أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

مخاطر التوسع:

الاستخدامات المدنية للدرونز في مكافحة وباء كورونا

15 يونيو، 2020


عرض: سارة عبدالعزيز - باحثة في العلوم السياسية

تشكل الأزمات في أغلبها صدمات مفاجِئة للدول، الأمر الذي يدفعها لمحاولة تعبئة وتوظيف كافة الموارد والإمكانات المتاحة لديها استعدادًا للمواجهة. وفي حالة جائحة (كوفيد-19)، فإن الانتشار السريع للفيروس ومدى خطورته المتمثلة في ارتفاع معدل الإصابات والوفاة، هذا إلى جانب الاضطراب الشديد الذي أحدثه في إيقاع الحياة العامة، وتكبد عديد من القطاعات الاقتصادية للخسائر الفادحة؛ قد دفع الدول إلى محاولة البحث عن حلول يمكنها أن تشكل الاستجابة السريعة في مواجهة الجائحة، ومن ثم تمثلت الإجابة في التوجه نحو الاستفادة من التكنولوجيات الناشئة، ولعل من أوسعها انتشارًا خلال الآونة الأخيرة تكنولوجيا الطائرات من دون طيار (الدرونز). 

فقد شهد العالم خلال السنوات القليلة الماضية طفرة كبيرة سواء من حيث التوسع في طرح أشكال مختلفة ومتعددة من الدرونز ذات الإمكانيات الفائقة، وذلك للاستخدامات المدنية والتجارية أو العسكرية، أو من حيث إنتشار وتعدد مجالات الاستفادة من تلك الأنواع المختلفة، حيث عمد الفاعلون من الدول ومن غير الدول إلى تعزيز الاستفادة القصوى من المميزات التي تطرحها الدرونز، ومن بينها انخفاض التكاليف، وسهولة التشغيل، وخفة الوزن، وصعوبة التعقب. كذلك شهد العام الماضي على وجه الخصوص التوسع الكبير في استخدامات الدرونز في المجالات العسكرية، سواء في مناطق الصراعات أو تنفيذ الاغتيالات السياسية أو العمليات الإرهابية.

وانطلاقا من أن الاستجابة للجائحة استدعت تناغم عناصر ضرورية تتمثل في السرعة والوعي وحسن الإدارة، فإنّ اللجوء إلى استخدام الدرونز في مواجهة جائحة (كوفيد-19)، قد طرح بعض التساؤلات التي حاول تحليل بعنوان "أدوار السياسة العامة للدورنز خلال أزمة كوفيد -19" كتبه ثلاثة باحثين (برنارد هدسون، وفاين جيرنوود، وكريستوفر هيوليت) وصدر عن مركز بلفر للعلوم والشئون الدولية التابع لكلية كينيدي بجامعة هارفارد، الإجابة عنها. 

مقاربة الصناعة أم التكنولوجيا

دفعت جائحة (كوفيد-19) الحكومة الأمريكية إلى تخصيص مزيد من الموارد لفتح المجال أمام التوسع في صناعة الدرونز، حيث شهدت الفترة السابقة للجائحة حالة من الممانعة الحكومية للتوسع في فتح المجال الجوي على نطاق واسع أمام الاستخدامات التجارية للدرونز. ومن ثم لجأ القائمون على الصناعة إلى مقاربة التوسع من خلال النموذج التكنولوجي لوادي السليكون، حيث تخفف حدة الإجراءات والقيود المفروضة، وذلك بدلًا من اعتبار الدرونز كمجموعة فرعية من صناعة الطيران التي تخضع لقيود أكثر صرامة. 

وحقيقة الأمر، فإن الجائحة أعطت صناعة الدرونز فرصة ذهبية لتطوير نطاق استخداماتها في ظل حالة من الانفتاح نحوها، الأمر الذي يمكن أن يمتد ويفرض واقعًا جديدًا لمرحلة ما بعد جائحة (كوفيد-19). كما سلطت الجائحة الانتباه إلى سيطرة الصين على نسبة كبيرة من إنتاج الدرونز المستخدمة، خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية. وهو ما قد يُشكل دافعًا مستقبليًّا لمواجهة هيمنة بكين في هذا المجال من قبل الشركات، والتي تشعر بعدم الارتياح نتيجة لاستخدام أنظمة الدرونز الصينية الصنع، خاصة في ظل التوتر الحالي في العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين.

الدرونز ومواجهة الجائحة

تراوحت استخدامات الدرونز بين درجات مختلفة من الفعالية، إلا أنه لا يمكن القول إنه قد تم استخدامها على الوجه الأكمل في مواجهة الجائحة. وسيتم استعراض أهم تلك الاستخدامات والتحديات المرتبطة بها على النحو التالي:

أولًا- استخدامات الصحة العامة والتطهير ضد انتشار الفيروس: قبل الأزمة، تم استخدام الدرونز بنجاح في المجال الزراعي لرش المبيدات والقضاء على الآفات. ومع بداية انتشار جائحة (كوفيد-19)، تم استخدام الدرونز الزراعية في رش السوائل المطهرة لقتل الفيروس. وهو الأمر الذي تم التوسع فيه في كل من الصين وكوريا الجنوبية والإمارات وإيطاليا. كما تم استخدامها على نحو مماثل لإطلاق الضوء فوق البنفسجي لقتل الفيروس، إلا أنه اتضح أنها قد تكون أكثر كلفة من الناحية الاقتصادية، كما أنها تتضمن درجة من المخاطرة نتيجة لاحتمالية التعرض غير المقصود للبشر لتلك الأشعة.

أما من حيث تقييم التقنية، فقد أثبتت فعاليتها في تغطية ورش مناطق عامة كبيرة بسرعة مثل الملاعب الرياضية ومحطات القطارات وغيرها من المناطق ذات المساحات الكبيرة، إلا أن هناك تشكيكًا كبيرًا في مدى فعاليتها في وقف انتشار الفيروس. حيث إن رش المطهرات من خلال الدرونز يستهدف الأسطح الصلبة، لكن المتخصصين في الأمراض الوبائية غير متيقنين تمامًا من مدى انتشار الفيروس في الهواء من شخص مصاب إلى الآخرين. وتُشير الأدبيات العلمية الموجودة أيضًا إلى أنه حتى الآن لا يوجد دليل علمي على أن رش المطهرات يقلل أو يخفض من معدلات انتشار الفيروس.

ثانيًا- قياس درجات الحرارة: حيث تم استخدام الدرونز في إجراء الاستشعار الحراري الجوي، وقياس درجات الحرارة للمواطنين، ومعدلات القلب والجهاز التنفسي، واكتشاف الأشخاص الذين يسعلون، والكشف عن الأمراض بصورة سريعة، وفي وقت قياسي بالنسبة لحالة الحشود الكبيرة المتواجدة في الأماكن العامة، وذلك من مسافات بعيدة آمنة، إلا أنه تم التشكيك في قدرة تلك التقنية على توفير بيانات دقيقة وموثوقة إلى حد كبير. كما تثير التقنية أيضًا بعض القضايا المرتبطة بالخصوصية.

وقد طرحت الدرونز مجموعة من المزايا في المجال الطبي، والتي ترتبط بقدرتها على أداء المهام التقنية بطريقة فعالة، وتقليل تعرض الإنسان المباشر للفيروس عن طريق تقليل الاحتكاك المباشر بين البشر. وهو أمر بالغ الأهمية للسيطرة على العدوى عن طريق إبعاد بعض العاملين الصحيين عن المناطق الموبوءة، والسماح للطاقم الطبي بتحديد الحالات الجديدة المحتملة دون الحاجة إلى التلامس المباشر مع المصابين. 

ثالثًا- عمليات التوصيل من خلال الدرونز: وهو استخدام كان قد تم طرحه قبل انتشار الجائحة، حيث يتم استخدام الدرونز في توصيل الطلبات للمستهلكين، وعديد من المنظمات غير الحكومية والشركات التجارية لديها خبرة واسعة في توظيفها. ومع انتشار الجائحة بدت فاعلية ذلك الاستخدام في توصيل الاحتياجات الأساسية والإمدادات الطبية والعينات والأدوية وغيرها إلى المناطق الموبوءة، مما يقلل بشكل كبير من الاتصال البشري غير الضروري. إلا أن ذلك الاستخدام واجهته بعض المشاكل المتمثلة في كونها غير اقتصادية في بعض الأحيان، نتيجة لارتفاع التكلفة مقارنة بالمركبات الأرضية أو نتيجة لخطورة نقل بعض المستلزمات الطبية الخطرة عبر المجال الجوي.

رابعًا- المراقبة وإنفاذ المهام الشرطية عن بعد: في حين تم استخدام الدرونز لسنوات سابقة في القيام بالعمليات العسكرية والأمنية، فإن العديد من إدارات السلامة العامة في الولايات المتحدة ودول أخرى قد لجأت لاستخدام الدرونز لتعزيز الإجراءات المرتبطة بإنفاذ السلامة العامة وتنفيذ المهام الشرطية عن بعد، بما يتسق مع قواعد التباعد الاجتماعي. وهو الأمر الذي قد يتسبب في حالة من القلق لدى المواطنين نتيجة للتعامل المباشر مع الدرونز. 

فقد استخدمت الشرطة في كل من إسبانيا وفرنسا وبلجيكا وبريطانيا واليونان وليتوانيا وبلغاريا وكاليفورنيا الدرونز المزودة بأجهزة استشعار حرارية وكاميرات للرؤية الليلية وعدسات تكبير عالية الوضوح ومكبرات صوت لفرض القيود على الحركة أثناء فترات الإغلاق.

خامسًا- تطبيق إجراءات التباعد الاجتماعي: حيث برزت بعض المحاولات داخل الولايات المتحدة وخارجها لاستخدام الدرونز كأداة لإحداث التفاعل بين القادة والمتحدثين الرسميين والجمهور في اللقاءات العامة، وكذلك إنفاذ قواعد التباعد الاجتماعي، وتحديد أولئك الذين لا يرتدون الأقنعة في الأماكن العامة. وتوفر الدرونز لمسؤولي السلامة العامة إمكانية بث الرسائل أو التحدث عن بعد مع الأفراد أو الحشود. ويعتمد مدى فعالية ذلك الاستخدام على القبول المجتمعي للتقنية والتفاعل معها.

سادسًا- تطبيق الامتثال للقواعد والحد من الجريمة: حيث إن قدرة الدرونز على تغطية ومراقبة مناطق واسعة، تسمح لمسؤولي السلامة العامة بمراقبة درجة الامتثال المجتمعي للقواعد والتدابير الخاصة بمواجهة انتشار الفيروس، الأمر الذي قد يكون مفيدًا بالنسبة لصانعي السياسة في التعرف على مدى جدوى تلك الإجراءات، ومن ثم البناء عليها أو تغييرها في المراحل اللاحقة. فضلًا عن أن الرقابة غير المباشرة قد توفر معلومات هامة عن سلوك الأفراد والجماعات حيال تطبيق القواعد التي تضعها الحكومات في أوقات الأزمات، ودرجة التفاعل معها، وانعكاس ذلك على علاقة الدولة بالمجتمع.

وفي سياق متصل، يمكن أيضًا استخدام الدرونز في مراقبة وردع النشاط الإجرامي الذي قد يزداد خلال فترات الركود الاقتصادي نتيجة للتداعيات الاقتصادية للجائحة. 

معضلة الحريات المدنية

على الرغم من أهمية الاستخدامات السابقة، التي أتاحتها الدرونز في مواجهة الجائحة؛ إلا أن أي توسع في تلك الاستخدامات قد يتطور إلى إساءة الاستخدام من جانب الحكومات، بما يمثل حالة مقنعة تفرض مجموعة من المخاطر الخاصة بالمراقبة وإنفاذ القانون المفرط. 

ومن ثم فإن أي توسع مستقبلي في تلك الاستخدامات قد يواجه بمعارضة مجتمعية في العديد من دول العالم، وهو ما يمكن التغلب عليه من خلال الشفافية في طرح أهمية المزايا التي يمكن أن تجلبها تلك الاستخدامات بالنسبة لجمهور المواطنين، وتقديم رؤية واضحة للمعايير والضمانات المتعلقة باستخدامها. كما يجب أن تكون هناك خطة تفصيلية لكيفية الرقابة على عمل هذه البرامج. 

وختامًا، يمكن القول إن الدرونز قد لعبت دورًا مهمًّا على خط المواجهة الأمامية في عمليات احتواء انتشار فيروس (كوفيد-19)، من التطهير ودوريات الشوارع إلى توصيل الطعام والإمدادات الطبية في المناطق المعزولة، الأمر الذي قد يؤهلها فيما بعد للعب دور أكبر في الحياة العامة في ظل قواعد واضحة ومتفق عليها، خاصة وأن الجائحة قد كسرت حاجز الخوف من التعامل المباشر بين الأفراد والدرونز. 

المصدر: 

Bernard Hudson, Faine Greenwood, and Christopher Hewlett, "Public Policy Roles for Drones during the COVID-19 Crisis", Belfer Center for Science and International Affairs, June 2020.