إزاحة روسيا من آسيا الوسطى، لكن ذلك لن ينجح"، مؤكداً أن روسيا "لن تختفي أبداً من المشهد".

وثمة قضية أخرى تشكل تحدياً جوهرياً لممرات النقل في المنطقة، تتعلق باحتمال نشوب اضطرابات في بعض الدول الواقعة على طول ممر (TUTIT)؛ وهو ما قد يؤثر تلقائياً على انسياب حركة التجارة عبر الحدود بينهم، خاصة وأن منطقة آسيا الوسطى مُعرَّضة لدرجات ما من عدم الاستقرار نتيجة تفاقم ظاهرة الإرهاب والخلافات الحدودية والتداخلات العرقية، هذا علاوة على تزايُد حدة التنافس الدولي والإقليمي على النفوذ، ولاسيما مع المحاولات الأمريكية المستمرة لعرقلة خُطط الصين في هذه الدول من ناحية، وعَزْل روسيا عن المنطقة من ناحية أخرى.