أخبار المركز
  • أحمد عليبة يكتب: (هاجس الموصل: لماذا يخشى العراق من التصعيد الحالي في سوريا؟)
  • محمود قاسم يكتب: (الاستدارة السريعة: ملامح المشهد القادم من التحولات السياسية الدرامية في كوريا الجنوبية)
  • السيد صدقي عابدين يكتب: (الصدامات المقبلة: مستقبل العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في كوريا الجنوبية)
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)

المصري اليوم:

محمد بوشيخي يكتب: صعود «الفروع»: مستقبل «داعش» بعد إعلان تركيا مقتل «الخليفة» الرابع

20 مايو، 2023


صعود "الفروع":

مستقبل "داعش" بعد إعلان تركيا مقتل "الخليفة" الرابع

أعلن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، يوم 30 إبريل 2023، مقتل زعيم داعش أبو الحسين القرشي، بفضل عملية للاستخبارات التركية في شمال سوريا، يوم 29 إبريل الماضي، من دون تقديم أي جديد بشأن هوية القتيل الحقيقية. وهذا الخبر الذي يستمد مصداقيته من إعلانه من طرف الرئيس التركي وفي بلد يتمتع بخبرة طويلة في التعامل مع ملفات الإرهاب، لم يلق الاهتمام الإعلامي المعهود الذي طال مقتل رؤوس تنظيمي داعش والقاعدة السابقين، وصدر قبل نحو أيام قليلة من الانتخابات التركية التي جرت يوم 14 مايو 2023، وأسفرت عن إجراء جولة ثانية في 28 مايو الجاري بين الرئيس أردوغان ومنافسه الرئيسي كمال كليجدار أوغلو. كما جاء خبر مقتل زعيم داعش في ظل حاجة أردوغان لتقديم نفسه للغرب كحليف قوي في محاربة الإرهاب.

الهوية والسياق

يأتي الإعلان عن مقتل زعيم داعش في خضم الجدل بشأن هوية أبو الحسين القرشي، وشح المعلومات حوله، فغالباً ما يُروج عنه أنه انضم إلى داعش في عام 2013 وسرعان ما تقلد مناصب عليا في السلم القيادي للتنظيم قبل أن يُعلنه "خليفة للمسلمين" في 30 نوفمبر 2022، ليصبح الزعيم الرابع للتنظيم الإرهابي منذ إعلان خلافته المزعومة في عام 2014. إذ سبقه في هذا المنصب كل من أبو بكر البغدادي، الذي قُتل في 27 أكتوبر 2019، وأبو إبراهيم القرشي الذي قُتل في مطلع فبراير 2022، ثم أبو الحسن الهاشمي القرشي الذي قُتل في 15 أكتوبر من العام نفسه بمحافظة درعا جنوب سوريا في عملية نسبتها الولايات المتحدة الأمريكية للجيش السوري الحر، في حين أصرَّ النظام السوري على نسبها لقواته.

بيد أن الهوية الحقيقية للخليفة الثالث المزعوم لداعش ظلت محور خلاف بين المتابعين، وإن اقتنع بعضهم برواية "وكالة الأخبار السورية"، في 2 ديسمبر الماضي، بأنه أبو عبدالرحمن العراقي المعروف أيضاً بـنور كريم عساف مطنيّ الراوي والمُلقب بـ "سيف بغداد"، لكن ترجيحات أخرى ذهبت إلى أنه جمعة عوض البدري، شقيق الزعيم الأسبق أبو بكر البغدادي، في حين ذهب رأي ثالث إلى أنه بشار خطاب غزال الصميدعي المُعتقل في إسطنبول منذ مايو 2022 والذي أكد أردوغان خبر اعتقاله في 8 سبتمبر 2022، مكتفياً بوصفه بأنه "من أبرز القياديين المهمين لداعش". وأمام التضارب حول هوية الزعيم الثالث لداعش، ذهبت بعض القراءات إلى التشكيك في مقتله أصلاً، معتبرة مبادرة التنظيم بالإعلان عن مقتله مجرد حيلة حربية لخدمة أهداف فرضتها تطورات الميدان والصراعات الداخلية والضرورة الأمنية.

أما أبو الحسين القرشي الزعيم الرابع لداعش الذي أعلن أردوغان تصفيته بعد خمسة أشهر فقط من تعيينه على رأس التنظيم، فلا زالت هويته هو الآخر موضوعاً للتخمين والترجيح بين بضعة أسماء محدودة الكاريزما والخبرة التنظيمية والأهلية الشرعية لقيادة التنظيم، بعد "انقراض" جيله المؤسس عقب سنوات قليلة من سقوط خلافته المزعومة. فهوية القرشي ظلت محفوفة بالشبهات ومقصودة بحملات الطمس من طرف داعش للتستر على نشاطه وتمويه الخلافات المشتعلة بداخله، ولم تحسم أي من الأجهزة الاستخباراتية حقائق نهائية بشأنها عدا التوافق المبدئي حول جنسيته العراقية. 

كما جاء مقتل القرشي في سياق تراجع متواصل لعمليات التنظيم، وهو ما اتضح خلال شهر رمضان الماضي، الشيء الذي يعكس حالة الضعف التي باتت تنتاب جانبه العملياتي. وهذا ما فسرته "قناة فضح عُباد البغدادي والهاشمي" الجهادية بتداعيات مقتل أبو سارة العراقي، في 24 فبراير الماضي، بسبب محوريته في التنظيم لاحتمال ممارسته "كل الأدوار في نفس الوقت"، وبالتالي خلق مقتله "ثغرات لا يمكن سدها بين ليلة وضحاها". فأبو سارة العراقي شغل منصب أمير الإدارة العامة للولايات في داعش، ثم أصبح القائد الفعلي للتنظيم بعد أن آلت إليه مهام مجلس الشورى واللجنة المفوضة، ومن هنا يمكن الربط بين مقتله، الذي يُحتمل تسببه في فراغ تنظيمي أدى إلى انفلاتات أمنية، ومقتل أبو الحسين القرشي.

وما يرجح هذا الاحتمال هو سقوط عدد من القيادات الوسيطة بين قتيل وأسير، على الأراضي السورية منذ تغييب أبو سارة العراقي، منهم خالد إياد أحمد الجبوري "والي تركيا" الذي قُتل يوم 3 إبريل الماضي، وعبدالهادي محمود الحاج علي الذي وُصف بأنه "قائد كبير ومسؤول تخطيط ميداني" وقد قُتل يوم 17 إبريل الماضي، فضلاً عن اعتقال حذيفة اليمني يوم 8 إبريل الماضي، وكان أحد أخطر عشرة إرهابيين مطلوبين في العالم.

خياران مُحتملان

أدى تراجع عمليات تنظيم داعش وتوالي سقوط شخصياته المركزية وتضييق ملاجئه الآمنة في سوريا، طيلة الفترة الماضية، إلى ظهور تشققات في صفوفه يُحتمل تَعمُّقها بشيوع خبر مقتل أبو الحسين القرشي. ولمواجهة هذا الواقع وتجنب المزيد من تداعياته، يجد التنظيم نفسه أمام خيارين في التعامل مع الإعلان التركي، وهما كالتالي:

1- خيار التفاعل، بإصدار إعلان رسمي من داعش يؤكد خبر مقتل القرشي واحتمال إعلان خليفة له باستحداث لقب جديد تُعقد له البيعة، وذلك لتأكيد أن الخلافة المزعومة "باقية وتتمدد" لا يضرها من عاداها ما دامت على الحق ثابتة. وخيار التفاعل يُبرره أيضاً تبني داعش لـ "منطق الدولة"؛ أي استمراره في تقديم نفسه ومخاطبة أنصاره بصفته "دولة" وليس مجرد "تنظيم" حتى بعد انهيار خلافته المزعومة. وبالتالي لن يخدم السكوت عن الموضوع الأهداف السياسية للتنظيم طويلاً، فالتواصل مع الرعية آلية أساسية للحكم، ولاسيما إبان "الفتن والمحن"، ما يستلزم التدخل لتبديد التكهنات بشأن شغور منصب زعم التنظيم.

2- خيار التجاهل، بالسكوت عن خبر مقتل القرشي دون نفي ولا تأكيد، وتبني هذا الخيار بشأن إعلان مهم يخص رأس داعش يُبرر بذريعة عدم الرغبة في الانجرار وراء التصريحات "العدائية" للتنظيم، وهو ما يعفيه من هاجس تجدد التساؤلات حول أسباب الخسائر المتتالية والاختراقات المحتملة واحتماء قيادييه بمناطق المعارضة، كما يُجنبه معارك إعلامية تدفعه في سياق الدفاع عن موقفه إلى كشف معطيات ظلت طي الكتمان حول رجاله تزيد من إرباك حساباته وتهديد تماسكه.

إن تجاهل خبر مقتل القرشي يُجنب داعش أيضاً معركة أخرى حول هوية الزعيم الخامس وشكليات انتخابه، كما يُجنبه الموقف الحرج والمثير للسخرية بتكرار إعلانات التأبين والاستخلاف أمام احتمال توالي تقلص فترات ولاية زعمائه المستقبليين.

السيناريو الواقعي

أمام غموض هوية "الخليفة" المزعوم لداعش، أضحى بالإمكان ادعاء مقتله بناءً على تقديرات خاصة، ومن دون الحاجة لإقناع المخالفين، فإعلان البنتاغون عدم إمكانية "تأكيد" الخبر التركي وصمت العراق يُرجح تباين التقديرات بين تركيا وحليفيها الأساسيين في مكافحة الإرهاب بشأن هويته. وباستبعاد تكذيب صريح لأنقرة من حلفائها، يكون تنظيم داعش قد تسبب في مضاعفة الضغوط عليه بإتاحة الفرصة لخصومه بادعاء استهداف زعيمه حين وضع له لقباً قابلاً لأن ينطبق على أكثر من شخص.

لهذا يستبعد تفاعل تنظيم داعش مع خبر مقتل القرشي، ليس بالتأكيد فقط إنما بالإنكار أيضاً؛ لأن الإنكار سيجعله مطالباً بتقديم ما يُعلل به زعمه، وهذا لن يكون إلا باستحضار معطيات قد يؤدي كشفها إلى انكشاف التنظيم من الداخل وإلا سيكون إنكاره من دون سند واقعي، الشيء الذي سيفاقم تدهور مصداقيته لدى مقاتليه. وهو ما قد يتعزز في حالة احتدام النقاش الداخلي حول أهلية مؤسسات التنظيم على أداء دورها وتزايد المطالب بالكشف عن تفاصيل عملها والإشراف عليها.

وبالتالي يبقى السيناريو الأكثر واقعية هو التزام داعش بخيار التجاهل من باب "الإعراض عن الجاهلين"، فضلاً عن فاعلية التعتيم في تضليل العمل الاستخباراتي في الحالات المماثلة. غير أنه لا يُستبعد عصيان أطراف قيادية لهذا الخيار بناءً على قراءتها لموازين القوى والصراعات الداخلية، خاصة أنه يعني عملياً الاقتداء بالقاعدة التي يتهمونها بـ "الردة"، في صمتها عن مصير زعيمها أيمن الظواهري منذ مقتله في صيف 2022، الشيء الذي سيوحي في أوساط داعش باعتراف ضمني بنجاعة خيارات القاعدة في التواصل وإدارة المعارك.

تحديان لداعش

يمكن حصر أهم التحديات المباشرة المترتبة عن إعلان تركيا مقتل زعيم داعش أبو الحسين القرشي، بالنسبة لمستقبل التنظيم، في نقطتين أساسيتين، هما:

1- تكتيك حجب اسم "الخليفة": لقد أصبح التكتيك الذي دأب عليه تنظيم داعش بإعلان لقب للخليفة المزعوم دون اسمه، يُشكل "تحدياً" مؤرقاً ويعود بنتائج عكسية لما أُريد منه، بعد أن أضحى عاجزاً عن تلبية الحاجة الأمنية التي تم استدعاؤه من أجلها؛ بل بات يحرم التنظيم من القدرة على تكذيب ادعاءات القتل في حق زعمائه.

وبالتالي ليس من مصلحة داعش إعادة ترديد تكتيك فاشل ويوظفه خصومه في إثارة شكوك مقاتليه وتعميق الشقاق بين قيادييه، ولاسيما أنه محدود الشرعية بفعل رفضه من شرعيي التنظيم، وعلى رأسهم تركي البنعلي الذي أفتى، حين أُعلن البغدادي خليفة في عام 2014، بخروجه "للناس باسمه ورسمه" لأن من حق المسلمين "أن يعرفوا من هو خليفتهم"، وذلك في مقابل تيار الأمنيين الذي يرجح استناده على قراءة انتهازية لقول أبو الأعلى الماوردي بأن معرفة الإمام "تُلزم الكافة على الجملة دون التفصيل، وليس على كل أحد أن يعرفه بعينه واسمه إلا عند النوازل".

إن التخلص من هذا التحدي يُعزز الافتراض السابق بتجاهل تنظيم داعش للإعلان التركي، كما يسمح له باستدراج من تبقى من الشرعيين الذين طال تهميشهم بدواع أمنية في وقت احتاج فيه التنظيم إلى خدماتهم لبعث "ثقافة الطاعة وقداسة البيعة ووحدة الصف".

2- اضمحلال العلاقة مع الفروع: يُحتمل أن يواجه داعش، في ضوء الإعلان التركي، تحدياً آخر يتعلق بمستقبل العلاقة مع الفروع التي أصبحت أكثر قوة من المركز، إذ أن "الشك" في شغور منصب الخليفة يبيح لها نقض البيعة، ولاسيما أن التنظيم فقد دولته المزعومة منذ مارس 2019، أي أصبح من دون "التمكين" الذي أجمعت كتب السياسة الشرعية عليه لاستيفاء شرعية الدولة، وهذا ما أقرته أيضاً أدبيات التنظيم فاعتبرته "المعلم الأساسي في قيام الدولة"، ولولا "حصول التمكين والشوكة لم تكن لمظاهر الدولة فائدة تُرجى"، وبالتالي رهن داعش شرعية دولته بتحقق التمكين، ما يعني أن فقده يُعد ناسخاً لوجودها.

وبفقدان التمكين، يفقد تنظيم داعش شرعية خلافته المزعومة ومبررات إلزام غيره بمبايعة زعيمه، كما أن تسارع عمليات قتل زعمائه الأربعة، الذين تمت تصفيتهم خلال أقل من أربع سنوات، قد يقنع الفروع، أكثر من أي وقت مضى، بزور مقولة "باقية وتتمدد" خاصة أنها أصبحت أكثر استقلالية في قراراتها وتتخذ قيادات من مواطنها الأصلية وترسم خططها القتالية وفق إملاءات الساحة الوطنية وليس الجهادية الأممية. وبالتالي تكون النتيجة المباشرة لهذا الوضع، الذي يفاقمه تراجع الموارد المالية للتنظيم التي كانت تغري الفروع بالتمسك ببيعة زعمائه، حدوث تمركز أكبر للفروع على الذات واضمحلال تبعيتها لداعش وقادته تمهيداً لإعلان انفصالها.

*رابط المقالة في المصري اليوم*