أخبار المركز
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)
  • إيمان الشعراوي تكتب: (الفجوة الرقمية: حدود استفادة إفريقيا من قمة فرنسا للذكاء الاصطناعي 2025)
  • حسين معلوم يكتب: (تفاؤل حذر: هل تشكل الانتخابات المحلية فرصة لحلحلة المسار الليبي؟)
  • أحمد عليبة يكتب: (هاجس الموصل: لماذا يخشى العراق من التصعيد الحالي في سوريا؟)

استراتيجية "سيرسكي":

قيادات جديدة لجيش أوكرانيا.. هل تتغير مسارات الحرب؟

20 فبراير، 2024


شهد الجيش الأوكراني في الأيام الماضية تغييرات تُعد الأبرز على صعيد القيادة العسكرية في كييف منذ التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا قبل نحو عامين، إذ عيّن الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، يوم 8 فبراير 2024، الجنرال أولكسندر سيرسكي قائداً جديداً للجيش خلفاً لفاليري زالوجني، علماً أن سيرسكي كان يتولى قيادة القوات البرية. ثم أصدر قراراً آخر نُشر في 11 فبراير الجاري بتعيين أولكسندر بافليوك، النائب الأول السابق لوزير الدفاع، قائداً جديداً للقوات البرية، فضلاً عن إقالة رئيس هيئة أركان القوات المسلحة، سيرغي شابتالا، من منصبه، وتعيين أناتولي بارغيليفيتش بدلاً منه، وكان أناتولي بارغيليفيتش يشغل منصب قائد قوات الدفاع الإقليمي. 

وتأتي هذه التغييرات العسكرية بالتزامن مع الذكرى الثانية لاندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير 2022، والتي أثرت سلباً في العلاقات بين روسيا والدول الغربية. 

دوافع التغيير:

هناك عدة عوامل قد تُفسر التغييرات الأخيرة التي أجراها الرئيس زيلينسكي في قيادات الجيش الأوكراني، ومنها الآتي:

1- فشل الهجوم الأوكراني المضاد: لم يقدم الرئيس زيلينسكي تفسيرات دقيقة لقراره بالتغييرات في القيادة العسكرية، واكتفى بالإشارة إلى الحاجة المُلحة للتغيير. ورأى زيلينسكي أن خطط القيادة السابقة للجيش كانت مبالغاً فيها بالنظر إلى الموارد المحدودة المُتاحة لأوكرانيا. كما تأتي الإطاحة بالجنرال زالوجني من قيادة الجيش الأوكراني بعد فشل الهجوم المضاد العام الماضي في استعادة مساحات كبيرة من الأراضي التي تسيطر عليها روسيا في أوكرانيا. كما دخل زيلينسكي وزالوجني في خلاف حول حملة تعبئة عسكرية جديدة، إذ عارض الرئيس الأوكراني اقتراح زالوجني بتعبئة 500 ألف جندي جديد.

2- تحسين الأداء العسكري الأوكراني: تشير التقارير إلى أن هذه التغييرات جاءت نتيجة لتقييم شامل للأداء العسكري والقيادي للجيش الأوكراني، مع التركيز على تعزيز الكفاءة والفعالية في مواجهة أي هجوم واسع النطاق مُحتمل من قِبل القوات الروسية في الأشهر المقبلة. إذ يُعتبر توجيه الجهود نحو قادة ذوي خبرة وكفاءة عالية في مجال العمليات العسكرية والتخطيط الاستراتيجي جزءاً من استراتيجية أوسع لتعزيز القدرات الدفاعية لأوكرانيا. وبالتالي فإن تغيير بعض قيادات الجيش الأوكراني يأتي في إطار جهود كييف لتعزيز قدراتها العسكرية، وتحسين التنظيم الداخلي للجيش وأدائه، والاستعداد لمواجهة التحديات القائمة باستمرار العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، وبما يؤدي في المُجمل إلى تحقيق نتائج أفضل في المعركة الجارية ضد القوات الروسية.

وتأكيداً لذلك، فقد دعا سيرسكي، يوم 9 فبراير الجاري، بعد تعيينه في منصب القائد الجديد للجيش الأوكراني، إلى تحسين أداء القوات المسلحة، والتعامل مع واحدة من المشكلات الرئيسية التي تواجهها كييف وهي نقص الذخيرة، فضلاً عن الحد من الخسائر البشرية في صفوف قواته. جدير بالذكر أن أوكرانيا تعاني من نقص في الجنود والعتاد العسكري، وتواجه انقطاعاً في تدفق المساعدات العسكرية من الولايات المتحدة (أكبر داعم لها)، كما أنها لم تُحرز تقدماً كبيراً في ساحة المعركة ضد القوات الروسية.

3- استراتيجية سيرسكي وقربه من زيلينسكي: يُعد الجنرال سيرسكي، الذي كان بمثابة الرجل الثاني في قيادة القوات المسلحة الأوكرانية خلال العامين الماضيين، شخصية مؤثرة في الدفاع عن أوكرانيا، إذ تميز بقدرته على الدفاع عن العاصمة كييف في بداية الحرب مع روسيا، وكذلك بتنسيقه لعمليات هجومية ناجحة أدت إلى تحرير منطقة خاركيف في خريف 2022. وكان سيرسكي قائداً للقوات البرية في الجيش الأوكراني منذ عام 2019، ونال خلال هذه الفترة لقب "بطل أوكرانيا" لعام 2022. كما يُعد سيرسكي من المُقربين للرئيس زيلينسكي، والذي وصفه بأنه "الجنرال الأكثر تمرساً في أوكرانيا"، لكن، حسب التقارير الغربية، فإن الجنود الأوكرانيين يكرهونه بشدة لأنه تسبب في خسائر فادحة بين العسكريين في العمليات العسكرية ضد القوات الروسية، حتى إنه نال بينهم لقب "الجزار".

ومن ثم قد يكون من بين دوافع زيلينسكي الرئيسية البحث عن قائد عسكري يتحمل المسؤولية عن النجاحات والإخفاقات في العملية العسكرية، وتأكيد التزامه بالأهداف السياسية المتعلقة بالحرب. وفي هذا الإطار، فإن استراتيجية سيرسكي الجديدة قد تتسم بمزيد من التركيز على الاستفادة من المزايا التكتيكية والعمليات البرية لتحقيق أهداف عسكرية أكثر فعالية، وربما تكون أكثر توافقاً مع رؤية زيلينسكي للصراع الحالي.

بالإضافة إلى ذلك، قد يكون تعيين سيرسكي محاولة لتحقيق وحدة أكبر داخل القوات المسلحة الأوكرانية وضمان التزام جميع المجموعات العسكرية بالخطة العسكرية الجديدة. وقد يتطلب ذلك إعادة هيكلة وتحديثات في التكتيكات والتدريبات العسكرية لتعزيز قدرات الجيش الأوكراني على مواجهة التحديات الحالية والقادمة.

وعلى الرغم من أن هذه التغييرات قد تثير بعض القلق بين الجنود والشعب الأوكراني، فإنها قد تكون ضرورية لتحقيق تقدم أكبر في الحرب وبلوغ الأهداف المنشودة، خاصةً في ظل تزايد التهديدات الروسية.

4- التخلص من زالوجني كمنافس لزيلينسكي: قد تكون أحد أسباب إقالة زالوجني مرتبطة بشعبيته الكبيرة في أوكرانيا، وخوف الرئيس زيلينسكي من خسارة السلطة. وفي هذا الإطار، ذكرت صحيفة "الغارديان" البريطانية، نقلاً عن بعض الخبراء، أن من بين أسباب هذا القرار، خوف زيلينسكي من أن يصبح زالوجني معارضاً سياسياً له في المستقبل. ففي عام 2021، تولى زالوجني منصب القائد العام للقوات المسلحة لأوكرانيا، وبعد 24 فبراير 2022 وبداية ما يُسمى بالعملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا أصبح زالوجني رمزاً للمقاومة الأوكرانية. كما أن مستوى ثقة الأوكرانيين في زالوجني يبدو أعلى من زيلينسكي، فقد أظهرت استطلاعات رأي في ديسمبر 2023 أن 88 إلى 94% من الأوكرانيين يثقون في زالوجني، فيما يتراوح مستوى الدعم الشعبي للرئيس زيلينسكي من 62 إلى 77%.

وقد يرتبط ذلك بمعاناة الرئيس زيلينسكي من ضغوط داخلية تتزايد يوماً بعد آخر، خاصةً مع الانتقادات التي وجهت ضده من المقربين له، والتي أدت مثلاً إلى استقالة مستشاره أليكسي أريستوفيتش، في يناير 2023. ومثل هذه الانتقادات قد تنم عن انقسام داخل الحكومة الأوكرانية أو عن عدم رضا البعض عن سياسات الرئيس زيلينسكي. وهذا النوع من الصراعات الداخلية قد يؤثر سلباً في استقرار النظام الأوكراني ووحدة البلاد، ومن ثم يعرقل جهودها في التصدي للقوات الروسية؛ وهو ما يضع زيلينسكي في موقف حرج.

انعكاسات محتملة: 

لا شك في أن تغيير القادة العسكريين في أوكرانيا قد يؤثر بشكل كبير في الجيش واستراتيجياته في ظل الحرب الجارية مع روسيا، ويمكن أن يترتب على ذلك عدة تداعيات محتملة، لعل أبرزها ما يلي:

1- تغيير في التوجه الاستراتيجي: قد يقوم القادة العسكريون الجدد بتغيير التوجهات الاستراتيجية للجيش الأوكراني، مما يؤدي إلى تحول في استراتيجيات المواجهة مع القوات الروسية. ويمكن أن يشمل ذلك تحولاً نحو استخدام تكتيكات مختلفة أو تكثيف الضغط على مناطق معينة.

2- تغيير في التكتيكات العسكرية: قد يقوم القادة الجدد بتغيير التكتيكات العسكرية المُستخدمة في الميدان ضد القوات الروسية، بما في ذلك التحركات العسكرية وتنسيق الهجمات واستخدام الدعم الجوي والمدفعي.

3- تأثر الروح المعنوية للجنود: قد يؤدي تغيير القيادة إلى تأثير في الروح المعنوية للجنود الأوكرانيين، إما بشكل إيجابي من خلال إشعال الحماس والتفاؤل الجديد، أو بشكل سلبي إذا كان هناك عدم استقرار أو عدم ثقة في القيادة الجديدة خاصةً في ظل التقارير التي تشير إلى كراهية الجنود الأوكرانيين للقائد سيرسكي.

4- تأثير في التعاون مع الحلفاء: قد يؤثر تغيير القيادة في علاقات الجيش الأوكراني مع حلفائه الدوليين وخاصةً الغربيين، وعلى نحو يمكن أن يؤدي إلى تغيير في مستوى التعاون والدعم الذي يتلقاه الجيش الأوكراني من الدول الغربية.