أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

الاتجاه شرقاً:

هل تنجح الجزائر في تعميق علاقاتها مع الصين على حساب الغرب؟

25 يوليو، 2023


أجرى الرئيس الجزائري، عبدالمجيد تبون، في الفترة من 17 إلى 21 يوليو 2023، زيارة دولة رسمية إلى الصين، وهي الأولى له منذ توليه منصبه في نهاية عام 2019، والأولى أيضاً لرئيس جزائري منذ عام 2008. وتباحث، خلالها، مع الرئيس الصيني، شي جين بينغ، حول رسم خارطة طريق لمستقبل العلاقات الثنائية بين البلدين، وتبادل الرؤى حول القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، كما التقى تبون بعدد من كبار المسؤولين الصينيين.

أبعاد الزيارة:

عقد الرئيس شي، محادثات قمة مع نظيره تبون، صدر في ختامها بيان مشترك بين الجانبين الصيني والجزائري، ويمكن توضيح ذلك في النقاط التالية:

1- تعميق الشراكة الاستراتيجية: اتفقت بكين والجزائر على تفعيل علاقات الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين، وهو ما يتضح من تأكيد الرئيس تبون، لنظيره شي، على استعداد بلاده للتعاون مع الصين لتعميق التبادل والتعاون، وضمان تطوير الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين. 

وفي هذا الإطار، تم التوقيع على 19 اتفاقية للتعاون بين البلدين في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والدفاعية، ولاسيما مجالات الزراعة، النقل، العلوم والتكنولوجيا، الاتصالات، التنمية الحضرية المستدامة، التجارة، الفضاء، التفتيش والحجر الصحي، الطاقة، التعليم، والرياضة. 

كما أعلن الرئيس تبون أن بكين تعتزم استثمار 36 مليار دولار في الجزائر في قطاعات عدة، أبرزها الصناعة والتكنولوجيا الحديثة واقتصاد المعرفة والنقل والزراعة، بالإضافة إلى الاتفاق على ضرورة تعزيز آفاق التعاون بشأن تنفيذ الخطط المشتركة لمبادرة الحزام والطريق والمجالات الأخرى للتعاون الاقتصادي بين الجانبين.

2- تعزيز التعاون الأمني: اتفقت الصين والجزائر على تعزيز التعاون بينهما في مجال الأمن والدفاع الوطني، حيث أشار البيان المشترك إلى اتفاق البلدين على دعم المصالح الأساسية لبعضهما بعضاً والحفاظ على سيادتهما وسلامة أراضيهما، فضلاً عن التعاون في مكافحة التنظيمات الإرهابية المتطرفة داخل حدودهما، ودعم الدول الأخرى، مثل الصومال والسودان، في الحفاظ على الأمن والاستقرار فيها، وهو ما يشير إلى أن الفترة المقبلة سوف تشهد تعاوناً مكثفاً بين الجانبين في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف، ولاسيما أمام المحافل الدولية متعددة الأطراف، وكذلك من خلال تبادل المعلومات الاستخباراتية بهذا الصدد.

3- تأييد انضمام الجزائر لـ"بريكس" و"شنغهاي": جددت الصين، خلال الزيارة، موقفها المبدئي المساند والداعم لانضمام الجزائر إلى كل من مجموعة "بريكس"، ومنظمة شنغهاي للتعاون، وهما المنظمتان اللتان تؤدي بكين دوراً محورياً في إدارة وتوجيه سياساتهما، وهو الأمر الذي مثّل أحد الأهداف المهمة لزيارة الرئيس الجزائري للصين، من أجل محاولة الحصول على دعم بكين لانضمام بلاده إلى مجموعة "بريكس"، وهي عبارة عن تكتل للاقتصادات الناشئة يضم الصين وروسيا والبرازيل والهند وجنوب إفريقيا، ويشكل نحو ربع الناتج المحلي الإجمالي العالمي، ويشجع التعاون التجاري والسياسي بين أعضائه.

وبذلك، تكون الجزائر قد حصلت على دعم أهم عضوين في مجموعة "بريكس"، وهما الصين وروسيا، إذ سبق أن أعلن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، تأييد موسكو لمسعى الجزائر للانضمام إلى "بريكس"، وهو الأمر الذي من شأنه زيادة فرصها في الحصول على عضوية "بريكس"، خلال قمة المجموعة المقررة بجنوب إفريقيا في الفترة من 22 إلى 24 أغسطس 2023.

4- تفعيل التبادلات الشعبية: أكد الرئيس شي، أن بلاده تعتزم توثيق التعاون مع الجزائر في العديد من المجالات ذات الصلة بالتبادلات الشعبية، ومنها الرعاية الصحية، وتقديم المنح الدراسية الحكومية إلى الطلبة الجزائريين، وتقوية التعاون الودي في مجالات الإعلام والسياحة والشباب والرياضة ومراكز الفكر، بهدف تعزيز الجانب الشعبي في العلاقات الثنائية.

دلالات الزيارة:

عكست زيارة الرئيس تبون إلى الصين عدداً من الدلالات، يمكن الإشارة إليها على النحو التالي:

1- توجه الجزائر نحو الشرق: يلاحظ أن زيارة الرئيس الجزائري إلى الصين، جاءت بعد نحو أكثر من شهر على زيارته إلى روسيا، الحليف الوثيق لبكين، والتي جرت في الفترة من 14 إلى 16 يونيو الماضي، وأسفرت عن الإعلان عن شراكة استراتيجية بين البلدين والتوقيع على ثماني معاهدات في مختلف المجالات، وهو ما يؤشر على وجود توجه استراتيجي لدى الجزائر بالاتجاه نحو الشرق، وذلك عبر تفعيل علاقاتها مع الدول التي تنتمي إلى المعسكر الشرقي، وعلى رأسها الصين وروسيا.

وتُرجع بعض التفسيرات هذا التوجه إلى عدة دوافع وأسباب، منها محاولة الجزائر طرح نفسها كمركز ارتكاز رئيسي في منطقة غرب البحر المتوسط ومنطقة الساحل والصحراء الإفريقية، في ظل محاولات إعادة تشكيل النظام الدولي في الوقت الراهن.

2- تعزيز دور الصين في إفريقيا: تنظر بكين إلى الجزائر باعتبارها دولة مهمة على مستوى منطقتي شمال إفريقيا والساحل والصحراء الإفريقية، وهو ما يؤشر على تنامي اهتمام الصين بهاتين المنطقتين، في ظل تنامي أهميتهما، سواءً بالنسبة لمبادرة الحزام والطريق الصينية، أو في إطار جهود مكافحة الإرهاب والتنظيمات المتطرفة في القارة، ويمكن تفسير ذلك انطلاقاً من سعي الصين إلى توطيد نفوذها وتأثيرها في المنطقة، لملء الفراغ الناجم عن انسحاب بعض القوى الغربية منها، ولاسيما فرنسا، وذلك في سياق التنافس المتصاعد بين الصين والقوى الغربية على النفوذ والمكانة هناك. ومن شأن الانفتاح الجزائري على الصين تعزيز التمدد الصيني في الفضاء الإفريقي، بجانب تعزيز علاقات الصين القوية بالفعل مع الدولة العربية والإفريقية.

3- جرس إنذار للغرب: يمكن النظر إلى زيارة تبون إلى الصين، ومن قبلها زيارته إلى روسيا، وما تمخضت عنه من الإعلان عن دعم الدولتين لانضمام الجزائر إلى مجموعة "بريكس" ومنظمة شنغهاي للتعاون، بأنه بمثابة جرس إنذار للغرب، مفاده أن الجزائر بإمكانها التعويل على تعميق علاقاتها مع الصين، كبديل قوي لعلاقاتها مع الغرب في المستقبل، ولاسيما في ظل التعطل الذي طرأ على العلاقات بين الجزائر وأوروبا في الآونة الأخيرة، على خلفية اعتراض الجزائر على شروط الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى الخلاف بين الجزائر والغرب، نتيجة التقارب الروسي الجزائري، والذي يرى الغرب أنه يتيح المجال أمام تزايد الدور الروسي في إفريقيا التي تُعد مجالاً حيوياً تقليدياً للقوى الغربية.

4- محاولة الجزائر تعزيز نفوذها: يحاول تبون تأسيس شراكات وتحالفات مع روسيا والصين لتعزيز مكانة الجزائر الإقليمية والدولية. وكذلك سعي الجزائر إلى الانضمام إلى مجموعة "بريكس" ومنظمة شنغهاي للتعاون كمراقب، حيث يتيح الانضمام المحتمل للجزائر إلى تكتل "بريكس" مزايا عديدة، منها توسيع قاعدتها الاقتصادية ونفوذها السياسي، ولاسيما وأن أعضاء التكتل يشكلون 41% من سكان العالم، و24% من الاقتصاد العالمي، و16% من التجارة العالمية. ويلاحظ أن الزيارة جاءت قبل نحو شهر من انعقاد القمة الخامسة عشرة لدول مجموعة "بريكس"، المقررة في جوهانسبرغ بجنوب إفريقيا، خلال الفترة من 22 إلى 24 أغسطس 2023. 

تناقضات حول الصحراء:

على الرغم من التفاهمات العديدة التي تمخضت عنها زيارة الرئيس الجزائري للصين، فقد أشارت مصادر إعلامية عدة إلى وجود ما زعمت أنه تناقضات في مواقف الجانبين، ولاسيما فيما يتصل بمسألتي تايوان والصحراء الغربية، ويمكن توضيح ذلك على النحو التالي:

1- الدعم الجزائري للصين الواحدة: أعلنت الجزائر معارضتها بأي شكل من الأشكال لاستقلال تايوان عن الصين، وجددت التزامها بمبدأ "الصين الواحدة"، وهو الأمر الذي قد يؤثر في علاقاتها مع الولايات المتحدة، والتي تدعم استقلال تايوان دبلوماسياً وعسكرياً.

2- مزاعم بتأييد الصين لانفصال الصحراء: زعمت مصادر إعلامية أن موقف بكين تجاه مسألة النزاع في الصحراء الغربية، يبدو متسقاً مع موقف الجزائر، والتي تدعم انفصال إقليم الصحراء، تحت مسمى تقرير مصير الشعب الصحراوي. وهو ما يعني، وفقاً لهذه المصادر، أن بكين تؤيد استقلال الصحراء الغربية، وهو ما دللت عليه مصادر إعلامية أخرى بادعاء تأكيد كل من الجزائر والصين دعمهما للجهود الرامية للوصول إلى حل دائم وعادل بالصحراء الغربية في إطار الشرعية الدولية، ولاسيما قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، بما يكفل لشعب الصحراء الغربية تقرير مصيره في سياق ترتيبات تتماشى مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة ومقاصده.

ومع ذلك، فإن البيان الذي نشرته وزارة الخارجية الصينية حول قمة شي تبون، لم يذكر قضية الصحراء، أو أي دعم لـ"تقرير مصير" ما تسميه الجزائر بـ"الشعب الصحراوي"، وذلك بخلاف البيان الجزائري، والذي أشار إلى دعم الصين لـ"تقرير المصير"، كما أن الصين تميل إلى دعم سيادة المغرب على الصحراء، بالنظر إلى حساسية موقفها بسبب قضية تايوان. 

وفي التقدير، يمكن القول إن زيارة تبون إلى الصين أخيراً جاءت في سياق تبني بلاده لاستراتيجية الاتجاه شرقاً، بتعزيز علاقاتها مع الصين، بهدف زيادة نفوذها ومكانتها الإقليمية والدولية، عبر اكتساب عضوية الآليات متعددة الأطراف التي تقودها بكين، ولاسيما تكتل "بريكس" ومنظمة شنغهاي للتعاون، وهو ما يصب في سياق تعميق علاقات الجزائر مع الصين، وبالتالي دور الأخيرة في المنطقة العربية وإفريقيا. ويلاحظ أن الانفتاح الجزائري على الصين سوف يحجم من أي ضغوط غربية محتملة تجاه الجزائر، حتى لا تندفع أكثر في تعميق علاقاتها مع الصين، وهو الخيار الذي لن يصب في مصلحة الغرب بكل تأكيد.